الجناة ما يزالون طلقاء والمنظمات الحقوقية والمدنية لعبت دوراً سلبياً والقضاء يدين قيران ببراءة

الذكرى الأولى لهولوكست ساحة الحرية

2012-05-29 02:08:23 مهيب زوى- عبد العليم الحاج

في مثل هذا اليوم من العام الماضي (29 مايو 2011 ) ارتكب النظام السابق أبشع محرقة في تاريخ الربيع العربي وتاريخ اليمن وهي ما أطلق عليها بـ "الهولوكست" حيث أقدمت قوات المخلوع صالح على اقتحام ساحة الحرية بتعز وحرقها في هجوم مباغت تم التدبير والتخطيط له مسبقا من قبل قيادات أمنية وعسكرية في المحافظة يتزعمها قيران.
وسقط في هذه المحرقة 15 شهيداً وأكثر من 260 جريحا إضافة إلى حرق الساحة بخيامها ونهب محتوياتها كما لم تسلم المستشفيات التي ساندت الثوار أيضا من النهب.
يقول قانونيون إن هناك تقصيرا شديدا من منظمات المجتمع المدني وإنها مارست دورا سلبيا في تعاطيها مع الانتهاكات في تعز كونها لم تستطع تقديم تقريرا قانونيا واحدا كافٍ وواضح بعدد الانتهاكات وطريقة الجريمة التي ارتكبت.
وفيما أصابع الاتهام نحو مرتكبي الجريمة تشير إلى الحاكم العسكري في تعز حينها "قيران" ومعاونيه إلا انه وحتى اللحظة لم تحرك السلطات ساكناً ولم نسمع عن أي تحقيق أجري بشأن الهولوكست المرعب.
الاسبوع الماضي فقط وتحديدا 14 مايو الجاري ظهرت إدانة قضائية غير معلنة تفيد ان: " قيران وراء الهولوكست في تعز".
جاء ذلك في حكم قضائي من محكمة الصحافة والمطبوعات برئاسة القاضي منصور شائع بتبرئة رئيس تحرير أخبار اليوم من القضية التي رفعها ضده "قيران" بشان نشر صحيفة أخبار اليوم وثيقة تضمنت توجيه مدير أمن تعز السابق/ عبد الله قيران باقتحام ساحة الحرية بتعز وإحراقها بما فيها من معتصمين.
وتضمن منطوق الحكم براءة رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم إبراهيم مجاهد من التهمة المنسوبة إليه في القضية الجزائية رقم 31لسنه2011م.. وهو ما اعتبره قانونيون إدانة غير معلنة للعميد قيران بارتكاب المحرقة وصحة الوثيقة المنشورة.


مع حلول ليل "29" مايو "2011م" كانت قوات الأمن تحاصر ساحة الحرية بتعز ـ أول ساحة اعتصام تطالب بإسقاط نظام صالح في اليمن ومركز حركة التظاهر- أطلق المهاجمون النار على المعتصمين في الساحة فجأة وأحرقوا الخيام وداهموا المستشفى الميداني وهو ممتلئ بالمصابين والمستشفيات المجاورة وقامت الجرافات بسحق وهدم خيام المتظاهرين، وقتل 15 من معتصمي الساحة وأصيب أكثر من "260" آخرين.
يروي عارف عبد السلام 32 عاماً وهو أستاذ تاريخ ومتظاهر قائلاً: كان معهم دبابات وجرفات وألقوا قنابل حارقة على الخيام وأطلقوا النار من عدة اتجاهات، لقد رأيت بعيني رجلاً معه ميكرفون ينادي قوات الأمن أن تكف عن الهجوم وعن قتل إخوانهم في الساحة، لكنه أصيب برصاصة وسقط قتيلاً.
هجمات 29 مايو وهو ما عرف بـ"محرقة ساحة الحرية بتعز" تعد من الأمثلة البارزة على الاعتداءات المتكررة على المدنيين في تعز -معقل الثورة اليمنية- أثناء العام 2011م ضمن حملة قمع الرئيس المخلوع صالح التي شملت أنحاء اليمن، الاحتجاجات والتظاهرات التي خرجت تنادي بإسقاط حكمه القائم منذ 33 عاماً، كان الأكثر تدميراً.. إذ لم يعد هناك مكاناً آمناً في تعز من الموت.
وكانت معارضة الرئيس صالح قوية في تعز الذي يعتبر أبناؤها على نطاق واسع من أفضل المواطنين تعليماً ومدنية، وهي مدينة بعيدة عن الصراعات القبلية، وتعد تعز أول من انتفض للمطالبة بإسقاط نظام صالح ليلة تنحي حسني مبارك 11 فبراير 2011م عن عرش مصر وإنشاء أول ساحة اعتصام في منطقة عصيفرة أطلق عليها ساحة الحرية، وهو ما جعلها تشهد أسوأ أنواع الانتهاكات والقصف والتدمير من نظام صالح وآلته القمعية المدمرة.
6 أيام تحت الهجوم
في 29 مايو2011م بدأت قوات الأمن في اعتداء دام ستة أيام على المتظاھرين في تعز وحتى الساعات الأولى من الفجر كان قد سقط 15 شهيداً وجرح أكثر من 260 آخرين وإحراق ساحة الحرية وإخلاءها من المتعصمين، واستمر الاعتداء طوال ستة أيام على المتظاهرين في تعز.
وخلال تلك الاضطرابات سيطرت قوات الحرس الجمھوري وقوات أخرى على مستشفى الثورة وحولته إلى ثكنة عسكرية، كما داھمت منشآت طبية أخرى، مستشفى الصفوة والمستشفى الميداني وعدداً من المستشفيات التي كانت تستقبل الجرحى والمصابين، واحتجزت العاملين الطبيين ومنعتھم من علاج المتظاھرين.
بدء النزاع المسلح
وتسببت محرقة ساحة الحرية – الهولوكست كما يسميها ثوار اليمن- بالكثير من الغبن لدى الثوار وأصابت ساحات وميادين التغيير والحرية في عموم محافظات الجمهورية بالصدمة الكبرى وخرجت المظاهرات والاعتصامات تندد بتلك المحرقة، كما ساعد ذلك في بدء النزاع المسلح في تعز، وبدأ مقاتلو القبائل من المناطق المحيطة بالمدينة بالتوافد إلى تعز، معلنين حماية المتظاھرين واستعادة ساحة الحرية وإعادة المعتصمين إليها، أصبح الأمر بالنسبة لثوار اليمن أشبه بمسألة كرامة.

النظام السابق يتهم المتظاهرين والمعارضة بارتكاب المحرقة
وفيما أصبح مرتكبو المحرقة معروفين لدى الشارع اليمني، يحاول النظام السابق حينها إحالة التهمة عنه وتوجيهها إلى المتظاهرين أنفسهم والمعارضة.. حيث يقول في بيان نشرته هيومن رايتس في تقريرها المنشور في فبراير 2012م: بدأ الھجوم على ساحة الحرية في تعز بإطلاق قوات الأمن ورجال مسلحين في ثياب مدنية النار على المتظاھرين المتجمعين على مشارف مقر الأمن العام بمنطقة القاهرة، احتجاجاً على احتجاز المتظاهرين، هم من بدأوا الھجوم محاولين "السيطرة" على مقر الأمن في منطقة القاھرة. وفي ميدان الحرية، وقتل بعض المتظاهرين وأشعلوا النار في خيمة بقنابل المولوتوف وسرعان ما انتقل الحريق إلى الخيام الأخرى.
وأضاف بيان الحكومة: "عمد البعض إلى إحراق كل ما لم يستطع، حمله كالخيام التي لم يكن قد وصل إليھا الحرائق والوثائق والأشياء التي يخشون وقوعھا بيد رجال الأمن حتى لا تستخدم كأدلة ضدھم". وأن الجنود تفاعلوا بشكل طبيعي وسارعوا إلى الميدان لإنقاذ زملائھم.
 
القصة الكاملة للهولوكست
في الساعة الثالثة من مساء الأحد 29 مايو تجمع آلاف المتظاھرين أمام مديرية الأمن العام في القاھرة بتعز، للمطالبة بالإفراج عن متظاھر تم اعتقاله في ذلك اليوم، وبناء على طلب ضابط في المبنى، غادر المتظاھرون بعد أن وُعدوا بأنه سيتم الإفراج عن زميلهم المتظاھر المحتجز إذا عادوا في الساعة الخامسة مساءً.
وفي حوالي الخامسة والنصف مساءً عاد المتظاھرون إلى المبنى، ولكنهم فوجئوا بإطلاق النار عليهم من قبل رجل مسلح ومقنع يرتدي ثياباً مدنية.
كان الرجل المسلح مقنعاً، فتح النار على المتظاھرين، ثم ركض إلى مبنى المديرية، ثم بدأ ضباط الأمن العام في إطلاق النار على المتظاهرين من شرفات المبنى وسطحه من على مسافة لا تزيد عن 15 متراً، كما فتح النار على المتظاهرين أيضاً مسلحون في ثياب مدنية من الطابق الأرضي دون سابق إنذار.
وقُتل أربعة أشخاص وأصيب 60 شخصاً على الأقل أثناء الساعة التالية من الهجوم، طبقاً لإفادات طبية.
وردَّ بعض المتظاھرين على إطلاق النار برمي الحجارة على مبنى الشرطة، ثم تراجع آلاف المتظاھرين نحو 100 متر إلى ميدان الحرية، وھناك بدأ مرة أخرى العشرات من الحرس الجمھوري في ثياب رسمية والأمن المركزي والشرطة العسكرية والأمن العام و بلاطجة مسلحين، في إطلاق الرصاص الحي على المتظاھرين.
وبدءاً من الساعة 6:30 مساءً تقريباً وحتى الواحدة صباحاً 30 مايو، اقترب نحو 200 جندي وأعضاء آخرون من قوات الأمن من ميدان الحرية من مختلف الاتجاھات، وأطلقوا النار على المتظاھرين، ثم تراجعوا، ثم عادوا على فترات متقطعة لإطلاق النار في كل مرة.

اقتحام
وفي حوالي الساعة الواحدة صباحاً 29 مايو دخلت قوات الأمن إلى قلب منطقة الاحتجاج ساحة الحرية، وأطلقت الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع على المتظاھرين ومعھا سيارات الشرطة وعربات المياه التي راحت تطلق المياه الساخنة والعادمة من الخراطيم.
يقول عارف عبد السلام، 32 عاماً، أستاذ تاريخ ومتظاھر، كان في الميدان أغلب فترات الليل في شهادته: كانت معھم دبابات وجرافات، راحوا يلقون قنابل حارقة على الخيام ويطلقون النار من عدة اتجاھات، رأيت بعيني رجلاً وبيده مكبر صوت يدعو قوات الأمن إلى الكف عن الھجوم وقتل أخوتھم، لكنه أصيب برصاصة ومات واستمرت ھذه المعركة من جانب واحد إلى أن تم تدمير كل شيء في الميدان".
" لقد كانت ليلة مروعة" قال عبد السلام.
ومع تقدم مختلف قوات الأمن والجيش في الساحة كانت إصابات المتظاهرين في الصدر والرأس وكانت قوات الحرس الجمھوري والأمن المركزي يسحبون القتلى بعيداً عن المشھد وإخفائهم. واستمرت قوات الأمن بإطلاق الغاز والمياه على المتظاھرين وإلقاء الزجاجات الحارقة على الخيام التي كانت ممتلئة بالمتظاهرين، فأشعلتھا وتفرق المتظاھرون، وبعد ذلك دخلت الجرافات ودكت الخيام في شتى أنحاء الميدان.
وفي حوالي الثالثة والنصف أو الرابعة فجراً احتجزت قوات الأمن نحو 24 متظاھراً كانوا يختبئون في بنايات تطل على الميدان.
ثم انتقلت قوات الأمن إلى المستشفيات المجاورة للساحة، وھاجمت عاملين طبيين وھددت المتظاھرين المصابين، ومنعت عنھم الرعاية الطبية.

اختطاف جثث
 تشير روايات متطابقة لشهود عيان ومواطنين ـ إلتقتهم "أخبار اليوم" تطل مساكنهم على ساحة الحرية تشير إلى قيام قوات النظام باختطاف جثث الشهداء وإخفاء معالم الجريمة.
يقول الناشط محمد الزريقي في تمام الحادية عشر مساءً غادرت الساحة بعد أن أوشك الحريق من التهام كل المخيمات وظليت أرقب المشهد من نافذة المنزل، حيث قدمت في ساعات الليل المتأخرة جرافات وبوابير كبيرة وقامت بجرف وحمل كل مخلفات الخيام، بما فيها بقايا خيام المعاقين التي كانوا فيها ليلة المحرقة، ثم قاموا بغسل الساحة بالمياه بهدف إخفاء معالم الجريمة.
ويشير الزريقي إلى أن القوات الأمنية فرضت حصاراً مطبقاً على الأحياء المطلة على الساحة ومنعتهم من الدخول والخروج إلى منازلهم دون التفريق بين صغير أو كبير، رجل أو امرأة.

تخطيط مسبق
يفيد مراقبون أن بداية اقتحام ساحة الحرية بتعز لم تكن يوم 29 ولكنها بدأت من قبل أسبوع عبر تسريبات تفيد باحتمال تنفيذ مخطط تعده قوات صالح لاقتحام الساحة بقيادة العميد عبد الله قيران مدير أمن تعز ورئيس اللجنة الأمنية فيها- وهو المتهم الرئيسي والمخطط للمحرقة- وكًُشف عن هذا المخطط بعد إحراق الساحة ونشرته وسائل الإعلام.
يقول مدير المستشفى الميداني بساحة الحرية بتعز الدكتور/ صادق الشجاع لم يكن إلقاء القبض على الجندي "عزت" الذي أطلق النار على الثوار أمام مديرية أمن القاهرة على خلفية مطالبتهم بإطلاق زملاء لهم محتجزين في سجن المديرية، سوى ساعة الصفر لتنفيذ المخطط المعد سلفاً وبالتالي أخذ الثوار على حين غرة ولم يخطر على بالهم أن إطلاق الرصاص الحي عليهم من سطح مبنى إدارة مديرية القاهرة ووصول الحشود العسكرية إلى المدخل الشرقي للساحة هو مقدمة لاقتحام الساحة وليس له علاقة بإطلاق سراح الجندي المحتجز لدى الثوار، بدليل أن الجندي لم يصب بأي أذى سوى جرح طفيف في رجله وإصابته بحالة تشنج نتيجة الغازات المفرطة التي تعرض لها الثوار ومع هذا أجريت له الإسعافات اللازمة من قبل المستشفى الميداني وعُومل معاملة كريمة.
ووفقاً لما تؤكده مقاطع الفيديو والصور - حصلت "أخبار اليوم" على نسخ منها- فان جنرالات الحرب في تعز يتزعمهم قيران والعوبلي والحاشدي، كانوا قد أكملوا خطة الإقتحام وأحاطوا كل الجهات الأمنية على مختلف مستوياتها القيادية، رافضين وقف زحفهم صوب الساحة بعد استعداد الثوار إطلاق سراح الجندي المحتجز، كما رفضوا الرد على مبادرات شخصيات اعتبارية موالية للثورة بهذا الخصوص.
من جهته كشف الناشط الإعلامي في ساحة الحرية محمد القدسي أن النظام أرسل أنصاراً له إلى ساحة الحرية وبعض الوجوه الغير مألوفة على أساس أنهم من شباب الثورة وهم من حال دون الإفراج عن الجندي بعد تواصل مشائخ من أنصار الثورة مع قيادات في المحافظة ويرى القدسي أن قصة الجندي لم تكن سوى ذريعة لاقتحام الساحة وكان يهدف من وراء ذلك إلى إدخال الثورة في مربع العنف وحرفها عن مسارها الصحيح.       
اردناها سلمية
يقول الشيخ / حمود سعيد المخلافي ـ أحد حماة الثورة في تعز ـ كنا نريدها سلمية وكنا قادرين على رد اعتدائهم ولم يكن بيننا وبينهم سوى مرمى حجر، لكن قيادات عليا في اللقاء المشترك تواصلنا معها رفضت الانجرار نحو العنف وقالوا الثورة بدأت سلمية وستنتصر سلمية.

في الذكرى الأولى للهولوكست العديد من ناشطي ساحة الحرية يتذكرون ما حدث ويروون لـ"أخبار اليوم":

إحراق أول خيمة

يتذكر الناشط الثوري مجيب المقطري: في الساعة الثامنة مساء أحرقت أول خيمة في ساحة الحرية وهو ما أدى إلى انتشار الحريق في بقية الخيام في الجهة الشرقية للساحة، بعدها بدأت القوات بالتقدم مع إطلاق النار وكان الكثير من الشباب يقاوم بالحجارة وكلما كانت تحترق خيمة كانت قلوبنا تحترق معها وأثناء توجهي إلى وسط الساحة وجدت ثلاثة من الشباب يحملون جثة شهيد وأحد الجرحى، إذا بقوات أخرى تأتي من المدخل الجنوبي للساحة، فتوجهنا إلى المدرسة القديمة وظلينا محاصرين حتى الفجر، وحينها تمكنا من الهروب بمساعدة أحد أبناء الحي ولم نتمكن من أخذ جثمان الشهيد، فلفيناه ببطانية وتركناه.
بألم وحسرة يقول المقطري: ماحدث كان أشبه بأفلام الخيال وكانت ليلة مرعبة ومخيفة.. عدد مهول من البشر يتساقطون كأوراق الخريف أمام عينيك.

رفضت المغادرة

أما الشاب أيمن ياسين ـ وهو إمام ساحة الحرية ـ يقول: كانت الساحة بمثابة بيتنا ولم نستطع مغادرتها برغم الغازات والأدخنة المتصاعدة والحرائق التي التهمت جميع الخيام وكان الكثير من أقاربي يتواصلون معي ويطلبون مني مغادرة الساحة، لكني أصررت على البقاء.
وأضاف ياسين: في الثالثة فجراً شارفت النيران على الانتهاء من كل شيء في الساحة، عندها أيقنت أنه لا مجال للبقاء وغادرت مع شقيقي وصهري وقلوبنا تتفطر ألماً وحسرة.
ويعتقد الناشط الثوري في ساحة الحرية ومنتدى المبدعين محمد الشرعبي أن محرقة ساحة الحرية كان لها الأثر في إحياء قلوب اليمنيين وإحراق الطاغية صالح، ويقول: في 29 / 5 / 2011 م بزغت شمس الحالمة على صوت المدافع ولعلعة الرصاص ورائحة الموت ودخان الخيام والأرواح في ليلة أحرقوا فيها المدينة الحالمة النائمة المسالمة.
ويضيف: أن الأجساد النحيلة التي تفحمت والرؤوس الحرة التي تهشمت والصدور الحية التي اخترقتها رصاصات الغدر والجبن والإجرام والمعاقين حركياً الذين تم استهدافهم عمداً وحرقاً بلا رحمة، كانت لعنة غضب و شرارة انتقام وعنوان صمود وبداية نهاية مروعة لقاتل مجرم وغادر ماكر ومراوغ كذاب ولص وضيع استمرأ واستعذب القتل والإرهاب أمام ثورة سلمية نقية.

استهدفت التحضر
بدوره يقول القيادي في أحزاب اللقاء المشترك حمود علي الطيار:محرقة تعز استهدفت شباب تعز المتسلحين بكل قيم التحضر والمدنية الحقة وسلاحهم السلم والثقافة والتعايش مع الآخر ولأنهم يحلمون بدولة مدنية حديثة يسودها النظام والقانون، دولة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات وكانوا هم السباقين للمطالبة بتحقيق هذا الحلم مع بدايات ثورات الربيع العربي وظلوا ما يقارب الأربعة أشهر وهم يجوبون شوارع تعز بعشرات الآلاف دون أن يقذفوا حجراً أو يقطعوا شجراً أو يعتدوا على بشر ويضيف الطيار : وكانت الساحة بعد الظهر وحتى المساء هي النموذج الحقيقي لمجتمع ما بعد التغيير الذي ينشدونه، مجتمع خالٍ من السلاح ومن المناطقية والطائفية والتعصب الحزبي المقيت وهذا ما أثار حفيظة النظام السابق لارتكاب هذه المحرقة، ثم فرض طوقاً أمنياً على المدينة المسالمة لمدة خمسة أيام.
ويختم الطيار بالقول: إن قطار التغيير اتجه للأمام وستُحقق بقية أهداف ثورة الشباب التي خرجوا من أجلها وبحمد الله بدأت تعز تتعافى واختفت مظاهر السلاح خلال الأسابيع المنصرمة بنسبة 90%.    
  
الحصانة خيانة

أما رئيس المجلس الوطني المستقل لساحة الحرية رياض القسيمي، فيرى أن النظام عندما أقدم على حرق ساحة الحرية كان بدافع الانتقام من المحافظة التي أشعلت فتيل الثورة وكان يعتقد أنه من خلال فعلته الإجرامية هذه يستطيع أن يخمد الثورة في مختلف الساحات الأخرى، لكن تعز برجالها وشبابها ونساءها وشيوخها انتصرت للثورة واحترق الفاسدون والقتلة بأفكارهم الشيطانية.
ويعتقد القسيمي أن من سيحاول تمييع مطالب الثوار بمحاكمة القتلة بحجة المصالحة الوطنية وما يسمى بقانون الحصانة، فإنه شريك في الجرم، لأن دماء الناس لا تسقط بالتقادم وسيحاكم التاريخ كل من يفرط بقطرة دم سالت في ساحة الشرف والكرامة ـ حد قوله.
وطالب القسيمي الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق المجتمع الدولي ـ إن لزم الأمر ـ للضغط على بقايا النظام للكشف عن المفقودين ومكان جثث الشهداء من الشباب والمعاقين وكشف هوية الجناة مرتكبي المحرقة.

في 29 مايو 2011م تجاوز النظام السابق القوانين والأعراف الدولية بكل وقاحة..

الاعتداءات على منشآت طبية وسيارات الإسعاف
في تاريخ الحروب العالمية لم تسجل أي حادثة اعتداء على سيارات الإسعاف أو الطواقم الطبية والمستشفيات الميدانية، كما تجرم القوانين الدولية، لكن ذلك حدث في تعز أثناء محرقة ساحة الحرية وما بعدها من قبل قوات النظام السابق.
يقول مصدر طبي في مستشفى الصفوة: عندما اقتحم الجنود المستشفى رأينا الشر في عيونهم ولم نكن نتوقع أن يدمروا المستشفى بتلك الهمجية والوحشية ويعتدوا بالضرب على المرضى والمصابين ويقطعوا ِقرَبْ الدم وينهبوا كل الأجهزة الطبية وما لم يستطيعوا حمله، أطلقوا عليه الرصاص مثل جهاز التصوير الطبقي المحوري المثُبّتْ على الأرض.
ولم يكن المستشفى الميداني الكائن في مسجد المعلمين بأحسن حالاً من مستشفى الصفوة، حيث أقتحم في ساعة الصباح الأولى وهو يعج بالمصابين وطاقم الأطباء والممرضين.
وبحسب مدير المستشفى الدكتور/ صادق الشجاع فقد اعتدى الجنود بأعقاب بنادقهم على جراحات المصابين ونهبوا كل محتوياته التي قدرت بخمسة وعشرين مليون ريال ولم يكتفوا بهذا، بل عمدوا إلى إهانة واستفزاز الجرحى والطواقم الطبية وذلك بتمزيقهم للمصحف الشريف وتبولهم في قبلة المسجد وهذه شهادات استمع لها علماء ومشايخ تعز عقب المحرقة من شهود عيان.
ويروي عاصم أحمد التبعي ـ سائق سيارة الإسعاف التابعة للمستشفى الميداني ـ بعضاً من تفاصيل المحرقة بقوله: لم نتمكن ليلة المحرقة من إسعاف كل الجرحى بسيارة الإسعاف، فأنضم إلينا مواطنون بسياراتهم لنقل الجرحى والمصابين إلى المستشفيات، ومعظم الإصابات كانت تتركز في الرأس والعنق، حتى أن أحد الجرحى أستهدف في الجمجمة وخرجت محتويات الجمجمة إلى السيارة وظل هذا المشهد لا يفارق مخيلتي ويؤثر في نفسيتي.
ويضيف: تعرضت سيارة الإسعاف لطلقات نارية اخترقت زجاجها الخلفي والأمامي وكان الهدف منعنا من إسعاف الجرحى،لا سيما في نقطة الأمن المركزي المتمركزة في الخط الدائري شمال سوق الجملة، كان يتم منعنا من الوصول إلى مستشفى اليمن الدولي بحجة إبلاغ العمليات، بينما كان الجرحى ينزفون وهو ما أدى إلى وفاة أحدهم قبل أن نتمكن من اجتياز النقطة الإسعافية.

مطعم الحرية
لم تكتفِ قوات صالح بإحراق ساحة الحرية ونهب مستشفى الصفوة والمستشفى الميداني، بل عمدت إلى تدمير كل ما يمت بصلة للثورة والثوار، حتى وإن كانت الصلة قطعة قماش أو لوحة إعلان على واجهة محل تجاري، كما هو الحال مع مطعم السروري الواقع في نطاق الساحة، الذي لم يمضِ على تسميته بمطعم ساحة الحرية سوى أسبوع، حتى جاءه تتار صالح، فحولوه إلى قاع صفصفا نهبوا كل ما فيه ولم يسلم منهم صندوق خاص لجمع التبرعات لمرضى السرطان، كسروه وتقاسموا ما بداخله. يقول محمد الراسني مالك المطعم: أغلقنا المطعم في تمام الحادية عشر والنصف ليلاً بسبب كثرة الغاز المنبعث من الساحة، حيث لم نتمكن من البقاء وكنا نتابع المحرقة من النافذة ولم نكن نتوقع أن يكون الضرب بتلك الصورة العنيفة والبشعة وبقينا حتى الصباح مع العمال وبعض الشباب الذين إلتجأوا إلينا، ثم تسللنا من الباب الخلفي للمطعم في الصباح، وعندما عدنا في الساعة 12ظهراً وجدنا الباب مسحوباً بخبطة حديدية وقد تم سرقة كل ما بداخله وبما مقداره أربعة ملايين ريال.

أرقام وإحصاءات
تشير إحصائية المستشفى الميداني إلى أن عدد الشهداء الذين قدمتهم تعز منذ إندلاع ثورة الشباب السلمية بلغوا "150" شهيداً، منهم 15 شهيداً يوم المحرقة 29 مايو 2011م وحدها، فيما بلغ عدد الجرحى 2300جريح، بينهم أكثر من 160 أصيبوا يوم المحرقة، فيما بلغ عدد الذين أصيبوا بالغازات يوم اقتحام الساحة ما يقارب 500 مصاب.
وهذا العدد الكبير من المصابين والجرحى كلف المستشفى الميداني مبالغ طائلة، حيث ما يزال المستشفى مديوناً بمائتين وخمسين مليون ريال.
وبينما ينتظر ما يقارب من 300 جريح دورهم في العلاج بعد حديث محافظ تعز الحالي الأستاذ/ شوقي هائل عقب تسلمه مهامه عن توجيهه بمعالجة جرحى الثورة في مستشفى تعز الدولي على نفقة الدولة، ما تزال المئات من أسر الشهداء والجرحى تكابد الأمرين ولا تجد من يمد لها يد العون والمساعدة وعلى رأسها أسر شهداء محرقة ساحة الحرية.
"أخبار اليوم" تنشر هنا بعض أسماء شهداء المحرقة وفقاً لحصيلة المستشفى الميداني.وهم :
 فاروق محمد سعيد
•   عبد الباقي عبد الولي   
•   محمد عبد الرقيب عبد الرزاق
•   فؤاد عبده غانم إسماعيل
•   عمران قاسم أحمد عبد الله
•   أنور حمود فرحان
•   محمد أحمد البيضاني
•   مرتضى مطهر إسماعيل غالب
•   مقبل أحمد عبده الأصبحي
•   نزيه المقطري
•   وضاح عبد القادر

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد