بعد انخراطهم في العملية السياسية..

السلفيون في اليمن وتحديات المرحلة القادمة ( 1- 2 )

2012-03-26 16:02:18 عارف العمري


ولدت ثورات الربيع العربي، فولدت معها الكثير من المواهب, وبرزت خلالها الكثير من الابتكارات, وخلقت حراكاً ثقافياً وسياسياً واجتماعياً في الأوساط الراكدة, وأصبح الناس يفكرون بعقليات التحرر والإبداع والإنتاج بدلاً من عقليات العبودية والجمود والرضاء بالأمر الواقع, وأصبحت الأفاق تتسع أمام أصحاب النظريات الضيقة والرؤى القصيرة, وما كان بالأمس محرماً أصبح اليوم جائزاً, وما كان بدعة أصبح ضرورة, واقصد بالمحرم هنا الحزبية والبدعة الديمقراطية, بالفعل الأحداث تصنع المعجزات والحاجة أم الاختراع وهذا ما يستند إليه السلفيون اليوم في اليمن.
لقد كان للثورة الشبابية الشعبية الكثير من الحسنات والعديد من الانجازات, ولازالت الثورة تشق طريقها نحو الغد المشرق والمستقبل الأفضل الذي يحقق الكرامة لليمنيين, ولو لم تكن من حسنات الثورة في اليمن أنها أخرجت السلفيين من شرنقة السمع والطاعة للولي ولو كان ظالماً إلى المطالبة بالحرية والعدالة وممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطرق عصرية تتواكب مع الحاضر وتقنياته لكان هذا كافياً, أما أن يخرج السلفيون لتأسيس حزب سياسي في اليمن فهذا انجاز كبير بكل المقاييس, وخطوة جبارة لها ما بعدها من المواقف والانجازات.
لقد صنعت الثورة ثورة داخلية في المواقف والتصورات والوعي وحتى في المؤسسات, وولدت الكثير من الأحزاب التي يدل وجودها في أي بلد على مدنية ذلك المجتمع، فكان حزب العدالة والبناء والربيع العربي وحزب الرشاد السلفي وهناك أحزاب في طريقها للدخول إلى ساحة المعترك السياسي.
ليس دخول المعترك السياسي بالعملية السهلة بل هي عملية صعبة, وإذا كان السلفيون قد انتهوا من حيث بدأ الإخوان المسلمون – بحسب تعبير سيد قطب – فان أمامهم الكثير من التحديات التي يجب أن ينتبهوا لها جيداً, والدروس التي يجب أن يقرأوها جيداً وخصوصاً من تجارب ودروس حزب التجمع اليمني للإصلاح ذات المرجعية الدينية, وبحسب المثل الشعبي القائل " اكبر منك بيوم اعلم منك بسنة"، فانه يجب أن يتعلم السلفيون من تجارب الإصلاح الذي يخوض المعترك السياسي بصفته الحزبية أكثر من إحدى عشر عاماً.
ويجب أن نشير إلى أن البدايات الأولى للعمل السياسي بالنسبة للسلفيين قد بدأ منذ تنظيم الملتقى السلفي الأول والذي انعقد في صنعاء في مايو 2009م، تحت عنوان "الوحدة اليمنية من وجهة نظر شرعية وواقعية".
كذلك الملتقى السلفي الثاني الذي انعقد العام الماضي في مايو2011 تحت شعار "نحو كيانٍ موحدٍ للدعوة السلفية في اليمن" والذي خرج بإشهار الكيان الجامع للمؤسسات الدعوية للسلفيين (الائتلاف السلفي اليمني).
تحديات تواجه حزب الرشاد السلفي
بعد انطلاق الثورة الشبابية الشعبية في شهر فبراير من العام الماضي، فان هناك فرصة تاريخية أمام الإسلاميين بشكل عام و السلفيين بشكل خاص للتأسيس للإسلام المشارك الذي يصبح جزءاً من الدولة وليس عنصراً خارجاً عنها, كما هو الحال بالنسبة لحزب العدالة والتنمية التركي الذي اقتحم الدولة بالرغم من التواجد العلماني الكبير في كل جزء من أجزائها, واستطاع مؤخراً أن يحجم من الدور العلماني بشكل لم يكن متوقعاً من ذي قبل.
ومع ذلك فأمام السلفيين الكثير من التحديات التي يجب أن يضعها حزب الرشاد الإسلامي الوليد والذي لم يكتمل شهره الأول في أولويات عمله ومنها:-
- قدرة حزب الرشاد على بناء خطاب جامع يعبِّر عن آمال المواطنين اليمنيين في الكرامة الإنسانية وفي العدل الاجتماعي وفي الحرية السياسية, ومعرفة الخطاب المناسب الذي يستطيع من خلاله الحزب جذب اكبر عدد من المواليين.
- قدرة الحزب على بناء خبراته السياسية الجديدة القائمة على الرشد والعقلانية والتوفيق باعتبار أن السياسة في النهاية هي العمل في إطار الممكن من ناحية وأخذ التناقض والتنوع في الاعتبار لتحويله لقوة سياسية واجتماعية, وهي تجربة جديدة على السلفيين أن يتكيفوا معها جيداً.
- قدرة الحزب على بناء تحالفاته داخل المجتمع وَفْق برامج الحد الأدنى التي تحقق للمجتمع قدراً من التماسك وتخفيف الاستقطاب داخله, وخصوصاً في ظل التنافس والاستقطاب الحاصليين من قبل جماعة الحوثي والقاعدة لفئات عريضة من الشباب اليمني, واستقطاب القاعدة لعديد من شباب أهل السنة خصوصاً, وهو ما يجب أن ينتبه له الحزب الوليد جيداً.
- أخذ حزب الرشاد للعامل الخارجي في حسبانه وهو يتحرك على الساحة السياسية، ومن ثَمَّ فإن العامل الداخلي يجب النظر إليه في ضوء تأثير العامل الخارجي عليه, ومن العوامل الخارجية التي قد يجد الحزب نفسه مضطراً للتعامل منها العلاقات الإقليمية والدولية التي يسعى كل طرف فيها إلى خدمة مصالحه وأمنه القومي.
- التعامل مع السياسة باعتبارها تدبير أمور الناس وتحسين معاشهم وأخذ إدارة أمور حياتهم اليومية في الاعتبار؛ وأن ذلك سيكون مدخلاً مهمّاً لتعزيز ثقة الناس في الحزب من ناحية، كما سيكون السبيل نحو رغبة الناس للتحاكم إلى الشريعة.
- بناء مصادر القوة السياسية عبر التحالف مع الإسلاميين الآخرين وإن كانت هناك بعض الاختلافات ؛ فاليمن اليوم بحاجة إلى تحالف إسلامييها جميعاً في وجه الخطر الاثنى عشري القادم من إيران؛ وأن تكون هناك رؤية إسلامية موحدة بين تلك القوى ليـس في مواجهة المد الشيعي فقط وإنما فيما بعده؛ حيث تحتاج المرحلة لوحدة الصف والرؤية الإسلامية كسباً لثقة الناس التي يحظى بها الإسلاميون بكافة توجهاتهم وأطيافهم في اليمن.
- التركيز على البرامج التي تحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لليمن من منظور إسلامي، والتركيز على العمل الدعوي والتربوي للأخذ بيد الناس من قِبَل الدعاة إلى الخير تمهيداً وتهيئة وحرثاً يفتح الباب واسعاً لعودة الدولة الإسلامية التي تحكمها الشريعة الإسلامية.
- التحول من الرؤى البسيطة إلى الرؤى المركبة عبر البحث والدراسة ومن ثَمَّ فإن الحديث عن قوة للإسلاميين وقوة غيرهم يجب أن تكون محسوبة على أسس علمية وليست وصفية وكلامية أقرب لروح الاستهتار وعدم أخذ الأمر بجدية؛ فسياسة الدول غير سياسة الجماعات وتحمُّل مسؤوليات الملايين من الخلق غير تحمُّل مسؤوليات العشرات أو المئات المنتمين للجماعات.
- الأحزاب والجماعات هي وسائل لتحقيق الأهداف السياسية وليست غاية في ذاتها؛ ومن ثَمَّ فإنه لا ينبغي أن يكون الولاء والبراء قائماً على أساسها؛ فهي أشبه بخطوط وهمية للتعريف أو التمييز دون أن تكون تعبيراً عن تمترس خلفها في مواجهة مبادئ إسلامية حاكمة مثل اختيار الأكفاء والوقوف خلف الأمناء من خارج تلك الأحزاب والجماعات.
ومع حداثة التجربة السلفية في اليمن، إلا أن الحزب قد يحقق نجاحاً ملحوظاً إذا ما اعتمد على سياسة التعاون والشراكة السياسية وخصوصاً مع الأحزاب ذات التوجهات المماثلة, وثمة عوائق قد تقف في طريق النجاح نستعرضها في عدد قادم إن شاء الله

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد