الصندوق والبنك الدولي يبتزان اليمن

2013-08-13 17:05:32 نبيل الشرعبي


اعترف البنك الدولي صراحة، بأن الحكومة اليمنية عجزت عن تطبيق آليات الحد من الفساد، وتنفيذ الالتزامات التي تعهدت بها للمانحين ومؤسسات التمويل الدولية، وجاء هذا الاعتراف بعد تأكيدات لصندوق النقد الدولي، تفيد بأن الفساد في المؤسسات الحكومية اليمنية لا يزال مستشرياً كما كان في السابق.
وجاءت تأكيدات المؤسستين الدولتين، بعد وقت منُحت فيه الحكومة اليمنية، فرصة إثبات جديتها في التغير ومكافحة الفساد، وإجراء تغييرات وإصلاحات فعلية وملموسة، خاصة في المجالات المرتبطة بالمالية العامة، جراء تنامي العجز في موازنة الدولة لهذا العام.

تقرير الشفافية:
وكان من أبرز التحديات التي تقف أمام الحكومة اليمنية، للحصول على مزيد من الدعم الخارجي، تقديم تقرير الشفافية والذي اشترطته مؤسسات المال الدولية والمانحين، لتقديم مزيد من المنح والقروض، وحث المانحين على تسليم ما تعهدوا به في مؤتمرات أصدقاء اليمن المنعقدة العام الماضي، من منح تبلغ في مجموعها أكثر من عشرة مليارات دولار، حيث لم يصل منها إلى الحكومة اليمنية، سوى عشرة بالمائة وفق تأكيدات رسمية.
وفي التاسع والعشرين من الشهر الماضي، اعتبرت الحكومة اليمنية، أنها تجاوزت اختباراً قاسٍ جداً، يتمثل في تقرير الشفافية، حيث كانت منظمة الشفافية العالمية اضطرت في العام 2008م، إلى اتخاذ إجراء تعليق عضوية اليمن، واستمر التعليق حتى أواخر الشهر الماضي، إذ تمكنت الحكومة اليمنية من تسليم التقرير، وأعلنت المنظمة إنهاء تعليق عضوية اليمن.

حزمة إصلاحات:
صندوق النقد الدولي، أحد الأطراف المؤكدة على ضرورة التزام الحكومة اليمنية، بتسليم تقرير الشفافية ربط تقديم مزيد من المنح والقروض به، وما إن سلمت حكومي اليمن التقري، وأنهت منظمة الشفافية تعليق عضويتها، أعلن ممثل الصندوق لدى اليمن، أن على حكومة اليمن إثبات مزيد من الإصلاحات، ووضع حزمة مطالب على حكومة اليمن، مطالباً بضرورة الإسراع فيها وتنفيذها قبل أن ينعقد مؤتمر المانحين لدعم اليمن أواخر عامنا الجاري.
وحزمة الإصلاحات التي اشترطها ممثل صندوق النقد، لدى اليمن الأسبوع قبل الماضي، إصلاح نظام الضرائب ورفع قدرة التحصيل، وإصلاح نظام المناقصات والجمارك، وتحسين أداء المالية العامة، ومكافحة الفساد في كل مرافق الدولة، وإنهاء حالات العبث بالمال العام، وإعادة النظر في ما يسمى شركات الحماية الأمنية الخاصة، والتي يؤكد خبراء اقتصاد أنها تستحوذ على ما يوازي ملياري دولار سنوياً.

ضعف الحوكمة:
البنك الدولي هو الآخر لم يلبث أن أعلن مباركته لليمن، على قبول منظمة الشفافية إنهاء تعليق عضويتها، حتى حذا نفس حذوا صندوق النقد، داعياً الحكومة اليمنية إلى أهمية إجراء مزيد من الإصلاحات لتحسين نظام الإدارة المالية العامة، ودعم النمو واستيعاب الموارد المتاحة بشكل أكثر فاعلية، وتطبيق القوانين الضريبية وتعزيز الجهات الإيرادية ومصلحة الجمارك بشكل كبير، وشفافية تنفيذ الميزانية دون تدخلات اجتهادية، وإقامة آليات فعالة للرقابة الداخلية، تعتبر جوانب رئيسية ينبغي التركيز عليها خلال الفترة القادمة، فرغم تحسن آليات وأساليب الشراء والتعاقد لكنها بحسب خبراء وتقرير البنك الدولي تحتاج إلى مزيد من الاهتمام, كون الفساد لا يزال مستشرياً بصورة كبيرة.
ويشير خبراء إلى أن اليمن تحتاج للتغلب على سجل النمو البطيء بنسبة 4% الذي ظلت تحرزه خلال العقد الماضي وذلك لتلبية الطلب على العمالة المربحة خاصة في أوساط الشباب, وكذا لمعالجة مستويات الفقر العالية.
ويرى البنك الدولي أن خلق فرص عمل وزيادة الدخل المعيشي لليمنيين العاطلين يعتبر أمراً أساسياً خلال الفترة الانتقالية والفترة التي تليها، حيث ينبغي أن تركز الإصلاحات على التدابير التي من شأنها خلق فرص اقتصادية وتعزز القدرة على المنافسة وتسهل الاستثمارات المربحة، ويعتبر استعادة وتسريع النمو الاقتصادي في اليمن أمراً أساسياً على المدى القصير ويمثل شرطاً لتحقيق التنمية البشرية على المدى الطويل.

ظروف أفضل:
ويؤكد تقرير البنك الدولي في المرحلة الراهنة تتطلب الضرورة توفير ظروف أفضل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة غير الرسمية وتحسين ظروف تشغيلها وحصولها على التمويل من شأنه أن يحسن الظروف المعيشية للكثير من المواطنين اليمنيين، ويرى ضرورة تنفيذ إجراءات سياسية راسخة لجعل القطاع الخاص في اليمن أكثر قدرة على المنافسة وأقل اعتماداً على الدولة ومواردها، ومن خلال هذا يستوجب على الحكومة أن تدرس بشكل دقيق إمكانية إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص في الاستثمارات الكبيرة في مجال البنية التحتية العامة، لأن موارد اليمن العامة ستبقى محدودة خلال المستقبل المنظور، كما أن قدرات الخدمات الحكومية ستحتاج لوقت أطول كي تتحسن، وتعد هذه المعوقات مبررات هامة من شأنها أن تدفع نحو تحقيق أفضل استفادة ممكنة من القدرة المالية والفنية للقطاع العام.
ولفت التقرير إلى أن ضعف الحوكمة في القطاع العام، يمثل عائقاً أساسياً لتحقيق التنمية وأهداف النمو، وأن ثمة حاجة إلى إصلاح شامل لنظام الحكم لتمكين الخدمة المدنية، من أداء مهامها الرئيسية وتقديم الخدمات على نحو فعال، ويتطلب ذلك تعزيز أداء دور المؤسسات الرئيسية في القطاع العام، والسياسات والإجراءات والقدرات، على المستوى المحلي والمحافظات، على المستوى المركزي، مع العمل على اتخاذ خطوات عملية نحو تحسين تقديم الخدمات وضمان مزيد من المشاركة والسماع لصوت المواطنين المعنيين في الحكم المحلي.

إنهاء الدعم:
ويظهر تقرير البنك الدولي تناقضاً فاضحاً فيما طرحه مديره التنفيذي، الذي زار اليمن قبل حوالي شهرين، وأعلن من صنعاء أن البنك الدولي لم يقترح على الحكومة اليمنية، رفع الدعم عن المشتقات النفطية، ولم يخض في هذا الموضوع، كون ذلك تدخلاً في عمل وقرارات الحكومة اليمنية، عكس ممثل صندوق النقد الدولي، الذي أفاد بأنه لا يستفيد من مبالغ دعم المشتقات النفطية، سوى قلة من كبار المسؤولين والمتنفذين، فيما الفقراء لا يستفيدون منه شيئاً، ولذلك فإن توجيه هذه المبالغ لصالح الفقراء سيحدث تحسناً، في حياتهم وسيحد من الفقر.
ويشير تقرير البنك الدولي إلى أن الإنهاء التدريجي لسياسة الدعم غير المستهدف لقطاع الطاقة سوف يساعد على القضاء على الانحرافات الاقتصادية المتغلغلة والتي تعيق النمو وتحرر الموارد العامة لاستثمارها بصورة مثمرة في المشاريع العامة، ويشدد على التسريع والذي يتطلب بعض الوقت للتخطيط وتحقيق النتائج، وأنه ينبغي بموازاة ذلك أن تكون الإصلاحات المطلوبة أكثر سهولة لتنفيذها من خلال توفير موارد كبيرة والدعم على المدى القصير، لأن استراتيجية النمو المستدام في اليمن تتطلب تسريع تنمية القطاع الخاص، ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال تحسين مناخ الأعمال التجارية والاستثمار ومراجعة الأطر التنظيمية, وغيرها من الوسائل وخاصة فيما يتعلق بالخدمات.

ابتزاز رخيص
العزف على نفس الأسطوانة المشروخة، أسلوب رخيص دأب عليه صندوق النقد والبنك الدولي، لابتزاز النظام السياسي اليمني، تحت غطاء الإصلاح الاقتصادي، والذي يطفو إلى السطح مع بروز أزمات سياسية، تفتعلها الولايات المتحدة الأميركية في اليمن، ولا يلبث الأمر ان يختمر، حتى يبدأ الهيجان الشعبي بالغليان أكثر.
افتعال أزمة استهداف المصالح الأميركية، جراء إفادة معلومات استخباراتية غربية، العثور على رسالة من زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، كانت في طريقها إلى أمير التنظيم في اليمن، يطلب فيها الظواهري منه مشورة حول توجهات وبرامج القاعدة مستقبلاً.
إن هذا الافتعال لم يعد تنطلي حيلته على ذوي العقول التي تفكر، ومن ثم الاستغلال السيئ لما تروج له دول غربية، والشروع بإعلان اليمن منطقة ومركزاً لتنظيم القاعدة، وإغلاق السفارات والقنصليات الغربية في اليمن وسحب الدبلوماسيين وتحذير الرعايا من السفر إلى اليمن.
عند التدقيق في صميم هذا الفعل، يتضح أنه ليس أكثر من مجرد مسمار جحا، واستغلاله بالضغط على نظام منهك اقتصاديا لمدة مزيد من النفوذ، ومعاظمه التدخل في سيادة البلد اليمن تحت مبرر تتبع وملاحقة أعضاء تنظيم القاعدة وتصفيتهم، بطلعات طائرات أميركية بدون طيار، بلغت ذروتها خلال العشرة الأيام الماضية.
ومن أجل التخفيف من حدة الغليان والهيجان والاستنكار الشعبي الكبير، حيال ما تقوم به أمريكا تقتل مزيداً من اليمنين تحت مظلة الإرهاب، كان النظام الأمريكي يدرك مسبقا ردة الفعل الرافضة لما يقوم به، ولهذا أعد سلفاً ذراعاً تتوغل في اليمن، لإحداث إثارة وترهيب اقتصادي وإعلان أزمة ستجر البلد حتما إلى الهاوية.
الشق الأول من الذراع صندوق النقد الدولي، الذي ظهر مبعوثه لدى اليمن/ خالد صقر، الأسبوع الماضي من خلال موقع الصندوق عبر مقابلة صحفية، تحدث من خلالها عن جملة من المخاطر التي تحدق باليمن وتعاظم من أزمته وفي الأصل المخاطر هذه لا يجهلها أحد، لكن هو يعرف كيف يحُدث فرقاً وأن يحقق هدف تجميل قبح أمريكا.
أداة جلد
خالد صقر، يدرك تماماً أن النظام الحالي والسابق يعرف أن صانع فساد الضرائب والجمارك والمناقصات والمالية وهدد الموازنة العامة وتبديد موارد البلد، هو النظام نفسه، ولهذا لجأ صندوق النقد عبر مبعوثة لدى صنعاء لاستخدام هذا الفساد لممارسة مزيد من الضغط على حكومة الوفاق وإرغامها على الصمت إزاء ما تقوم به أميركا.
ما الجديد في حديث خالد صقر عن الضرائب، ورئيس مصلحة الضرائب أكد أن نسبة الفاقد الضريبي يصل إلى خمسة وسبعين بالمائة، وهو ما يساوي تريليون ومائة مليون ريال، قياساً بمبلغ الربط بالموازنة لهذا العام للضرائب والبالغ 527 مليار ريال، إضافة إلى ما طرحه الملحق الاقتصادي على مدى الفترة الماضية من العام الجاري من خلال مختصين واستقصاء، تم فيه الكشف عن تفاصيل دقيقة للغاية عن فساد الضرائب والمناقصات والجمارك...الخ لم يسبق إليها أحد أو كان يعرف بها.
حتى أن فريق مؤتمر الحوار وقف على كل ما طرحه الملحق وأعتبرها محاور رئيسة لنقاشاته وشكل فرق عمل لعمل دراسات وبحوث وإيجاد معالجات جدية وسريعة تحقق معالجة الوضع المنحرف وترجعه إلى حيث يجب، وضمان توجيه استغلال أمثل لصالح البلد والتنمية المجتمعية الشاملة.
ولإرغام النظام اليمني على الصمت حيال أفعال أمريكا نبه خالد صقر -مبعوث صندوق النقد لدى اليمن- حكومة الوفاق إلى إن عليها أمور أكثر أهمية فالفساد يفرق البلد، ولذلك ذهب إلى القول إن الحكومة اليمنية بحاجة كبيرة إلى الاستمرار في تحسين مستوى امتثال كبار دافعي الضرائب لقانون ولوائح وأنظمة تحديد وتحصيل الضرائب، دون زيادة في معلومات الضريبة أو التأثير على المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وفي مقابلة نشرها موقع صندوق النقد الأسبوع الماضي، خالد صقر صرح علناً أن نسبة الضرائب المحصلة في اليمن لا تمثل سوى سبعة بالمائة من إجمالي الناتج المحلي وهي نسبة منخفضة جداً بالمقاييس الإقليمية والدولية، حيث تسهم في أقل الأحوال بنسبة 25 بالمائة وتصل في بعض دول إلى أكثر من 50 بالمائة أبرزها فرنسا، حيث تصل إلى 53 بالمائة، ولفت نظر حكومة الوفاق إلى ضرورة الاستفادة من هذا الفاقد لاحتواء عجز الموازنة العامة وخفض التضخم وتحقيق فائدة تعود بالنفع على البلد وعامة السكان خاصة الفقراء الذين يصل عددهم إلى خمسة عشر مليوناً، يعيش الفرد الواحد منهم على أقل من دولار في اليوم، مما فاقم من حدة الفقر الغذائي والتركيبة المجتمعية وولد كثيراً من المشاكل.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد