ليفني ..معضلاتذاتية وحزينة وأمنية خارجية

2008-09-27 22:14:48

* صبحي عسيلة

بفوزها برئاسة حزب كاديما نتيجة الانتخابات التي أجريت في السابع عشر من سبتمبر 2008 بحصولها على 43. 1% من الأصوات مقابل 42% لمنافسها الرئيسي شاؤول موفاز، تكون تسيبي ليفني وزيرة الخارجية قد قطعت نصف الطريق الأهم، ولكنه لن يكون الأصعب لتولي رئاسة الوزراء في إسرائيل، أو الاستمرار فيه.

فمن ناحية تعاني إسرائيل منذ انتهاء حرب لبنان في صيف عام 2006 من تداعيات كثيرة فيما يتصل برئاسة الوزراء، إذ إن أولمرت بأدائه في تلك الحرب وما تلاها من تفجر قضايا الفساد المتهم فيها، بما أجبره في النهاية على اتخاذ القرار بالرحيل من منصبه، قد كرس فكرة أزمة القيادة الممتدة منذ رحيل رئيس الوزراء السابق إسحق رابين، وهو الأمر الذي يضع تسيبي ليفني في موقف شديد التعقيد، فهي حتما ستعاني من اهتزاز صورة رئيس الوزراء وفقدان الثقة فيه من جانب الرأي العام، وسيكون عليها، إضافة لذلك، أن تتعامل مع بعدين أساسيين، فهي امرأة وبدون خبرة عسكرية، في فترة لا يبدو المشهد الإقليمي محفزا للرأي العام للتعاطف مع وجود امرأة تمتلك عامين فقط من الخبرة السياسية.

التخلص من عباءة أولمرت

والواقع أن ليفني التي ستكون المرأة الثانية في تاريخ إسرائيل التي تتولى هذا المنصب بعد جولدا مائير التي تولته خلفا لليفي أشكول، سيكون أمامها مهلة تتراوح ما بين 28 إلى 42 يوما لتشكيل حكومة جديدة بتكليف من الرئيس الإسرائيلي، وهي المهمة التي لن تكون سهلة بالمرة، علاوة على أن الفترة التي ستلي تشكيلها لن تكون سهلة هي الأخرى.

فعلى صعيد تشكيل الحكومة تواجه ليفني العديد من العقبات والتحديات، يأتي في مقدمتها كيفية التخلص من عباءة حكومة أولمرت، وتجد ليفني نفسها بين خيارين أحلاهما مر، فإما أن تشكل حكومة يمكن أن يطلق عليها حكومة استمرار أو امتداد لحكومة أولمرت الفاشلة وهي في تلك الحالة تعلن الفشل منذ البداية، لكن هذا الخيار يظل الخيار الأسهل أو المتاح في ظل تركيبة الكنيست الحالية. وإما أن تعمد إلى تغيير الصورة تماما والخروج من عباءة أولمرت وتشكيل حكومة جديدة برغم كل ما يكتنف ذلك من صعاب، ولكنه خيار ينبئ بإمكانية الاستمرار حتى الانتخابات العادية القادمة.

وعلى الأرجح، فإن ليفني ستعمد إلى خيار ثالث تتبنى فيه تجميل الحكومة السابقة ببعض الاختيارات الجديدة، سواء على مستوى الأحزاب أو على مستوى الأشخاص، وفي كل الأحوال فإن نجاحها في الاستمرار بحكومتها سيكون مرهونا إلى حد بعيد بتركيبة الحكومة ومدى ابتعادها عن صورة ومضمون الحكومة السابقة، وإن كان موقف حركة شاس المتطرفة التي تمتلك اثني عشر مقعدا في الكنيست والمعروف عنها قدرتها على الابتزاز في مثل تلك المواقف سيظل عاملا حاسما في قدرة ليفني على تشكيل حكومة تمتلك المقومات الأساسية للبقاء أطول فترة ممكنة.

وقد استبق زعيم حركة شاس "إيلي يشاي" فوز ليفني بالإعلان أنه لن يشارك في حكومة ترأسها من يتفاوض على القدس، في إشارة إلى رئاسة ليفني لوفد المفاوضات الإسرائيلي في عملية التسوية مع الجانب الفلسطيني. وطالب بأن تستبعد الحكومة الجديدة أي مفاوضات في المستقبل بشأن القدس التي يشكل مصيرها إحدى العقبات في طريق تقدم مفاوضات الحل النهائي بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. كما طلب يشاي زيادة كبيرة في التعويضات العائلية وهذا ما تستبعده ليفني.

أما في حال لم تتمكن ليفني من تشكيل ائتلاف حكومي فسوف تدخل إسرائيل دوامة الانتخابات المبكرة مرة أخرى.

معضلات حزبية وذاتية

وبالنسبة للوضع داخل حزب كاديما في ظل الانقسام الذي كشفت عنه الانتخابات، فإنه لن يكون في صالح ليفني هو الآخر، لاسيما بعد تصريحها غير المسبوق وغير الموفق في آن واحد بأن "الأخيار قد انتصروا"، بما يؤشر بشكل أو آخر إلى عدم حنكة سياسية من جانب ليفني في التعامل مع معارضيها الذين ستكون في أشد الحاجة لهم في مرحلة ما بعد انتخابات الحزب.

ولعل ذلك الأمر يفسر سعي ليفني لتدارك الموقف؛ فتعهدت عقب الإعلان عن فوزها بمعالجة الانقسامات التي خلفتها انتخابات الزعامة في حزب كاديما والتي وصلت إلى حد محاولة معسكر وزير النقل شاؤول موفاز في أول الأمر التشكيك في فرز النتائج، ولم يهنئها بالفوز إلا بعد النتائج النهائية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الانقسامات التي تشير إليها ليفني كانت متوقعة قبل الانتخابات، وهو ما دعا بعض أعضاء الحزب إلى محاولة الحصول من المرشحين على تعهد بعدم الانسحاب من الحزب في حال خسارته، إلا أن ليفني رفضت تلك الخطوة بينما قبلها موفاز، فالحزب الذي قام على "اللاجئين من الأحزاب الأخرى" لا يمكن أن يستمر في حال قرر قيادته الرحيل أو العودة إلى أحزابهم أو تكوين انقسامات أخرى عن الحزب.

وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يستمر شاؤول موفاز على موقفه بعد الانسحاب المؤقت من الحياة السياسية، وهل يشهد الحزب انسحابات أخرى مثل انسحاب حاييم رامون أو انقسامات داخلية إضافية قد يترتب عليها ظهور أحزاب جديدة ستؤثر بكل تأكيد على موقع كاديما على الخريطة الحزبية.

وعلى صعيد ثالث، فإن افتقار ليفني للخبرة العسكرية في ظل الأجواء التي تحيط بإسرائيل والصراعات المتورطة فيها سيمثل نقطة ضعف أساسية لليفني في قيادتها للوزارة في إسرائيل، وخاصة أن وزير الدفاع في حكومتها سيكون إيهود باراك الذي تصدر بشأنه حاليا في إسرائيل بعض التصريحات التي ترى أنه أسوأ وزير دفاع في تاريخ إسرائيل.

بمعنى آخر، فربما كان الوضع سيتغير فيما يتصل بخبرة ليفني العسكرية لو كان وزير الدفاع من صقور الليكود مثلا. وفي حوار لها مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" قالت ليفني: "إن معظم رؤساء الوزراء في إسرائيل ومنذ إقامتها لم يكونوا عسكريين"، وأضافت: "أعتقد أن رئيس الوزراء يجب أن يسمع الكثير من الآراء ووجهات النظر ويحدد الهدف ويسأل الجيش إذا كان هناك حل عسكري. ورئيس الوزراء ليس مطالبا بأن يحدد للجيش أن يهاجم من هذا الجانب أو ذاك، لكن يسأل إن كان الجيش جاهزا لأداء المهمة المنوطة به وإذا كان الخيار العسكري هو الصحيح وما النتائج التي نريد أن نحققها من وراء ذلك، وإذا كانت هناك طرق أو وسائل أخرى لتحقيق هذا الهدف".

ليفني وإيران. . التحدي الأكبر

وعلى صعيد رابع، فإنه سيكون على ليفني أن تواجه الكثير من التحديات على المستوى الخارجي، يأتي في مقدمتها بالطبع الملفان الفلسطيني والسوري، ثم التعامل مع إيران.

بالنسبة للملف الفلسطيني، فعلى الأرجح سيكون الأمر امتدادا لما كان عليه الوضع مع أولمرت، فمواقف ليفني كانت متوافقة إلى حد بعيد مع أولمرت، كما أنها كانت متابعة للملف كاملا وكانت رئيسا للوفد الإسرائيلي للمفاوضات مع الفلسطينيين، وإن كان ذلك لن يمنع من حدوث توقف ما في الاجتماعات والمفاوضات على الأقل في الفترة التي ستلي تشكيل الحكومة مباشرة، حيث سيكون من الصعب عليها الدخول في مفاوضات وعقد اجتماعات مع الجانب الفلسطيني فور تشكيل حكومة بها حلفاء حصلوا منها على وعود بتجميد الموضوع أو إبطائه، أما الملف السوري فربما سيكون الملف الذي سيعاني سلبا من رحيل أولمرت، فما تحقق في هذا الملف من إنجاز بعقد جولات من المفاوضات غير المباشرة كان المحرك الأساسي له أولمرت لأهداف تتعلق به شخصيا، علاوة على أن أي خطوات إضافية في هذا الملف سيكون القرار الأمريكي فيها عامل أساسي، ومن ثم يتوقع أن يتجمد هذا الملف تماما على الأقل حتى منتصف العام القادم لحين اتضاح موقف الإدارة الأمريكية الجديدة.

وبينما يعد الملفان الفلسطيني والسوري من الملفات التي يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي التلكؤ بشأنهما وربما التذرع بالمواقف المتباينة للقوى الإسرائيلية والرأي العام الإسرائيلي إزاء تحريكهما، فإن الملف الإيراني سيكون المجال الأساسي الذي سيكون على ليفني أن تقدم رؤية متماسكة بشأنه.

فالملف الإيراني، كما يرى "آريه شفيت" في صحيفة هاآرتس يوم 19 سبتمبر الماضي، يمكن أن يمثل مجالا أساسيا لتفوق ليفني تعوض به قلة خبرتها في مجالات أخرى. يقول "شفيت": "إن صورتها الدولية جيدة، ولهذا فإن فرصتها في أن تقود الأسرة الدولية إلى فعل دولي نشط ضد النووي الإيراني عالية أكثر من الآخرين. كوزيرة خارجية لم تفعل ليفني ما يكفي. وكرئيسة وزراء عليها أن تفعل أكثر بكثير وفورًا. عليها أن تبلور إستراتيجية إسرائيلية شاملة أهدافها هي العقوبات على إيران من جهة والمفاوضات مع سوريا من جهة أخرى، وإذا ما راوحت ليفني في الموضوع الإيراني، فلن يكون لها جدوى".

أخيرًا، فإن ليفني ستظل تعاني بشكل دائم من وضعها كمن في امتحان يدعي الكثير أنها غير مؤهلة له ولإدارة أعبائه، ومن ثم فعليها أن تثبت للجميع أنها تستطيع النجاح دائما، وأن كونها امرأة بلا خبرة عسكرية لا يمكن أن يقف حائلا بينها وبين النجاح، الذي ربما يكون فقط في إمكانية حشد دولي ضد إيران ربما لم يكن يتمكن منه الخاسر في انتخابات كاد يما، العسكري المحنك شاؤول موفاز. <

* باحث متخصص

في الشئون الإسرائيلية

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد