اليمن.. ساحة مفتوحة للصراع والنفوذ!!

2012-10-03 03:58:30 قراءة/ موسى العيزقي


يمر الوطن اليوم بمرحلة تاريخية خطيرة وحساسة جداً.. تستدعي تضافر جهود الجميع من أجل الخروج به منها والدخول في مرحلة جديدة تفضي إلى الانطلاق نحو المستقبل الأمن والمزدهر.
والمُلاحظ أن هناك جهاتٍ تسعى من خلال خططها ومشاريعها وأهدافها الضيقة إلى النيل من الوطن ومن أمنه واستقراره.. سعياً في التوسع والسيطرة على ما يمكن السيطرة عليه من جغرافيا اليمن مترامية الأطراف.. ولو على حساب مصلحته وأمنه واستقراره وتقدمه..
والحاصل أن الجهات ( الطامحة) في البلاد قد كثرت، لاسيما بعد دخول أطراف جديدة على خط الصراع بأهداف ووسائل أكثر مخيفة ومقلقة.. خصوصاً وبعض تلك الجهات تفتقر إلى مشاريع وبرامج وطنية، فهي تعتمد في توسعها ونفوذها على تحقيق أهداف ومطامع وأجندة خارجية ( إقليمية، ودولية..
فالجميع يطلق أحلامه ويرفع سقف خيالاته إلى أبعد مدى.. الكل يريد الاستحواذ على السلطة والتهام المشروع السياسي باليمن بأي صورة وتحت أي ظرف.. الحالمون الجدد يجدون الفرصة مواتية للابتزاز السياسي والمراوغة بكل الأدوات المتاحة وبجميع الوسائل الموجودة (داخلياً وخارجياً) لكن تبدو فكرة الاستحواذ على السلطة في اليمن شبه مستحيلة، لاسيما بوجود قطبين كبيرين يسيطران على المشهد ويسيرانه وفق حساباتهم الخاصة، وهذا ما يدركه جميع اللاعبون لكنهم يحلمون حتى باجتزاء شي من السلطة تمكنهم فيما بعد من إنجاح مشاريعهم الكبيرة، وعلى إيقاع وصخب الأحلام السياسية تزداد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية تفاقماً وسوءاً.. فاليمن من البلدان الفقيرة في المنطقة وتعاني من ارتفاع معدل البطالة، وتفشي الجهل والأمية واتساع دائرة الإرهاب وزيادة في معدل النمو السكاني وتفاقم بالأوضاع الأمنية ..
الأحلام كثيرة والحالمون كثر وهذا ما سوف نسلط الضوء عليه في هذه التناولة السريعة..
المؤتمريون وهوس السلطة:
سيطر المؤتمر الشعبي العام على السلطة منذ عقود ولكنه انفرد بالسلطة بشكل كامل منذ العام 1997م، وبدأ منذ ذلك الحين يمارس سلطته المطلقة من خلال قياداته وأعضائه الذين أطبقوا السيطرة على مفاصل القرار والتحكم في كل المجريات.. بيد أنهم اليوم في وضع لا يحسدون عليه .. فهوسهم الشديد في التشبث بالسلطة أوصلهم لمرحلة السخرية بالزمن فلم يكن يتوقع هؤلاء أن يأتي يوم ويكونوا خارج المعادلة السياسية أو حتى شركاء في نصف سلطة على الأقل، بل لقد وصلوا في مرحلة معينة إلى تسمية حزبهم (بالحزب القائد) على غرار ( حزب البعث) في سوريا والعراق، لقد هيمن المؤتمر الشعبي العام على ثروات البلاد وخيراته ومقدراته طوال فترة حكمه التي امتدت لعقود لكنه اليوم شبه اعزل في مواجهة حلم العودة للحكم باليمن ولم يبقى لديه سوى بعض التحركات الفردية التي سرعان ما تتلاشى.
• الجنوبيون وحلم الانفصال:   
الجنوبيون يحلمون بالسلطة لكن ليست سلطة صنعاء وإنما سلطة (عدن)، وحلم العودة إلى دولة الجنوب العربي ومهما استحوذ أبناء الجنوب كافة المناصب القيادية التي وصلت إلى رأس الهرم السياسي بالبلاد في دولة الوحدة فلن يعجبهم ذلك.. فيوماً بعد يوم تزداد حدة المواقف بالجنوب ويرتفع معها الأصوات المنادية بالانفصال.. الجنوبيون ينقسمون إلى تيارات عدة- وهذا ما يضعف تحركهم- فتيار يرى الفيدرالية الحل على الأقل آنياً على أن يكون هناك استفتاء لأبناء الجنوب بعد(5) سنوات، لتقرير المصير، وتيار آخر متشدد يطالب بفك الارتباك أو الانفصال بشكل واضح، والأخير يتزعمه علي سالم البيض- الرئيس الأسبق للجنوب- كما أن هناك تيار آخر يصنف بأنه التيار ( الصالحي) المدعوم من النظام السابق.. وهذا تيار يطالب بالانفصال لغرض فرض ضغوطات على حكومة الوفاق والرئيس (هادي) ويرى كثير من المراقبين أنه وسط كل الضجيج الصادر من الجميع وحجم الأحلام السياسية التي يشرعن كل طرف لنفسه تبقى القضية الجنوبية هي المؤرقة والمهددة للسلم الاجتماعي باعتبارها تهدد مستقبل الوطن وسلامته ووحدة أراضيه.
• الحوثيون وطموح التوسع:
هناك توسع ملحوظ وامتداد واضح في المشروع الحوثي في اليمن.. شيئاً فشيئاً بدءاً الحوثيون بمد سيطرة نفوذهم على أراضي ومناطق واسعة من الدولة.. فبعد سيطرتهم شبه التامة على محافظة (صعدة) أمتد نفوذهم إلى المحافظات المجاورة لصعدة.. ( الجوف، حجة، عمران)..
ويعد عبد الملك الحوثي- زعيم الحوثيين- واحداً من الحالمين في حكم اليمن، بل يعده أمر إلهي وحقاً ربانياً وهذا سبب اختلافه مع (صالح) بعد أن كان شريكه في إدارة تلك المناطق، يرى محللون أن قضية صعدة من أهم القضايا التي قد تعيق تحقق الدولة المدنية الحديثة، نظراً للترويع الطائفي التوسعي المرتبط بدولة إيران، الأمر الذي قد ينذر بتجدد المواجهات بين السلطة المركزية وجماعة الحوثي في حال استمر الحوثيون بالتوسع وحمل السلاح وتجاهل تام للحكومة والمؤسسات الأمنية .
• الإسلاميون حلم أزلي بالسلطة:
يمتلك الإصلاح مرونة سياسية مهولة وخبرة سياسية طويلة وله علاقات داخلية وخارجية ولديه مؤسسات واستثمارات في الداخل والخارج، لكن سياسيون أكدوا أن نقطة ضعف هذا الحزب العتيد (عقدة الإقصاء).. والتي باتت مصدر قلق حتى لشركائه في العمل السياسي المتمثل بتكتل (اللقاء المشترك) ويعد فوز الأخوان في رئاسة مصر بقيادة الرائع الدكتور/ محمد مرسي بمثابة الرافد اللوجستي للجماعة في اليمن.. الأخوان يحلمون بالسلطة وهذا حقهم كونهم مؤسسة مدنية، لكن عليهم أن يتعلموا من أخطاء الماضي وأن يكونوا أكثر انفتاحاً ومرونة في تعاملهم مع الآخرين..
السلفيون والدخول على الخط
دخول بعض المكونات السلفية في العملية السياسية، إضافة نوعية للحياة السياسية اليمنية.. وذلك لما للحركة من وجود وتأثير كبير في الساحة اليمنية ككل، ووجود ممثل للحركة في لجنة الحوار الوطني أيضاً فرصة جوهرية أمامهم تمكنهم من خلالها المشاركة الحقيقية والفاعلة في وضع الخطط والأسس المستقبلية لمشروع الدولة اليمنية الجديدة.
في المقابل هناك جهات ممتعضة من دخول السلفيين على خط المواجهة، وذلك تخوفاً من التأثير لدور الحركة ولما تمثله من حجر عثرة تقف أمام بعض المشاريع الجنونية التي لها مصالحها وارتباطاتها الخارجية لاسيما تلك التي تغذي العنف الطائفي المقيت .. وتناصب السلفيين عداءات عقائدية وفكرية، لذا فإن على السلفيين أن يوحدوا صفوفهم وراء مكون سياسي من اجل مواجهة المخاطر التي تحدق بهم وتسعى إلى القضاء عليهم من الوجود، كما وعليهم تقديم مقترحات وتبني خطط واستراتيجيات تتواكب ومتطلبات المرحلة وبما لا يتناقض والدولة المدنية الحديثة التي يسعى الجميع إلى إقامتها.
• الاشتراكيون والحنين للماضي:
كان الحزب الاشتراكي اليمني هو الحاكم الفعلي لجنوب الوطن قبل الوحدة، وكانت كوادره وقياداته تحضى بامتيازات مهولة وبعد دخوله في وحدة اندماجية مع شمال الوطن ظل محتفظاً بنصف السلطة بعموم الوطن اليمني ولكنه فيما بعد أقصي عن السلطة وحصل له نهب منظم لجميع مؤسساته ومقراته لاسيما بعد أحداث (94م) التي ذهبت فيها حتى معظم قياداته ما بين النفي والتصفية الجسدية.
الاشتراكيون اليوم يحنون للزمن الجميل، ويحلمون بتقاسم عادل للسلطة وفق حساباتهم القديمة، لكن مراقبون أكدوا أن الحزب بحاجة ماسة لسنوات طويلة لإعادة بنيانه والوقوف على أقدامه من جديد خاصة بعد أن أفلتت القضية الجنوبية من يده ولم يعد هو الحاضن الشرعي لها.. فقد تعددت القيادات وكثر المتحدثون وضاعت القضية الجنوبية وسط الأصوات الناعقة.
• الليبراليون حلم جميل
يمكن أن يحلم الليبراليون كيفما يشاءون فلهم القدرة على ترجمة أحلامهم على أرض الواقع.. لكن المجتمعات العربية وبالتحديد المجتمع اليمني لم يصل لمرحلة النضج المدني حتى يتفهم تلك الأحلام الجميلة.
• العسكر.. ماكينة صدئة
يبقى مجرد التفكير بعودة الحكم العسكري في البلدان العربية التي ثارت على حكوماتها العسكرية بمثابة الاستحالة، لاسيما وأن الحكم العسكري لم ينتج سوى الظلم والاستبداد والقهر وما جاءت الثورات إلا لانتشال المجتمعات العربية من قبضة العسكر وتحريرهم لحكم مدني، ويرى مراقبون أن الشخصيات الكاريزمية العسكرية الحالية محسوبة على نظام ( صالح) وبالتالي لا يزال الوقت مبكراً للعودة إلى مرحلة الصفر.
• المستقلون مفاجأة الحالمون الجدد
بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها اليمن فضل العديد من الكوادر والقيادات الجنوح في خانة المستقلين وهؤلاء لديهم رؤاهم وأفكارهم وأحلامهم المدنية في حكم اليمن، ومن يدري لعل الرئيس القادم سيكون منهم، لاسيما وهم يمثلون أغلب فئات وشرائح المجتمع.
ختاماً.. وسط زحمة الأحلام السياسية ثمة وطن يقبع أسيراً للتدخلات الإقليمية والدولية وهذا ما يضعف القادم مهما بدأ مخلصاً لهذا الوطن، لذا على الجميع تحكيم ضميره والعودة إلى حضن الوطن الدافئ والانطلاق من نقطة بناء اليمن لحكم اليمن وليس لشيء أخر.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد