حرائر تعز يروين مواقف من حراستهن منافذ ساحة الحرية قبل المحرقة

ثائرات يحرسن اليمن

2012-05-31 02:06:00 محمد عبد الله الجماعي تحرير: اخبار اليوم


بعيونهن الممتلئة بالأمل والتواقة لغدِ مشرق رصدت ثائرات ساحة الحرية بتعز أحداث ومراحل الثورة السلمية، منذ بداياتها الأولى في فبراير 2011م. إذ لم تقتصر ثورتهن على حضور المسيرات والمشاركة في الوقفات الاحتجاجية وصناعة الكعك وحياكة الملبوسات والمطرزات وغيرها من الأدوار النمطية والتقليدية لنساء اليمن.. لقد تعدى الأمر ما هو أبعد من ذلك بكثير، وتقاسمت ثائرات اليمن مع الثوار جنبا إلى جنب مسئولية اندلاع و نجاح الثورة ثم حراستها حتى تحقيق كامل أهدافها.
فإلى جانب تنظيم وحماية المسيرات والفعاليات الاحتجاجية وحراسة منافذ الساحة وتفتيش القادمات اليها، وإحياء ساحات الثورة وتنشيط يومياتها بكل ألوان وأشكال الفعل الثوري، فإن ثائرات تعز ذوات اليد الطولى في تعزيز مسار الثورة من خلال نسائه الفاعلات، وقدمت ساحة الحرية بتعز ما يزيد عن ثمان شهيدات وعدد من الجريحات والمعتقلات.
وتزامناً مع نشر اخبار اليوم ملفات محرقة ساحة احرية بتعز" الهولوكست المرعب" في ذكراها الاولى تتحدث العديد من الثائرات في ساحة الحرية بتعز، يروين تفاصيل وقوفهن في منافذ الساحة اثناء تادية مهامهن الامنية قبل وأثناء المحرقة في هذا التقرير.

مواقف صعبة
في العاشرة صباحاً تقف الثائرة فتحية مكرد على منفذ محطة صافر شمال ساحة الحرية بتعز لتؤدي مهمتها الامنية وتفتيش النساء القادمات الى الساحة او الاحياء المجاورة لتنتهي من مهمتها في العصر باحثة عن منفذ اخر.
تقول مكرد انها تلقت العديد من الشتائم بالالفاظ النابية من احدى النساء المؤيدات للنظام السابق الساكنات جوار الساحة وكان يتطلب الامر تفتيشها قبل الدخول.
وكان هذا أحد أصعب المواقف التي واجهتها فتحية - حد قولها، خصوصا عندما حاولت تلك المرأة الرافضة للتفتيش خلع بعض ملابسها إمعانا في الرفض والعناد وإحراج المفتشة مكرد التي كانت تقف لوحدها في المنفذ الى جاني عدد من الشباب الذين يعملون على تفتيش القادمين إلى الساحة من الرجال.
وتضيف فتحية أنها لم تستطع أن تتخذ قرارا بمطاردة وملاحقة المرأة ومراقبة خطر سيرها وماذا تنوي أن تفعل،خصوصا وأنه لا توجد فتاة غيرها تغطي حراسة هذا المنفذ، ولكن احد الشباب طلب منها القيام بدورها في تعقب الحركة الغريبة لهذه المرأة.
سكاكين ومقصات وخناجر
تقول فتحية إن الأغرب من ذلك هو حمل بعض أولئك النسوة للسكاكين والمقصات الكبيرة حق الخياطة والخناجر الضخمة.. وانها كانت تخشى من أخذها منهن بالقوة إذا ما كانت وحدها، حتى لا تصاب بسوء، حسب تعبيرها.
"كانت المسئولة الأمنية للمنفذ توجه الحارسات بمصادرة أي آلة حادة من أي امرأة أيا كانت مكانتها، وان يتم تتبع من رفضت التفتيش درءا للمشاكل حتى تخرج من الساحة".. قالت وفاء مشهور الأهدل. الثائرة الحرة كما تطلق على نفسها..
بلطجة بلا حدود
أن تدخل بعض النساء من المنفذ عنوة.. أن ترفع صوتها على لجنة النظام.. أن تشتم أن تسب.. ذلك شيء مألوف وتكرر مئات المرات كما تقول فتيات الساحة، لكن أن تأتي إحداهن بجلباب إسلامي وعباية فضفاضة، لتمشي بين الممرات والخيام.. ويحدث ذلك الثامنة ذات مساء.. فذلك هو ما لفت نظر الثائرة رحمة عبد العزيز الأغبري (مراقبة داخلية)، خصوصا عندما توجست من غلظة صوتها، الأمر الذي دفعها لمعرفة هذا الكائن الليلي وكشفه، لتفاجأ رحمة بأن الجلباب كان يخفي رجلاً!! وكشف ملعوب هذا الرجل(المبولط)، الذي قدم إلى ساحة الحرية في هذا الوقت للتجسس والنهب وترهيب وتخويف النساء في الساحة.. وتم تسلينه إلى لجان النظام الرجالية.
كانت الساحة تتعرض لكثير من هذه الأعمال كما تقول رحمة الأغبري، تمهيدا لمحاولة لاقتحام الساحة من عدة منافذ، إلا أنها كانت كلها تبوء بالفشل، حتى كانت المحرقة في التاسع والعشرين من مايو 2011م.
مواقف وأمطار وشموس
وواجهت حارسات ساحة الحرية بتعز الى جانب تلك المواقف والصعاب اثناء تادية مهامهن تأثيرات البيئة وعوامل الطبيعة.
تقول سحر سعيد محسن الطالبة في قسم علوم القرآن بكلية التربية انه خلال عملها كعضو في لجنة النظام والامن في منفذ مستشفى الصفوة المطل على ساحة الحرية انهن كن يواجهن المطر الغزير وأشعة الشمس الحارقة في عز الظهيرة في غالب الأيام.
فيما تسرد إشراق حمود رزاز قاسم هذه القصة:"في أحد الأيام تأخرت عن الحضور إلى المنفذ الذي كنت أقوم مع إحدى الأخوات بتنظيمه والتفتيش فيه، من أجل الحفاظ على ساحتنا التي نحبها أكثر من حبنا لأي مكان آخر في تعز وكنا نحافظ على أمنه وسلامته. وكان تأخيري بسبب المطر الغزير، وكنت أقول في نفسي إن الأخت المرابطة في ذلك المنفذ قد تركته بسبب غزارة المطر كأمر طبيعي.. فنزلت من بيتنا الساعة الرابعة عصرا على عجل والمسافة من بيتي إلى الساحة حوالي نصف ساعة، وحين وصلت كانت الحشود النسوية قد بدأت في التوافد إلى الساحة بشكل كبير رغم غزارة المطر، وكانت هذه الأخت تقوم بالتفتيش وهي ترتعد بقوة بسبب المطر فقلت لها لماذا لم تتركي المكان وتصعدي إلى مكان آمن بجانب فندق المجيدي، فكان ردها علي مذهل وقوي، قالت: خشيت أن تدخل إحدى النساء بدون تفتيش فأكون السبب، لا قدر الله، في أي مكروه يحصل للساحة!! فما كان مني إلا أن شكرتها وحييتها على ذلك"..
وتروي إشراق قصة اخرى:" كانت إحدى الأخوات اللواتي يحرسن بجانب محطة صافر مريضة وتتحامل على نفسها منذ الصباح. وكنتُ في هذه اللحظة اقف مع مسئولة لجنة النظام في المدخل الجنوبي، حين أرسلت هذه الأخت برسالة تطلب فيها تغييرها بواحدة أخرى!، وعندما سألتها: لماذا لم تطلبي التبديل منذ وقت مبكر؟ اجابتني: هذه ساحتي وأريد أن أقدم لها أكثر ما عندي ولا أريد أن ينقص أجري".
وتحدثت الثائرة سمية أحمد مرشد الزهري 18 عاما، وتعمل كلجنة نظام رغم صغر سنها ومستواها الدراسي (ثاني ثانوي)، مؤكدة أن أحلى الأيام مرت بها وهي في ساحة الحرية، وتقول: كنا نتعاون فيما بيننا رغم عوامل الطبيعة من أمطار وشموس وغيرها، على تنظيف الساحة، الجميع كان ينظف دون خجل من التنظيف، لأننا تعلمنا أن اليمن ملك الجميع والساحة ساحة الجميع، ويجب أن نقوم بواجبنا ونحافظ عليها ونهتم بها".

بين صنعاء وتعز
وفي صنعاء استمعت الثائرة وردة حيمد لأصناف وألوان من الكلام وإيذاء بعض النساء: "انتن قليلات أدب، وبنات"..."، لو انتين بنات ناس ما يخلوكنش تسيرين وتجلسين في الجامعة - الساحة-، أصلا لو تروحين البيت لا يروحوا الرجال والشباب كلهم".. "أيش هذا الحصار، تفتشين كل شيء، والله لأكسر يدك، يا قليلة الحيا..."، "يا سارقات تشتين تسرقين التلفونات والزلط !!". كل هذه الالفاظ والاتهامات تواجهها وردة ورفيقاتها الثائرات كل يوم في ساحة التغيير بصنعاء امام الجامعة.
تقول وردة: أكثر ما يؤلمني هو ارتفاع أصوات تلك النساء بهذه الالفاظ حتى يسمع ذلك المفتشون الرجال". وتضيف: وكان يثير حنقي أيضا قول بعضهن: "كم لكم وانتم بتدعوا على علي عبد الله صالح، والله ما يسمع منكم، بس بترجع فوقكم يا ظلمة!!"، "أنتين هانا جالسات أكيد بيسلمولكن معاش والا أيش جلسكن هانا من الساعة سبع لا مغرب!".. "ليش بتفتشين أو احنا يهود أو كفار، أو معانا قنابل وقذايف!!".
(في صنعاء فقط) يحدث مثل ذلك، بسبب تأثير بعض سكان حي القاع والزراعة والكويت وسواد حنش، المجاورين لساحة التغيير، إذ أن معظمهم قدم في الأصل، إما من صنعاء القديمة، أو من مديريات محافظة صنعاء، ويتخذون من الأمانة امتدادا لقراهم وقبائلهم بما فيها من عادات وتقاليد وولاء مصلحي للنظام تبعا لوظائفهم الحكومية، سيما من يعمل منهم مع جهات كالأمن القومي والسياسي والاستخبارات وغيرها.. وهو ما يميز بلطجة تعز إن صح التعبير، عن صنعاء، بحسب ما ترويه ناشطات ساحتي التغيير والحرية، ويعود الأمر إلى تفوق تعز من الناحية الفكرية والثقافية وازدياد الوعي بمراحل عن غيرها من المحافظات وخصوصا صنعاء.

مميزات
الثائرة وفاء مشهور الأهدل عملت كحارسة في منفذ مستشفى الصفوة، وتقوم بتغطية بعض المنافذ الأخرى وتساهم في الإسعافات الأولية كدور آخر جديد إذا ما حصلت أي مجازر لا سمح الله، وبدأت وفاء مشوارها مع الثورة بعد الجمعة التي توفي فيها أول شهيد بساحة الحرية بتعز, وهو الشهيد مازن البذيجي، اذ جاءت بقصد التعرف على الساحة و ما يحدث فيها- حد قولها.


تقول الهدل: "أذهلني ما رأيت!! شبابا يتفجرون حماسا وحرية، وفي صوتهم زئير النصر.. اندهشت وانا ارى من كان بالأمس يتسكع بالشوارع والطرقات، ويعاكس الغادية والرايحة من النساء، الان يشارك إخوانه بإقامة سور بشري، لتنظيم مرور النساء ويفسحون المجال لهن، ويصفونهن بأجمل الأوصاف ويكرمونهن أجمل تكريم. أقسم أني وأنا في تلك اللحظات، أحسست بأني ملكة لشدة احتفائهم بنا واحترامهم لنا".
تؤكد وفاء مشهور الأهدل: "هذا ما زاد من ثوريتي وجعلني أنضم إلى لجنة النظام. وبعدما التحقت بلجنة النظام، كان أجمل ما رأيته وعشته، الأخوة التي جمعتني بكثير من الأخوات من كل المستويات، والمساواة التي انتشرت بين كل الناس، بين الفقير والغني والصغير والكبير وهناك إيجابيات لا حصر لها ولاعد".

يوم في حياة ثائرة

استيقظت الثائرة سمية المجاهد ذات صباح يشبه صباحا آخر أحرقت في مسائه ساحة الحرية بتعز. أدت سمية صلاة الفجر وقرأت شيئا من القرآن وأذكار الصباح حتى جاء وقت صلاة الإشراق.. وكأي فتاة يمنية نشيطة اعتادت الاستيقاظ في هذا التوقيت، جهزت سمية الإفطار للعائلة، ولشباب الصفحة الرسمية لساحة الحرية بتعز،(صفحة نشطة على الفيس بوك وتعد الناقل الرسمي الاخبارالثورة الشبابية بتعز) لقرب مقرهم من منزلها.
بعد ان يتناول اهالي سمية افطارهم، يتجهزون للخروج في مسيرة صباحية دعت إليها، كالعادة، منصة ساحة الحرية..
التاسعة والنصف.
تقول سمية: "أبي، أمي، أختي، ابنة عمي، أخواني الاثنين، متعودون كل اثنين وخميس على الخروج في مسيرات، وكلما دعت المنصة إلى مسيرة بأي مناسبة".
تقول سمية: عند نقطة التجمع في "ديلوكس" التقت المسيرة وطافت شارع جمال، و26 سبتمبر، والشعب، وصولا إلى الساحة. وفي الطريق "قرحت رجلي".
الجميع الحوا على سمية ان تستقل احدى السيارات التي ترافق المسيرة لكن سمية اصرت على مواصلة المسير رغم مرارة الألم وكأن شيئا لم يكن، وعند وصولها إلى ساحة الحرية، كان عليها الدور لتكون ضمن لجنة نسائية في أحد منافذ الساحة.
كانت هذه هي الفترة الأولى من صباح يوم في حياة الثائرة سمية المجاهد في السادس والعشرين من مايو 2011م. لتعود سمية المجاهد عصرا، وقد استجمعت قواها في منزلها بعد أن كان الألم قد تجمع وازداد، وأدت الصلاتين وأخذت قسطا من الراحة.
تقول سمية انه عند عودتها الى البيت كان شوقها إلى الساحة يغالبها كلما تذكرت المنافذ الكثيرة والممرات وحاجة زميلاتها إلى التبديل والتغيير لأخذ راحة مماثله، ستتبعها لاحقا ساعات عصيبة جدا.. "بقيت أنتظر الدقائق والثواني حتى أعود لأتذوق طعم الحرية" تضيف سمية.
في الساحة تنسى سمية وأمثالها قضايا صغيرة كآلام الرجل أو الرأس، أو خلافات الفكر والأيدلوجيا، وتشغلهن قضايا الحرية وإسقاط النظام. لذا فقد عادت الثائرة سمية عبد الكريم المجاهد، كما تطلق على نفسها، إلى الساحة بقدمين متورمتين قد أثقلهما التعب.. "كنت لا أذكر الألم إلا في المنزل عندما اعود".

(29 مايو 2011م) كما ترويه حارسات المنافذ
هولوكوست ساحة الحرية
ليست هذه هي الرواية الكاملة لما جرى يوم المحرقة، لكنها جانب مهم مما شاهدته حارسات المنافذ، ويبدو أنه الجزء العاطفي من الرواية وبطبيعة الحال، فقد كان يوم التاسع والعشرين من مايو 2011م، هو أسوأ أيام الثورة في تعز على الإطلاق، عند كل أبناء تعز، مؤيدين ومناصرين.
اختراق الساحة من قبل عملاء وعميلات
عصر 29 مايو 2011 كانت الثائرتان أسماء علي عبد القادر الراعي، وفاطمة محمد سفيان، تقفان في احد منافذ الساحة يقمن بواجبهن بالتفتيش.
تقول اسماء وفاطمة انه قدمت إليهن إحدى النساء، وقالت إنها قيادية في فرع المؤتمر في الدائرة (30) وهي الدائرة التي يمثلها الدكتور شوقي القاضي في البرلمان. وقالت إنها تريد أن تطلع على صمود الثوار.
وكان الشك يراود الفتاتين أسماء وفاطمة. وعندما أذنتا للمرأة بالدخول، كان معهن في المنفذ زينب أحمد مقبل، ونعيم عبد الجليل.. تقول الثائرتان: "في تلك الأثناء خرج الشباب في مسيرة حاشدة للمطالبة بالإفراج عن الشاب المعتقل عبد الله عبد الولي في مديرية أمن القاهرة. وما هي إلا لحظات.. حتى سمعنا طلقات رصاص قوية، ثم علمنا أن العسكر يضربون النار على الشباب، ثم سمعنا أصوات انفجار هز الساحة هزا"!.
هرع الجميع إلى مكان الحادث، ومثلهم الفتاتين اللتين غادرتا المنفذ لأخريات بقين فيه، ونزلن إلى الساحة، ليشاهدن ما لا يحبذن مشاهدته من الأشلاء والجرحى الذين يتم إسعافهم ونقلهم إلى المستشفى الميداني ومستشفى الصفوة العام, "كانت دماء الجرحى تملأ المكان" .. قالت الثائرتان.
رعب ومطاردة في منفذ آخر
في الأثناء كانت سمية المجاهد، وتحديدا في الخامسة إلى الخامسة والنصف، قد غادرت الساحة وكثير من النساء بطلب من الشباب، حيث تم إفراغ الساحة من النساء، بضغط كبير ورغما عنهن. شاهدت سمية ألسنة اللهب والدخان يتصاعد عند مدخل الساحة أمام مديرية القاهرة، وشاهدت وسمعت أيضا، حسب روايتها، إطلاق الرصاص الحي ومسيلات الدموع على الشباب الصامد في مشهد رعب لا تقابله إلا بطولتهم، وصمودهم أمام المديرية في المنفذ المقابل، وصمود نساء أخريات لم يغادرن الساحة.
تقول سمية: لقد آلمني منظر مطاردة قوات الأمن بأصنافها للشباب في الحواري والأزقة، مستخدمة الرصاص الحي المباشر ضدهم.
ومن نافذة منزلها القريب للساحة ظلت سمية تتابع مايجري والالم يعتصرها.. وتضيف: أحد الأطفال عمره يقارب 15 عاما فتح صدره عاريا أمام الجنود مخاطبا أحدهم: "هذا صدري, تقتلني وأنا أخوك، وتحمي علي عفاااااش".
وتسمرت سمية أمام مشهد الجندي وهو يطلق الرصاص على الطفل دون هوادة، كأنما فقد عقله.. "الدماء تسيل أمام منزلنا وفي مدرجات البنايات المجاورة، حتى المسجد المجاور قصف وقت صلاة المغرب، فلم يدعوا أحدا إلا وأخافوه. واستمرت المطاردات بالأطقم العسكرية إلى المنازل التي كان الشباب يلوذون بها، واستمر العسكر في نعت الشباب بأقذع الألفاظ". قالت سمية..
ذكريات الخالة (تفاحة)
بعد المغرب، وبالعودة إلى حديث الثائرة فتحية مكرد قاسم الحميدي، عضو "ائتلاف شباب الثورة"، والتي كانت متواجدة في منفذ محطة صافر، ذلك اليوم (الأحد) الذي وصفته بالمشئوم، منذ الصباح الباكر حتى التاسعة والربع مساء. فقد حاولت فتحية ومن كانت إلى جوارها الصمود وعدم مرواحة المنفذ، غير أن تأثير الغاز السام كان أقوى، إذ وصل إليهم في محطة صافر شمال الساحة، أثناء صلاة المغرب، بالتزامن مع إطلاق الرصاص الحي الذي كان أكثر في المنافذ، فيما تواصل ضرب النار على الساحة أثناء صلاة العشاء، وألقيت قنبلة غازية إلى المنصة. تقول فتحية: "فدخلنا مكان التغذية عند الخالة الشهيدة تفاحة العنتري رحمها الله, لكننا اختنقنا أيضا لعدم وجود منفذ سوى باب ضيق، لم يكن يسمح سوى بدخول الغاز الخانق إلينا"، وتضيف "كان وقتا صعبا، كنت أرى فيه الشباب يختنقون بالغاز ويقتلون وهم يدافعون ببسالة عن ساحة الحرية، ولا حول ولا قوة إلا بالله. بعدها تم إدخالنا إلى استراحة الفندق، لمدة قصيرة، غادرنا بعد وروحنا بيوتنا وقلوبنا تقطر دما لكننا صامدون بإذن الله تعالى"..

تتفقدان زميلاتهن في المنافذ
حاولتا –فاطمة وأسماء- جاهدتين النزول والاقتراب من منفذ بنك التسليف التعاوني الزراعي، للاطمئنان على زميلاتهن وزملائهن في لجنة النظام هناك، وأثناء مرورهن من أمام منفذ مستشفى الصفوة كانت لجنة النظام النسائية غير موجودة!. قيل لهما بعد ذلك إن الشباب قاموا بتفريغ المكان، نظرا لازدحام المكان بالجرحى. ومنعهما الشباب من النزول.
تقول اسماء: "أخذ أحد الشباب يصرخ في وجوهنا، أنه سيضطر لإدخالنا في أحد الدكاكين المجاورة لنا وقد يغلق علينا الدكان إذا لم نبتعد. وأخذ بقية الشباب يطمئنوننا بأن الأخوات (لجنة النظام) بخير وأنهن في إحدى الشقق المجاورة للمنفذ".
إلى هنا كانت الثائرتان فاطمة سفيان وأسماء الراعي تتوقعان أن الأمر لا يعدو كونه "مزحة ثقيلة" من قيران وضبعان والعوبلي، ولا يقصد من ورائها اقتحام الساحة، وأنها مجرد زوبعة في فنجان، لا تلبث أن تهدأ، ويعود الجمبع الى الساحة- حد قولهما.
وعلى مقربة منهن كانت سحر سعيد محسن (إحدى ثائرات حركة 11 فبراير بتعز) تقف أمام مستشفى الصفوة الذي قالت إن الجنود نهبوه بعد ذلك. "كنت أرى الجرحى والشهداء، يدخلون إلى مستشفى الصفوة أمامي. منهم من بترت رجله برصاص (معدل)، ومنهم من بقرت بطنه وخرجت أمعاؤه، ومنهم من طار نصف رأسه، ومنهم في مؤخرته وركبته ومنهم ومنهم، رأيت ذلك بأم عيني، كان موقفا صعبا جدا تفطرت له قلوبنا، تيبس فينا اللسان، وتوقفت الكلمات عن التعبير، ذلك موقف يشيب له الرأس".
فيما تعتز سمية الزهري 18 عاما، بموقف لها وصفته بالبطولي. وقالت :"كنت أقوم بإسعاف الجرحى والمصابين بالغازات المسيلة للدموع وبالرصاص الحي إلى المستشفى الميداني".
اليوم الثاني للمحرقة
عصر اليوم الثاني للمحرقة، نزلت سحر سعيد محسن الطالبة في قسم علوم القرآن بكلية التربية، نزلت الساحة من جهة الجامعة الأردنية وطافت كل أرجاء الساحة.
تقول سحر: "شاهدت كل شيء، كيف كان وكيف أصبح!!. في لفتة واضحة على قبح ما صنعوه، وكان بلاطجة وعصابة صالح منتشرون في أرجاء الساحة، يتباهون بهذا الانتصار. وما لفت نظري هو أنهم يقومون بتنظيف سوأتهم وإخلاء الساحة من آثار كل ما اقترفوه من إجرام".
وبالمثل عادت فاطمة سفيان وأسماء الراعي في اليوم التالي للمحرقة، على بعد أمتار من تجوال زميلتهن سحر، وعلى بعد نفس المسافة من المحرقة. عادت إلى الذاكرة ليلة مضت بكل تفاصيلها:"حشود بشرية ثائرة تملأ الساحة، وحصار ورعب يضرب يمينا وشمالا من كل منافذها، والأطقم العسكرية والآليات والعسكر يصولون ويجولون، كأنهم في معركة فصل مع الأعداء.. ماحدث أشبه بهولوكوست لم يرحم حتى المعاقين داخل الخيام".
وعندما أطبق الظلام وعم الهدوء المكان شعرت فاطمة وأسماء وسحر وكل فتيات وفتيان اليمن بعمق المأساة وفداحة الكارثة: إخلاء ساحة الحرية، أول وأكبر ساحات اليمن، من كل شيء فيها إلا الحريق.
تقول الفتاتان في مذكرتيهما إنهما عجزتا عن النطق، القلوب تخفق بشدة لعدم استيعاب المنظر، هول الخبر كان بمثابة صاعقة نزلت علينا.
 "لم تعد في تعز ساحة للحرية.. الرماد سيد الموقف، الحزن أمير الظلام، الأنباء الغير سارة تملأ الأرجاء، وصلنا قبل الفجر بقليل خبر استشهاد الشاب الثائر نزيه عبد المعين المقطري وأحد عشر أخرين. نزيه كان أحد شباب لجنة النظام الرجالية. صارت تعز حزينة وبقيت على ذلك مظلمة حزينة كسيرة، حتى كان يوم الجمعة التالية، التي استعاد فيها الشباب ساحتهم، وأفرح الله بها قلوبهم، ورفع رؤوسهم".. كما قالت اسماء وفاطمة.


الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد