تقرير حقوقي للوضع الإنساني في أرحب ونهم وبني جرموز:

النساء والأطفال..مأساة لا تنتهي

2012-05-19 02:39:53 أخبار اليوم/ تحرير ـ خاص


شهد وضع حقوق الإنسان في اليمن تدهوراً مخيفاً خلال العام المنصرم2011, ولم يقتصر ذلك على العاصمة والمدن الكبرى فقط بل زاد الوضع بشاعة في المناطق التي يقطنها القبائل في أرحب وبني جرموز ونهم، ولم تصلها وسائل الإعلام، كما حرمت حتى من زيارات المنظمات الحقوقية والإنسانية، الأمر الذي ساهم في زيادة عزلتها منذ تعرضها للقصف منذ مايو 2011، بتهم مناصرة القاعدة ومهاجمة المعسكرات، حيث تفيد الإحصاءات أن أكثر من 137 شهيداً وأكثر 1000 جريح وتدمير لقرى بأكملها في نهم وأرحب وبني جرموز- بحسب تقرير وفد حقوقي زار المنطقة في ابريل الماضي.
وكشف تقرير حديث لفريق حقوقي مكون من ست نساء من "منظمة رقيب لحقوق الإنسان" زرن مناطق القصف بأرحب وبني جرموز ونهم شمال صنعاء مطلع الأسبوع الماضي، أن أوضاع النساء والأطفال في مناطق القصف مأساوية للغاية وإن 10 نساء قتلن وجرحت 36 أخريات، فيما 63 امرأة تعرضن للإجهاض، كما سجل التقرير أيضاً مقتل 16 طفلا وجرح 73 آخرين حتى اللحظة، إضافة إلى العديد من الاعاقات.

يقول التقرير ان الظروف الطبيعية القاسية التي تعاني منها تلك المناطق زاد من مأساوية وضع المرأة والطفل, كما ساهمت العادات الاجتماعية في استمرار وارتفاع حدة التعتيم الإعلامي على الوضع الإنساني للمرأة والطفل.
وتعرضت المناطق السابقة لعقاب جماعي قاسٍ وممنهج, فقصفت المنازل الآمنة رغم وجود الأسر بداخلها ودمرت المزارع, واستهدفت النساء والأطفال بالقصف، كما تعرض أبناء تلك المناطق للعديد من الممارسات اللاانسانية كالخطف والضرب والاهانة، إضافة إلى أن هناك حصاراً مطبقاً على المنطقة- حسب التقرير.

مأساة المرأة والطفل
في 28/8/2011م لم يكن قد مضى سوى أسبوع على عرس أمين محمد حطروم 25 سنة من أهالي ثومة, عندما قصف معسكر 63 حرس جمهوري منزله فجأة دون سابق إنذار, كان بداخل المنزل بحسب شهود عيان 12 فرداً، وكان القصف بشكل يومي, إلا أن يوم 25/9/2011م كان هو الأعنف، حيث شهدت قرية المحاجر قصفاً عنيفاً متعمداً للبيوت بالمدفعية الثقيلة والكاتيوشا من معسكرات الصمع وفريجة وبيت دهره, وقصف منزل صالح عيضة عصدان تلك الليلة أثناء نومهم, فزعت الأسرة ولم تجد بد من مغادرة المنزل, وبالمثل قصف منزل نايف عصدان وقصف منزل ضيف الله عصدان ظهرا ً يوم 25/9/2011م، منزل داحش حسين رمش فقد قصف أثناء تجهيز الأسرة طعام الغداء تركت العائلة طعامها لتضيف الجوع إلى جوار الخوف والفزع في معاناتها.
أما "إرده" مسعود صالح سعد (15) سنة فقد أصيبت بشظايا في الوجه أثناء محاولتها الفرار من منزلها القريب الذي كما تقول تساقطت عليه القذائف كالمطر, ولم ينجُ "ردمان" محسن يحيى السباعي (15) سنة من شظايا الهاون، فأصيب بإصابات متفرقة في جسده- وفي ذلك اليوم الدامي سرقت طلقة بي أم بي الفرحة من عائلة مطهر على مقبل غانم السباعي (11) سنة, إذ أنها اخترقت صدر الفتى الصغير وهو يلعب أمام منزله,لم يكن يحمل سلاحاً ولم يكن يعرف عن القصف شيئا ,لكنه ذاق مرارة الموت بآلة الحرب اللعينة – كما جاء في شهادات من أبناء المنطقة حول الأحداث استعرضها التقرير.
يتابع التقرير سرد الشهادات: لم يقتصر الأمر على القصف بالهوزرات والمدفعية, بل قصف طائرات الميج 29 والسوخوي في ظهر اليوم ذاته قرية كمب ثومه وأصيبت الطالبة/ غدير محمد مهدي الجمادي 19 سنة بشظايا اخترقت ظهرها إلى منطقة البطن تقول غدير:" ما كنت أتوقع أن يقصفونا بالطائرات كنت جوار البيت ولم أشعر إلا وأنا مرمي على الأرض".
وتصف غدير الوضع الحالي لقريتها: "لقد ضبح كل الناس ونزحوا من هنا ,صحيح عيشتنا صعبة من قبل ,بس كنا سالمي الموت والفجايع".
ويضيف التقرير: لم تقتصر الأمور على الإصابة فقط, بل منعت معسكرات الحرس إسعاف المصابين, وحبس بعضهم، فقد تم توقيف الطفل معمر محمد مقبل السباعي 17 عاماً عند إسعافه لإصابته يوم 25/9/2011م في معسكر بيت دهره لمدة يوم, ونقل إلى معسكر السواد بصنعاء اليوم الثاني, وظل يوماً كاملاً دون تلقي العلاج رغم الإصابة بشظايا في رجله اليمنى, وعدم استطاعته السير عليها ليطلق سراحه بعد يومين من العذاب.
وزادت الأحداث من تردي الحالات النفسية لدى النساء, والأطفال, فهذه الحاجة فاطمة بركات 50 سنة, لا زالت تعاني من حالة إغماء متكررة, أما دينه أحمد صالح مسعود 19 سنة فقد تعرضت لحالة إجهاض في شهرها الأول , وكذلك عائلة يوسف حطروم أجهضت حملها نتيجة للقصف العنيف على قريتهم, فيما أصيب زوجها بشظايا هاون وهو يعمل في مزرعته.
وقال التقرير إن الفريق رصد العديد من حالات الهلع والتبلد في صفوف الأطفال, كما شكت الأمهات من تزايد حالات التبول اللاإرادي في صفوف أطفالهن.
وفي إحصائية إجمالية بلغت الوفيات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بين النساء والأطفال في نهم امرأتان وطفلان, أما الجرحى من النساء فبلغت 9 نساء، 13 طفلاً جريحاً وبلغ عدد الأسرة النازحة حوالي 350 أسرة.

أرحب:
ولم يكن نصيب منطقة أرحب بأفضل حالاً من نهم, فقد كانت المعاناة فيها أكثر وأشد إيلاماً, ففي نهاية مايو2011 أعترض أبناء أرحب رتلاً من الدبابات كان متجهاً صوب العاصمة صنعاء لدك ساحة التغيير- كما يقول الأهالي، ولكن حائط الصد البشري الذي صنعه الأهالي أمام الدبابات, أجبروها على العودة إلى أدراجها في المعسكر.
وبحسب الأهالي فقد قتل حازم المراني فيما سمي بعد ذلك نقطة الموت, التي قتل لاحقاً فيها 11 مواطناً من قرية شعب, لتبدأ عمليات التنكيل بالقرى, قصف عنيف بالمدفعية والكاتيوشا طال معظم قرى أرحب.
وعانت المرأة والطفل مرارة العذاب لأكثر من سنة ولازالت القرى تتعرض لبعض القصف إلى الآن- كما أفاد التقرير.

قتل وإصابات:
يقول التقرير أن فريق رقيب تنقل بين قرى (شعب – يحيص – الدرب) في أرحب وتعذر زيارة قرى (سلمان – الأبوة) لخطورة الوضع الأمني هناك.
في قرية يحيص قتلت زهرة محمد أحمد اليحيصي على سجادتها وهي تؤدي صلاة العصر في منزلها أثناء قصف عنيف على المنازل المأهولة بالسكان، فلم تستطع زهرة إنهاء صلاتها لان القذيفة التي سقطت على المنزل أنهت حياتها.
وفي 10/07/2011 قتلت عبير كمال مهدي قطران13 سنة عندما قصف منزل أسرتها في قرية سلمان، فيما يتذكر الطفل محمد محمد الدربي 13 سنة أخيه "نور الدين" القتيل ولم يتمالك محمد نفسه ليبكي بحرقة.
وكان نور الدين محمد علي الدربي (9 سنوات) يلعب مع أخيه وأصحابه حينما أصابتهم قذيفة قادمة من معسكر فريجه, فقتل هو ورفاقه صدام صالح السعداني وأكرم صالح السعداني (15 سنه ) قرية (بيت سعدان) وهم يلعبون أمام محطة الدرب في تاريخ 29/10 /2011.
وتحكي أم زيد محمد من أرحب معاناة إبنها المعاق وهي تبكي وتقول:"يسألني ابني وهو يبكي ويقول لماذا حالتي ليست متحسنة, ولماذا عملتوا عملية ورجلي جالسه قصيرة".. تضيف أم زيد: "دائما يقول لي إن الموت أهون من هذا".
وبحسب شهود عيان تحدثوا للفريق- قتلت تيسير حسين ناجي بعيس أيضا, أما حميدة سنان العجل من قرية بيت الذيب، فقد أصيبت بعد سماعها دوي الانفجارات في قريتها بعدة جلطات دماغية على إثرها أقعدت للعلاج, وتوفت بعدها, أما حسنه أحمد شريان البكولي فقد أصيبت بقذيفة أدت إلى شلل نصفي وإعاقة دائمة, وتعرضت زوجة فضل علي محسن الشيخ للإجهاض أثناء هروبهم من المنزل, عندما أستهدف قصف قوات الحرس من الصمع السيارة التي كانوا على متنها.
وبلغ عدد القتلى من النساء في أرحب (4)والجرحى 10، أما اللاتي أجهضن فبلغ عددهن 45 امرأة, أما الأطفال فبلغ القتلى 10 أطفال و32 جريحاً.

بني جرموز

يقول فريق منظمة رقيب في تقريرهم: حينما وصلنا قرية "الخبشة" كان حسين حصن 13 سنة جالساً في ظل بيت على طريق القرية, مفترشاً التراب وملتحفاً السماء, وعكازية أمامه, وبدا هادئاً مغرقاً في التفكير، وعندما سألناه عن حاله رد بهدوء: " لقد دمر علي صالح حياتي أيش عاد الفايدة".
وحين سُئل حسين عن طلبه من حكومة الوفاق رد وهو ينظر إلى الأرض: " نشتيهم يرفعوا المعسكرات وينزعوا الألغام من الأراضي والمزارع". فقد بترت قدم حسين بانفجار لغم وهو يرعى الغنم في طرف قريته ويخشى على رفاقه من نفس المصير.
يقول الفريق انه سمع دوي قصف متقطع من معسكر 63 حرس الملاصق لبيت دهرة وهو ما اضطره لإلغاء زيارة القرية هناك من البرنامج, طلباً للسلامة.
وبحسب أهالي "الخبشه" فهم ما يزالوا يتعرضون للقصف من معسكر بيت دهره بين الفينة والأخرى, متسائلين : أين حكومة الوفاق وأين الرئيس عبد ربه هادي الذي انتخبناه؟.
وفي قرية الغربي المتاخمة لمعسكر الصمع, والتي نالت ولا تزال تنال النصيب الأكبر من القصف، العديد من القصص والمآسي.
فهذه عائشة صالح تروي قصتها :"كنت أصلي الظهر ولم أشعر إلا بزخات الرصاص يخترق شبابيك المنزل ,حضنت صغاري وجثوت عليهم وكانت الرصاص تمر بالقرب من جسدي وتلذع حرارتها جسمي, احترقت ملابسي, كان أطفالي يصرخون بصوت عالٍ ويبكون وأنا أبكي معهم".
وأصيبت عائشة بخوف شديد سبب لها حاله نفسية, وفقر دم.. تقول عائشة: "كل شوية أحس بأصوات ترعبني ,ولم أعد أستطع الاعتناء بأطفالي".. وتنفجر عائشة باكية.
أما سبأ محسن هارون وهي أم لستة أطفال كانت تستعد لتقديم طعام الغداء لهم غير أن قذيفة بي إم, أردتها قتيلة لتسقط على طعام الغداء ليصاب الجميع بالصدمة.. وفقد الأولاد الستة أمهم الحنون ولم يتناولوا ذلك اليوم طعام الغداء وأصيب زوجها بالجنون.
تكررت المآسي في قرى بني جرموز المتعددة في القصير وفي الهجرة وبلغ عدد اللاتي قتلن (4) نساء و17 جريحة وأكثر من 18 حالة إجهاض، وأما الأطفال فبلغ القتلى منهم 4 أطفال و28 جريحاً منهم 7 إعاقة دائمة.
 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد