في ظله ارتفع سقف حرية التعبير وازدادت الانتهاكات..

هادي والصحافة

2013-09-20 18:01:41 أخبار اليوم/ تقرير خاص


يواجه الصحفيون في اليمن مخاطر تمثل لهم مصدر خوف جراء تزايد حالات الاعتداء على العاملين في مهنة الصحافة التي صارت بالنسبة لكثير صحفيين مهنة خطرة على حياتهم في ظل إخفاق نظام هادي في معالجة الاعتداءات هذه.
ويقول مسئولون في هيومن رايتس ووتش إن إخفاق الرئيس هادي في معالجة الاعتداءات على الصحفيين اليمنيين لا يقتصر أثره على حرمانهم من العدالة، لكنه أيضاً يزرع في الوسط الإعلامي ككل شعوراً بالخوف من اعتداءات أكثر وأخطر

في فبراير/شباط لقى الصحفي المعارض/ وجدي الشعبي، 28 سنة، في منزله الكائن بمحافظة عدن مع صديق له.. لكن لم يلق القبض على أحد على ذمة هذه القضية.
عندما سمعت زوجة الشعبي/ نجلاء المنصوب بينما كانت في غرفة نومها طلقات نارية في الغرفة التي كان زوجها وصديقه يتحدثان فيها اتجهت فرأت رجلين مسلحين كادا يقتلانها, لكنها اختبأت مع أطفالها في غرفة النوم..
تقول زوجة الشعبي:" رأيت رجلين في ثياب مدنية وسترات عسكرية ومعهما بنادق.. رآني الرجلان وبدآ يطلقان النيران في اتجاهي، لكنني تمكنت من الفرار إلى غرفة النوم واختبأت مع صغاري".
 وأشارت إلى سماعها أصواتاً من الخارج, ما جعلها تفترض أن المسلحين كانا برفقة آخرين.. ظلت نجلاء مختبئة في غرفة نومها لمدة ساعة تقريباً.. وعندما لم تسمع أي شيء آخر تسللت من مخبئها فوجدت زوجها مردى قتيلاً وفي ظهره جروح خمس رصاصات..
لكن الوقاحة في ما زعمه موقع إلكتروني, هو بمثابة ناطق باسم وزارة الدفاع, أن وفاة الشعبي وقعت أثناء هجوم القاعدة على نقطة تفتيش عسكرية بعدن.. واتهم الصحفي المقتول بأنه كان يتصرف كممثل إعلامي للقاعدة.
أثناء زيارات لليمن بين فبراير/ شباط وأبريل/ نيسان 2013، وثق باحثو هيومن رايتس ووتش 20 اعتداءً على صحفيين, وكانت قصة الشعبي واحدة من الحالات الموثقة
 يوقن صحفيون أنهم تلقوا تهديداً من جهات عديدة بدلاً من الرد على الهجمات عليهم بكلمات وأفعال قوية.. وتتهم هيومن ووتش رايس نظام الرئيس/ عبد ربه منصور هادي بالفشل إلى حد كبير في إجراء تحقيقات جدية بخصوص ذلك.. وهذا الفشل لا يحرم ضحايا الانتهاكات من العدالة فقط.. بل يجعل وسائل الإعلام بأكملها خائفة من مزيد من الهجمات وبدرجة أكثر خطورة.
وبحسب جو ستورك "إذا كان للتقدم في مجال حرية التعبير أن يحدث أثراً حقيقياً ومستديماً في المجتمع اليمني فإن على الحكومة أن تدين كافة الاعتداءات على الصحفيين، وأن تحقق فيها باستفاضة وبما يضمن تقديم المسؤولين عنها للعدالة".
يقول ستورك:" لا يكفي مجرد إزالة القيود المفروضة على حرية التعبير لضمان أن يتمكن صحفيو اليمن من القيام بعملهم، فحكومة اليمن بحاجة إلى الاضطلاع بدور أكثر إيجابية بكثير، لضمان ألا يضطر الصحفيون للنظر خلف ظهورهم باستمرار لحماية أنفسهم".
قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته أمس, حصلت "أخبار اليوم" على نسخة منه, إن تزايد الاعتداءات على الصحفيين منذ تولي الرئيس الجديد لمنصبه في اليمن قد يطغى على التقدم الأخير الذي تم تحقيقه في مجال حرية التعبير.
 وأنه رغم تخفيف حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي القيود المفروضة على وسائل الإعلام كجزء من إصلاح أوسع في مجال حقوق الإنسان، إلا أنها لم تستنكر أو تلاحق وقائع التضييق على الصحفيين والمدونين وغيرهم من المنتقدين، وتهديدهم والاعتداء عليهم من قبل جهات حكومية وخاصة على السواء.
وذكرت مؤسسة حرية- وهي منظمة يمنية غير حكومية تراقب حرية وسائل الإعلام- أنها وثقت 260 حادثاً منفصلاً تنطوي على أعمال تهديد ومضايقات وصولاً إلى الاختفاء القسري ومحاولة القتل.
يركز تقرير ووتش على 20 حالة بحثتها ووثقتها خلال زيارتها اليمن في فبراير 2013م.. وتوصل التقرير المكون من 45 صفحة تحت عنوان "مهنة خطرة على الحياة: الاعتداءات على الصحفيين في ظل حكومة اليمن الجديدة"، إلى أنه رغم تمتع اليمنيين بصفة عامة بحرية تعبير أكبر منذ وصول هادي للسلطة بدلاً عن علي عبدالله صالح كرئيس للبلاد في فبراير/ شباط 2012 بعد ثلاثة عقود من حكم الأخير.. إلا أن هذه الحرية الجديدة جاءت مشوبة بمعدلات متصاعدة من التهديدات والعنف بحق وسائل الإعلام.
بعض المسئولين ذهبوا بعيداً لدرجة تبرير الاعتداءات على العاملين في الإعلام.. قالوا إن الصحفيين يفتقرون للاحترافية, ولعبوا دوراً ضاراً في عملية الانتقال السياسي في اليمن.
في الماضي كان الصحفيون اليمنيون يواجهون التضييق من قوات الأمن الحكومية، إلا أنهم يواجهون الآن تهديدات من جهات أخرى أيضاً، تشمل مؤيدي الحكومة السابقة، والمتمردين الحوثيين، والانفصاليين الجنوبيين والمتشددين الدينيين.
وتبين إحصاءات جمعتها نقابة الصحفيين اليمنيين ومؤسسة حرية كيف تدهورت ظروف الصحفيين ووسائل الإعلام في عهد الرئيس هادي رغم تخفيف الرقابة على حرية التعبير..
في النصف الأول العام الجاري سجلت مؤسسة حرية 144 هجمة وأعمالاً عدائية أخرى ضد صحفيين وصحف ووسائل إعلام أخرى أثرت مباشرة على 205 أفراد.. وذات الفترة كانت هناك 55 حالة منفصلة شملت ما مجموعه 74 صحفياً اتهموا بمخالفة قانون الصحافة وقوانين أخرى.
في حالات أخرى، زعم صحفيون أن بعض أفراد قوات الأمن أو أفراد مجموعات وجهوا إليها انتقادات قد اعتدوا عليهم أو هددوهم بالقتل.
وأشار الصحفي سعيد ناصر إلى إنه تلقى تهديدات عديدة بعد أن ألمحت صحيفته إلى تورط الرئيس السابق صالح في جريمة اغتيال سياسي من عام 1977، وتم تحذيره هاتفياً:" إذا لم توقف التحقيق في هذا الملف فسوف يتم اغتيالك".
وأفاد الصحفي حمدي ردمان، بأنه حين صوّر جنود الجيش وهم يفضون تظاهرة في ديسمبر/كانون الأول 2012، اقترب منه ثلاثة جنود وبدأوا يضربونه بعصيهم.
وقال لـ"هيومن رايتس ووتش": "ظلوا يضربونني، ثم شد أحد الجنود أجزاء سلاحه وأطلق النار في الهواء في اتجاهي".
في كافة الحالات العشرين التي فحصتها هيومن رايتس ووتش، قام الصحفي أو نقابة الصحفيين بإيداع شكوى لدى السلطة اليمنية المختصة. غير أن السلطات إما أنها لم تجر تحقيقات جدية، أو جاءت استجابتها في أفضل الأحوال بطيئة وغير مجدية.. لم يتعرض أحد لملاحقة قانونية ناجحة في أي من الحالات.
وقال صحفيون يمنيون لـ"هيومن رايتس ووتش" إن غياب المحاسبة له تأثير خانق على الوسط الإعلامي ككل، يؤدي إلى القلق والرقابة الذاتية.
يؤكد الصحفي/ خالد الحمادي أن محاولة وزارة الدفاع لتشويه سمعته في نوفمبر/تشرين الثاني أدت إلى إحباط في صفوف بقية الصحفيين، الذين يخشون تعرضهم للضرر بدورهم، ما دام يمكن استهداف شخص بمكانته بهذه العلنية.
وقال لـ "هيومن رايتس ووتش": إنهم يشعرون بأن الحكومة ما دامت قد اعتدت علي لفظياً وأنا صحفي معروف في اليمن وفي المجتمع الدولي، فربما يأتي الدور عليهم, والصحفيون الشباب بوجه خاص، الذين لا يتمتعون بالثراء أو اتساع شبكة العلاقات، صاروا الآن يتجنبون القضايا الحساسة.
قال مراد السعيدي، وهو صحفي يكتب لصحيفة "أخبار اليوم"، لـ"هيومن رايتس ووتش" إنه بدأ يتلقى مكالمات هاتفية تهديدية بعد أن نشر مقالاً يزعم أن المتمردين الحوثيين قصفوا منزل عائلة في صعدة في عام 5405 ، مما أسفر عن مقتل 00 وإصابة 94.2.. منع مسلحون تابعون للحوثيين الناجين من القصف من مغادرة الموقع لمدة ثماني ساعات نشر الموضوع في العديد من الصحف، بما في ذلك مأرب برس وصحيفة الأهالي الأسبوعية.
 ويواجه الصحفيون مخاطر خاصة عند نشر التقارير عن الفساد، الذي يمثل مشكلة واسعة الانتشار وراسخة الجذور في اليمن.. هيومن رايتس ووتش على علم بحالتين تم فيهما ملاحقة صحفيين بتهمة التشهير لنشر تقارير عن مسؤولين متورطين في عمليات فساد.
إن تغطية الفساد من الخطوط الحمراء الواضحة بالنسبة للصحفيين: كلا القضيتين الجنائيتين ضد صحفيين واللتين وثقتهما هيومن رايتس ووتش كانتا مرتبطتين بتغطية الممارسات الفاسدة، كما هو الحال بالنسبة لحوادث أخرى وثقتها هيومن رايتس ووتش, حيث تعرض صحفيون للمضايقة بسبب تقاريرهم عن الفساد المستشر في اليمن
إلا أن مسؤولين يمنيين رفيعي المستوى قالوا لـ "هيومن رايتس ووتش" في اجتماعات بالعاصمة صنعاء في فبراير/شباط: إن انعدام الأمن والاستقرار السياسي يظل أكبر تحدٍ يواجه حكومة هادي..
وقالوا إن هذا يعوق جهودهم للتحقيق في الاعتداءات، لا على الصحفيين وحسب، بل أيضاً على قوات الأمن والوزراء.. أيضاً اتهمت قلة من المسؤولين وسائل الإعلام اليمنية بغياب الاحترافية والإساءة إلى العملية الانتقالية في البلاد، كأنما لتبرير للاعتداء عليها.

تمتع اليمنيون بقدر كبير من حرية التعبير بعد تولي عبد ربه منصور هادي زمام السلطة.. حكومته خففت من الرقابة على النشر وسمحت بهامش أكبر من التعبير عن الرأي في المجال العام.. غير أن هذه الحرية بدت مشوبة بتصاعد الاعتداءات على الصحفيين.. وأصبحت الاعتداءات التي تمسهم ليس فقط من جانب السلطات الرسمية.. بل من أطراف أخرى نافذة منها شخصيات سياسية.
توصيات:
طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش رئيس الجمهورية بإصدار بيان يدين كافة الاعتداءات على الصحفيين ووسائل الإعلام, ورفع تعليمات لمكتب النائب العام بأن يأمر بإجراء تحقيقات فورية، ونزيهة، وشاملة بشأن كافة الاعتداءات على صحفيين ووسائل إعلام بهدف ضمان تقديم المسؤولين عن الاعتداءات للمحاسبة, ودعوة البرلمان إلى سن تشريعات لحل محكمة الصحافة والمطبوعات المتخصصة.
ودعت المنظمة البرلمان ولجنة صياغة الدستور حماية حرية التعبير وحرية الصحافة في مسودة الدستور من خلال نصوص صريحة تتسق مع التزامات اليمن بصفتها دولة طرفاً في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية, وضمان الحصول على المعلومة كحق دستوري..
وكذا تعديل أو إلغاء القوانين القائمة، بما في ذلك النصوص القانونية المتعلقة بالتشهير الجنائي، التي تنتقص من الحق في حرية التعبير والإعلام في انتهاك للقانون الدولي.. وتمرير مشروع قانون البث المسموع والمرئي العالق في البرلمان.. ومثلها القوانين ذات الصلة بإنشاء محكمة الصحافة والمطبوعات المتخصصة من أجل حلها, مع استبعاد القضايا القائمة أو إحالتها إلى المحاكم الجنائية العادية.
المنظمة في تقريرها طالبت وزير الإعلام ومكتب النائب العام بالإدانة العلنية والمستمرة، لكافة الاعتداءات على الصحفيين ووسائل الإعلام, وإجراء تحقيقات فعالة ونزيهة وشفافة بشأن كافة الاعتداءات على صحفيين ووسائل إعلام, وملاحقة المعتدين قضائياً بشكل مناسب، بمن فيهم أفراد الأمن، بغض النظر عن مراكزهم أو رتبتهم.
وفي دعوتها الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والدول المانحة, قال التقرير:" كجزء من برامجها المنفصلة للمساعدة في عملية إصلاح وزارة الداخلية، ينبغي للبعثات الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في اليمن أن تكفل تضمين احترام حرية التعبير ووسائل الإعلام في كتيبات الشرطة ودورات التدريب ذات الصلة, وأن تشجع وزير الداخلية على اتخاذ موقف علني ضد الاعتداءات على الصحفيين ووسائل الإعلام, والضغط على الرئيس والبرلمان اليمنيين لاتخاذ إجراءات وسن تشريعات لحماية الصحفيين ووسائل الإعلام في اليمن.



الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد