قال عنه الشاعر حسان بن زيد:
أجمل منك لم تر قط عيني                                         وأفضل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب           كأنك قد خلقت كما تشــــــاء
هكذا وصفه شاعره, وهكذا مجده وعظمه, ففيه يعجز الشعر وعنده تخجل الكلمات وفي حضرته تتوارى العبارات, وله تنحي الهامات ولأجله ترخص الأرواح.. وجهه نور وضياء وابتسامته للروح شفاء وضحكته تتراقص له الأرجاء.. تتوق له القلوب وتتمناه الدواخل وتتلهف لرؤيته الأنظار.
في كلامه عذوبة ورقة، وفي صمته قول وحكمه- ما أن تطأ قدمه في مكان حتى يهيج ويخضر ويهلل وينتشي فرحاً وما أن يثني على أحد حتى ينتحب ويبكي سروراً وبشراً..
كان قبله العالم يتخبط ويضطرب, ويسوده الفوضى والعشوائية والهمجية, فلا قانون يحكم ولا دستور يعدل ولا قلوب أو ضمائر حية تحن وتتألم, وحينما هلّ بنوره وجماله تبسم الكون ضاحكاً وتراقصت الروح والأفلاك طرباً وأستبشر الكل خيراً وتيقن العالم أن الخير والعدل والنور إلى الأرض قد نزل.. وإن محمداً هو خير البشر وأنه حياة لمن يحتضر ونوراً لمن هو مسود مكفهر ودليل لمن هو تائه ينتظر, ونجاة لمن أراد الخير وعن الشر والجهل أدبر.. أدركوا أن محمداً الهدى والهوى والنور والماء والأنفاس التي تتصاعد من الأحشاء.
أدركوا أنه الرسول المختار ومن تخافه الأحبار ومن تهدمت له الأسوار, وهابته الأشرار وأسلمت له الأخيار.. كان لا ينطق عن الهوى إنما كان بوحي من رب السماء.. عانى وتحمل ولأجل دين صبر, لم يبحث عن مال أو جاه أو سلطان ولم يكن يريد سوى رضاء الرحمن.. أحبه من عرفه ومن لم يعرفه وصدقه من سمع أخباره. كان لهم الحصن الحصين والأخ والرفيق, وكان عندهم الصادق الأمين.. قال لهم اتبعوني تفوزوا وتظفروا وخالفوني تظلوا وتخسروا, أحمل لكم هدى المولى وفلاح رب السموات العلى, وأعدكم بمرافقة الصديقين والشهداء وبلوغ الدرجات العلى.. جئتكم بدين العدل والمساواة والرحمة والأمانة, دين لا يفرق بين أحد ويجزي المحسن ويعاقب المسيء ويهدي الضال ويصبر على العصاة ويتجاوز أحياناً عن القساة..
في زمانه نصروه وآزروه ومن اجل دين ربه أعانوه, وعلى خطاه ساروا ولم يتراجعوا, ولمشواره أكملوا ولدينه نشروا, فقالوا "محمد قد مات ولكن الله حي لا يموت" وطبقوا شرعه وساورا على سنته وأتبعوا خطاه, فكان فيهم ومعهم في حلهم وترحالهم, ينشدون رضاء الله ويتمنون مرافقة رسول الله.
 واليوم أنتهك حرماته المنتهكون وتعدى حدوده المتجبرون وخالفه من لشرع الله يبغضون ولدينه رسوله يكرهون, اليوم جعلوا من رسولنا هزوا فبأقذغ الألفاظ وصفوه وبأبشع الصور رسموه وبأقبح التهم اتهموه, ونحن نقف كالبلهاء لا نحرك ساكن, نسمع وكأننا لا نسمع ونرى وكأننا لا نرى.
مات فينا الضمير وانحطت المشاعر وتجمدت الضمائر, نستدر عطفهم ونستجدي خيرهم ونتودد لهم, ورسولنا قد شتمته ألسنتهم ورسمته أناملهم وعادته أفعالهم وبغضته قلوبهم, فمتى سنثور ومتى سننتفض ومتى سنحترق؟ من سينصره غيرنا ومن سيتألم عليه غيرنا ومن سيأخذ بحقه وثأره غيرنا, إلى متى سندعهم يؤذونه وإلى متى سنتركهم يشتمونه وإلى متى سنصمت على كل هذا, فإن لم نستطع بأيدنا, فبقلوبنا وذلك أضعف الإيمان وأقوى السلاح ولندعو الرحمن في الدجى أن ينتصر لرسوله وأن يرفع رأيته وأن يعلي كلمته...