في منتدى منارات ..ثقافة المقاومة بين الشروط الموضوعية والوسائل المشروعة " غزة نموذجاً ..الحلقة الأولى

2009-01-30 23:37:59


أخبار اليوم / خاص

كانت غزة عنوان المحاضرة التي احتضنها منتدى منارات الثلاثاء الماضي للدكتور حمود صالح العودي بعنوان ثقافة المقاومة بين الشروط الموضوعية والوسائل المشروعة" غزة نموذجاً " ونظرا لأهمية المحاضرة تنشرها الصحيفة كاملة في حلقات نبدأها اليوم بالحلقة الأولى

في 17 يونيو من العام المنصرم 2008م.. عرضنا ضمن فعاليات "منارات" هذا الموضوع بعنوان "قضايا الأمة العربية والإسلامية بين هزائم السياسة وانتصارات المقاومة" بدءاً بماضي وحاضر القضية الفلسطينية واللبنانية مروراً بغزو العراق وانتهاءً بالصومال، وفي ضوء التداول الصحفي والإعلامي لوثيقة هذا الموضوع تلقى مركز منارات وأنا شخصياً الكثير من التقدير لما قيل وكتب من صدق الحقيقة المجردة من أي هواء أو بحثاً عن مصلحة أو خوفاً من خسارة كما تلقينا بنفس القدر تقريباً الكثير من عتب المودين وهمس المغرضين على السواء حول المبالغات والشطحات بل والمزايدات فيما قيل وكتب والذي وجدت نفسي شبة متهم به كما هي العادة في الموقف بين كل ما أقوله أوأكتبه من قبل المودين حرصاً والمغرضين أصدياداً في الماء العكر ، غير أن الزمن وجدليته التي لا تخطيء قد تكفل بتعزيز رأي المعاتب حرصاً، ورد كيد المغرضين أنانية بغير حق، فشكراً للمعاتبة حرصاً و العذر والشكر معاً للمغرضين أو أنانية أوحقداً أوكراهية لأن لولى الظلام لما عرف قيمة النور ولولا الكذب لما عرفت قيمة الصدق ولولى الظلم والإستعباد لما عرفت قيمة العدالة والحرية، وبضدها تبين الأشياء.

وها نحن اليوم وبعد سبعة أشهر مما قيل على هذا المنبر حول قضايا الأمة بين هزائم السياسة وإنتصارات المقاومة نلتقي مرة أخرى حول ما جرى ويجري في الصمود غزة والبطولة للمقاومة والخذلان والخزي للسياسة العربية الرسمية ،لا لمجرد التأكيد على قانونية الصمود والإنتصار للمقاومة العربية والإسلامية والإنسانية بدءاً لما هو عربي في فلسطين والجزائر ولبنان والعراق والصومال مروراً بما هو إسلامي في أفغانستان وباكستان والشيشان، وإنتهاءً بما هو عالمي وإنساني في فيتنام وجنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية، بل ولإبراز الخزي الموازي للسياسات الإستعمارية والعنصرية القديمة والامبريالية الجديدة من جهة وذيولها وأنيابها المتقدمة من ساسة الكثير من شعوب الأمة العربية والإسلامية الأكثر خطورة وإضراراً بقضايا شعوبهم لصالح أعدائها ومنتهكي حقوقها وكرامتها.

وإذا كان المشهد السياسي والعسكري العربي والإسلامي والعالمي إنطلاقاً من غزة الصمود والكرامة العربية قد قطع قول كل خطيب بين يقين إنتصار المقاومة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً وهزيمة المشاريع الصهيونية والإمبريالية في المنطقة على يدها قرب الوقت أم بعد وخزي وعار السياسات والمواقف اللاعربية واللاقومية لمعظم الأنظمة العربية التي ما عاد لها من مكان أو حق لا في إدارة شأن هذه الأمة ولا شرف الانتماء إليها ، لأن من يهون عليه شرف وكرامة أمته لا يسقط معه حق الولاية له عليها فحسب بل ولا يستحق معه شرف انتمائه إليها.. والحديث اليوم ليس عن تأكيد المؤكد أو توضيح الموضح في السأن العربي والقومي والعالمي بل فيما هو أهم

وأعمق من ذلك فيما يتعلق بفلسفة المقاومة وثقافتها وشروطها الموضوعية ووسائلها المشروعة وتمييزها عن دعاوى الإرهاب والمناورات السياسية لكي نتعلم منها ونلتحق بمسيرتها من أجل نصرة الأمة وقضاياها والتحرر و الوحدة والتقدم.

أولاً: المفاهيم (الفرق بين المقاومة والأرهاب)

إذا كانت الأشياء تعرف بمسمياتها فإنها لا تفهم إلا بتعريفها وما يدور من تعميم وتعتيم وإلتباس بين مفهوم المقاومة من جهة والإرهاب من جهة أخرى لا يخفى على احد، وهو التعتيم واللبس الذي لا يرجع إلى صعوبة الفرق والتمييز بين مفهوم المقاومة كحق من حقوق الدفاع عن النفس والعرض والوطن ومفهوم الإرهاب والجريمة كعدوان مباشر وغير مباشر على الحقوق والأعراض والأوطان، بقدر ما يرجع إلى قصد التعتيم واللبس بحد ذاته كهدف مباشر وغير مباشر لخلط الأوراق والألوان وجعل الأبيض أسود والأسود أبيض، الأسوأ الذي يجعل من حجارة أطفال فلسطين إرهاباً والقنابل الفسفورية من طائرات الأباتشي دفاعاً عن النفس وحماية للتحضر في وجه الهمجية.

وهكذا تبدو المقاومة كمفهوم شائع جداً وشديد العمومية والانتشار كمسمى لكنه بالغ الغموض والتعقيد كمحتوى ومضمون إلى الحد الذي يجعل من المقاومة في نظر خصومها على الأقل إرهاباً وتمرداً أو خروجاً على القانون بل وجريمة يتوجب معها أشد العقاب، وفي نظر مراقبيها وربما أصدقائها وأنصارها مفهوماً مرادفاً لإسترداد الحق أو الدفاع عنه بالعنف والعنف وحدة، لكننا درءاً لهذه الضبابية الخطيرة سوف نعرض في هذا المقال لأهم ما يمكن الاعتماد عليه في تعريف وفهم المقاومة باعتبارها العمل على استرداد الحق أو الدفاع عنه وعن النفس بكل الوسائل المشروعة، وهي لذلك وفي تقديرنا على الأقل تقتضي جملة من الشروط الموضوعية لنجاحها من جهة، وجملة من الوسائل النضالية في العمل من أجل شرعيتها من جهة أخرى ، والمبين تحليل كل ذلك في الآتي:-

ثانياً: الشروط الموضوعية لنجاح المقاومة.

يمكن إجمال أهم الشروط اللازمة لإثبات نجاح ومشروعية أي مقاومة في التاريخ لأي شعب من الشعوب في يقين عدالة القضية التي تتبناها المقاومة، وإيمان المقاومة بالدفاع عن هذه القضية، والتسلح المكين بالعلم السياسي والعسكري الرفيع، والعمل المشترك مع مجتمع المقاومة لا بد وأنه بمعزل عنه، والانطلاق من مبدأ ثني الخصم عن عدوانه أو خطأه وليس مجرد الانتقام منه، ثم الاعتراف بالجانب الإيجابي في موقف الطرف الآخر وتشجيعه مهما كانت ضآلته، وتوضيح دلالة هذه الشروط الآتي:-

1. عدالة القضية التي تتبناها المقاومة

إن ما يميز عمل أي جماعة مقاومة من قول صادق وعمل شريف عن قول أي جماعة كاذب أو عمل دنيء كجماعات النصب والاحتيال والجريمة المنظمة هو عدالة القضية التي تتبناها الجماعات المقاومة والمتعلقة باسترداد الحقوق المشروعة وحماية الأرض والعرض والدفاع عنه، وبالتالي فإن الدفاع عن القضايا العادلة واسترداد الحقوق المشروعة وحماية الأرض والعرض من العدوان والظلم لهو الشرط المسبق الذي من خلاله تتأكد مشروعية المقاومة ومبرر وجودها والذي بدون مثل هذا الشرط أو غيابه يصبح مفهوم المقاومة أو القول به هو مجرد كلمة حق يراد بها باطل.

يضاف إلى ذلك أن عدالة القضية التي تنبثق من خلالها شرعية المقاومة لا يقرر من وجه نظر المقاومين وحدهم أو مجتمعهم المقاوم معهم بل ولابد أن يقر بعدالة قضيتهم الآخرون من جماعات وشعوب ودول أخرى ممن ليسوا طرفاً مباشراً في القضية أو خصوماً أو مناصرين لها باعتبار هذا الأمر هو المقياس الأهم لعدالة القضية التي تعلن المقاومة من أجلها فالقضية الفلسطينية مثلاً لايكفي قط أن تكون عادلة من وجهة نظر الفلسطينيين من أجل استرداد حقوقهم المغتصبة والدفاع عن أنفسهم ولا حتى من وجهة النظر العربية ككل بقدر ما تتحقق مثل هذه العدالة من خلال أقرار غالبية الجماعات والشعوب والدول المحبة للعدل والسلام وحتى الأشخاص المحبين للعدل والمدافعين عن حقوق الإنسان حتى ولو كانوا من بين صفوف المعتدين والخصوم.

وهكذا هي كانت عدالة قضية المقاومة العالمية للعدوان النازي والفيتنامية والجنوب أفريقية للعدوان الأستعماري والعنصري، وهكذا هي اليوم مقاومة الشعب الفلسطيني واللبناني ضد الإحتلال والعربدة الصهيونية، والعراقي والأفغاني ضد الإحتلال والعربدة الأمريكية، ومن أهم مهام أي مقاومة هو إقناع الآخرين بعدالتها بدءاً بأصدقائها وإنتهاءً بخصومها وأعدائها.

2. إيمان المقاومة بعدالة قضيتها وحقها في المقاومة

لاشك أن ثبوت عدالة أي قضية شيء، والإيمان بحق المقاومة من اجلها شيء آخر ، فكل عربي مثلاً بل ومئات الملايين من المسلمين وغير المسلمين يقرون بعدالة القضية الفلسطينية أو الفيتنامية او العراقية ويقرون بحق أصحاب هذه القضايا في المقاومة من أجلها، لكن القليل منهم جداً هم الذين يؤمنون بحقهم هم أنفسهم في المقاومة وواجبهم ومسئوليتهم المباشرة في القيام بها، والبون شاسع بين عدالة الحق والإقرار به من جهة وذلك هو شرط نجاح المقاومة وبيئتها السياسية والإجتماعية المناسبة وبين الإيمان بواجب ومسئولية إسترداد هذا الحق أو الدفاع عنه بصورة مباشرة من جهة ثانية ،وهذا هو معنى المقاومة وجوهرها السياسي والإجتماعي الذي لا يشترط القيام به من كل من يقر بعدالته حتى ولو كانوا من أبناء مجتمع القضية أنفسهم ، بل قد لانعدم أن نجد فيهم من لا يقر بعدالة القضية نفسها.

فإذا كان شرط إقرار بل وإيمان كل فلسطيني وكل عربي بعدالة قضية الشعب الفلسطيني مع الإحتلال والعدوان الصهيوني مطلوباً وضرورياً إلا أن شرط الإيمان والقيام بواجب المقاومة السياسية والعسكرية المباشرة ليس شرطاً ملزماً إلا لمن قرر القيام به إختياراً حتى ولو كان من غير مجتمع القضية.

لأنه إذا كان من غير المنطقي أن يتحول كل الفلسطينيين مثلاً إلى مقاومة فإنه من المنطقي أن يشترك في مقاومتهم غير هم من الأشقاء في العروبة والإسلام والإنسانية كحق وطني وقومي وإنساني لكل منهم في الإقرار والدعم للمقاومة بل وحق المشاركة العملية فيها، لأنه من غير اللازم ومن غير المنطقي أن ينخرط في المقاومة كل أبناء الشعب الفلسطيني ويترك من يزرع ويصنع ويعلم ويتجر وينجب ويربي وينتج لأن ذلك يعني موت القضية ونهايتها وليس المقاومة من أجلها والانتصار لها، كما أنه في المقابل ومن باب مبدأ العدالة الإنسانية التي لا تتجزأ وحقوق الإنسان التي لاتعرف الحدود القومية أو الجنس، أو اللون أو اللغة أن يشارك الفلسطينيين واللبنانيين أو غيرهم مقاومتهم من أجل قضاياهم العادلة أي إنسان على وجه الأرض بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو مكانه ما دامت عدالة قضيتهم قد تأكدت وشرعية مقاومتهم قد بدأت، وهو الأمر الذي جعل من الرئيس الفنزويلي شافيز مناصراً للمقاومة الفلسطينية واللبنانية من الطراز الأول ومن بعض القيادات العربية مع راعي البقر في البيت الأسود أعداء لتلك المقاومة.

3. إمتلاك ناصية العلم السياسي والإجتماعي والعسكري

أ. ضرورة المعرفة العلمية العامة

المعرفة والمعلومة صارت اليوم أكثر من أي وقت مضى هي العامل الأهم في كل مقاييس التقدم والتفوق ليس فيما يتعلق بكل مناحي الحياة المتعلقة بالتقدم والتنمية الإقتصادية والاجتماعية فحسب بل وبالدفاع عن القضايا العادلة للشعوب والأمم والأفراد أيضاً، ناهيك عن التفوق العلمي والتكنولوجي الذي يشكل جوهر المعرفة والمعلومة في عالم اليوم، فلقد تراجعت أولوية وفرة الموارد الطبيعية والبشرية والامتداد الجغرافي للأرض أمام الافتقار للمعرفة العلمية والتكنولوجية التي بدونها لا يكون للبشر والموارد والأرض إلا قيمة من الدرجة الثانية والثالثة، فاليابان مثلاً هي أفقر مجتمعات ودول العالم في مواردها الطبيعية والجغرافية لكنها الأقوى في تقدمها الاقتصادي والاجتماعي في العالم لأنها أمتلكت ناصية معرفة العلم والتكنولوجيا في مقابل بلد عربي كالسودان مثلاً الذي تعادل مساحته مجموع بلدان أوروبا الغربية وتتجاوز موارده الطبيعية مواردها بكثير، لكن المحصلة هي أين السودان بل والوطن العربي كله من اليابان أو أوروبا؟

والمقاومة العادلة والمشروعة ليست إستثناء من ذلك، فهي اليوم علم متطور ولم تعد مجرد فدائي وبندقية..

ب. ضرورة العلم السياسي والإجتماعي للمقاومة.

كما أن المقاومة الوطنية المشروعة من أجل الانتصار للقضايا العادلة ليست كذلك استثناء من المعادلة المتعلقة بأهمية وأولوية امتلاك ناصية العلم السياسي والاجتماعي كشرط مسبق لضمان الانتصار ذلك أن تسلح المقاومة بسلاح الوعي والمعرفة السياسية الرصينة لهي الأداة الحاسمة لتمكين المقاومة من معرفة موازين القوى السياسية المحيطة بها وحدود من يقف معها وضدها وعلى الحياد ومن يمكن الإعتماد عليه إستراتيجياً ومن يمكن الإفادة منه مرحلياً أو تكتيكياً ومن يمكن الإنتقال به من الموقف المضاد أو المعارض إلى موقف الحياد ومن يمكن الإنتقال به من موقف الحياد إلى موقف المؤيد والمناصر ...الخ .

والتحلي بالمرونه وسعة الصدر والبال السياسي والإجتماعي واعتماد مبدأ الأخذ والعطاء وقبول الممكن على طريق ما ينبغي أن يكون دونما إفراط أو تفريط ودونما توتر أو ردود أفعال أو التورط في النظرة الضيقة ذات البعد الواحد، فلتتحد الرؤى والمداخل والسبل والوسائل مادام الهدف واحد وواضح وعلى أن لا يتعارض أي من ذلك مع نبل وعدالة القضية التي يجري النضال من أجلها أو الإنتقاص منها، كأن نمول سلاح المقاومة ضد الفساد بتجارة المخدرات، او المفاوضة والنضال بشعارات ضد الظلم والفساد من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والشفافية ونكران الذات ونطالب بها الأعداء ونحاجج الخصم ونحن لا نحترمها في حياتنا الخاصة والعامة بل وربما نأتي بعكسها، فالمقاومة الحقة لابد وأن تكون هي القدوة والمثل الأعلى في سلوكها وأفعالها لكل ما تطالب به خصومها وأقوالها وأفعالها أيضاً، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وحتى لايصدق عليهم حكم نفاق من يقولون ما لا يفعلون أو الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، خصوصاً في حياتنا السياسية العربية والنضالية الكثير ممن يصدق عليهم مثل هذه الأقوال والحقائق .

فهذا إذاً هو العلم السياسي والاجتماعي للمقاومة والذي لا غنى لها عن فهمه والإلتزام به لأنه يرتبط بما هو أهم من مقاومة ومجاهدة الأعداء والخصوم بالقوة وهو الجهاد الأكبر للنفس في الذات والآخر، لأن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد