هل تجني إيران ثمار الصراع بين روسيا وجورجيا؟

2008-09-16 03:29:34

جيم لوب/ إنتر برس سرفيس

ترجمة/ شيماء نعمان

إذا كانت أزمة جورجيا الأخيرة قد صعدت من التوترات بين روسيا والولايات المتحدة لاعتبارات مصالح جيوسياسية تتعلق بكل منهما، إلا أنها قد أفرزت كذلك جهة رابحة، ربما ستجني ثمار الصراع.

هذا هو ما توصل إليه عدد من المحللين السياسيين والخبراء، وقد حاول الصحافي والمحلل الأميركي المعروف "جيم لوب"- مدير مكتب وكالة "إنتر برس سرفيس" في واشنطن- تقديم عرض لتلك الآراء والتعليق عليها في مقال نشره في الرابع من سبتمبر الجاري تحت عنوان "أزمة جورجيا قد تعود بالفائدة على إيران" جاء فيه:

يرى عدد من المحللين في واشنطن أن إيران يمكن أن تخرج كمستفيد كبير- على الأقل على المدى القصير - من التوترات المطردة التصاعد بين الولايات المتحدة وروسيا حول قضية تدخل موسكو في جورجيا.

وبحسب معظم أولئك المراقبين فإنه أيًا كانت الفرص الواهنة المتعلقة بتنفيذ هجوم عسكري أميركي ضد إيران قبل مغادرة الرئيس "جورج دبليو بوش" لمكتبه في يناير المقبل فإنها قد تلاشت، وذلك نظرًا للنتائج التي لم تتأكد بعد والتي ستسفر عنها أزمة جورجيا.

وبالمثل، فإن احتمالية أن تتعاون موسكو مع المساعي الأميركية والأوروبية لفرض عقوبات إضافية على طهران من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة - حيث تمتلك روسيا حق النقض - لعدم التزام إيران بمطالب المجلس الخاصة بوقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، قد تضاءلت بدرجة حادة.

النفوذ الإيراني

وليست المواجهات الراهنة بين واشنطن ومنافستها العظمى الدائمة هي فقط من أزاح طهران عن تصدر قمة أجندة السياسة الخارجية للإدارة والإعلام الأميركي، بل أيضًا النفوذ الجيوسياسي لطهران - كشريك ممكن للغرب في احتواء روسيا وحليف محتمل لموسكو في درء الضغوط الغربية - الذي تزايد كذلك بدرجة كبيرة كنتيجة عارضة للأزمة.

ويقول الخبير بالشأن الإيراني بجامعة كولومبيا، "جيري سيك"- الذي خدم ضمن طاقم مجلس الأمن القومي الأميركي في عهد الرؤساء "جيرالد فورد"، و"جيمي كارتر"، و"رونالد ريجان"- إن: "الولايات المتحدة عندما اجتاحت العراق، لم تفعل ذلك من أجل تعزيز نفوذ إيران في المنطقة. . . كما أن ذلك لم يكن أيضًا هدف الاجتياح الروسي لجورجيا، ولكنه كذلك ربما يكون النتيجة".

وحتى الآن، فإن تعليق طهران على الأزمة الجورجية منضبط. وتشير "فريدة فارهي"- وهي خبيرة بالشأن الإيراني بمركز "وودرو ويلسون" الدولي للأكاديميين- إلى أنه على الرغم من نداءات أصوات من الجناح اليميني بمساندة موسكو، فإن الحكومة الإيرانية (بما فيها الرئيس "محمود أحمدي نجاد") قد أعربت عن استيائها من التحرك الروسي، وعلى الأخص اعترافها باستقلال كلٍ من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا.

وقالت فارهي، التي تقوم بالتدريس بجامعة هاواي، لوكالة "إنتر برس سرفيس" إن "السبب في ذلك يعتمد على مبدأ، فلو بدأت إيران في مساندة انفصال الأقاليم غير الراضية عن الحكومة المركزية، فإن إيران نفسها لديها قضايا مماثلة مع الصراع العرقي".

وأضافت أنه علاوة على ذلك، فإن معظم القائمين على مؤسسة السياسة الخارجية لطهران "لا يرون في روسيا شريكًا يمكن الاعتماد عليه. فهم يدركون أن روسيا يمكن أن تدعم إيران بشأن الملف النووي اعتمادًا على مصالحها الأمنية والسياسية الخاصة، غير أن روسيا كذلك ماهرة تمامًا في استخدام إيران كورقة مساومة فيما يتصل بعلاقتها مع الولايات المتحدة.

وقالت فارهي: إن "الإيرانيين أذكياء جدًا في هذه النقطة. فمن غير المحتمل أن يهرعوا إلى الدفاع عن روسيا حتى تأتي روسيا إليهم وتطلب مساعدتهم، عندئذٍ سيكون في إمكانهم المطالبة بشيء في المقابل".

والأخيرة (روسيا) ربما تقدم لها أي شيء نظير ذلك بداية من تعجيل استكمال منشأة بوشهر النووية التي طال انتظارها، إلى إمدادها بأنظمة متقدمة مضادة للطائرات - وهو الشيء الذي كانت قد طلبت سوريا فعليًا من موسكو إمدادها به في أعقاب الدعم العلني الذي أبدته دمشق حيال التدخل الروسي - وحتى منحها عضوية كاملة بمنظمة شنغهاي للتعاون ذات الرعاية الصينية الروسية، وهي التحالف الدفاعي الذي عقدت قمته السنوية في مدينة دوشانبيه بطاجيكستان الأسبوع الماضي.

إن نفوذ طهران لا ينحصر فقط في وضعها كأقوى دولة (إلى جانب تركيا) في منطقة إستراتيجية حرجة تقطنها دول عازلة Buffer States ضعيفة نسبيًا تساندها الولايات المتحدة مثل جورجيا. فخلال حقبة الحرب الباردة وحتى ثورة عام 1979، وبالرغم من كل شيء، فإن إيران كانت أحد أهم حصون واشنطن ضد النفوذ السوفيتي في منطقة الخليج.

إن النفوذ الإيراني ينبع أيضًا من كون إيران منتجًا رئيسًا للغاز والنفط يمكنه أن يقوم بدور أكثر أهمية كنقطة عبور أمام إمدادات الطاقة القادمة من آسيا الوسطى وقزوين، والمتجهة إلى دول أوروبا، والتي يبدو أن تزايد اعتمادها على روسيا في تموينها بالطاقة صار أكثر مخاطرة عن أي وقت مضى. وهذا صحيح بالفعل وخاصة بعد أن برهنت موسكو أنها يمكنها بسهولة أن تصل إلى- أو حتى تُعطل إذا أرادت - خط أنابيب جيهان الممتد بين باكو وتبليسي (BTC)، وهو خط الأنابيب الوحيد الذي ينقل نفط منطقة قزوين إلى الغرب دون الحاجة إلى المرور عبر إيران أو روسيا.

ويرى خبير شئون تمويل الطاقة "جاي ستانلي"، الذي يكتب لصحيفة "كاسبيان إنفيستور" أنه "يتعين حاليًا على شركات النفط والغاز أن تضيف مستوى جديدًا من عدم اليقين"، مضيفًا: أن "جورجيا الآن في حالة عدم استقرار، وهو ما يزيد من خطر أن يتم نقل مواد هيدروكربونية عبرها".

خطوات متوقعة

ويقول "ويليام بيمان"، خبير الشئون الإيرانية بجامعة مينيسوتا: "إذا لم يعمل كل من خط أنابيب جيهان وجورجيا كمصادر موثوقة للطاقة، فإن إيران قطعًا ستقوم بتحرك". وأضاف أن لسان حال الإيرانيين حينئذٍ سيكون: "هل تريد شراء الغاز؟ حسنًا، سأبيعه لك"، مشيرًا كذلك إلى أن سويسرا قد وقعت اتفاق تزويد بالغاز وخط أنابيب مع طهران في مارس الماضي، حيث يبلغ مدى الاتفاق 25 عامًا وبتكلفة 42 مليار دولار، وذلك وسط اعتراضات أميركية قوية. وأضاف بيمان: "أعتقد أن السويسريين إمام جيد جدًا أمام باقي دول أوروبا في هذا الاتجاه".

وبينما كانت إيران قد حولت بعض كبرى شركات الطاقة الأوروبية عنها لتمسكها بشروط قاسية، يعتقد "جيري سيك" أن طهران ربما "ترى في الأزمة الراهنة فرصة لها للعودة إلى رفاقها الأوروبيين لتقول (دعونا نلقي نظرة أخرى على هذا الشأن)"، موضحًا أن ذلك "سيمنحهم مزيدًا من الفعالية أن يذهبوا إلى الغرب ويقولوا لهم: (إنكم تضرون بأنفسكم في هذا الصدد، متى ستعودون إلى صوابكم؟)"

وهذه الفرضية أصبحت بشكل تلقائي أكثر إقناعًا مع استمرار تصاعد التوترات بين روسيا والغرب، كما يمكن لها أن تؤثر كذلك على المداولات الداخلية التي تجريها إدارة بوش على مستوى الوزراء حول ما إذا كان ينبغي العمل وفقًا لتوصية قدمتها وزارة الخارجية تسعى إلى الحصول على موافقة إيرانية لفتح مكتب لرعاية المصالح الأميركية في العاصمة طهران. إن مثل هذا التحرك، في ظل الظروف الراهنة، من المرجح أن يُنظر إليه على أنه قفزة كبرى على الخارطة الجيوإستراتيجية. وعلى الرغم من أن بعض التقارير في أغسطس قد أشارت إلى أن بوش قد صادق على تلك التوصية، فإن المسألة تبدو لم تُحل بعد.

ولا يزال بعض الخبراء يقولون: إن مصلحة إيران يمكن أن تكون قصيرة المدى. ويرى "تريتا بارسي"- مدير المجلس الإيراني الأميركي القومي - أنه مع الاستخدام الروسي المحقق تقريبًا لحق النقض ضد توقيع عقوبات جديدة على إيران، فإن واشنطن يمكن أن تلجأ إلى إغفال طريق الأمم المتحدة ومحاولة فرض نظام عقوبات منفصل مع حلفائها من "ائتلاف المؤيدين".

وقد أوضح البروفيسور "مايكل كلير"- صاحب كتاب " قوى صاعدة وكوكب منكمش: الجيوسياسات الجديدة في الطاقة"- لوكالة "إنتر برس سرفيس" أنه يعتقد أن لجوء روسيا أحادي الجانب إلى عمل عسكري ضد جورجيا ربما جرأ فعليًا كلاً من بوش، ونائبه "ديك تشيني"، زعيم صقور الإدارة الأميركية الذي يسافر هذا الأسبوع إلى جورجيا وأذربيجان. وأضاف: "إن السؤال هو ما إذا كان سيراود بوش وتشيني إحساس بأنهم مفوضون للتصرف بأسلوب أكثر عدائية أم لا". <

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد