أسئلة وأجوبة مختارة من كتاب الداعية الكبير محمد متولي الشعراوي (أنت تسأل والإسلام يجيب)..

س:كيف كان ينزل الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ؟
(ج):كان أول الوحي يجهد النبي صلى الله عليه وسلم, فكان يقول بعد أول الوحي ( زملوني دثروني ) وقال في أول اتصال الوحي به"فغطني حتى بلغ منى الجهد" وروت السيرة :" وإن جبينه ليتفصد عرقاً".. كل ذلك ظواهر مادية وهذه الظواهر المادية لابد أن تكون ما فيها إجهاد مادي ومادام فيها إجهاد مادي لابد أن تكون فيه كما سبق أن قلنا تحولات كيماوية في ذاتيته البشرية صلي الله عليه وسلم, لأن ملكاً أعلى سيلتقي ببشر فلا مفر من أحد أمرين :
الأمر الأول : إما أن ينتقل الملك من ملكيته إلى بشرية تساوي بشرية الرسول فيتكلم معه وحينئذ لا يكون عند البشر مجهود, لأن العملية صارت من الملك : وتمثل له بشراً و كلمه فهو لا يزال على طبيعته البشرية..
وإما أن يحصل التحول منه صلى الله عليه وسلم فتصفو نفسه وتهتز بشريته حتى يمكن أن تلتقي البشرية بالملكية وذلك هو أشق أنواع الوحي على رسول الله صلي الله عليه وسلم, إلا أنه أأكد الوسائل في صدق بلاغه عن الله, لأن الملك إذا تمثل ربنا يكون الظن بشراً أعلى من بشريتي يكلمني ويخاطبني وينقل إلي كذا فليس في ذاتيته صلى الله عليه وسلم دليل الاتصال الخارجي .
أما أن يحدث في تكوينه شيء ترتجف بوادره ويتفصد جبينه عرقاً ويحصل له ما يحصل, فهذا أمر ذاتي فيه فحينما يأتي علم له عن هذا الطريق يعرف أن ذلك علم عن طريق غير عادي ينجلي فيه ما على الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه دليله أن ذلك ليس أمراً عادياً لا ببشر ولا بكلام من وراء حجاب .

س:نعلم جميعاً أن الله سبحانه وتعالى استجاب لإبليس دعاءه له عندما قال :" أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " فقال الحق جل شأنه : " فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ " والكثيرون من الناس يسألون : إنهم يدعون الله دائماً ليلاً و نهاراً ولا يستجيب لدعائهم.. فما التعليل لذلك ؟
(ج):الله سبحانه وتعالى يستجيب حتماً لخير عبده المؤمن وما هو قادم غيب عنا لا يعلمه إلا الله وحده.. ومن هنا فإنا لا نصلح أن نكون حكماً لما هو قادم .
وقد تطلب من الله شيئاً وفيه ضرر كبير ولو كان يبدو خيراً وقد نطلب مالاً فيفسدنا ويبعدنا عن الله ويجعلنا نطغى وهذا هو الخسران المبين والله يريد أن يحفظنا وأن يعطينا ثواب الآخرة وأن يجعل لنا حظاً من النعيم..
ومن هنا تقف الإجابة وتكون رحمة الله سبحانه وتعالى وصدق الله تعالى إذ يقول :"وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ " "وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"..و لكن الناس ينظرون إلى ظاهر الحياة الدنيا ولا ينظرون إلى حقيقتها, فالحق سبحانه و تعالى إذا وجد في سابق علمه الأزلي خيراً عجل بالإجابة وإن وجد شراً أجل .

س:يقول تبارك وتعالى بسورة ياسين : " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" و يقول أيضاً بسورة المائدة :" يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ويَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ" ويقول بسورة البقرة :" يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ".. فهل لطلاقة القدرة في المشيئة الإلهية حكمة ؟ وما حكمة هذه المشيئة في قضية العقيدة ؟
(ج):هذا هو قمة طلاقة القدرة, فالآيات هذه تنبهنا إلى أنه ليس هناك أسباب عند الله يتقيد بها وتتقيد بها مشيئته سبحانه وتعالى … ولو كانت قيداً لقال لنا الله إنه إذا أراد شيئاً هيأ له الأسباب ليكون ولكن كلمة ( كن ) معناها أنه لا دخل للأسباب هنا وأن الشيء يوجد بمجرد قوله سبحانه وتعالى ( كن )
وسبحانه وتعالى يقول بسورة الشورى : " يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً ويَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ"ويقول" وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ " .
ورغم أن الله سبحانه و تعالى جعل الإنجاب لا يتم إلا باجتماع الذكر والأنثى .. إلا أن طلاقة القدرة تجعل من يشاء عقيماً فتتوقف الأسباب بمشيئة الخالق …. سبحان الله .
وطلاقة القدرة هذه لا يستعصى عليها شيء, لأنها تطرح الأسباب وهي تؤكد أن الله سبحانه وتعالى الذي يخلق بالأسباب يخلق أيضاً بغير الأسباب.