شبهة حزب المؤتمر بـ "سيارة بدون محرك" وأكدت أن عليه إجراء تغييرات إذا أراد أن يبقى لاعباً أساسياً..

مجلة أميركية: المؤتمر يواجه أزمة هوية وصالح رمز للفساد والتكتيكات السيئة

2013-02-24 16:15:54 أخبار اليوم/ خاص


قالت مجلة فورين بوليسي الأميركية إن حزب المؤتمر الشعبي العام، الحاكم في اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، أصبح اليوم في أمس الحاجة لإجراء إصلاحات. باعتباره الحزب الحاكم الذي نجا من انتفاضة الربيع العربي الواسعة، هو الآن يجدف في أرض خاوية.
ففي حين أن الحزب وزعيمه، الرئيس السابق علي عبدالله صالح، هم في حال أفضل بكثير من نظرائهم الذين حُكم عليهم بالسجن أو تم نفيهم أو قُتلوا أو تم حلهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن وزن ونفوذ الحزب المستمرة ليست مضمونة بأي حال وعليه أن يكافح للتكيف مع هذا الواقع.
وأشارت إلى الهدف من إنشاء المؤتمر الشعبي العام عندما شكله صالح في عام 1982، عندما كان رئيسا للجمهورية العربية اليمنية في شمال البلاد، هو مواجهة صعود الجماعات اليسارية المعارضة، مثل الجبهة الوطنية الديمقراطية. ومع مرور الوقت، تشعب نفوذ المؤتمر الشعبي العام في القوى السياسية المهيمنة، مما جعله يفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات الوطنية الأولى التي أجريت بعد توحيد الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في جنوب اليمن عام 1990. وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة في عام 2003، فاز المؤتمر بـ76 بالمائة من المقاعد.
لكن مع إندلاع شرارة الربيع العربي، كان المؤتمر الشعبي العام عبارة عن مجموعة من النخب القوية الذين يعيشون بالوصول إلى خزائن الحكومة أكثر من كونه حزباً سياسياً بالمعنى الديمقراطي لهذا المصطلح.
إن حكم المؤتمر الشعبي العام لا يكاد يكون مُلزماً للرأي العام بسبب الإفلات من العقاب النسبي والمقاومة الزائفة لائتلاف المعارضة "أحزاب اللقاء المشترك".
وبعد فوات الأوان، لم يعد مُستغرباً أن الحزب أصبح هدفاً رئيسياً للثوار. الانتفاضة الشعبية في اليمن التي بدأت في يناير 2011 أنزلت ملايين المحتجين إلى الشوارع. طالب النشطاء بـ"إسقاط النظام"، وغالباً ما تحولت الأحداث إلى دامية بسقوط أكثر من 2000 قتيل بحسب تصريح لوزيرة حقوق الإنسان اليمنية.
وتفيد المجلة أن شعبية المؤتمر الشعبي العام وعضويته واحتكاره للموارد الحكومية خلال الفترة المضطربة 2011- 2012م تلقت ضربة قاسية كانت متوقعة. والآن مع قلة ما قد يحصل عليه من غنائم وحاجته إلى التعبئة للدعم، يجب على المؤتمر الشعبي العام أن يتطور إلى كيان أكثر اكتفاءً بذاته.
وتشير المجلة إلى أن المؤتمر العشبي العام خرج سليماً من الربيع العربي بعكس نظرائه في المنطقة. حافظ الحزب على شبكة تنظيمية واسعة بملايين من أتباعه وشبكة إعلامية ضخمة. ومن خلال هادي، سيطر على الرئاسة ونصف المناصب الوزارية. صالح، الذي لا يزال رئيساً للمؤتمر، حصل على الحصانة عن الجرائم التي ارتكبت خلال الانتفاضة كجزء من الاتفاقية الخليجية. كما احتفظ المؤتمر الشعبي العام ولو بصورة غير مباشرة بثقل عسكري كبير من خلال نجل صالح، أحمد علي الذي سيستمر في قيادة الحرس الجمهوري القوي حتى يتم تنفيذ إعادة هيكلة الجيش التي تم الإعلان عنها في ديسمبر. لكن في حين أنه يظهر قوياً، فإن المؤتمر الشعبي العام بدأ بالفشل من الداخل.
وأفاد التقرير الذي نشرته المجلة أن الأزمة السياسية في اليمن أظهرت إلى السطح انقسامات طويلة الزمن داخل المؤتمر الشعبي العام، في الوقت الذي يجد أعضائه أنفسهم يتناقشون للمرة الأولى منذ عقود حول مستقبل الحزب.
وبالرغم من أن بعض الأعضاء ينكرون وجود هذه المشكلة، فعلى ما يبدو أن المؤتمر قد أصبح منقسماً إلى معسكرين. صالح وأنصاره المتشددون، مثل الموالي عضو البرلمان سلطان البركاني، يعتقدون أن الحزب سليم من الناحية الهيكلية وإنه قادر على التعافي بسرعة.
أما الجناح الأكثر تقدمياً بقيادة رئيس الوزراء الأسبق عبدالكريم الإرياني ومؤيدي الرئيس هادي، فهم يؤكدون على أن الحزب يجب أن يتعلم من أحداث 2011 ويلمحون إلى الحاجة لإجراء إصلاحات.
وحول هذه النقطة الخلافية بين هذه الأجنحة الليبرالية والمحافظة نقلت المجلة عن عضو البرلمان من المؤتمر ياسر العواضي: المحسوب على مؤيدي صالح- قوله: "صالح ليس رئيساً عادياً للمؤتمر الشعبي العام، إنه الرئيس المؤسس له، وإذا تركه فإن كثيراً من الأعضاء سيتركون الحزب"، في إشارة إلى شبكات المحسوبية التي شيدها صالح على مر السنين.
أما الإدعاء الآخر الذي يزعم به أنصار صالح فهو إنه لا يوجد حالياً أي شخص قادر على أن يحل محل صالح. فـ"الرقص على رؤوس الثعابين"، كما صبغها صالح ساخراً على حكمه طيلة 33 عاماً، تتطلب إدارة تكنوقراط وقبائل ومسلحين والمجتمع الدولي وأكثر من ذلك.
أم البركاني فقد رأى إن قيادة المؤتمر من الصعب ملئها، وقال: "إن لديه كاريزما ولديه خبرة في قيادة الحزب. وإذا المؤتمر الشعبي العام أراد زعيماً جديداً فعليهم أن يبحثوا"..
أمين العاصمة صنعاء منذ يوليو 2012 وعضو قديم في المؤتمر الشعبي العام عبد القادر هلال لا يرى أن الهيكل الحالي للمؤتمر أمر طبيعي. يقول هلال: "عادة في العالم الثالث أن رئيس البلاد هو رئيس الحزب".
ويعترف هلال وغيره من المتشككين بصالح بأن الرئيس السابق يستحق أن يكون جزءاً من مستقبل المؤتمر الشعبي العام، لكنهم يعارضون الإدعاء بأن وحدة الحزب تتوقف على قيادة صالح له.
ويقولون بأن هادي، نظراً لأنه رئيس البلاد ومدعوم من المجتمع الدولي، سيكون البديل المفضل. كما أنهم يدركون الحاجز الذي يشكله صالح أمام انتعاش الحزب.
وقال التقرير: لقد أصبح صالح رمزاً للفساد والتكتيكات السيئة والألعاب السياسية التي مارسها خلال فترة ولايته، وهي السمعة التي يجب على المؤتمر الشعبي العام التخلص منها.
صالح جذب غضب المجتمع الدولي أيضا. خلال الزيارة الأخيرة لأعضاء مجلس الأمن الدولي إلى صنعاء، والتي كانت تهدف إلى تشجيع العملية الانتقالية، عندما تم سؤال رئيس الوفد السفير البريطاني سير مارك غرانت عن تحديد المعرقلين للعملية الانتقالية، خص صالح بذلك.
وفي الأسبوع الماضي، زاد هذا الرأي الدعم الرسمي من مجلس الأمن، الذي أصدر بياناً اتهم فيه صالح بالتدخل في العملية الانتقالية. وبموجب قرار صدر في يونيو 2012، يحق لمجلس الأمن التصدي لأولئك المعرقلين لتنفيذ الإتفاقية الخليجية، وهي الخطوة التي قد تشمل فرض عقوبات.
من جانبه، لم يُظهر صالح حتى الآن رغبة كبيرة للتنحي. وبالرغم من تصريحه لصحيفة سعودية في يناير الماضي "أنا الآن علي عبدالله صالح مواطن يمني عادي"، إلا أنه لا يزال يشارك في الحياة السياسية اليومية من خلال إلقاء الخطب وجدولة ظهوره العلني وإدارة وسائله الإعلامية.
 يقول مقربون من الرئيس السابق إن هذه الرغبة غير المُشبعة ظاهرياً بقدر ما هي نتاج إيمان صالح بأنه يعمل ما هو أفضل لليمن، فهي محاولة للحفاظ على موقعه وتركته.
وأضاف التقرير: ومع بقاء هادي ومعسكره مترددين في تقديم خطوة نشطة لرئاسة المؤتمر الشعبي العام، من المتوقع أن يستمر هذا الجمود على قيادة المؤتمر حتى يقرر الحزب تحويل دعمه إلى أحد الجناحين أو يجد المجتمع الدولي وسيلة للضغط على صالح لترك هذا المنصب.
ويرى التقرير أنه في غضون ذلك، أمام المؤتمر الشعبي العام عقبة رئيسية عليه التغلب عليها. فالحزب يواجه أزمة هوية. بافتقاره لأي فكر حقيقي وبعد أن خسر أولويته التقليدية، يجب على الحزب أن يجد طريقة جديدة لتحديد دورها السياسي.
فالآراء تنقسم إلى مسارين مرة أخرى. المتشددون تميلوا لتأطير المؤتمر الشعبي العام كخصم للحكم الإسلامي. فمثلاً البركاني يؤكد على أن "الشيء الوحيد الذي يمنع الإخوان المسلمين من أخذ السلطة كاملة في اليمن هو المؤتمر الشعبي العام".
مما لا شك فيه أن هذه مبالغة، لكنه يلعب على التخوف الواضح بين كثير من الليبراليين اليمنيين. التجمع اليمني للإصلاح، وهو الحزب الإسلامي الرئيسي في اليمن ويتكون من جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين الأكثر تحفظاً، يرى أن موقعه تقدم خلال الربيع العربي وقد تم إعطائه عدد من الوظائف في الحكومة الانتقالية أكثر مما كان لديه من قبل.
إن معارضة المؤتمر الشعبي العام لحزب الإصلاح يمكن أن تجذب أولئك الذين يعتبرون الإصلاح يمثل تهديدا لهم ويرون قلة البدائل القابلة للحياة.
وبدلا من تسليط الضوء على التهديد الذي يشكله حزب الإصلاح، فإن أعضاء آخرين في المؤتمر الشعبي العام يؤكدون أن المؤتمر قد تعلم من الماضي وإنه على استعداد لخدمة الشعب اليمني.
ويعتقد هلال إن المؤتمر أصبح في أفضل استعداد لفهم ما يقلق المجموعات غير الممثلة تمثيلاً جيداً مثل الشباب الذين يشكلون 75 بالمائة من سكان اليمن والنساء. فإن اتفق الشباب أو النساء أو لم يتفقوا، وهم التركيبة السكانية المستبعدة من قيادة المؤتمر الشعبي العام، فإن هذا التقييم قابل للنقاش.
وأوضح التقرير بأنه وبغض النظر عن ذلك، يجب الإقرار بأن المؤتمر الشعبي العام على الأرجح سيوسع قاعدة دعمه التي يمكنها إثبات فائدتها للحزب. مشيراً إلى أنه على الرغم من أوجه القصور في المؤتمر الشعبي العام، ينبغي ألا يتوقع المعارضون انهيار الحزب في عشية وضحاها.
وعلى الرغم من انقسامهم حول العديد من القضايا، فإن جميع أعضاء المؤتمر تقريبا يعتبرون الحزب ضرورة للحفاظ على التوازن الدقيق للسلطة في اليمن. فالانحلال المفاجئ للمؤتمر الشعبي العام أو انخفاض نفوذه قد يرمي بالتوازن السياسي في البلاد وشبكات المحسوبية والجيش إلى المجهول، وهو الاحتمال الذي يحذر منه الكثيرون.
ونقلت المجلة عن أحمد بن مبارك الأستاذ الجامعي المؤيد للثوار والذي يصف نفسه بالمستقل -وهو الآن أمين عام مؤتمر الحوار الوطني القادم- تأكيده بأنه يتفق مع هذا الرأي، قائلاً: "نحن بحاجة للمؤتمر الشعبي العام. فحزب المؤتمر ليس مجرد صالح. أعتقد أننا بحاجة للتوازن في اليمن".
وذكر التقرير أن على المؤتمر الشعبي العام أن يجري تغييرات إذا أراد أن يبقى لاعباً أساسياً على المدى الطويل في هيكل السلطة في اليمن. وهذا ما قاله هلال: "إعادة الهيكلة للتعامل مع التغييرات التي حدثت".
ورأى التقرير أن العام الثاني من الفترة الانتقالية في اليمن، والتي تتضمن إجراء حوار وطني شامل واستفتاء على دستور وانتخابات رئاسية في فبراير 2014، سيكون بمثابة اختبار حاسم لقدرة المؤتمر الشعبي العام على سن مثل هذا الإصلاحات.
الخطوة الجريئة الاستباقية التي يمكن اتخاذها هي استبدال صالح برئيس جديد للحزب، بالرغم أنها مخاطرة تتمثل في أن لا أحد في الحزب يبدو مستعداً لاتخاذها، منوهاً إلى أن الوسيلة الأخرى الأكثر واقعية للحزب هي التعامل مع النزاعات الداخلية وإيجاد الحلول لها وتجديد صفوف القيادة الراكدة وتوضيح برنامجه السياسي الذي سيُعقد به مؤتمر الحزب، الذي لم ينعقد منذ عام 2005. وهناك شائعات بأن المؤتمر الشعبي العام يعد لمؤتمره القادم لكن لم يتم الإعلان رسمياً عن ذلك.
وختمت المجلة تقريرها بالقول: فلا واحدة من هذه الخطوات ستضمن نجاح المؤتمر الشعبي العام في المستقبل، بل ولا واحدة منها ستكون مؤشراً على حدوث تقدم. ومع ذلك فحتى ذلك الحين، سيظل من المتوقع أن يفقد الحزب طريقه، مثلما وصفه أحد المعلقين، بـ"سيارة بدون محرك".
 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد