رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة الثانية والاربعون )

2012-09-13 01:54:32 أخبار اليوم/ خاص


21 - وعن أنس رَضِيَ اللهُ عَنهُ قال : قال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم : (من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه) رَوَاهُ مُسلِمٌ .
22 – وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ رَابَطَ لَيْلَةً في سَبيلِ اللهِ سُبْحَانَهُ، كَانَتْ كَأَلفِ لَيْلَةٍ، صِيَامَها وَقِيَامَها). رواه ابن ماجة
23 - وعَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (غَزْوَةٌ في البَحْرِ مِثْلِ عَشْرِ غَزَوَاتٍ في البَرِّ. وِالَّذي يَسْدَرُ في البَحْرِ، كَالْمُتَشَحِّطِ في دَمِهِ، في سَبِيلِ اللهِ سُبْحَانَهُ) . رواه ابن ماجة
يسدر : يميل ويهتز وترتج به السفينة
وفيه الإشارة لغزو البحر ولفت نظر الأمة إلى وجوب العناية بحفظ سواحلها وتقوية أسطولها , ويقاس عليه الجو فيضاعف الله للغزاة في الجو في سبيله أضعافا مضاعفة .
24 – وعن جَابِرَ بْنَ عِبْدِ اللهِ رضي الله تعالى عنه يقُولُ : لَمَّا قُتِلَ عِبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ، يَوْمَ أُحُدٍ ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم :(يَا جَابِرُ! أَلاَ أُخْبِرُكَ مَا قَالَ اللهُ عزَّ وجَلَّ لأَبِيكَ ؟) قُلْتُ: بَلَى . قَالَ : (مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَداً إِلاَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ , وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحاً , فَقَالَ : يَا عَبْدِي! تَمَنَّ عَلَىَّ أُعْطِكَ , قَالَ : يَا رَبِّ! تُحْيِيِني فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيةً , قَالَ : إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي (أَنَّهُمْ إِليْها لا يَرْجَعُونَ) قَالَ: يَا رَبِّ! فأَبْلِغْ مَنْ وِرِائي , فأَنْزِلَ اللهِ عزَّ وَجَلَّ هَذهِ الآيَةَ : (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذيْنَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللهِ أَمْوَاتاً.. الآيَةَ كُلَّهاَ) . رواه ابن ماجة
25 - وعَنْ سَهْلِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم قَال : (لأَنْ أُشَيِّعَ مُجَاهِداً فِي سَبِيلِ اللهِ فَأَكُفَّهُ عَلَى رَحْلِهِ ، غَدْوَةً أَوْ رَوْحَةً ، أَحَبُّ إِليَّ مِنَ الْدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا). رواه ابن ماجة .
فأكففه على رحله : فأساعده عليه . عدوة :بالغدو وهو الصباح . روحة : بالرواح وهو المساء
26 – وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وفد الله ثلاثة : الغازي والحاج والمعتمر). رواه مسلم.
27 – وعن أبي الدّرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته) . رواه أبو داود .
28 - وعن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) . رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم .
29 – وعن أنس رضي الله عنه قال : انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض) , قال عمير بن الحمام : بخ بخ , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما يحملك على قولك بخ بخ) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها , قال : (فإنك من أهلها) , فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن , ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه ، إنها لحياة طويلة , فرمى بما كان معه من التمر, ثم قاتل
حتى قتل . رواه مسلم .
30 - عن أبي عمران قال : كنا بمدينة الروم فأخرجوا الينا صفا عظيما من الروم فخرج اليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى الجماعة فضالة بن عبيد فحمل رجل من المسلمين على صف من الروم حتى دخل عليهم فصاح الناس وقالوا سبحان الله يلقي بيده إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: ياأيها الناس إنكم لتأولون هذه الآية هذا التأويل؛ وانما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز الله الاسلام وكثر ناصروه. فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت وان الله قد أعز الاسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد علينا ماقلنا (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فكانت التهلكة الاقامة على الأموال واصلاحها وتركنا الغزو. فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم . رواه الترمذي
ولاحظ يا أخي أن أبا أيوب حين يقول هذا كان في سن كبيرة قد جاوزت الشباب والكهولة , ومع هذا فقلبه وروحه و إيمانه مثال للفتوة القوية بتأييد الله وعزة الإسلام .
31 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من مات ولم يغز ، ولم يحدث به نفسه ، مات على شعبة من النفاق). رواه مسلم وأبو داود ونظائره كثيرة .
كذلك وفي تفصيل أحكام القتال , أكثر من أن يحيط به مجلد كبير , وندلك على كتاب (العبرة فيما ورد عن الله ورسوله في الغزو والجهاد والهجرة) للسيد حسن صديق خان وهو خاص بذلك البحث , وكتاب (مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق مثير الغرام إلى دار السلام) وما جاء في كتب الحديث كلها في باب الجهاد ترى الكثير الطيب .
حكم الجهاد عند فقهاء الأمة
مرت بك الآيات الكريمة في فضل الجهاد ، وأحب أن أنقل إليك طرفاً مما قاله فقهاء المذاهب ، حتى المتأخرين منهم في أحكام الجهاد ووجوب الاستعداد ، لتعلم إلي أي حد ضيعت الأمة الإسلامية أحكام دينها في قضية الجهاد بإجماع آراء المسلمين في كل عصر من أعصارهم فاسمع :
1 - قال صاحب (مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر) مقرراً أحكام الجهاد في مذهب الأحناف : ( الجهاد في اللغة بذل ما في الوسع من القول والفعل ، وفي الشريعة قتل الكفار ونحوه من ضربهم ونهب أموالهم وهدم معابدهم وكسر أصنامهم ، والمراد الاجتهاد في تقوية الدين بنحو قتال الحربيين والذميين إذا نقضوا والمرتدين الذين هم أخبث الكفار ، للنقض بعد الإقرار والباغين . بدءاً منا فرض كفاية ، يعني يفرض علينا أن نبدأهم بالقتال بعد بلوغ الدعوة ، وإن لم يقاتلونا ، فيجب علي الإمام أن يبعث سرية إلي دار الحرب كل سنة مرة أو مرتين وعلي الرعية إعانته وإذا قام به بعض سقط عن الباقين ، فإذا لم تقع الكفاية بذلك البعض وجب علي الأقرب فالأقرب ، فإن لم تقع الكفاية إلا بجميع الناس فحينئذ صار فرض عين كالصلاة ،أما الفريضة فلقوله تعالي (فاقتلوا المشركين) ولقولة u (الجهاد ماض إلي يوم القيامة ) وإن تركه الكل أثموا .. إلي أن قال : فإن غلب العدو علي بلد من بلاد الإسلام أو ناحية من نواحيها ففرض عين ، المرأة والعبد بلا إذن الزوج والمولي ، وكذا يخرج الولد من غير إذن والديه ، والغريم بغير إذن دائنه ) .
وفي كتاب البحر : (امرأة مسلمة سبيت بالشرق وجب علي أهل المغرب تخليصها ما لم تدخل حصونهم وحرزهم ).
2 - وقال صاحب ( بلغة السالك لأقرب المسالك في مذهب الإمام مالك) : (الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله تعالي كل سنة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقي ، ويتعين (أي يصير فرض عين كالصلاة والصوم ) بتعيين الإمام وبهجوم العدو علي محله قوم ، فيتعين عليهم وعلي من بقربهم إن عجزوا ، ويتعين علي المرأة والرقيق مع هذه الحالة ولو منعهم الولي والزوج والسيد و رب الدين إن كان مديناً ، ويتعين أيضاً بالنذر ، وللوالدين المنع في فرض الكفاية فقط ، وفك الأسير من الحربيين وإن لم يكن له مال يفك منه فرض كفاية وإن أتي علي جميع أموال المسلمين) .
3 - ومتن المناهج للإمام النووي الشافعي : (كان الجهاد في عهد رسول الله r فرض كفاية وقيل عين ، وأما بعده فللكفار حالان :
أحدهما - يكونون ببلادهم ففرض كفاية ، إذا فعله من فيهم الكفاية من المسلمين سقط الحجر عن الباقي .
والثاني - يدخلون بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن وإن أمكن تأهب لقتال وجب الممكن حتى علي فقير وولد ومدين وعبد بلا إذن).
4 - وفي (المغني ) لابن قدامه الحنبلي قال : (مسألة – والجهاد فرض علي الكفاية إذا قام به قوم سقط عن الباقين ، ويتعين في ثلاثة مواضع :
أ ـ إذا التقي الزحفان وتقابل الصفان حرم علي من حضر الانصراف ويتعين عليه المقام .
ب ـ إذا نزل الكفار ببلدة تعين علي أهله قتالهم ودفعهم .
ج ـ إذا استنفر الإمام قوماً لزمهم النفير معه .
وأقل ما يفعل مرة كل عام .
قال أبو عبد الله (يعني الإمام بن حنبل) لا أعلم شيئاً من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد ، وغزوة البحر أفضل من غزوة البر . قال أنس بن مالك t : ( نام رسول الله r ثم استيقظ وهو يضحك ، قالت أم حرام : فقلت : ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: ( ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ، يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً علي الأسرة أو مثل الملوك علي الأسرة ) متفق عليه ، ومن تمام الحديث أن أم حرام سألت النبي r أن يدعو الله لها لتكون من هؤلاء فدعا لها ، فعمرت حتى ركبت البحر في أسطول المسلمين الذي فتح جزيرة قبرص وماتت بها ودفنت فيها ، وهناك مسجد ومشهد ينسب إليها رحمها الله ورضي الله عنها).
5 - وقال في (المحلي ) لابن حزم الظاهري : (مسألة – والجهاد فرض علي المسلمين ، فإذا قام به من يدفع العدو ويغزوهم في عقر دارهم ويحمي ثغور المسلمين سقط فرضه عن الباقين ، وإلا فلا قال الله تعالي : (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) (التوبة:41)  ولا يجوز الاباذن الوالدين ، إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكن إعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم ،إذن الأبوان أم لم يأذن ، إلا أن يضيعا أو أحدهما بعده ، فلا يحل له ترك من يضيع منها)0
6-وقال الشوكانى في ( السيل الجرار ) : (الأدلة الواردة في فرضيه الجهاد كتاباً وسنه اكثر من أن تكتب هاهنا ، ولكن لا يجب ذلك الأعلى الكفاح ، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين . وقبل أن يقوم به البعض هو فرض عين على كل مكلف ، و هكذا يجب على من استنفره الإمام أن ينفر ويتعين ذلك عليه).
فها أنت ذا تري من ذلك كله كيف اجمع أهل العلم مجتهدين ومقلدين ، سلفيين وخلفيين ، علي أن الجهاد فرض كفاية علي الأمة الإسلامية ، لنشر الدعوة ، وفرض عين لدفع هجوم الكفار عليها .
والمسلمون الآن كما تعلمون مستذلون لغيرهم محكومون بالكفار قد ديست أرضهم وانتهكت حرماتهم ، وتحكم في شؤونهم خصومهم وتعطلت شعائر دينهم في ديارهم ، فضلاً عن عجزهم عن نشر دعوتهم , فوجب وجوباً عيناً لا مناص منه أن يتجهز كل مسلم وأن ينطوي علي نية الجهاد وإعداد العدة له حتى تحين الفرصة ويقضي أمراً كان مفعولاً .
ولعل من تمام هذا البحث أن أذكر لك أن المسلمين في أي عصر من عصورهم ، قبل هذا العصر المظلم الذي ماتت فيه نخوتهم ، لم يتركوا الجهاد ولم يفرطوا فيه حتى علمائهم والمتصوفة منهم والمحترفون وغيرهم ، فكانوا جميعاً علي أهبة الاستعداد ، كان عبد الله بن المبارك الفقيه الزاهد متطوعاً في أكثر أوقاته بالجهاد ، وكان عبد الواحد بن زيد الصوفي الزاهد كذلك ، وكان شقيق البلاخي شيخ الصوفية في وقتها يحمل نفسه وتلامذته علي الجهاد .
وكان البدر العيني شارح البخاري الفقيه المحدث يغزو ويدرس العالم سنة ويحج سنة ، وكان القاضي أسد بن الفراط المالكي أميراً للبحر في وقته ، وكان الإمام الشافعي يرمي عشرة ولا يخطئ كذلك كان السلف رضوان الله عليه ، فأين نحن من هذا التاريخ؟ .
لمـاذا يقاتـل المسـلم؟
أتي علي الناس حين من الدهر وهم يغمزون الإسلام فرضية الجهاد وإباحاته ، حتى تحققت الآيات الكريمة : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (فصلت:53) . فها هم الآن يعترفون بأن الاستعداد هو أضمن طريق للسلام . فرض الله الجهاد علي المسلمين لا آداه العدوان ولا وسيلة للمطامع الشخصية ولكن ضمان للسلام وآداه للرسالة الكبرى التي حمل عبئها المسلمون ، رسالة هداية الناس إلي الحق والعدل ، وإن الإسلام كما فرض القتال شاد بالسلام فقال تبارك وتعالي : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (لأنفال:61) .
كان المسلم يخرج للقتال وفي نفسه أمر واحد أن يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا ، وقد فرض دينه عليه أن بهذا المقصد غاية أخري فحب الجاه عليه حرام ، وحب الظهور عليه حرام ، وحب المال عليه حرام ، والغلول من الغنيمة عليه حرام ، وقصد الغلب بغير الحق عليه حرام . والحلال أمر واحد أن يقدم دمائه وروحه فداء لعقيدته وهداية للناس
عن الحارس بن مسلم بن الحارس عن أبيه قال : (بعثنا رسول الله r في سرية ، فلما بلغنا المغار استحثثت فرسي فسبقت أصحابي ، فتلقاني أهل الحي بالرنين ، فقلت لهم : قولوا لا إله إلا الله تحرزوا ، فقالوها ، فلامني أصحابي وقالوا : حرمتنا الغنيمة ، فلما قدمنا علي رسول الله r أخبروه بالذي صنعت ، فدعاني فحسن لي ما صنعت ثم قال لي : (ألا إن الله تعالي قد كتب لك بكل إنسان كذا وكذا من الأجر) ، وقال : (أما إني سأكتب لك بالوصاية بعدي) ، ففعل وختم عليه ودفعه إلي) أخرجه أبو داوود.
وعن شداد بن الهادي رضي الله عنه : أن رجلاً من الأعراب جاء فآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكانت غزاة غنم فيها النبي صلى الله علية وسلم شيئا فقسم وقسم له . فقال : ما هذا : فقال : (قسمته لك) . فقال : ما على هذا اتبعتك ، ولكنى اتبعتك على إن أرمى إلى ههنا ـ وأشار بيده حلقه ـ بسهم فأموت فادخل الجنة . قال : (إن تصدق الله يصدقك) . فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتى به النبي محمولا قد أصابه سهم حيث اشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اهو هو ؟ قالوا : نعم . قال (صدق الله فصدقه) , ثم كفن في جبه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه . فكن مما ظهر من صلاته : (اللهم هذا عبدك خرج ما مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا وأنا شهيد على ذلك). أخرجه أبو داود .
وعن أبي هريرة t ( أن رجلاً قال : يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضاً من الدنيا فقال : (لا أجر له) . فأعادها عليه ثلاثاً كل ذلك يقول : (لا أجر له) أخرجه أبو داود .
وعن أبي موسى t قال : (سئل رسول الله r عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله ؟
قال : (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) أخرجه الخمسة .
وأنت إذا قرأت وقائع الصحابة رضوان الله عليهم ومسالكهم في البلاد التي فتحوها ، رأيت مبلغ عزوفهم عن المطامع والأهواء وانصرافهم لغايتهم الأساسية الأصلية ، وهي إرشاد الخلق إلي الحق حتى تكون كلمة الله هي العليا ورأيت مبلغ الخطأ في اتهامهم رضوان الله عليهم بأنهم إنما كانوا يريدون الغلب علي الشعوب والاستبداد بالأمم والحصول علي الأرزاق .  
الرحمة في الجهاد الإسلامي
لما كانت الغاية في الجهاد الإسلامي أنبل الغايات ، كانت وسيلته كذلك أفضل الوسائل فقد حرم الله العدوان ، فقال تعالي : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190) , وأمر بالعدل حتى مع الخصوم فقال تعالي: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة:8) , وأرشد المسلمين إلي منتهى الرحمة .
فهم حينما يقاتلون لا يعتدون ولا يفجرون ولا يمثلون ولا يسرقون ولا ينتهبون الأموال ، ولا ينتهكون الحرمات ولا يتقدمون بالأذى ، فهم في حربهم خير محاربين كما أنهم في سلمهم أفضل مسالمين .
عن بريدة رضى الله عنه قال : (كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أمر الأمير على جيش أو سريره أوصاه في خاصاته بتقوى الله تعالى ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: (اغزوا بسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، أغزوا ولاتغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا) رواه مسلم .
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه) أخرجه الشيخان .
وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أعف الناس قتلة أهل الإيمان) أخرجه أبو داود .
وعن عبد الله بن يزيد الأنصاري رضى الله عنه قال :(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النهب و المثله ) أخرجه البخاري .
كما ورد النهى عن قتل النساء والصبيان و الشيوخ و الإجهاز عن الجرحى وإهاجة الرهبان والمنعزلين ومن لا يقاتل من الآمنين ، فأين هذه الرحمة من غارات المتمدين الخانقة وفظائعهم الشنيعة ؟ وأين قانونهم الدولي من هذا العدل الرباني الشامل ؟
اللهم فقه المسلمين في دينهم وأنقذ العالم من هذه الظلمات بأنوار الإسلام .
ما يلحق بالجهاد
شاع بين كثير من المسلمين أن قتال العدو هو الجهاد الأصغر وأن هناك جهاداً أكبر هو جهاد النفس ، وكثير منهم يستدل لذلك بما يروي : (رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر ، قالوا:وما الجهاد الأكبر ؟ قال: جهاد القلب أو جهاد النفس ) .
وبعضهم يحاول بهذا أن يصرف الناس عن أهمية القتال والاستعداد له ونية الجهاد والأخذ في سبيله . فأما هذا الأثر فليس بحديث علي الصحيح ، قال أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر في تسديد القوس : هو مشهور علي الألسنة وهو من كلام إبراهيم بن عبلة .
وقال العراقي في تخريج أحاديث الأحياء : رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر ، ورواه الخطيب في تاريخه عن جابر ؛ علي أنه لو صح فليس يعطي أبداً الانصراف عن الجهاد والاستعداد لإنقاذ بلاد المسلمين ورد عادية أهل الكفر عنها ، وإنما يكون معناه وجوب مجاهدة النفس حتى تخلص لله في كل عملها ، فليعلم . وهناك أمور تلحق بالجهاد منها : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد جاء في الحديث : (إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) . ولكن شيئاً منها لا يوجب لصاحبه الشهادة الكبرى وثواب المجاهدين إلا أن يَقتل أو يقتل في سبيل الله.
خـاتمـة
أيهـا الإخـوة :
إن الأمة التي تحسن صناعة الموت ، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة ، يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة , وما الوهن الذي أذلنا ألا حب الدنيا وكراهية الموت ، فاعدوا أنفسكم لعمل عظيم واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة .
واعلموا أن الموت لابد منه وأنه لا يكون إلا مرة واحدة ، فان جعلتموها فى سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الآخرة، وما يصيبكم إلا ما كتب الله لكم ، و تدبروا جيداً قول الله تبارك وتعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران:154) .
فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة , رزقنا الله وإياكم وكرامة الاستشهاد فى سبيله .
حسـن البنــا

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد