أخبار اليوم في زيارات خاصة لأسر الشهداء( الحلقة الثانية )

الشهيد عبد الحكيم العاطفي.. حكاية نضال انتهت بقنبلتين غادرتين

2011-09-27 04:12:44 تقرير/وئام الصوفي


تعز أرض قبلت الثورات وأتقنت النضال ,لها في كل ميدان بطل وفي كل منعطف شهيد ..أرضها تروي حكاية شهداء كلما اقتربنا من وهجهم وكدنا نفصح عنهم لا تفي الكلمات بحقهم وحياتهم التي ضحوا بها من أجل تطلعات أبناء جلدتهم..
 اليوم تروي تعز حكاية عبدالحكيم الشهيد المصور والخطاط المبدعً والذي سخر نفسه وكل إمكانياته للثورة ..كان أحد المعتصمين والمرابطين بساحة الحرية بتعز مكافحاً للظلم ..أرسى مرساته على شاطئ ساحة الحرية بتعز ..
"أخبار اليوم" زارت عائلة الشهيد عبد الحكيم العاطفي فتعالوا معنا لنتعرف في هذه السطور على تفاصيل مسيرة كفاحه في الحياة وقصة استشهاده ..

عبدالحكيم أحمد العاطفي من مواليد عام 1978 محافظة تعز مديرية ماوية قبيلة بني عاطف .. نشأ في تعز وترعرع فيها ..عاش حياته بسيطاً ومتواضعاً ,طموحاً منذ الصغر..كان ينظر إلى الأشياء بتطلع كبير ويرى الأشياء من حوله بنظرة واسعة ولكن العيش الصعب غرر به في ظل نظام دكتاتوري مستبد حرم الشعب أبسط حقوقه وسلب منه كل شيء جميل ولم يوفر له مستقبلاً يحفظ فيه كرامته وعزته.
عبدالحكيم لصعوبة ظروفه لم يستطع إكمال دراسته الثانوية والجامعية.. فقد كان يعاني ظروفاً معيشية قاسية ومع ذلك لم تهزم حكيم عواصف الحياة ولم تحد من طموحاته وكبريائه متاعبها وقسوتها في ظل نظام بائد ,حيث بدأ منذ صغره يمارس فن النحت والخط ويبذل كل طاقاته وجهده ليكون من المبدعين والفنانين التشكيلين ذوي الفكر الواسع ..عمل في الخط والإعلان وقد حظي بتشجيع كبير من الأهل وكل من حوله.
 وفي مرحلة شبابه بدأ يضيف إلى حياته مهارات جديدة وهي الرياضة ,حيث التحق بمركز صغير حتى اشتهر في كثير من نوادي تعز الخاصة ,ثم فتح عضوية الإتحاد العام لألعاب القوى -بناء الأجسام- في محافظة تعز وحصل على مشاركات عديده وآخرها عام 1999 الذي حصل فيه على المركز الأول في بطولة الجمهورية إلا أنه لم يرَ أي اهتمام من الدولة ما أجبره على التفرغ لأعماله وشق طريقه لكي يعتمد على نفسه ,فعمل خطاطاً في الدعاية والإعلان وظل متنقلاً مابين محافظات صنعاء وعدن وتعز والحديدة ,ثم عاد إلى مسقط رأسه تعز.
وفي عام 2005 أكمل الشهيد نصف دينه ،حيث تزوج وخلف طفلين أحمد البالغ من خمسة أعوام ومريم عام ونصف.
قصة استشهاده
لساحة الحرية ولخيامها ذاكرة حية لا تمحى ولاشيء فيها يدركه النسيان ..رجال عاشوا وإياها ثورة سلمية أيقظتها أرواح فتية شعب لطالما انتظر إشارة البدء من شبابه.
لقد استطاعت همة عبدالحكيم التواقة إلى مراقي المجد ومعالي الأمور أن تكسبه تميزاً فذاً جعله يسكن القلوب دون أن يستأذن أصحابها ,فقد كان صاحب رصيد قيمي أخلاقي لا تطيش به البرصات ولا تغير نقائه السنوات.
يروي لنا شقيق الشهيد الأخ/ مسعد العاطفي قصة استشهاد حكيم قائلاً:في بداية الثورة الشبابية لم يكن للشهيد عبدالحكيم دور كبير فقد سبقه إخوته إلى الساحات وكانوا في مقدمة الثورة ,إلا أنهم لم ينالوا ما ناله حكيم الذي سقط شهيداً عندما تحركت في نفسه الحمية والغيرة على وطنه في أول سقوط للشهداء في بداية الثورة واتجه بروحه وقلبه إلى ساحة الحرية ,حيث كان يتردد كثيراً على الساحة وبشكل مستمر وكله توقاً للشهادة وكان يحرك بعض الشباب معه ويحفزهم وسرعان ما تعرف على كثير منهم في الساحة التي جعلها موطناً له تاركاً أشغاله ومهامه خلف ظهره.
وفي جمعة الثبات 8/4/2011 – حسب كلام شقيقه مسعد- خرج عبدالحكيم من بيته بعد أن أوصل زوجته إلى بيت أهلها واصطحب معه ولده أحمد إلى الساحة ليصلي الجمعة وبعد صلاة الجمعة أخذ حكيم كيمرته الخاصة ليلتقط بها آخر لقطات له في ساحة الحرية وبعد ذلك رجع إلى بيت عمه ليوصل ولده أحمد ومن ثم عاد إلى الساحة وبعد الانتهاء من صلاة المغرب والعشاء في الساحة مكث يدعو الله أن يكتب له الشهادة،مشيراً بيده إلى صور الشهداء -كما تحدث بعض أصدقائه وأبناء حارته- وكان يشع من وجه النور والضياء مصطحباً ابتسامة عريضة ..لتبدأ لحظة زفاف روحه إلى السماء عندما رأى كثيراً من الشباب يتساقطون أمام عينيه في مسيره ليلية نظمت وقفة احتجاجية أمام مدرسة الشعب في حوض الأشراف فأسرع بنقل بعض الجرحى ,ثم عاد مرة أخرى لينقذ من سقط على الأرض ,إلا أن أقدار السماء شاءت أن يحل ضيفاً عليها ضمن قافلة
 شهداء هذه الثورة السلمية.. لتصعد روحها إلى بارئها على أيدي قوات الأمن المركزي بضربه بعصا على رأسه ورقبته ورمي قنبلة مسيلة للدموع على وجهه وقنبلة أخرى نحو صدره فجرت شرايين قلبه وسببت له نزيفاً داخلياً.
رحل الشهيد عن زوجة صابرة وطفلين وثمانية إخوة وأختين وعن والدين صالحين وصابرين يقطن معهم في حي كلابة القريب من ساحة حرية تعز وجمع بينهم عبير الحرية ونسيم الإنعتاق من الظلم.
رسائل لقيران والنظام والثوار الأحرار
هذ وقد وجه شقيق الشهيد رسائل عبر "أخبار اليوم "الأولى إلى قيران خاطبه فيها : أنت قتلت أبناء تعز عشان علي صالح يبقى على الكرسي .. ياقيران الحياة لاتدوم وكلنا سنغادرها بكفن أبيض لا غير وأنت ستنال جزاءك عن قريب وعلى أيدي أبناء محافظة تعز وفي الآخرة عذاب شديد والله شديد العقاب .
ورسالته الثانية إلى نجل علي صالح خاطبه فيها :عليك يا أحمد أن تسلم نفسك للشعب ,أنت ضحية والدك لأنه هو من رباك على ذلك وجعلك نسخة منه دموي ابن دموي ومجرم ابن مجرم ..والدك عيشنا ثلاثة وثلاثين عاماً من الظلم والقهر والاستبداد والديكتاتورية وأنت كملت ما تبقى من مسيرة والدك ضد الشعب بالقتل والمجازر الدموية.
ورسالته الثالثة إلى المخلوع علي صالح خاطبه فيها: إفهم ياعلي صالح أنك رجعت ليحاكمك الشعب اليمني بل ليعدمك ,انت حكمتنا ثلاثة وثلاثين عاماً ومنجزاتك عديدة منها ظلم وقهر واستبداد واغتيالات وفقر وبطالة وقتل للشعب ..ستحاكم على كل الدماء التي سفكتها والأرواح التي أزهقتها والتي من بينها دم الشهيد حكيم .
ورسالته الأخيرة وجهها إلى إخوانه الثوارقائلاً:نحن معكم ولن نرجع إلى منازلنا إلا منتصرين أو شهداء من أجل هذا الوطن وسنواصل المسيرة وسنحقق أهداف الثورة ولن نتراجع ياشباب حتى نسقط نظام المخلوع علي صالح والنصر قريب بإذن الله.
نبذة عن حياة الشهيد العائلية
تحكي زوجة الشهيد التي انتقلت إلى منزل والدها لظروفهم المادية ومطالبة صاحب المنزل بالإيجار..تحكي خبر استشهاد عبدالحكيم والدموع تتقاطر على خدها قائلة: قمت بالاتصال على تلفون عبدالحكيم فرد علي أحد أصدقائه وقال لي إنه تعبان ولا يستطيع الرد ولم يخبرني بالحقيقة ,إلا أني حاولت الاتصال مرة أخرى فأجابني شخص آخر ليخبرني بفاجعة استشهاد عبدالحكيم.
 زوجة الشهيد التي صدمت بخبر استشهاده استمرت لأكثر من شهرين وهي غي مصدقة للخبر  ولكن شهر رمضان وضعها أمام الأمر الواقع ، حيث استعادت ذكريات حكيم الرمضانية الجميلة من خلال شريط الذكريات وهي تحكي لنا ماذا كان يعجبه في رمضان ,فكانت تكلم من حولها حكيم في رمضان يعجبه كذا وكذا ’حكيم كان يعمل كذا وتقولب ألم وحسرة أحيانأ كثيرة "سيأتي المغرب وحكيم ليس موجود.. إنها حقاً لحظات محزنة وحقيقة موجعة.

كان حكيم يلاعب أطفاله وأبناء إخوته ,يحبونه ويسعدون بقدومه لزيارتهم ..كان طفله أحمد لا يفارقه سواء في عمله أوفي ذهابه إلى المسجد أو لزيارته لأقاربه وزملائه في عملهم وفي مقيلهم
حتى في شهر رمضان يفتقده الأطفال الذين كانوا يلعبون معه.
أحرقت قلبي أحرق الله قلبك
أما والدة الشهيد فقد كان عبدالحكيم بمثابة روحها وفي لحظات حزينة تتساقط دموع أم الشهيد بحرقة الأم الثكلى على فراق ولدها وتقول: أحمد الله وأشكره وأسال الله أن ينتقم من علي صالح وأولاده أنا مشتكية إليه سبحانه وتعالى الذي أيتم أولاد ابني حسبي الله ونعم الوكيل فيه..منظر يقشعر منه الجسد ويحزن له القلب وأم الشهيد تردد بحرقة قلبها وبدموع غزيرة "أحرقت قلبي ياعلي صالح الله يحرق قلبك على أولادك".
هذا وقد وجهت أم الشهيد رسائل عبر "أخبار اليوم "الأولى إلى قيران خاطبته فيها :يا قيران الله يحكم عليك في الدنيا والآخرة ,الله يحرقك في الدنيا والآخرة أحرقت ساحة الحرية والناس الذين كانوا فيها أحرقت قلبي على ولدي أنا وبقية الأمهات.
وفي رسالتها الثانية طالبت نجل علي صالح أن يسلم نفسه إلى يد الثوار مخاطبة إياه: الشعب لن يسكت وسيحاكمك على جرائمك كما سأحاكمك على ولدي آجلاً أم عاجلاً.
وتعاود أم الشهيد البكاء بحرقة وتقول الله ينتقم منك ياعلي صالح
وناشدت أم الشهيد فاعلي الخير وأصحاب القلوب الرحيمة كفالة الأيتام مردفة:فهم أمانة في أعناقكم ومحتاجون لكم فأنتم لهم بعد الله عز وجل.
حياته الاجتماعية
كان حكيم عوناً لكل من طلب منه شيئاً ,يساعدهم في كل ما يريدونه.. محبوب من جميع معارفه وإخوته وطائع لوالديه ومحباً لهم ..كان كلما دخل عليهما يقبل رأسيهما وقدميهما ويتودد لهم بالدعاء
..يفرح إذا زاره أحد أصدقائه في عمله وبيته كريم مضياف ..رأيه موضع استشارة إخوته وأصدقائه وزملائه ..وهبه الله العقل السليم والجسم السليم .
أعماله وتصاميمه الفنية
كان الشهيد عبدالحكيم العاطفي يحب جمال الطبيعة التي خلقها الله تعالى ويجعلها من ضمن أعماله والاحتفاظ بها في ألبومه الخاص والجهاز الذي يستخدمه ..لا تفارقه كيمرته التي يلتقط بها كل شيء جميل ومهم ..متطلع إلى المشاريع العملاقة والتكنولوجيا الحديثة..يتابع أخبار العالم ويتابع المنشورات الجميلة والدينية والأشرطة ..معجب بالأناشيد الحماسية والروحانية..يحب الأصوات الجميلة والتلاوات الشجية ..كان دائماً يتردد على القبور لزيارة الأموات والصلاة عليهم ويمكث طويلاً بجوارهم ويقرأ عليهم ويدعو لهم.
نعم هكذا كان الحال صعد الشهيد عبدالحكيم إلى جوار ربه عن عمر يزيد على الثلاثة والثلاثين عاماً يتذكر خلالها الجميع حكاية شاب بذل روحه ووقته للجميع ..تاركاً للأرض قصة كفاح وحكاية نضال اختطفها ضربة نظام غادرة بقنبلتين غادرتين أجهزتا على حياته التي أصبحت قنديلاً لأترابه في الوفاء والإخلاص وحب الشهادة على درب الحرية والكرامة.

 وأخيراً ..
 إلى كل القلوب الرحيمة والأيادي البيضاء لتكونوا عوناً لطفلي الشهيد أحمد الذي يبلغ من العمر خمسة أعوام ومريم ذات السنة والنصف, فلم يتبقَ لهم بعد الله عزوجل إلا أنتم فلاتبخلوا عليهم بعطائكم

تابعونا
إن القلب ليحزن والعين لتدمع على ما لاحظناه ولمسناه من حزن والم وحرقة قلب وظروف معيشية قاسية لدى عائلة الشهيد.
لا نقول لكم وداعاً أعزائي القراء بل على أمل أن نلتقي معكم في حلقة قادمة وبنفس الصفحة مع عائلة شهيد آخر فكونوا معنا.
 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد