مرضى السرطان بتعز.. بين مطرقة النسيان وسندان الألم

2011-11-20 04:01:42 ألطاف الأهدل


مدخل
مصطلحات الدنيا كلها لن تعبر عن مشاعري حين أدخل لزيارة مرضى السرطان الذين تعهدهم المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان – فرع تعز. جغرافياً ومادياً تحاول المؤسسة جاهدة أن توفر ما تستطيع بل أستطيع أن أقول: أقصى ما تستطيع لكن هناك معوقات قديمة وحديثة ومستجدة باستمرار في ظل الأوضاع الحالية التي بات يعيشها الوطن، عدم توفر وحدات متخصصة لمختلف الإصابات بحيث يكون لكل نوع من الإصابة بالمرض وحدة علاج متكاملة "سرطان الدم – سرطان الثدي – سرطان الجهاز الهضمي" سبب قديم أدى إلى نسب متراكمة من المراجعين الوافدين مجدداً أو القدامى على أرض المؤسسة طلباً للمساعدة الجزئية أو الكلية في قيمة الدواء الباهض الذي يموت صاحبه أحياناً قبل حتى أن يجد ثمنه، الدعم غير الكافي أيضاً واحد من الأسباب القديمة التي عانت منها المؤسسة والسبب تضاعف حالات الإصابة كل فترة وأخرى بهذا المرض الخبيث وأيضاً عدم حصول المؤسسة في خلال تسعة أشهر منصرمة على فرصة جديدة للتوعية بإمكانية السيطرة على هذا المرض في حال الكشف المبكر عنه مهما كان نوع الإصابة به، وفي ظل مجتمع متخبط ومتواكل ويعيش أيامه بالبركة فإن مستوى التوعية فيما مضى لم يكن كافياً بالرغم من توسع رقعة انتشاره إلى المدارس والمساجد والحارات والجامعات.. لكن وكما أسلفت لدينا ثقافة تواكلية غريبة أبقتنا بعيدين عن الأخذ بأسباب الصحة قبل الاستسلام للمرض.
في ظل الأحداث المريرة التي يشهدها الوطن والتي أدت إلى إغلاق مركز صنعاء أصبح هناك الكثير من المرضى المترددين على مركز تعز والمستفيدين من بعض أنواع الأدوية المخصصة لمرض السرطان مما زاد من عبئ المؤسسة وأثقل كاهلها بمسؤولية جسيمة تجاه هؤلاء المرضى الذين لا ذنب لهم يُذكر إلا أن شاءت أقدارهم أن يكونوا من ضحايا هذا المرض أو من أسراه! إذ لا توجد إعاقة كاملة لانتشار المرض ولهذا قد يبقى كثيرون أسرى لتباريحه المؤلمة ليل نهار حتى تحملهم أقدارهم على نعش الغناء تاركين صدى أنّاتهم محفورة على جدران هذه الحياة.
زيادة غير عادية
اليوم بعد أن أصبح على المؤسسة الاعتراف بوجود (660) حالة جديدة مصابة بهذا المرض علينا أن نقف بإجلال أمام هذه المهمة الصعبة التي تحاول المؤسسة جاهدة تقديم ما يلزم تجاهها، لكن إذا عرفنا أن هذه الحالات متنوعة ما ين إصابات طفيفة وأخرى مستشرية تستطيع أن تميل إلى أي درجة قد يصعب على المؤسسة توفير الأدوية اللازمة لاحتواء هؤلاء المرضى ضمن اهتماماتها.. وإذا عرفنا أن المريض الذي يستطيع توفير 30% فقط من قيمة الدواء هو من أكثر المرضى المحظوظين مادياً فماذا يستطيع أن يقدم الفقراء والفقراء جداً في مجتمع نامٍ كمجتمعنا لا توجد أمام أفراده أي خيارات للتطوير أو التغيير، لكم أن تتخيلوا حكم الضغط الذي تعانيه المؤسسة جراء هذه الزيادة وما الذي يمكن أن يعانيه المرضى في حال بقيت هذه الزيادة قائمة مع تناقص مصادر الدعم التي هي في الأساس أهلية في معظمها وغير قادرة على تلبية حاجة المرضى من الدواء بشكل كامل أو حتى قريب من الكمال.
واليوم يعج مكتب شؤون المرضى بـ"1560" مريضاً من مختلف أنواع الإصابات وأيضاً من مختلف أنحاء الجمهورية وطبعاً هي نسبة مرشحة للزيادة إذا عرفنا أن هناك مترددون جدد يصل عددهم إلى حوالي 5 حالات جديدة يومياً للحصول على مقرراتها اللازمة من الجرع أيضاً.
نقص في مستوى الدعم
يعاني الداعمون أيضاً مما يعانيه عامة الشعب من ظروف اقتصادية سيئة والتي أدت إلى تراجع مؤشر التبرعات المادية والعينية التي يقدمها هؤلاء للمرضى بالسرطان وبالتالي لكم أن تتخيلوا قدر الضغط الذي تحاول المؤسسة أن تتجاوزه لكن دون جدوى بسبب ازدياد معدلات الإصابة بالمرض من داخل وخارج تعز أضف إلى ذلك قلة الدعم المالي والدوائي الذي تلقاه المؤسسة من الداعمين.
نشير بقوة إلى أن الفوضى العارة التي تشهدها مداخل المدن وشوارعها وإطلاق النار المتبادل من الطرفين داخل ا لمدن أدى إلى عدم قدرة الكثير من المرضى على الانتظام في الحصول على الجرع من المؤسسة خوفاً من السقوط كجرحى أو موتى، ولو أن الأمر يتوقف على الموت لكان خيراً وأحسن تأويلا، لكن يخاف هؤلاء المرضى أن يكونوا هدفاً للمسلحين فيعودوا إلى منازلهم بأعضاء مبتورة وأجزاء مشوهة من الجسد يزيد معاناتهم على جانب إصابتهم بهذا المرض الخبيث.
وكنت أتمنى أن يفهم هؤلاء من أصحاب الأزقة والتلال أن هناك على أرض الواقع ما يستحق أن يتوقفوا لأجله لكن يبدو أن الجميع مصاب بشلل المشاعر، نسأل الله السلامة، ومن الجدير بالذكر أن بعض الحالات تُصاب بانتكاسات قد تؤدي إلى تعثر سير العملية الدوائية مما يؤدي إلى تضاعف ساعات الحصول على الدواء والألم معاً وفي وقتٍ واحد.
نداء استغاثة
ما يملكه المرء من مال هو رزق عند الله، وهو أيضاً أمانة مُنحت لهذا الإنسان فإن أداها إلى أصحابها وعرف حقها كان خيراً ونعمة وإن لم يكن فإن صاحب الأمانة أحق بأمانته، ولهذا لا تعجبوا إن بتّم أغنياء ثم أصبحتم فقراء! في قصة أصحاب الجنة في القرآن الكريم عبرة لمن أراد منكم أن يعتبر.
وأنا هنا لستُ على منبر خطابة أو درس وعظ ولكنني أنادي فيكم إنسانيتكم وأناشدكم شيئاً من الرحمة والآدمية تجاه من حرمتهم أقدارهم من أن يروا الحياة بألوان الطيف كما ترونها أنتم، هؤلاء الذين التفت حول أعناقهم مشانق الموت دون أن يموتوا، واستيقظت داخل أجسادهم الأرواح دون أن يعيشوا، أحياء غير أموات أو أموات غير أحياء يتغلبون على جمر الآلام أشكالاً وألواناً، ثارت خلايا أجسادهم ضد الحياة منادية بإسقاط الفرح والبراءة والعذوبة والإحساس بلذة الصحة.. ليل نهار تزور أجسادهم النحيلة إبر الدواء المسكن الذي يبعث الصيحات من قبورها عارية من كل شيء إلا الوهن.. أناشدكم ألا تنسوا هؤلاء وأنتم تعلنون حالة استنفار لا إنسانية وحركة تعبئة لا أخلاقية لتقتلوا بعضكم بعضاً بالمال الذي كان يجب أن يحصل عليه هؤلاء المرضى.
لقد عشت ساعات قليلة داخل المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بتعز دفعتني للبكاء ألماً وحسرة على أطفال ونساء وشيوخ يموتون كل يوم إما وهم يدفعون ثمن الإصابة بهذا المرض من بيع ممتلكاتهم أو وهم يجرعون تباريحه مرغمين على مرأى ومسمع منكم أيها الواثبون نحو المستقبل تزين جباهكم أكاليل الصحة والعافية.
على غير طمعٍ منكم في إحياء نفس فكأنما أحيا الناس جميعاً، وتذكروا أن أبواب القدر مفتوحة لا تنغلق ومن هذا الباب تحديداً تتساقط هدايا السماء التي لا تميز بين غني وفقير، فاحذروا أن تكون الهدية القادمة من نصيبكم.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد