بٌني بمنحة سويسرية وتحول إلى مكب للنفايات ..

سد العامرة بتعز كابوس يقض مضاجع المواطنين

2012-04-22 03:17:02 تقرير/ عبدالعليم الحاج


في منتصف التسعينات قدمت سويسرا منحة مالية تقدر بمائة وستة ملايين ريال لإنشاء سد العامرة في منطقة الهشمة مديرية التعزية بطول 413 متراً وارتفاع 11،5 أمتار، وبسعة سبعمائة وخمسة وثمانين متر مكعب، يستفيد منه 176هكتاراً.
حينها هلل سكان المنطقة فرحاً واستبشروا خيراً بإنشاء مشروع السد باعتباره سيمثل رافدا أساسياً للزراعة في منطقة شاسعة وخصبة يعتمد فيها الناس على زراعة الحبوب بأنواعها، إلا أن فرحتهم لم تدم طويلاً سوى عام فقط وهو العام الذي تلا افتتاحه من قبل رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي في 97 عندما كان حينها نائباً لرئيس الجمهورية واليوم يناشده المواطنون بإنقاذهم وإنقاذ السد على حد سواء بعد ما تحول إلى نقمة يدفع ضريبتها المواطنون والأراضي المجاورة له والتي تحولت إلى جرداء نتيجة السيول القادمة من صبر ومعظم أحياء المدينة والموجهة إلى السد المطمور بالأتربة وكل مخلفات المدينة من المواد البلاستيكية والصلبة ولم يتبق من عمقه المقدر بإحدى عشر متراً سوى متر واحد فقط، إضافة إلى الأضرار البيئية والصحية التي يتعرض لها المواطنون المجاورون له.
"أخبار اليوم" زارت المنطقة وعايشت الوضع عن قرب ورصدت هموم مواطني المنطقة في سياق هذا التقرير.

من مزارع إلى سائق موتر
لم يكن يعلم حميد العماري أن الأرض الوحيدة التي يقتات منها ستتحول إلى جرف عميق نتيجة السيول الخارجة من السد وبالتالي ليس أمامه من وسيلة لكسب العيش له ولأسرته سوى دراجة نارية رغم علمه بالمخاطر التي قد يتعرض لها يقول العماري: كان لدي حولان حولتها السيول الخارجة من السد إلى خنادق وكانت مصدر عيشي الوحيد وكلما كنت أقوم بإصلاحها يأتي السيل ويعيدها إلى ما كانت عليه وكان محصولي السنوي منها ما يقارب ثمانين كيساً من الحبوب أما اليوم فكما ترى كيف تحولت وليس أمامي من وسيلة لإعالة أسرتي سوى هذه الدراجة النارية.
فساد عند التنفيذ:
من جانبه تساءل الشيخ/ طارق محمد داحش - من أهالي منطقة العامرة منطقة الهشمة- عن الجهة التي يمكن أن يكون بيدها مفتاح الحل لمشكلة سد العامرة الذي تحول إلى كارثة على سكان المنطقة دمر أراضيهم وأنهك صحتهم وتابع بقوله: إن أضرار سد العامرة جرفت الأراضي والوديان وخربت الطرق ونحن عاجزون لا ندري لم نشتكي، فالمشكلة قائمة منذ بداية إنشاء السد حيث استبشرنا خيراً حينها وكنا نأمل أننا سنستفيد منه بالزراعة، لكنه تحول إلى كابوس يقض مضاجعنا، خاصة في موسم الأمطار ولم نستفيد منه سوى عام فقط ما عداه دفعنا الثمن غالياً.
وأشار داحش أنه بحسب حديث مهندسين متخصصين أكدوا حصول فساد ربما عند تنفيذ السد ولم يتم عمل الحواجز التي تمنع الأتربة والمخلفات من الدخول إليه ويتم استخراجها لكن شيئاً من هذا لم يحدث وهي المواصفات التي يعمل بها عند تنفيذ السدود.موضحاً أن المرة الوحيدة التي تم إخراج الأتربة والمخلفات من السد كانت أيام المحافظ الحجري وبمساعدة المواطنين الذين طمرت وديانهم بالتراب الذي تم إخراجه.. وأضاف قائلاً: المستفيد من السد في حال إصلاحه ليسو المواطنون وحدهم، بل الدولة أيضا من خلال تغذية أبار الحوجلة الواقعة في نطاق السد والتي تزود مدينة تعز بالمياه وعددها 12 بئراً تابعة لمؤسسة المياه، مناشداً محافظ المحافظة شوقي هائل بوضع الحلول لهذه المشكلة التي عجز عن حلها من سبقوه من المحافظين، لكننا على ثقة أنه قادر على حلها وذلك لما عرفنا عنه من نجاح - حسب قوله .
دعوة المحافظ لزيارته:
أما مجاهد علي محمد -أحد المتضررين من الوضع الحالي للسد- فيدعوا محافظ المحافظة لزيارة المنطقة والوقوف على الأضرار التي خلفتها السيول ويرى أن الحال يغني عن المقال والصورة كفيلة بنقل نصف الحقيقة في النصف الآخر يتعلق بالمخاطر الصحية التي يدفع ثمنها المواطنون وانتشار الأمراض مثل البلهارسيا والملاريا وأمراض الكبد وغيها من الأمراض الوبائية.
مجاهد يضيف بالقول: نحن نستقبل كل مخلفات المدينة من أتربة وأحجار وزيوت وكفرات وما بقي لنا من أراضي أحرقتها الزيوت وأصبحت غير صالحة للزراعة حتى المواشي لم تسلم من الخطر. بدوره يقول فهد سعيد: كان أملنا في السد كبيراً وكان في السنوات الأولى نعمة وتحول إلى نقمة وذلك لما يحتويه من مخلفات وقمامة يحتويها سد العامرة كما صار مرتعاً للبعوض الناقل للملاريا، إضافة إلى عدم الاستفادة من محاصيلنا الزراعية فيما الجهات المعنية لا تعير الموضوع أي اهتمام وقد ردم السد بالكامل وبعض الناس في موسم الشتاء يزرعون فيه، لافتاً إلى أن المساحة التي شيد فيها السد هي جزء من المساحة الكلية التي كان مخططاً لها وتمتد من الجبل غرباً إلى الجبل المقابل شرقاً، لكنه تم اختصاره بشكل كبير ومع هذا لو أعيد تأهيل السد وبمساحته الحالية لكفى وزاد. وأضاف سعيد: المواطنون رحبوا منذ البداية لإنشائه ولذلك قدموا الأحجار مجاناً أملاً منهم بالاستفادة منه لري مزارعهم ومد شبكات الري إلى كل مناطق الأضاحي المجاورة للسد، لكن أحلامهم تبخرت مع أول قطعة أرض اقتلع السيل تربتها وغدت أثراً بعد عين.     
 الله يرحمه :
من جانبه يقول المهندس عبدالله الحيدري - نائب مدير عام الزراعة لشؤون الري واستصلاح الأراضي: سد العامرة يعد في عداد الموت وشبه منتهي ورحمة الله تغشاه نتيجة الترسبات والمخلفات التي يحتويها وقد وصلت إلى 60% تقريباً داخله، ومكتب الزراعة ليس له اعتماد تماماً وقد عملنا على تدريب لجان صيانة وتشغيل مكونة من المزارعين أنفسهم وسلمناهم وثائق السد على أساس إشرافهم على توزيع الماء لكنه لم يتم شيء من هذا القبيل ولأن السد ترابي فإن الشجر ينمو باستمرار ولا يتم اقتلاعها وهذا يشكل خطورة عليه، كنا نقترح ميزانية سنوية للتشغيل فيتم إلغاءها حيث تراكم الإهمال وزاد الضغط على السد حتى وصل إلى هذه الحالة. ويضيف المهندس الحيدري: كل مخلفات أعمال المدينة سواء كان مشروع حماية مدينة تعز من السيول أو أعمال خاصة أوتابعة للأشغال تذهب كلها إلى السد الذي كان يبلغ ارتفاعه إلى حدود 20متراً لكن المساحة التي تحجز المياه هي 10 متراً تقريباً وتحفظ بحدود 850ألف متر مكعب من الماء، هذه المساحة ردمت بالكامل وبمختلف المخلفات من مجاري وقمامة ومواد بلاستيكية وغيرها .وحمل نائب مكتب الزارعة جهات ذكرها بالاسم مسؤولية حماية السد متمثلة بمكتب الزراعة ـ والأشغال العامة ـ وحماية البيئة ـ صندوق النظافة والتحسين وكل الجهات المعنية بنظافة المدينة وما ينتج عنها من مخلفات مسؤولية حماية السد ويفترض أن تنسق مع المحافظة للعمل على التخفيف من وصول هذه المخلفات إلى السد والتي بوجودها لا يستفاد من المياه في الزراعة، وأشار الحيدري إلى أن كل الدراسات التي رفعت للجهات المعنية بهدف الاستفادة من السد ذهبت أدراج الرياح .مضيفاً بقوله : من خلال زيارتي إلى أكثر من بلد خارجي والتعرف على واقع سدود مشابهة لسد العامرة وجدت مياه هذه السدود نظيفة وهو ما يدل على وعي المواطن بعدم رمي مخلفاته في الشوارع وقيام جهات النظافة بدورها على أكمل وجه أما مشكلة سد العامرة فهي إشكالية مشروع بالكامل حيث كان التمويل من المنحة السويسرية تمويل محدود لبناء سد أصبح محملاً أكثر من طاقته محملاً مخلفات مدينة بكاملها.

وبحسب تقرير مفصل صادر عن مكتب الزراعة حصلت الصحيفة على نسخة منه فإن المشاكل التي تلازم السد تتلخص في بعض النقاط نذكر منها:
•   ترسبات عالية جداً وخاصة عند القيام بحفريات مختلفة .
•   تمديدات مختلفة ( صحية ـ ماء ـ كهرباء ـ تلفونات) وغيرها .
•   حفريات لعمل القنوات الخاصة بالسيول والكميات الهائلة من الأتربة الناتجة عن ذلك (مشروع حماية تعز من كوارث السيول).
•   مخلفات البناء وغيرها من الأعمال الإنشائية التي ينتج عنها مخلفات ترابية مختلطة، بالإضافة إلى عدم وجود حواجز ترسيبية فوق حوض السد.
•   رمي المخلفات ( قمامة بكل أنواعها، بالإضافة إلى الزيوت والمواد البلاستيكية المختلفة.
•   بعض الناطق يتم تصريف مياه الصرف الصحي إلى داخل مجرى السيل المغذي للسد.
•   انتشار العوض في المستنقعات وخاصة أنه يوجد غيل أعلى السد تختلط مياهه بمياه الصرف الصحي.
•   انسداد أنابيب مخارج المياه مما أدى إلى دمار كبير في المفيض والأراضي المجاورة.
وأوصى التقرير بضرورة القيام بعمل الحواجز الترسيبية ومباشرة أعمال الصيانة الطارئة للمفيض والأرض المجاورة وسرعة تنفيذ الري والصرف وتنظيم بحيرة السد بالشكل الذي يضمن حجز أكبر كمية من السيول.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد