اليمن.. مهبِط الأسلحة

2013-07-09 17:30:15 أخبار اليوم/ خاص


من حين لأخر تعلن السلطات ضبط شحنات وقوارب محملة بالأسلحة التركية والإيرانية لأكثر من مرة، إلا أن عمليات تهريب السلاح ماتزال مستمرة رغم إعلانات ضبط تلك الشحنات من الأسلحة آخرها أمس الأول, حيث تم ضبط قارب تركي محمل بالأسلحة التركية في المياه الإقليمية, إلا انه حتى اللحظة لم يتم الإعلان عن محاكمة أي من المتورطين، وهو الأمر الذي يوحي بتواطؤ أمني.

ماتزال الأوضاع الأمنية الهشة في اليمن تغري المهربين وتجار الموت والحروب في تكثيف عملياتهم لتهريب السلاح اليمن، فبعد أن كانت شحنات الأسلحة الإيرانية تصل إلى السواحل اليمنية لدعم المتمردين الحوثيين في صعدة، الآن ومنذ فترة طويلة أصبحت اليمن مهبط السفن والأسلحة التركية، ولأكثر من مرة يتم ضبط شحنات أسلحة تركية معظمها مسدسات كاتم الصوت، الأمر الذي أثار رعبا لدى الشارع اليمن والأوساط السياسية.
وعلى الرغم من انه يتم ضبط تلك الشحنات لأكثر من مرة في باب المندب وذباب بتعز والحديدة وعدد من المنافذ البرية والبحرية, إلا انه لم يتم الكشف حتى الآن عن المتورطين في شحنات تلك الأسلحة المهربة التي تم ضبطها منذ مطلع العام ولم يتم تقديمهم إلى المحاكمة.
بالأمس يأتي خبر ضبط سفينة أسلحة أثناء دخولها المياه الإقليمية اليمنية بالقرب من جزيرة زقر، وعلى متنها اكبر شحنة مسدسات تركية تقدر بـ تسعة وأربعون ألف مسدس، حيث قال مسؤول أمني في اللجنة الأمنية العليا إن أبطال القوات المسلحة تمكنوا يوم أمس الأول من ضبط سفينة محملة بأسلحة تركية الصنع، موضحاً لوكالة سبأ أن الأسلحة المضبوطة كان من المخطط أن يتم إنزالها على متن قوارب صغيرة في عرض البحر لإيصالها إلى إحدى الجزر التابعة لأرخبيل حنيش ليتم بعد ذلك تهريبها على متن قوارب أخرى إلى الشواطئ اليمنية ومن ثم إلى وجهتها في الداخل.
وقال المصدر إن إجراءات التحقيق ما تزال مستمرة بخصوص السفينة وطاقمها، فإنها تؤكد أنها ستعلن نتائج التحقيقات للرأي العام حال استكمالها، فيما لم تتم الإشارة إلى كمية الأسلحة المضبوطة في السفينة التركية.
و كشف الخبير في شئون الأمن الساحلي على القرشي، بان السفن التركية عاودت لممارسة مهامها التخريبية في اليمن من خلال نقل شحنات الأسلحة المهربة حيث قبض على سفينة تركية محملة بكميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وذلك مقابل ساحل (الفاسدة) التابعة لمديرية التحيتا بالحديدة على بعد 12 ميل بعد أن طاردتها قوارب البحرية من سواحل (يختل) في المخا واقتيادها إلى القاعدة البحرية بمدينة الحديدة مع طاقمها المكون من 8 بحارة يحملون الجنسية التركية، موضحاً بان منطقة وقوف السفينة التركية تعد مواقع إنزال دائمة للمواد المهربة.
وحذر القرشي في تصريحات من عودة تدفق عمليات التهريب للأسلحة من تركيا والتي تسعى إلى تحويل اليمن إلى نقطة عبور لتلك الشحنات إلى عدة دول خصوصا بعد الأحداث التي تشهدها مصر حالياً، مما سيجعل تركيا تعمل على تكثيف عمليات شحن الأسلحة إلى اليمن ومن ثم تهريبها مرة أخرى إلى السودان ومنها إلى مصر لزعزعة الاستقرار فيها كما فعلت في سوريا.
ويرى مراقبون أن استمرار هذا التدفق في الآونة الأخيرة يشكل خطرا كبيرا في ظل الأوضاع الأمنية التي تشهدها اليمن والمنطقة العربية خصوصا بعد الأحداث الجارية في مصر عقب عزل الجيش للرئيس مرسي والمظاهرات والاعتصامات التي تحتشد في الشوارع والساحات تضامنا مع مرسي مطالبين بإعادته إلى منصبه كونه رئيسا شرعيا جاءت به انتخابات صحيحة وحرة، معتبرين ما جرى من عزل الجيش له انقلابا عسكرياً.
ويعتبر اليمن منفذا مفتوحا لتهريب الأسلحة والكثير من البضائع الأخرى بسبب ضعف الرقابة على المنافذ البحرية والبرية، وهو ما يؤثر على الاستقرار الأمني والاقتصادي في البلد والذي يوصفان دائما بالهشاشة.
ويأتي ارتفاع وتيرة ضبط شحنات الأسلحة المهربة من حين لأخر في الوقت الذي ماتزال السلطات الأمنية عاجزة عن الحد من اتشار الأسلحة داخل المدن وضبط الذين يتاجرون به، حيث تشير التقارير الدولية إلى أن هناك 60 مليون قطعة سلاح في اليمن بين خفيف ومتوسط وثقيل بمعدل ثلاث قطع لكل مواطن، وهو الأمر الذي يجعل الأوضاع الأمنية غير مستقرة ويجعل معدل الجريمة مرتفعاً، إلا أن السلطات الأمنية تقلل من مدى دقة تلك الإحصائية التي تتناقلها، وتقول إن قطع السلاح الموجودة في اليمن سواء لدى الأشخاص أو القبائل أو في الأسواق لا يتجاوز ثلاثة ملايين قطعة سلاح على أكثر تقدير.
وعزا مراقبون تزايد انتشار السلاح إلى الحروب التي شهدتها اليمن خلال العقود الماضية التي كان التدخل الخارجي يمد الأطراف المتنازعة بالسلاح، كما أن حرب صيف 1994 ضاعفت من امتلاك بعض مراكز القوى القبلية بالسلاح التي أخذته كفيد جراء مساندتها لما سمي بقوات الشرعية ضد الانفصاليين في جنوب اليمن، فيما تشير تقارير دولية أخرى أن اليمن يعد منفذاً رئيسياً لتهريب السلاح.
ولم يحدث أن عملت السلطات اليمنية على الحد من انتشار السلاح في المدن اليمنية وضبط الأسواق والتجار الذين يعملون على بيع السلاح وتضييق الخناق عليهم، كما أن حملاتها الأمنية للحد من انتشار السلاح في المدن سواء عبر النقاط الأمنية على مداخل ومنافذ المدن أو تلك النقاط التي غدت منتشرة بشكل كبير في شوارع العاصمة صنعاء خصوصاً وان عددها اصبح يفوق عدد منصات رجال المرور في الشوارع، أثبتت فشلها في عملية الحد من التنقل بالسلاح داخل المدن والأسواق، وغالياً ما توصف تلك الحملات بانها هزيلة وعشوائية وغير جدية.
ووصف مراقبون أن جهود وزارة الداخلية وحملاتها وإجراءاتها الأمنية بانها جهود موسمية فقط وآنية تترافق مع زيارة وفد دولي أو إقامة مؤتمر وطني هام، كما يحدث الآن مع مؤتمر الحوار الوطني، حيث تقول وزارة الداخلية على موقعها الأمني أن أمانة العاصمة شهدت انضباط غير مسبوق في اختفاء المظاهر المسلحة خلال الأيام الماضية تزامناً مع انعقاد الحوار الوطني الشامل الذي أنطلق يوم أمس الأول.
وكانت ظاهرة حمل السلاح مقتصرة على رجال القبائل والمشائخ - خصوصًا في المحافظات الشمالية التي تكون القبيلة فيها السلطة الرئيسية قبل سلطات الدولة - كدلالة على الرجولة والوجاهة ناهيك عن أنها دلالة على القوة والسلطة، أو انك تجدها على أكتاف الرجال في الأرياف كنوع من الزينة خصوصاً في أرياف المحافظات التي عرفت بمدنيتها كأرياف محافظة تعز 265 كم جنوب صنعاء، إلا انه مع بدء الانتفاضة الشعبية مطلع 2011 لإسقاط الرئيس صالح لوحظ انتشار السلاح بشكل ملفت في كل الأماكن والأحياء وزادت معها نسبة الجريمة والانتهاكات، وغدت محافظة تعز مسرحاً مفتوحاً لجميع أنواع الأسلحة التي تتدلى من على أكتاف شباب وشيوخ في الشوارع الرئيسية وأسواق القات والأسواق العامة.
وعرفت تعز بانها المحافظة الأكثر ثقافة وان أبناءها هم الأوفر حظاً في التعليم من بين جميع المحافظات اليمنية، كما عرفت بانها المحافظة الأكثر مدنية إلى جانب محافظة عدن جنوب اليمن، ولم يكن للسلاح أي تواجد فيها عدا للزينة وفي الأرياف فقط بشكل بسيط.
الآن.. محافظة تعز محافظة مسلحة ولا تمر ساعة إلا وتسمع أصوات رصاص من هنا أو هناك ناهيك عن حوادث القتل والسطو، وأصبح السلاح ظاهرة وواقع يعيشه الناس كل يوم واصبح الوضع اكثر توتراً في محافظة يطلق عليها اسم" الحالمة"، يقول مراقبون إن تعز أصبحت ساحة لتصفية صراعات سياسية بين اطراف اللعبة السياسية، خصوصاً من النظام السابق، وانه هو المتسبب في انتشار السلاح داخل المدينة، وأشاروا إلى أن ذلك نوع من العقاب لتعز جراء قيام أبناءها بقيادة الانتفاضة الشعبية في 11 فبراير عشية تنحي مبارك عن حكم مصر بعد ثورة أطاحت به.
وبحسب تقارير أمنية تسبب انتشار السلاح في تعز إلى ارتفاع مستوى الجريمة فيها على غير ما عُرف عنها بكونها المحافظة المدنية.
ولا يختلف الوضع عن تعز في عديد من المدن اليمنية، ففي عدن التي عاشت تاريخها كإحدى المدن البريطانية وظلت تمضي على نفس النمط البريطاني جراء ثقافة الاحتلال التي ترسبت لدى أبنائها حتى وقت قريب، لم يكن للسلاح أي تواجد فيها، حيث كانت عدن حاضرة اليمن، وكان يطلق عليها "بريطانيا الصغرى".. ما يحدث الآن في عدن هو على النقيض تماماً: سلاح، عصابات، حراك مسلح، وخوف وحذر دائم.. حتى سواحلها الجميلة التي كانت متنفس لكل أبناء عدن نساءً ورجال غدت خالية من وقفر، والسبب هو عدم الشعور بالأمن.
ومن حين لآخر تعلن وزارة الداخلية انه تم إغلاق عدد من أسواق بيع السلاح وضبط تجار مخالفين، إلا أن أسواق السلاح ماتزال منتشرة وتزداد من وقت لآخر، وهناك العديد من المحلات الخاصة ببيع الأسلحة تعمل على بيع مواد غذائية كنوع من التمويه على نشاطها، فيما تشير معلومات إلى أن هناك تجار أسلحة كبار يتمتعون بحماية نافذين ومسؤولين أمنيين، لهذا فهم بعيد عن أعين الرقابة والضبط.
وتعد "جحانة وصعدة والبيضاء والجوف وأبين"، أسواقاً رئيسية لبيع الأسلحة في حين تشتري المحلات الأصغر حجماً أسلحتها بالجملة من هذه الأسواق وتعيد بيعها بأسعار التجزئة، حيث تقدر تلك المحلات بحوالي 300 محل، يحتوي كل منها على 100 قطعة سلاح في المتوسط.
وقدرت دراسات عن السلاح في اليمن وجود 100 شيخ كبير يمتلك كل واحد منهم مخزوناً احتياطياً من الأسلحة الصغيرة يصل إلى حوالي 1000 قطعة سلاح، بينما يوجد 1000 شيخ ثانوي ربما يمتلك كل منهم 40 قطعة سلاح، في حين يوجد 5.500 من الشيوخ المشكوك في صحة تسميتهم شيوخاً ربما يمتلك كل واحد منهم ثماني قطع سلاح ليكون إجمالي هذه التقديرات مجتمعة 184 ألف قطعة سلاح، تمثل الممتلكات الجماعية من الأسلحة الصغيرة لدى قبائل اليمن، ناهيك عن امتلاكهم الأسلحة الثقيلة مدافع هاون وقذائف أر بي جي ومضادات للطيران والدبابات والغام ومتفجرات.
ويعد النظام السابق ابرز المتهمين في امتلاك أولئك الشيوخ والقبليين لكل تلك الأسلحة، حيث يؤكد مراقبون أن الكثير من تلك الأسلحة كانت تسرب لهم من المعسكرات، وكان النظام السابق يعتمد بشكل رئيس على إبقاء صوت القبيلة عالياً ليكونوا عوناً له، وهو ما كان يراهن عليه لضمان استمراره على كرسي الحكم قبل أن تطيح به ثورة الشباب السلمية.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد