معالم تاريخية تشكو الانهيار.. ومشاريع بدون مواصفات.. وطلاب يدرسون تحت الأشجار..

الزيدية معقل العلم على وشك الزوال

2013-09-19 18:11:35 كتب/ فتحي الطعامي


على بعد 60 كيلو متر من مدينة الحديدة عاصمة المحافظة تقع مديرية الزيدية أحد أقدم المدن في تهامة, حسب ما ذكر المؤرخ الإسلامي ابن الربيع, كما أنها من أكبر مديريات الحديدة من حيث المساحة الجغرافية والكثافة السكانية... تمثل الزيدية أهمية كبيرة للمديريات الشمالية, فهي تعتبر مركزاً للعمل التجاري لتلك المديريات من اللحية والزهرة شمالاً إلى القناوص والضحي جنوباً.
كما اكتسبت الزيدية أهمية, كونها تقع على الطريق الدولي (الحديدة- جيزان) والذي غالباً ما يشهد حركة مرور مستمرة.. الأمر الذي جعل من الزيدية تنتعش اقتصادياً.. إلا أن هذه المديرية وبالرغم من إرثها التاريخي والثقافي وموقعها الجغرافي ما تزال تعاني من غياب الخدمات وانعدام البنية التحتية للمشاريع الرئيسية كما هو الحال مع مشاريع المياه المتعثرة والكهرباء المفقودة والتي لا تغطي إلا جزءاً بسيطاً من احتياجات المديرية.

نشأت مديرية الزيدية في القرن الخامس الهجري وهي نسبة إلى زيد بن ذؤال وهو أول من سكن فيها, كما يذكر ذلك المؤرخ العربي ابن الديبع, وبعد اندثار أبيات حسين والمهجم والتي كانت موجودة من ذلك الحين أصحبت الزيدية حاضرة من حواضر تهامة الشمالية وصارت قبلة للعلماء وطلاب العلم.
وفيها ظهرت العديد من أسماء الفقه والعلم الذين كانوا قبلة للدارسين والسائلين يبلغ عدد سكان الزيدية ما يربوا على مائة وخمسين ألف, حسب آخر إحصائية, موزعين على العديد من العزل والقرى الممتدة من الضحي جنوباً وحتى القناوص شمالاً وحتى جبال المحويت من الجهة الشرقية.
وهي مقسمة على 3 عزل, الأولى هي عزلة العطاوية وترتفع في الجزء الشرقي من المديرية وهي بمحاذاة مديرية الخبت التابعة لمحافظة المحويت.. وعزلة الحشابرة وهي في المنطقة الجنوبية وفيها العديد من القرى التي يسكنها عشرات الآلاف من بشر وتتكون بيوتاً من الطين والقش.. والعزلة الثالثة وهي منطقة الأفراد وهي تشمل مدينة الزيدية عاصمة المديرية وفيها يتركز معظم السكان من أبناء المديرية أو من الوافدين إليها من بعض المديريات القريبة.
تاريخ مهمل:
هناك جزء كبير من بيوت الزيدية (المدنية) بنيت على نمط معماري مميز, إلا أن أهم ما تميزت به الزيدية من تلك المباني هي قلعة الزيدية الأثرية والتي بناها العثمانيون مع حملتهم الأولى, حيث تعد قلعة الزيدية من القلاع التاريخية الأثرية التي تحظى بها محافظة الحديدة وتعد شاهدة على حقبة تاريخية وحضارية معينة..
وبالرغم من الأهمية التاريخية والأثرية التي تتميز بها قلعة الزيدية, إلا أنها باتت اليوم تشكو الإهمال وغياب الاهتمام من قبل الجهات المعنية.. خلال العقد الماضي تعرضت قلعة الزيدية التاريخية للعديد من الاندثار في بعض أجزائها وهو ما شكل خطورة على بقية القلعة خاصة مع تعرضها في بعض فصول العام لأمطار غزيرة قد تتسبب في أضرار بالغة لها.
وبحسب مدير المديرية العقيد/ محمد الجند فإن الجهات المعنية لم تقم بدورها تجاه التراث الإنساني في الزيدية، وقال:" نحن في المجلس المحلي بالمديرية قد وجهنا العديد من المذكرات التي تحكي وضع قلعة الزيدية الأثرية إلى الجهات المعنية في المحافظة, إلا أن تلك الجهات, والتي هي معنية بالحفاظ على الآثار والمعالم التاريخية, لم تقم بدورها".
وأضاف:" ونحن نطالب وعبركم أن تقوم المحافظة (السلطة المحلية بالمحافظة) بالعمل والتوجيه للحفاظ على قلعة الزيدية التاريخية كإحدى الموروث التاريخي لكل اليمنيين".
وفي المقابل تبرز أيضاً العديد من المساجد التاريخية التي بنيت قبل مئات السنين كما هو الحال مع مسجد صائم الدهر, والذي كان قبلة لطلاب العلم ومركز لتدريس العلوم الشرعية منذ ما يزيد عن مائتي سنة.. الحال لا يختلف أيضاً مع مساجد الحلة ومسجد الشيخ أدهل والجامع الكبير بالزيدية وجامع دير عطا بعزلة العطاوية.
كل تلك المساجد تشكو غياب اهتمام الدولة ومعها يشكو أبناء مديرية الزيدية والذين يعتبرون إهمال الدولة عن الحفاظ على هذه المعالم التاريخية هو جزء من المؤامرة على مديرية الزيدية منذ عقود من الزمن (كما قال الصحف أبو لغيث معوضة).. والذي أضاف بأن أبناء الزيدية لم يلقوا أي اهتمام من الدولة طوال الفترة الماضية..
إلا أن تنصل الدولة عن القيام بواجبها اتجاه تلك المعالم الأثرية والتاريخية لكل اليمنيين يعد دليلاً واضحاً من أن المسئولين في المحافظة لا يتعاملون مع مديرية الزيدية كإحدى مديريات محافظة الحديدة.
خدمات منعدمة:
بالرغم من الكثافة السكانية التي تمتاز بها مديرية الزيدية, إلا أن العديد من خدمات المياه والكهرباء والصحة ما تزال غائبة عن هذه المديرية، فمشروع المياه والذي يعد من أهم احتياجات المديرية ما يزال متعثراً منذ 2006م وهي سنة الانتهاء منه.. وبالرغم من أن المشروع مكلف (ستين مليون ريال) إلا أن ذلك المشروع يعيش في حالة سيئة, الأمر الذي يضطر المواطنين إلى شراء مياه الشرب عبر الوايتات.
ويؤكد الجنيد أن المشروع بالفعل تم الانتهاء استكمال بناءه في ذلك الحين, إلا أنه ظل متعثراً بسبب عدم وجود جهة تتحمل مسئولية الإشراف عليه, فمؤسسة المياه والصرف الصحي استلمت المشروع بحضور وزير الصحة ومحافظ المحافظة واستكماله في حينه.
وأضاف مدير المديرية أن المنحة الألمانية والتي تعهدت بإصلاح شبكة الصرف الصحي, لكنها اشترطت أن يتم تشغيل مؤسسة المياه والصرفي الصحي في المديرية.
مشروع الكهرباء هو الآخر ومنذ الوعد الذي أطلق في العام 2006م في الانتخابات الرئاسية لم يتم تحققه, فالمديرية تعاني من انقطاع متواصل لخدمة الكهرباء وانعدامها عند معظم العزل باستثناء أجزاء بسيطة من المديرية يصل إليها التيار الكهربائي بساعات محدودة من اليوم.
يقول المواطن/ محمد أبو الغيث, صائم الدهر (إنه وبالرغم من كون المديرية تعاني من شدة حرارة الطقس الساخن, ومع ذلك لم يتم إيصال التيار الكهربائي للمديرية إلا عن طريق جزء بسيط يتم خصمه من حصة مديرية الضحي).
وأضاف صائم الدهر:( مديرية الزيدية ومعها 3 مديريات لا تمنح من مؤسسة كهرباء الحديدة سوى 7 ميجاوات, وهي كمية لا تساوي شيئاً مقارنة بأعداد السكان في هذه المديريات).. متسائلاً عن 10 ميجاوات التي وعدت بها المديرية منذ 2006م.
المجلس المحلي بالمديرية أكد أنه تم تحرير عدد من المذكرات من قبله لقيادة المحافظة والمسئولين في مؤسسة الكهرباء, وأخيراً تم إدراج مشروع كهرباء الزيدية في البرنامج الاستثماري للعام 2013م بمؤسسة الكهرباء.. وبانتظار تنفيذ مشروع كهرباء الزيدية يظل المواطنون يرزحون ويعانون بسبب انعدام خدمة الكهرباء وشدة الحر اللاهب.

لا صحة:
وفي الصحة ليست بأحسن حال, فهي أيضاً غائبة عن مديرية الزيدية, فأغلب قرى وعزل المديرية تعاني من غياب المراكز الصحية, ناهيك عن أن المستشفى الصحي يعاني من نقص المعدات والكادر الطبي وعدم وجود غرف عمليات أو معدات طبية يحتاجها المستشفى.. عوضاً عن أن سكن الأطباء والذي تم إخلاء عهدة المقاول لم يتم استكمال بناءه وما يزال ينقصه الكثير.
وعند سؤال إدارة المديرية عن مشروع المستشفى الريفي لمديرية الزيدية, أجاب مدير المديرية بأن مشروع المستشفى مركز من حيث المناقصة والإشراف وإخلاء عهدة المقاول تمت من قبل مكتب الصحة.
وأقر مدير المديرية بأن المستشفى يعاني من غياب الكادر الكافي ولا يوجد فيه سوى طبيب واحد.. وبالرغم من المتابعة المستمرة من قبل المجلس المحلي لتوفير الكادر إلا أن مكتب الصحة لم يقم بتوفير الكادر إلى الآن.
وعن دور الإشراف على تلك المشاريع التي يتم تنفيذها في المديرية وتكون غير مطابقة, أجاب مدير المديرية المشكلة بأن "القانون لا يعطينا حق المتابعة والإشراف على تلك المشاريع التي تكون في إطار المديرية، كما أن مشروع مقلب القمامة هو الآخر التي تم الوعد بتنفيذه لم يرَ النور".

بين العام والجامعي:
وفي مديرية الزيدية يعاني التعليم من وضع مأساوي, فأغلب قرى المديرية لا يوجد بها مدارس لا أساسية ولا ثانوية, الأمر الذي جعل من أبناء تلك المناطق يعزفون عن التعليم, ما قد يؤدي إلى ظهور جيل من هؤلاء الأطفال يعاني من أمية القراءة والكتابة.
يقول أبناء مديرية الزيدية إن نسبة بسيطة من الأبناء الذين هم في الدراسة يواصلون دراستهم الثانوية في مدينة الزيدية عاصمة المديرية.
وقال معنيون في مكتب التربية والتعليم بالمديرية إن عزلتي العطاوية والحشابرة تعاني من انعدام المختصين, ناهيك عن أن أغلب القرى في هاتين العزلتين يدرس الأطفال تحت الشجر والمساجد أو فصول من القش مثل ما هو الحال مع مدرسة الهيجه والراية والرافعي وغيرها كثير من المدارس التي موجودة أسماً لا حقيقة, كل ذلك يجعل من العملية التعليمية والتربوية تعيش في خطة بسبب تدهورها وانعدامها في بعض الأحيان.
وبالرغم من كونها محط الكثير من أبناء المديريات المجاورة, حتى تلك التي تتبع محافظة المحويت, والتزاحم المستمر فيها, ما يزال التعليم العالي منعدماً, بالرغم من وجود كليات تتبع جامعات خاصة..
ففي العام المنصرم تم الاتفاق بين السلطة المحلية وقيادة الجامعة (كما أكد مديري مديرية الزيدية) على إنشاء مبنى خاص بكليات تتبع جامعة الحديدة, وتم تفريغ المعهد العلمي بالزيدية ليكون فرعاً لجامعة الحديدة, كما تم تزويده بالكراسي وبعض المعدات من قبل المجلس المحلي بالمديرية, إلا أنه لم يتم افتتاحه إلى اليوم.
مدير المديرية الجنيد أوضح أنه تم الاتفاق مع الجامعة على إنشاء كلية التربية وكلية العلوم التطبيقية وتم عمل محضر مع نائب رئيس الجامعة الدكتور/ عبده هديش, وسلمنا المبنى وقمنا بشراء الكراسي كشرط من قبل الجامعة بمبلغ وقدره خمسة ملايين ريال, إلا أن قيادة الجامعة تراجعت عن افتتاح تلك الكليات في المديرية.
مزارع تحتضر:
كل تلك المعاناة المتعددة التي يعانيها أبناء مديرية الزيدية, إلا أن المعاناة التي تعدد الأبرز عند أبناء مديرية الزيدية تكمن فيما تتعرض له أراضيهم الزراعية من موت بطيء بسبب ارتفاع مادة الديزل وانعدامه في بعض الأحيان, الأمر الذي أثر على مصدر رزقهم الوحيد والذي يقتات منه أغلب الأهالي بمديرية الزيدية والتي تعد أهم المناطق التي تمتلك أراضي زراعية واسعة.. ففي الزيدية يتم زراعة البطيخ والذرة والدجرة, وغيرها من المحاصيل الزراعية التي تزرع في الغالب في منطقة تهامة.
وقال بعض المزارعين إن محاصيلهم الزراعية التي تنتهي في الغالب بسبب ما تتعرض له من آفات وحشرات لا تقوم الدولة بمكافحتها.. مؤكدين أنه وفي حال استمر وضع أسعار الديزل في الارتفاع فإن مصير الزراعة في منطقة سوف تتوقف.

همسة:
تبقى مديرية الزيدية بعزلها ومناطقها, ومساحتها الكبيرة وأعداد سكانها الكثيفة, رهينة لنظرة جادة من قبل المسئولين في الدولة.. تعمل على الاهتمام بها.. وتوفير الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم عام وجامعي..
يحتاج أبناء مديرية الزيدية أن تشعر الدولة بالخطورة التي يهدد الإرث التاريخي لهذه المنطقة, والتي بات يسير نحو الهدم والانتهاء.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد