رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة الحادية والثلاثون)

2012-08-27 23:57:55 اخبار اليوم


خطوة جريئة ولكنها موفقة
يا صاحب ...
بعد كل ما تقدم لا عذر لنا إن جانبنا طريق الحق : طريق الإسلام , واتبعنا طريق الشهوات والزخارف : طرق أوربا , وفي طريق أوربا زينة وبهرج , وفيه لذائذ وترف , وفيه تحلل وإباحية , وفيه ما تهوى الأنفس من متعة , وكل ذلك إلى النفس حبيب وقد قال تعالى :
 (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (آل عمران:14) .
ولكن طريق الإسلام عزة ومنعة , وحق وقوة , وبركة واستقامة , وثبات وفضيلة ونبل , فاسلكوها بالأمة وفقكم الله :
 (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران:15) .
وإنما أهلك الأمم الترف , وإنما زلزلت أوربا المتع والمطامع :
 (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) (الإسراء:16) .
وإن الله تعالى قد أرسل رسوله رحمة للعالمين إلى يوم القيامة , وبعث معه كتابه الحق نورا وهدى إلى يوم القيامة , وإن زعامة الرسول صلى الله عليه وسلم باقية بسنته , وإن سلطان القرآن قوي بحجته , وإن الإنسانية صائرة إليهما لا محالة بعز عزيز أو بذل ذليل من قريب أو من بعيد حتى يتحقق قول الله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (الفتح:28) .
فكونوا أول من يتقدم باسم رسول الله بقارورة الدواء من طب القرآن لاستنقاذ العالم المعذب المريض .
إنها خطوة جريئة ولكنها موفقة إن شاء الله تعالى والله غالب على أمره : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ , بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم:4-5)
بعض خطوات الإصلاح العملي
يا صاحب ...
بعدما وضحنا ما يجب أن يسود الأمة في نهضتها الجديدة من شعور روحي , نحب أن نعرض ختاما لبعض هذه المظاهر والآثار العملية التي يجب أن يمليها هذا الشعور , وسنذكر هنا رؤوس موضوعات فقط ونحن نعلم تمام أن كل مطلب من هذه المطالب يحتاج إلى بحث فسيح واسع دقيق تتوافر فيه جهود الأخصائيين وكفايتهم , كما أننا نعلم أننا لم نستقص بعد كل حاجيات الأمة ومطالبها ومظاهر النهضة جميعا , ولسنا نعتقد أن تحقيق هذه المطالب من الهنات الهينات بحيث يتم في عشية أو ضحاها , كما أننا نعلم أن كثيرا منها أمامه من العقبات المتشعبة ما يحتاج إلى طول الأناة وعظيم الحكمة وماضي العزيمة , كل ذلك نعلمه ونقدره , ونعلم إلى جانبه أنه إذا صدق العزم وضح السبيل , وان الأمة القوية الإرادة إذا أخذت في سبيل الخير فهي لا بد واصلة إلى ما تريد إن شاء الله تعالى , فلتتوجهوا والله معكم , أما رؤوس مناحي الإصلاح المرتكز على الروح الإسلامي الصحيح فهي :
أولا : في الناحية السياسية والقضائية والإدارية :
1 – القضاء على الحزبية وتوجيه قوى الأمة السياسية في وجهة واحدة وصفّ واحد .
2 – إصلاح القانون حتى يتفق مع التشريع الإسلامي في كل فروعه .
3 – تقوية الجيش والإكثار من فرق الشباب وإلهاب حماستها على أسس من الجهاد الإسلامي.
4 – تقوية الروابط بين الأقطار الإسلامية جميعا , وبخاصة العربية منها تمهيدا للتفكير الجدي العملي في شأن الخلافة الضائعة.
5 – بث الروح الإسلامي في دواوين الحكومة بحيث يشعر الموظفون جميعا بأنهم مطالبون بتعاليم الإسلام .
6 – مراقبة سلوك الموظفين الشخصي وعدم الفصل بين الناحية الشخصية والناحية العملية .
7 – تقديم مواعيد العمل في الدواوين صيفا وشتاء حتى يعين ذلك على الفرائض ويقضي على السهر الكثير .
8 – القضاء على الرشوة والمحسوبية والاعتماد على الكفاية والمسوغات القانونية فقط.
9 – أن توزن كل أعمال الحكومة بميزان الأحكام والتعاليم الإسلامية , فتكون نظم الحفلات والدعوات والاجتماعات الرسمية والسجون والمستشفيات بحيث لا تصطدم بقاعدة بتعاليم الإسلام , وتكون الدوريات في الأعمال على تقسيم لا يتضارب مع أوقات الصلاة.
10 – استخدام الأزهريين في الوظائف العسكرية والإدارية وتدريبهم.
ثانيا : في الناحية الاجتماعية والعلمية :
1 - تعويد الشعب احترام الآداب العامة , ووضع إرشادات معززة بحماية القانون في ذلك الشأن , وتشديد العقوبات على الجرائم الأدبية .
2 - علاج قضية المرأة علاجا يجمع بين الرقى بها والمحافظة عليها وفق تعاليم الإسلام ، حتى لا تترك هذه القضية التي هي أهم قضايا الاجتماع تحت رحمة الأقلام والآراء الشاذة من المفرطين والمفرطين.
3 - القضاء على البغاء , بنوعيه السري والعلني , واعتبار الزنا مهما كانت ظروفه جريمة منكرة يجلد فاعلها .
4 - القضاء على القمار بكل أنواعه من ألعاب ويناصيب ومسابقات وأندية .
5 - محاربة الخمر كما تحارب المخدرات , وتحرمها وتخليص الأمة من شرورها .
6 - مقاومة التبرج والخلاعة وإرشاد السيدات إلى ما يجب أن يكون , والتشديد في ذلك بخاصة على المدرسات والتلميذات والطبيبات والطالبات ومن في حكمهن .
7 – إعادة النظر في مناهج تعليم البنات ووجوب التفريق بينها وبين مناهج تعليم الصبيان في كثير من مراحل التعليم .
8 – منع الاختلاط بين الطلبة والطالبات , واعتبار خلوة أي رجل بامرأة لا تحل له جريمة يؤاخذان بها .
9 - تشجيع الزواج و النسل بكل الوسائل المؤدية إلى ذلك , ووضع تشريع يحمي الأسرة ويحض عليها ويحل مشكلة الزواج .
10 - إغلاق الصالات والمراقص الخليعة وتحريم الرقص وما إلى ذلك .
11 - مراقبة دور التمثيل وأفلام السينما والتشديد في اختيار الروايات والأشرطة .
12 - تهذيب الأغاني واختيارها ومراقبتها والتشديد في ذلك .
13 - حسن اختيار ما يذاع أو يعرض على الأمة من برامج ومحاضرات وأغاني وموضوعات واستخدام الإذاعة والتلفاز في تربية وطنية خلقية فاضلة .
14 - مصادرة الروايات المثيرة والكتب المشككة المفسدة والصحف التي تعمل على إشاعة الفجور وتستغل الشهوات استغلالا فاحشا .
15 - تنظيم المصايف تنظيما يقضى على الفوضى والإباحية التي تذهب بالغرض الأساسي من الاصطياف .
16 - تحديد مواعيد افتتاح وإغلاق المقاهي العامة ومراقبة ما يشتغل به رواده وإرشادهم إلى ما ينفعهم وعدم السماح لها بهذا الوقت الطويل كله .
17 - استخدام هذه المقاهي في تعليم الأميين القراءة والكتابة ويساعد على ذلك هذا الشباب المتوثب من رجال التعليم الإلزامي والطلبة
18 - مقاومة العادات الضارة اقتصاديا أو خلقيا أو غير ذلك وتحويل تيارات الجماهير عنها إلى غيرها من العادات النافعة ، أو تهذيب نفسها تهذيبا يتفق مع المصلحة وذلك كعادات الأفراح والمآتم والموالد والزار والمواسم والأعياد وما إليها ، وتكون الحكومة قدوة صالحة في ذلك .
19 - اعتبار دعوة الحسبة ومؤاخذة من يثبت عليه مخالفة شئ من تعاليم الإسلام أو الاعتداء عليه ، كالإفطار في رمضان وترك الصلاة عمدا أو سب الدين وأمثال هذه الشؤون .
20 - ضم المدارس الإلزامية في القرى و المساجد وشمولها معا بالإصلاح التام من حيث الموظفين و النظافة وتمام الرعاية , حتى يتدرب الصغار على الصلاة ويتدرب الكبار على العلم.
21 - تقرير التعليم الديني مادة أساسية في كل المدارس على اختلاف أنواعها كل بحسبه وفى الجامعة أيضا.
22 - تشجيع تحفيظ القرآن في المكاتب العامة الحرة , وجعل حفظه شرطا في نيل الإجازات العلمية التي تتصل بالناحية الدينية واللغوية , مع تقرير حفظ بعضه في كل مدرسة.
23 - وضع سياسة ثابتة للتعليم ، تنهض به وترفع مستواه , وتوحد أنواعه المتحدة الأغراض و المقاصد , وتقرب بين الثقافات المختلفة في الأمة , وتجعل المرحلة الأولى من مراحله خاصة بتربية الروح الوطني الفاضل والخلق القويم .
24 - العناية باللغة العربية في كل مراحل التعليم وإفرادها في المراحل الأولى عن غيرها من اللغات الأجنبية .
25 - العناية بالتاريخ الإسلامي والتاريخ الوطني التربية الوطنية وتاريخ حضارة الإسلام.
26 – التفكير في الوسائل المناسبة لتوحيد الأزياء في الأمة تدريجيا.
27 - القضاء على الروح الأجنبية في البيوت من حيث اللغة والعادات والأزياء والمربيات والممرضات ..الخ ، وتصحيح ذلك وبخاصة في بيوت الطبقات الراقية .
28 - توجيه الصحافة توجيها صالحا وتشجيع المؤلفين والكاتبين على طرق الموضوعات الإسلامية الشرقية.
29 - العناية بشؤون الصحة العامة , من نشر الدعاية الصحية بمختلف الطرق والإكثار من المستشفيات والأطباء والعيادات المتنقلة وتسهيل سبل العلاج .
30 - العناية بشأن القرية من حيث نظامها ونظافتها وتنقية مياهها ووسائل الثقافة والراحة والتهذيب فيها.
ثالثا : في الناحية الاقتصادية :
1 – تنظيم الزكاة دخلا ومنصرفا بحسب تعاليم الشريعة السمحة , والاستعانة به في المشروعات الخيرية التي لابد منها كملاجئ العجزة والفقراء واليتامى وتقية الجيش .
2 – تحريم الربا وتنظيم المصارف تنظيما يؤدي إلى هذه الغاية , وتكون الحكومة قدوة في ذلك بإلغاء الفوائد في مشروعاتها الخاصة بها كبنك التسليف والسلف الصناعية وغيرها .
3 – تشجيع المشروعات الاقتصادية والإكثار منها , وتشغيل العاطلين من المواطنين فيها واستخلاص ما في أيدي الأجانب منها للناحية الوطنية البحتة.
4 – حماية الجمهور من عسف الشركات المحتكرة وإلزامها حدودها والحصول على كل منفعة ممكنة للجمهور.
5 – تحسين حال الموظفين الصغار برفع مرتباتهم واستبقاء علاواتهم ومكافأتهم وتقليل مرتبات الموظفين الكبار.
6 – حصر الوظائف وخصوصا الكثيرة منها , والاقتصار على الضروري , وتوزيع العمل على الموظفين توزيعا عادلا والتدقيق في ذلك.
7 – تشجيع الإرشاد الزراعي والصناعي والتجاري , والاهتمام بترقية الفلاح والصانع من الناحية الإنتاجية.
8 – العناية بشؤون العمال الفنية والاجتماعية , ورفع مستواهم في مختلف النواحي الحيوية .
9 – استغلال الموارد الطبيعية كالأرض البور والمناجم المهملة وغيرها.
10 – تقديم المشروعات الضرورية على الكماليات في الإنشاء والتنفيذ .
وبعد , فهذه رسالة الإخوان المسلمين , نتقدم بها, وإنا لنضع أنفسنا ومواهبنا وكل ما نملك تحت تصرف أي هيئة أو حكومة تريد أن تخطو بأمة إسلامية نحو الرقي والتقدم , نجيب النداء ونكون الفداء , ونرجو أن نكون قد أدينا بذلك أمانتنا وقلنا كلمتنا والدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
وحسبنا الله وكفى ... وسلام على عباده الذين اصطفى ...
حسـن البنــا
 
نظـرات ثــــلاث
بـِسْـــمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيــمِ
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
إلى رئيس الحكومة باعتباره المسؤول الأول ..
وإلى أعضاء الهيئات الإسلامية ـ على اختلافها ـ باعتبارهم الدعاة الرسميين لنظام الإسلام ..
وإلى رؤساء الهيئات الشعبية السياسية والوطنية باعتبارهم قادة الفكر وموجهي الجماهير
وإلى كل محب لخير العالم وسيادة بني الإنسان ..
أوجه هذه الكلمات , أداء للأمانة , وقياما بحق الدعوة ..
ألا قد بلغت ... اللهم فاشهد
حسـن البنــا
فأما النظرة الأولى : فإلى ما وصلت إليه الحال في وطننا العزيز مصر من فساد تغلغل في كل المرافق ، وشمل كل مظاهر الحياة :
مطالبنا الوطنية لم نصل فيها إلى شيء ...
و روح الشعب المعنوية محطمة أشد تحطيم بسب الركود ، والشقاق والخلاف يملك نفوس القادة والزعماء حاكمين ومحكومين على السواء …
والجهاز الإداري أفسدته المطامع الشخصية , والغايات الحزبية , وسوء التصرفات , وضعف الأخلاق ، والمركزية القاتلة والإجراءات المعقدة , والهرب من تحمل التبعات .
والقانون قد ضعف سلطانه على النفوس و الأوضاع لكثرة ما اقتحم عليه من تحايل واستثناءات .
..وشدة الغلاء ، وكثرة المتعطلين لقلة الأعمال وانخفاض مستوى المعيشة – إلى حد لا يكاد يتصوره إنسان – بين الأغلبية العظمى من السكان , مع نضوب معين الرحمة من القلوب واستيلاء القسوة وروح الجبروت والظلم على النفوس كل ذلك أخذ يتحول إلى حال من السخط تتمثل في كثرة الإضرابات وتتجلى في كثير من المظاهر والعبارات …
والأخلاق قد انتهى أمرها – أو كاد – وعصف بها الجهل و الفقر و الحاجة والفاقة وانتشرت الرذائل و مظاهر الانحلال الخلقي في كل مكان …
والأفكار مبلبلة والنفوس قلقة لا تكاد تستقر في شئ على حال .
وكل هذه المعاني تزداد بمرور الأيام ، وتتضاعف ساعة بعد ساعة , وتنذر ببلاء محيط وشر مستطير , إن لم يتداركها العقلاء قبل فوات الأوان ...
وأما النظرة الثانية : فإلى ما وصلت إليه الحال في أوطاننا الغالية العزيزة من بلاد العروبة وأمم الإسلام :
فلسطين : مهددة بهذا الاجتياح الذي انتهت إليه هذه المؤامرة الدولية من الأمريكان والروس والإنجليز على السواء , بفعل الصهيونية العالمية التي سخرت الحكومات والشعوب الغربية بالمال , مع استعدادها السابق , بكل تعصب ذميم على العرب والمسلمين أينما كانوا...
و الباكستان الناشئة : تقاسي الأمرين من هذا العدوان الوثني المسلح , المؤبد بدسائس الاستعمار وأسلحة الاستعمار على اختلاف دوله , حتى روسيا – التي تتظاهر باحترام إرادة وأمم الشعوب – تتآمر هي الأخرى على الدولة الناشئة إن صح ما ولفتنا به اليوم البرقيات الأخبار ...
وإندونيسيا :التي تبلغ سبعين مليونا أكثرهم من المسلمين , تضغط عليها هولندا التي لم تكسر قيد الاحتلال الألماني إلا بيد غيرها من جنود الحلفاء , وتريد أن تحول بين الشعب السلم الباسل وبين ما هو حق طبيعي له من حرية واستقلال ..
وطرابلس الغرب وبرقة : تجهز لها حبائل الاستفتاء ولا يدري عواقب هذه اللعنة السياسية إلا الله , وإن غدا لناظره قريب ...
وشمال أفريقيا بأقسامه : تونس والجزائر ومراكش , يستغيث ولا مغيث , ويجاهد ما ستطاع ليكسر القيود والأغلال التي ضربتها من حوله فرنسا , وحرمته بها حقه في العيش الحر الكريم , ومن الاستقلال التام ...
وقل مثل ذلك في كل شعب عربي إسلامي , فإنك لن تجد واحدا منها قد سلم من مناورات الغصب ودسائس الاستعمار ... هذا في أوضاعه السياسية ، وكلها من حيث الأوضاع الاجتماعية ليست أحسن حالا مما تقدم ذكره في وادي النيل ... وكلنا في الهم شرق .
وأما النظرة الثالثة : فإلى ما انحدر إليه التفكير بين زعماء العالم وساسة الشعوب والذين أتاحت لهم المقادير أن يكونوا قادة الدنيا في هذه الأيام بعد الحرب العالمية الثانية .
لقد اختفت المثل العليا تمام الاختفاء , وغابت عن الأنظار و القلوب تلك الأهداف الجميلة التي نادى بها هؤلاء الناس ساعة العسرة , وجندوا باسمها قوى الأمم ضد الظلم و الطغيان ... فالعدالة الاجتماعية , والحريات الأربع , ومبادئ ميثاق الأمم.. الخ .
هذه القائمة الطويلة العريضة من المبادئ السامية والأهداف المغرية أصبحت في خبر كان ولم تعد لهؤلاء الساسة و الزعماء " فلسفة راقية " يقودون بتوجيهها العالم إلا فلسفة المصالح المادية ، والمطامع الاستعمارية ومناطق النفوذ والاستيلاء على المواد الخام ! . وكل ذلك على صورة من الجشع و النهم لم تر الدنيا لها مثيلا ولا بعد الحرب العالمية الأولى . وأصبحت هذه المعاني وحده محور التنافس بيت الدول المنتصرة , روسيا من جانب وأمريكا وإنجلترا من جانب آخر , وإن حاولت كل منها أن تستر جشعها ومناورتها بستار من دعوى المبادئ الاجتماعية الصالحة , والنظم الإنسانية الفاضلة , باسم الشيوعية أو الديمقراطية , وليس وراء هاتين اللفظتين إلا المطامع الاستعمارية والمصالح المادية في كل مكان .
ونتيجة هذا الانحراف – الذي هو في حقيقة أمره مسخ لإنسانية بنى الإنسان – ليست إلا "الحرب الثالثة " المسلحة بالقنابل الذرية ، والغازات الخانقة والأسلحة المهلكة , وما سمعنا وما لم نسمع عنه بعد من معدات الهلاك والدمار التي تمثل ما جاءت به الكتب السماوية ومن وصف القارعة وهول القيامة :  (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ , وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (القارعة:4-5) .
هذه هي صورة الحال في وطننا الخاص , وفى وطننا العربي والإسلامي وفى وطننا الإنساني العام , وإذا لم تقم في الدنيا أمة " الدعوة الجديدة " تحمل رسالة الحق والسلام فعلى الدنيا العفاء , وعلى الإنسانية السلام ...
وإن من واجبنا وفى يدنا شعلة النور وقارورة الدواء , أن نتقدم لنصلح أنفسنا وندعو غيرنا , فإن نجحنا فذاك , وإلا فحسبنا أن نكون قد بلغنا الرسالة وأدينا الأمانة وأردنا الخير للناس , ولا يصح أبدا أن نحتقر أنفسنا , فحسب الذين يحملون الرسالات ويقومون بالدعوات من عوامل النجاح أن يكونوا بها مؤمنين , ولها مخلصين , وفى سبيلها مجاهدين , وأن يكون الزمن ينتظرها و العالم يترقبها ... فهل من مجيب ؟
 (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) (سـبأ:46) .
أي لــون نختــار؟
(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)
تسود مجتمعنا اليوم حيرة ... و إذا دامت هذه الحيرة فليس وراءها إلا الثورة , و الثورة الهوجاء التي لا غاية لها , ولا ضابط ولا نظام ولا حدود , ولا تعقيب إلا الهلاك و الدمار والخسارة البالغة , وبخاصة في هذا العصر الذي لا يرحم والذي تتجارى بأهله الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ، وفى وطن كمصر تتطلع إليه الأنظار وتتقاذفه المطامع في الداخل والخارج .
هذا الكلام متفق عليه بين كل من يعنيهم أمر هذا الوطن , وإنك لتسمعه من الزعماء و المفكرين كما تسمعه من العامة في مجالسهم و المجتمعين في أنديتهم وذوى الأعمال في أماكن عملهم ، ومن سائق العربة إذا ركبت معه , ومن بائع الخضر إذا تحدثت إليه .. وإذا أنكرنا ذلك أو تغافلنا عن أثره , أو استصغرنا نتائجه كنا كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمل وتظن أنها بذلك تخدع الصياد .
ومن هذه الثغرة وتطبيقا لهذا القانون الاجتماعي الذي لا يتخلف , تأمل المبادئ الجديدة والدعوات الجديدة أن تنفذ إلى مصر , وتكافح في سبيل استيلائها على النفوس المصرية والقلوب المصرية أشد الكفاح وتسلك إلى ذلك كل سبيل مستطاع وغير مستطاع ومن هنا سمعنا كثيرا من هذه الأصوات يتردد في الصحف السيارة وفى المجالس والمنتديات , فالشيوعية جادة في فرض تعاليمها على أبناء هذا المجتمع , والديمقراطية الاستعمارية الهزيلة تحاول من جانبها أن تقاوم هذا التيار , ويتوسطهم قوم داعون للاشتراكية , ويقف الإسلام العتيد المستقر في هذه القلوب أربعة عشر قرنا ,المستولى عليها , المؤثر فيها بجماله وجلاله وسموه وروعته , يأبى على الجميع أن ينزل عن مرتبته أو يتخلى عن هذه القلوب التي أمنت به وجاهدت أكرم الجهاد في سبيل إعلائه وبقائه ورفعته وردت عنه بهذا الجهاد غارات الصليبيين وهجمات التتار ومكايد الصهيونية : (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21) .
ولك إلى متى هذا التطاحن بين هذه الآراء و الأوضاع , وهو إن كان اليوم صغيرا فهو لن يظل كذلك ؟!‍
و إلى متى ينظر أهل الرأي في مصر إلى هذا الصراع في غفلة وبله وانصراف كأن الأمر لا يعنيهم , وكأنه يتناول بلدا غير بلدهم وأشخاصا غير أشخاصهم ؟!.. لا مناص لنا من أن نختار .
وإذا لم نختر اليوم ونحن راضون , فسنقبل غدا – بل الغد القريب جدا – ونحن مرغمون , وإني لأرى الوميض خلال الرماد ويوشك أن يكون له ضرام .
لابد من أن نختار لون الحياة الجديدة التي نحياها , ولم تعد أوضاع الحياة الاجتماعية بكل نواحيها في مصر صالحة أمام التطور الجديد في الأخلاق و الأفكار وحاجات الناس , والعاقل من تدبر الأمر قبل وقوعه وأعد له عدته .
وأمامنا الشيوعية والاشتراكية , وهما معتبرتان في منطق التحالف الدولي اليوم من معاني الديمقراطية , ولا يستطيع الديمقراطيون أن يقدموا غير هذا . وأمامنا كذلك (نظام الإسلام) وتوجيه الإسلام , وتعاليم الإسلام , وأحكام الإسلام .
ونحن في الحقيقة لسنا مخيرين ولسنا أحرارا في الاختيار , فإننا جميعا آمنا بهذا الإسلام الحنيف دينا ودولة , واعتبرنا مصر دولة إسلامية , بل هي زعيمة دول الإسلام . وقال دستورنا صراحة " دين الدولة الرسمي الإسلام ولغتها اللغة العربية ".
وهذا الشعب – شعب وادي النيل كله في الشمال والجنوب – يدين بهذا الدين الحنيف والأقلية غير المسلمة من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد الطمأنينة والأمن و العدالة و المساواة التامة في كل تعاليمه و أحكامه , هذا الذى يقول كتابه :
 (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) .
والكلام في هذا المعنى مفروغ منه , وهذا التاريخ الطويل العريض للصلة الطيبة الكريمة بين أبناء هذا الوطن جميعا – مسلمين وغير مسلمين – يكفينا مؤونة الإفاضة والإسراف , فإن من الجميل حقا أن نسجل لهؤلاء المواطنين الكرام أنهم يقدرون هذه المعاني في كل المناسبات , ويعتبرون الإسلام معنى من معاني قوميتهم وإن لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم .
وإذاً لا مناص للحكومة المصرية و الهيئات المصرية والأحزاب المصرية من أن تفي بعهدها الشرعي لله ولرسوله يوم نطقت بالشهادتين فالتزمت الإسلام , وبعهدها المدني الوطني لهذا الشعب يوم أصدرت الدستور , ونصت فيه على أن الدين الرسمي هو الإسلام , وبغير ذلك تكون قد غدرت بعهدها , و خانت أمانة الله و الناس عندها , وعليها أن تصارح الشعب ليحدد موقفه منها وموقفها منه ، ولا محل اليوم للمداورة والخداع .
وهذا الوفاء سيحمى الوطن مما يهدده من أخطار اجتماعية داهمة , ويعيد الطمأنينة و السكينة إلى النفوس و القلوب , لكنه يستلزم حالا تغيير الاتجاهات و الأوضاع كلها و المجاهرة بأن وادي النيل هو حامل رسالة الإسلام و منفذها ومبلغها فى غير مواربة ولا وهن , ولا يغنى عن العمل الكلام .
فهل تصيخ الآذان المغلقة إلى هذا النذير , فتعود إلى حجر الإسلام قولا وعملا وتطبيقا ؟؟  (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65) .
يا دولة رئيس الحكومة .
ويا رجال الأزهر الشريف .
ويا رؤساء الهيئات و الجماعات والأحزاب .
ويا أيها الغيور على مصلحة هذا الوطن العزيز .
ويا أبناء هذا الوطن جميعا ...
إليكم أوجه النداء , فإلى تعاليم الإسلام ، (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة:138) .
ألا قد بلغت ... اللهم فاشهد .
اعتراضـــات
( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ )
دعوت قومي إلى أن يختاروا ، أو بعبارة أصح و أوضح , إلى أن يبروا بعهدهم مع الله ومع أنفسهم فيقيموا دعائم حياتنا الاجتماعية في كل مظاهرها على قواعد الإسلام الحنيف , وبذلك يسلم مجتمعنا من هذا القلق والاضطرابات و البلبلة التي شملت كل شيء , والتي وقفت بنا عن كل تقدم , والتي حالت بيننا وبين أن نتعرف الطريق السوي إلى علاج أية قضية من قضايانا الكثيرة المعلقة في الداخل و الخارج , وقلت إنه لا سبيل إلى النجاة إلا هذا الاتجاه عقيدة وعملا بكل ما نستطيع من حزم وسرعة .
وقد يقال : كيف ذلك والحياة العصرية في العالم كله لا تقوم على أساس الدين في أية ناحية من نواحيها , وقد اصطلحت أمم العالم , التي بيدها اليوم مقاليد الأمور وتوجيه مقدرات الأمم والشعوب , على فصل الحياة الاجتماعية عن العقائد الدينية , وإقصاء الدين عن كل مرافق الحياة وحصره بين الضمير والمعبد ، وهى وحدها نافذة المؤمن التي يتصل منها بالله .
والذين يقولون هذا القول لم يعرفوا " الإسلام " , ولم يدرسوا تعاليمه وأحكامه , ولم يفقهوه بعد على طبيعته الصحيحة ووضعه السليم .. من أنه دين ومجتمع , ومسجد ودولة , ودنيا وآخرة ، وأنه تعرض لشؤون الحياة الدنيوية العلمية بأكثر مما تعرض به للأعمال التعبدية , وإن كان قد أقام الشطرين معا على دعامة من سلامة القلب ، وحياة الوجدان , ومراقبة الله , وطهر النفس . فالدين على هذا جزء من نظام الإسلام , والإسلام ينظمه كما ينظم الدنيا تماما. ونحن كمسلمين مطالبون بأن يقوم ديننا ودنيانا على أساس القواعد الإسلامية :  ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50) .
ومن هنا فرق الفقهاء في النظرة التشريعية بين ما هو من قواعد أحكام المعاملات وشؤون الحياة الاجتماعية , فأفسح للنظر والاجتهاد في الثانية ما ليس في الأولى حتى لا يكون على الناس في ذلك حرج ولا مشقة ,  (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة:185) . وتحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور .
وقد يقال : إن هذا جمود ورجوع بالعالم إلى الوراء ألف عام أو تزيد ، فكيف يعقل أننا نطبق اليوم نظما جاءت لأمة عاشت قبلنا بأربعة عشر جيلا في أرض غير أرضنا وعلى لون من الحياة غير ألوان حياتنا ؟! وأين سنة التطور وقوانين التقدم والارتقاء ؟
ونقول لهؤلاء كذلك إنكم أيضا لم تفهموا طبيعة الإسلام الحنيف , الذي جاء للناس فكرة سامية تحدد الأهداف العليا , وتضع القواعد الأساسية , وتتناول المسائل الكلية , ولا تتورط في الجزئيات , وتدع بعد ذلك للحوادث الاجتماعية و التطورات الحيوية أن تفعل فعلها وتتسع لها جميعا ولا تصطدم بشيء منها .
وهذا تاريخ التشريع الإسلامي يحدثنا أن ابن عمر رضي الله عنه كان يفتى في الموسم في القضية من القضايا برأي , ثم تعرض عليه في الموسم التالي من العام القابل فيفتى برأي آخر .. فيقال له في ذلك , فيقول : ذاك على ما علمنا وهذا على ما نعلم أو كلام هذا نحوه .
كما يحدثنا أن الشافعي رضي الله عنه وضع بالعراق مذهبه القديم , فلما تمصر وضع مذهبه الجديد نزولا على حكم البيئة , وتمشيا مع مظاهر الحياة الجديدة من غير أن يخل ذلك بسلامة التطبيق على مقتضى القواعد الأساسية الكلية الأولى ... وأصبحنا نسمع : " قال الشافعي في القديم . وقال الشافعي في الجديد " ونرى تغير رأى الرجل الواحد في القضية بحسب الزمان تارة – كما فعل بن عمر – وبحسب المكان تارة أخرى – كما فعل الشافعي – أو بحسبهما معا كما سمعنا أن عمر رضي الله عنه أمر بعدم القطع في السرقة عام المجاعة , وجاءه رجل يشكو سرقة خدمه فأحضرهم فأقروا وذكروا أن السبب ذلك أنه لا يقوم بكفايتهم من طعام وملبس ... الخ . فتركهم عمر قائلا : ( إذا سرق خدمك مرة ثانية قطعت يدك أنت ) واعتبرها شبهة تدرأ الحد ، ولاحظ الظروف والملابسات ..
فهل يقال بعد هذا إن في الرجوع إلى النظام الإسلامي رجعية وجمودا , وليست في الدنيا شريعة تقبل التطور , وتساير مقتضيات التقدم , وتتمتع بمعاني المرونة و السلاسة والسعة كشريعة الإسلام الحنيف , (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة:6) .
وقد يقال إن الجهر بالعودة إلى نظام الإسلام مما يخيف الدول الأجنبية و الأمم الغربية , فتتألب علينا وتتجمع ضدنا , ولا طاقة لنا بهم ولا قدرة لنا عليهم , وهذا منتهى الوهن وغاية الفساد في التقدير وقصر النظر .. وها نحن أولاء نرى هذه الدول وقد سايرناها في نظمها , وأخذنا بألوان حياتها , واتبعناها في تقاليدها , فهل أغنى ذلك عنا شيئا ؟! وهل دفع من كيدها ؟ وهل منعها من أن تحتل أرضنا ، وتسلب استقلالنا وتستأثر بخيرات بلادنا ، ثم تتجمع في كل مؤتمر أو مجتمع دولي ضد حقوقنا وتثير المشكلات والصعاب والعقبات في وجوهنا , ولا تتأثر إلا بشيء واحد هو ظروفها ومصالحها فقط ، ولا يعنيها بعد ذلك إلا أنها نصرانية, فقد رأيناها في الحرب الماضية يحطم بعضها بعضا , وكلها مسيحية , وتتملق مع هذا دول الإسلام وأممه وشعوبه , وتتزلف إليه بمعسول وحلو الحديث , وهاهم أولاء جميعا يناصرون الصهيونية اليهودية وهى أبغض ما تكون إليهم لارتباط مصالحهم المادية وأغراضهم الاستعمارية بهذه المناصرة . وقد أصبح هذا المعنى معلوما في تصرفات كل الساسة الغربيين.
إذن فلن يجدينا شيئا عندهم أن نتنصل من الإسلام , ولن يزيدهم فينا بغضا أن نعلن التمسك به والاهتداء بهديه , وبخاصة وهم الآن معسكران مختلفان متنافسان على المصالح المادية وحدها.
ولكن خطر التنصل من الإسلام والتنكر له عظيم على كياننا نحن , فما دمنا بعيدين عن تشرب روحه وتحقيق تعاليمه , فسنظل حائرين فتتحطم معنوياتنا . متفرقين فتضعف قوتنا . ولو أخذنا بالحزم وأعلناها صريحة واضحة : أننا معشر أمم الإسلام لا شيوعيون ولا ديمقراطيون ولا شئ من هذا الذي يزعمون ، ولكننا بحمد الله مسلمون ، لارتسمت أمامنا توا طريق الهداية والنور ، ولجمعتنا كلمة الإسلام , ووحدت بيننا وبين إخواننا جميعا في أقطار الأرض ... وفى ذلك وحده – ولا شئ غيره – القوة والمنقذ أمام هذا العدوان الغربي الاستعماري الجارف الذي يهددنا في كل مكان .
وخلاصة هذا الكلام في إيجاز : أننا إذا لاحظنا غضب الغربيين ورضاهم في تمسكنا بالإسلام أو بعدنا عنه ، فليس لهذا من معنى إلا أننا إن لم نتمسك بالإسلام فلن نكسب رضاهم وسنخسر أنفسنا ، في حين أننا إذا تمسكنا به وتجمعنا من حوله واهتدينا بهديه كسبنا أنفسنا ولا شك . وكان هناك احتمال قوى أن نكسبهم أيضا بتأثير قوة الوحدة فأي الرأيين أولى بالاتباع يا أولي الألباب ؟ !
أما اعتراض الأقليات الغير مسلمة فقد أشرنا إليه من قبل ولا نريد أن نطيل فيه القول اليوم , فالأمر أوضح من أن يكون موضع مراء .
إنه ليس أمام الأمم الإسلامية اليوم إلا هذه الفرصة ، وإن الدول الغربية تدرك هذا تماما ، فهي تشغلنا بأنفسنا ، وتزيدنا حيرة على حيرة . وليس في الوقت متسع للتردد , وإن تبعة من لا يعلم في عنق من يعلم ، ولا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم .
فيا رئيس الحكومة ... ويا رجال الأزهر الشريف...
ويا أعضاء الجماعات والأحزاب ويا ذوى الغيرة على هذا الوطن .
ويا أبناءه جميعا ... إليكم أقول :
عودوا إلى الإسلام تغنموا وتسلموا : (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (النور:51) .
ألا قد بلغت ... اللهم فاشهد

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد