سبتمبر التي أكلت أبناءها

2013-09-26 15:02:35 تقرير خاص


في العيد الـ(51) للثورة التي أطاحت بنظام بائد تسبقها الأحلام بعيداً عن الفقر والجهل والمرض- ثالوث المرحلة, ما يزال (سيف محمد سيف) بعد (52) عاماً من عمر الثورة التي كان أحد بواسلها برتبة جندي ويحلم بترقية بسيطة..الرجل السبعيني ومثله كثيرون من الرفاق لم تطلهم أكل الثورة.. لكنها أكلتهم لتمنح أُكلها آخرين..
يقول د/ فؤاد الصلاحي, أستاذ علم الاجتماع السياسي:"هناك الكثير من الضباط والمناضلين الذين عملوا في ثورة سبتمبر وأكتوبر لم يحصلوا على حقهم".. مضيفاً:"ومن هنا بالفعل تستحق الثورات اليمنية القول بأنها أكلت أبنائها الثوار وأبنائها المواطنين الطيبين المخلصين الذين كانوا يدعمون أهداف الثورة".
عندما نتحدث عن الثورات دائماً ما نبحث عن الأسماء الكبيرة لنحكي عنها ونتجاهل أصحاب الأدوار الكبيرة الذين تتناساهم ذاكرة الثورة نفسها.. مدونو الثورات أبناؤها وممن عاشوا لحظاتها لم يدونوا تفاصيلهم بشكل صحيح.. أما الجهات التي تُنشأ باسمهم تظل هي الأخرى تحترف التسول باسمهم, كما تجيد اللعب بمشاعرهم دون أن تقدم لهم شيئاً, وإن كان فهو ليس إلا الفُتات..
لم يعد (سيف محمد، محمد الجومري، الشاطبي، ....، ..) وغيرهم من مناضلي الثورة يتذكرون أين هي منظمة مناضلي ثورة سبتمبر اليمنية- المحاربون القدامى بالضبط..(إنها لم تقدم لنا شيئاً) قال سيف محمد بألم.
يتكرر مشهد سيف ورفاق 1962م مع ثوار 11 فبراير 2011م الذين ما يزالون يتأبطون جراحاتهم التي لم تلتفت إليها حكومة الثورة التي جاءت على أوجاعهم ودماء رفقاء لهم قضوا شهداء لليمن الحديث.. "الآن شهداء ثورة 11 فبراير 2011م نفس الحكاية لم يأخذوا حصتهم كاملاً، بل إن الجرحى لم يتم الالتفات إليهم ولم يتم الاهتمام بهم بالنظر إليهم لمساعدتهم في العلاج ما يزالون يتواجدون حتى الآن في الشوارع.. وهذه كارثة" قال الصلاحي:
سبتمبر التي أكلت أبناءها.

لعنة التحرر
عندما انفجرت ثورة السادس من سبتمبر كان أحمد علي من أبناء فرع العديني رهينة لدى الإمام أحمد وذلك حسب عُرف متداول آنذاك عن أسرة سنان راصع وهي من مشائخ البلدة.. وكان عموده الفقري ثمناً لجبروت إمامه..
يتذكر الشباب/ أحمد عبدالعزيز..وهو أحد أحفاد أسرة راصع حالة الرهينة أحمد علي الذي ظل طريح الفراش لمدة تزيد عن خمسين عاماً بسبب إصابته بكسر في العمود الفقري.. والجمهورية التي حررته من زنازين الإمامة ولم تمنحه تأشيرة منحة علاجية لإستعادة عموده الفقري..
ثورة سلبت الحاج أحمد علي حركته.. وبالمقابل سلبت حفيد الأسرة المشائخية أحمد عبدالعزيز شموخه وكرامته بعد أن تحول إلى سائقاً لدى أحد عتاولة الشيخ في العاصمة صنعاء حيث عمل لفترة بسبب الظرف الذي ألم بأسرته بعد تمزقها..

دع ما قرأته في كتاب التاريخ للصف السادس عن ثورة سبتمبر وحكاية الثالوث المخيف(الفقر والجوع والمرض) الذي رافق المرحلة وأفتح عينيك قليلاً لتقرأ تاريخ أيلول كما يرويه صانعوه من المحاربين المنسيين..

عند الساعة الخامسة فجراً السادس والعشرين من سبتمبر 1962م كان الوقت قد حان لإعلان ساعة الصفر عن تفجير الثورة.. وما كان من الملازم/ أحمد محمد الشاطبي إلا أن يلبي النداء ليكون شاهداً ومشاركاً في ثورة أطاحت بنظام بائد وتفاصيلي أخرى خاضها وعاشها الشاطبي يرويها هنا لـ "أخبار اليوم".
لولا حرفية الضابط علي عبدالمغني لما هزت قذائف المدفعية دار البشائر
اللواء الشاطبي.. حكاية الوجع السبتمبري
في منزله المتواضع القديم بجوار حديقة برلين بمنطقة نقم يستقبلك اللواء/ أحمد محمد الشاطبي وبرفقته نجله سليم/ خطيب جامع دار التوجيه المعنوي الذي نشكره على تفاعله وتعاونه في إعداد الملف, ليحكي من وسط سبعة وثلاثين حفيداً وحفيدة وكله بهجة بقدوم صحفي ينقل عنه تفاصيل أيلول عن تفاصيل عاشها لحظة تفجير الثورة.. ما إن يبدأ حديث الذكريات يتوجه الرجل السبعيني إلى أحد الرفوف المكتظة بشهادات التقدير وصور الذكريات ليستخرج قطعة قماش يتبين أنها قبعته العسكرية القديمة التي ما زال يحتفظ بها.. يلبسها فوق رأسه ويتذكر أيام شيقة مضت، ظل الملازم الشاطبي ينتظر لحظة الصفر بشوق (ليلة تفجير الثورة ذهبت إلى البيت حيث أسكن بجانب جهاز الأمن القومي حالياً لأخذ قسطاً من الراحة.. وعند الساعة الخامسة فجراً سمعت دوي الانفجارات.. نهضت مسرعاً وتوجهت إلى حيث كنت مرابطاً مع رفاقي). قال الشاطبي.
وأضاف:( في مقبرة خزيمة كان جنود وضباط الثورة يأخذون مواقعهم لتوجيه ضرباتهم المدفعية نحو دار البشائر.. انضممت إليهم وشاركتهم في العمليات.. كنت حينها برتبة ملازم مظلات.. كان هناك ضباط أبرزهم الضابط/ علي عبدالمغني الذي لولا حرفيته في التعامل مع المدفعية لما كانت ضربات القذائف الموجهة نحو دار البشائر أصابت الدار بتلك الفاعلية والقوة.. كنت معجباً بشخصية هذا الشاب الثائر).
بعد هرب الإمام البدر من الدار خرج الملازم الشاطبي ضمن الحملة لتعقب وملاحقة نجل الإمام إلى أن وصلت مشارف حجة.. كانت الطريق مليئة بالصعاب وعند مشارف المدينة التي فر إليها محمد البدر حدثت مناوشات بين أفراد الحملة وأنصار الإمامة.
اللواء/ أحمد الشاطبي خريج الدفعة الثالثة مظلات- الكلية الحربية, إذ سبقته دفعتان حد قوله, الأولى دفعة محمد مطهر والثانية دفعة علي عبد المغني..عمل الشاطبي محارباً شرساً في صفوف الثورة واشترك في معارك ومواجهات مع فلول الإمامة في أكثر من موقعة.
يتذكر اللواء الشاطبي حادثة منطقة سنوان محافظة عمران التي أصيب فيها بطلقات وشظايا ما زالت أوجاعها وآثارها شاهداً حتى اليوم.. يقول: عندما خرجنا في حملة إلى منطقة سنوان كنا مجموعة على متن مدرعة ترافقنا أطقم عسكرية.. كان الوقت ليلاً وما إن وصلنا إلى المنطقة كنت أنا مسئولاً عن الرشاش.. ترجلت عن الطقم لأزيل بعض الأحجار وأتحسس طريقنا، فإذا بوابل من الرصاص ينهمر علينا من كل إتجاه عدت إلى مكاني فوق الرشاش دون إحساس بالخوف.. أصبت في كتفي وظهري بطلقات نارية وبعض الشظايا.
في سنوان للشاطبي حكايات وجع يتذكرها ويتنهد:( عندما أحسسنا أنه لا فرار من الموت قام أحد الرفاق واسمه محمد الحمزي بصب البنزين واحترق بالكامل.. الله يرحمه).
رغم معاناته الدائمة من آلام شظايا تحولت إلى لحمية وإصابات طلقات نارية هي بحاجة اليوم لعمليات في الخارج, وما يزال بانتظار توجيه تكريمي من الجهات المعنية التكفل بمنحة علاجية.. لكن اللواء الشاطبي الذي يحاول قدر الإمكان كتمان أوجاعه, كما يعشق عدم جرح الآخرين أو ذكر مساوئهم والشكوى منهم- يبدو اليوم مرتاح البال من دور قام به في سبيل اليمن بلادنا.. مع أنه لم يحصل على كافة حقوقه.

النقود والسلاح التي كانت تتدفق من باب دار الشكر بالعاصمة صنعاء للملكيين في مواجهة ثوار سبتمبر ومحاولة إجهاض الثورة في أكثر من مكان, هي مادفعت محمد صالح الجومري, من أبناء الحيمة لأن يلتحق بصفوف الثوار والتجنيد.. "عندما كنت في باب السباح كان يتم إخراج الفلوس والسلاح من باب الشكر ونحن نشاهد بأعيننا وهذا ما دفعني للدفاع عن الثورة باستماتة", قال الجومري لـ"أخبار اليوم"
من محارب في صفوف الجمهورية إلى بائع بسكويت في نقم..
الجومري: تركت الوظيفة جندياً، لكني اليوم بدون وظيفة
تعسكرت بعد الثورة رسمياً, بحوالي ثلاثة أشهر خرجنا إلى خولان.. ثم في ريمة حُميد وهي إحدى مناطق سنحان ويوجد فيها الآن مركز تدريبي تكتيكي.. وقمنا بطرد الملكيين وكان حينها الشيخ/ أحمد المطري في متنة يقاتل مع الثورة.. ثم ذهبنا إلى منطقة رازح وكان فيها أشخاص جمهوريون كثر, أمثال العماد وقد توفي قريباً.. ناضلت مع الجمهورية في أكثر من مكان وصولاً حتى مأرب وظللت أخدم جندياً في الأمن المركزي حتى أواخر السبعينيات في الحديدة وتعز.
 وبعد أن رأيت بأن الجمهورية تحققت خرجت من التجنيد عندما التحقت بصفوف الجيش الجمهوري لم أكن أعرف أقرأ أو أكتب حينها اسمي، لكن كانت الثورة تعني لي أنها ستحسن الأوضاع فيها أخذ وعطاء، وأنها ستحدث تغييراً وهي خروج على الظالم.. وكنا مقتنعين.
للأمانة هناك أشياء تحققت كنت أنتظر أن تحققها ثورة سبتمبر.. الثورة كان فيها أشياء صح وأشياء سلبية، وهناك أشياء لم تتحقق، لكن مطالب كثيرة حصلت, كانت مترتبة على الثورة كثير من المحن.. لم تستطع أن تتنفس كما يجب.. خصوصاً ما لحقها أو تلاها من مشاكل حرب السبعين والمناطق الوسطى.
تجارتي كنت بدأتها في البلاد "الحيمة" بعد خروجي من الأمن في بيع الأرز والسكر والدقيق والمواد الغذائية, ثم توجهت إلى صنعاء مند حوالي 25سنة والآن تاجر في نقم في البسكويتات.. بعدها خرجت من العسكرة.. الآن ما أريده مقابل أتعابي وتشتتي في الجبال محارباً في صفوف الثورة في ظل الوضع الحالي وما تشهده البلد من اضطرابات أمنية وعدم استقرار, صار الوضع يشكل تهديداً لتجارتي وصرت أخشى كثيراً.. بل صرت أخاف على البلاد بكاملها.
ثورة 26سبتمبركانت ثورة إنقاذ للوضع الإنساني المنسي.. كانت ثورة على الجهل والمرض والفقر، وعندما قامت كانت الأوضاع في الوطن العربي مضطربة.. لكن القوة التي خرج بها الشعب اليمني في سبتمبر لا نمتلكها اليوم.
منظمة مناضلي ثورة سبتمبر اليمنية التي تم إنشاؤها في عهد الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح لم تقدم لنا أي شيء.. منذ عشر سنوات وأنا أتابع المنظمة, كوني عضواً فيها, للحصول على استحقاقاتي.. ولدي ملف لا تستطيع إحصاء أوراقه.. لكن لم أتوصل مع الجهات المختصة, التي تم تحويلي إليها, إلى نتيجة، رغم أن هناك توجيهات بضم اسمي إلى وزارة الداخلية.. وقد تركت الجيش وأنا جندي.

عندما حانت لحظة الصفر كان قدريالجومري يعمل حارساً للإمام.. ولذا تمكن من لعب دور ريادي وكبير في مساندة الثوار.. انقلب على الإمام وأعلن الانضمام إلى ثورة سبتمبر.
مات وهو يحلم بترقية
 قدري.. حارس الإمام الذي انقلب عليه
فيما المحارب في صفوف الثورة قدري الجومري توفي وهو ما يزال جندياً,وما يزال المناضل السبتمبري سيف محمد سيف يصارع بؤس الحياة بنفس التوصيف(جندي).. وكلا الرجلين شاركا في تحرير اليمن من ثلاثي الفقر والمرض والجهل.. لكنهما لم ينالا حقهما في الترقية.
قبل حوالي خمس سنوات انتقل المناضل/ قدري الجومري, من أبناء منطقة الحيمة,إلى رحمة الله وهو ما يزال يحمل توصيف (جندي), كما التحق, ودون أية ترقية.. كان قدري ضمن حرس الإمام/ أحمد بن يحيى حميد الدين وكان من ضمن الخلايا التي أسهمت بدور فاعل في مساعدة ثوار سبتمبر في إنجاز مخطط الثورة.
أيضاً المناضل/سيف محمد سيف ما يزال يحمل توصيف جندي متقاعد..وفي إحدى قرى شرعب السلام التي يعتصر فيها كذلك المناضل في صفوف الجمهورية عبده صالح حياة بؤس وبقايا ذكرى أليمة يتحسسها في بطاقته العسكرية التي لم تشفع له في حصوله على حقه براتب يستحقه قانوناً.. يقبع سيف يحرث أرضه وبراتب لا يكفيه حتى لإعالة أسرته.
لم تقدم منظمة مناضلي الثورة سبتمبر اليمنية شيئاً لـ (سيف), كما غيره من رفاقه.. بل تنكرت لهم.. "إنها لن تقدم لنا شيئاً", قالها سيف متحسراً.

الجندي الذي تحول إلى ساعي بريد
توفي نصر سيف اللصب بعد أكثر من أربعين عاماً على قيام ثورة 26 سبتمبر وهو يأمل أن تمن عليه الثورة التي عمل جندياً في صفوف جيشها الثوري السبتمبري بطريق معبدة تمر عليها سيارته التي اكتسبها من عمله مراسلاً وساعي بريد بين مغتربين يمنيين في المملكة وأهاليهم..
ظل نصر سيف يراود حلمه بطريق معبدة توصله إلى منزله قرية قيد بني وهبان شرعب السلام، حيث ودع أسرته ذات يوم في إحدى ضواحي شرعب, (25) كيلو متر شمال مدينة تعز, ليلتحق بصفوف الجيش الثوري مدافعاً شرساً وجندياً محارباً عن الجمهورية والثورة.
ودع اللصب الحياة.. ولم ينل مقابل نضاله وكفاحه الثوري شيئاً يذكر سوى لقب جندي محارب عن الجمهورية.. لكن حلمه بطريق معبد هو ذات الحلم الذي ما يزال يحمله أبناء المنطقة من ثورة سبتمبرية عمل في صفوف جيشها الكثير من أبناء البلدة, ولم ينالوا خيراتها.. فلا الثورة أثمرت، هنا ولا الجمهورية أتت أُكلها بعد مرور أكثر من نصف قرن على قيامها.

يفيد أستاذ علم الاجتماع السياسي- د/ فؤاد الصلاحي بأن ثورة 26 سبتمبر ليست فقط من أكلت أبنائها.. مشيراً إلى أنه رغم التضحيات الكبيرة التي ناضل الشعب اليمني في سبيل التغيير، الدولة والقانون؛ إلا أن المشكلة تكمن فيمن يستلمون السلطة وهم ليسوا من جسد الثورة, ولا علاقة لهم بها و لا بالدولة, ويعمدون إلى إقصاء الثوار الحقيقيين أو تعقبهم- حد قوله.
أستاذ علم الاجتماع السياسي- د/ فؤاد الصلاحي لـ"أخبار اليوم":
حان وقت الاعتذار لمن أكلتهم الثورات
يشير الصلاحي إلى أن ثورة سبتمبر ليست الوحيدة التي أكلت أبنائها.. جميع ثورات اليمن فعلت ذلك، سبتمبر وأكتوبر وفبراير على وجه التحديد، لأنه في التاريخ اليمني الحديث والمعاصر خلال مائة سنة كان الشعب يناضل من أجل التغيير، الدولة القانون، وكان هناك شهداء وتضحيات كبيرة.. لكن من كان يستلم السلطة ليس له علاقة لا بالثورة و لا بالدولة, ومن ثم كان يعمد هؤلاء إلى إقصاء الثوار الحقيقيين أو تعقبهم أو تصفيتهم, أو إخراجهم من جهاز الدولة, وهذا ما حصل.- حد الصلاحي.
ويذكر أن هناك الكثير من الضباط والمناضلين الذين عملوا في ثورة سبتمبر وأكتوبر, لم يحصلوا على حقهم.. "لأنه كما نعرف كان في الستينات والسبعينات انقلابات متعددة عملت على حضور أشخاص وقوى حزبية وسياسية لم تكن من جسد الثورة ولم تكن تعبر عن قضايا الثورة بذاتها, وبالتالي عملت على تحقيق مصالحها الخاصة مع حلفائها وأتباعها والقوى التي تعمل معها.. ومن هنا بالفعل تستحق الثورات اليمنية القول بأنها أكلت أبنائها الثوار وأبنائها المواطنين الطيبين المخلصين الذين كانوا يدعمون أهداف الثورة".
يؤكد الصلاحي على أن الوقت قد حان الآن, إذا أردنا أن نصحح هذا الأمر وأنه لابد من إعادة الاعتبار لكل هذه القوى.. ويشير إلى أن هناك في التاريخ مجموعة من الشهداء والمناضلين معروفون.. وإن الكارثة في اليمن هي في الثورة المعاصرة التي راح ضحيتها شهداء شباب وثوار طيبون من كل أبناء اليمن, ومن استلم السلطة لا علاقة لهم بثورة 11 فبراير 2011م لا من قبل ولا من بعد، ولم ينفذ أي هدف من أهدافها على الإطلاق.
ويقول: إذاً نحن بحاجة لإعادة الاعتبار للتاريخ الوطني وللثوار الذين ناضلوا خلال ستين عاماً.. حان الوقت لأن تقدم الدولة والحكومة الراهنة اعتذاراً كواحد من أهم أهداف العدالة الانتقالية.. نعتذر مثلما اعتذرنا لضحايا الصراعات السابقة.. نعتذر لمن أكلتهم الثورات ولمن أقصوا من أدوارهم الوطنية والإنمائية بدون وجه حق، وإعادة الاعتبار يكون مادياً ومعنوياً وتكريمهم وتحسين مستوى درجاتهم الوظيفية, حتى المتقاعدين, وهذا أقل القليل".
وبحسب أستاذ علم الاجتماع السياسي يكفي الاعتذار القيمي والأخلاقي.. وهذا بحد ذاته قيمة, حتى نرسي لمسار جديد من دولة تحترم نفسها وتؤمن بالقيم قبل المصالح.. مؤكداً أن شهداء ثورة 11 فبراير 2011م الآن يمرون بنفس الحكاية, فهم لم يأخذوا حصتهم كاملاً، بل إن الجرحى لم يتم الالتفات إليهم ولم يتم الاهتمام بهم بالنظر إليهم لمساعدتهم في العلاج.. "ما يزالون يتواجدون حتى الآن في الشوارع, وهذه كارثة.. لأن الثورة ليس مهمتها الإطاحة بنظام فقط وتحقيق نظام آخر، الثورة مهمتها أيضاً إعادة الاعتبار للمجتمع من خلال نشر قيم العدالة والجمال والخير والحق والقانون, وهي كلها قيم اجتماعية وأخلاقية" قال الصلاحي:
وأضاف "عندما تتجرد الدولة من أخلاقياتها تتحول إلى عصابة، أي دولة تتجرد من القيم والقانون تتحول إلى عصابة.. كل الثوار السابقين والجدد معروفون بالاسم والقوى، ولو تم الإعلان من قبل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني من خلال لجان متعددة عن ذلك لتم كتابة أسماءهم بالكامل.. حتى المنفيين والمخفيين قسراً..", وإن المنظمات الدولية كانت تسجل أسماءهم في السبعينات والثمانينات.. فقط الدولة هي التي لا تمتلك كشوفات رسمية عنهم، وأنه ينبغي إعادة كتابة التاريخ كتابة جديدة.
متسائلاً:هل الحكومة لديها إرادة سياسية لإعادة الاعتبار للتاريخ وللذاكرة الوطنية؟.. وإذا كان ولابد فعلى الحكومة أن تشكل لجنة من العلماء الحقيقيين المحايدين الموضوعيين، لجنة علمية من الأكاديميين والسياسيين والشرفاء مع بعض التخصصات ومن الحزبيين المحترمين، من أجل إعادة كتابة هذا التاريخ السياسي الحديث الرسمي، منذ أكثر من ستين سنة وحتى الآن.
ويشير إلى انه في السابق شكلوا لجنة من الأميين والمخبرين والجهلة وتولت واحدة من الصحف إدارة الموضوع.. "إذا استطاعت الحكومة الراهنة، أن تفعل هذا لكفاها، لكن أنا أشك أن هذه الحكومة لا تقدر أن تعمل ذلك، هي من الضعف والهوان لا تبحث إلا عن مصالحها"أكد الصلاحي، موضحاً إن المستفيد من كل هذا الإقصاء والتهميش والعبث بالتأكيد مراكز القوى القبلية العسكرية الأصولية وحلفاؤهم بالخارج.

الشهيد علي عبدالمغني.. الشاب الذي قاد ثورة سبتمبر ورافق شباب ثورة فبراير
"نحن الغد وهم الأمس، والأمس مضى والغد قادم"، كلمات من نور قالها قبل نحو نصف قرن شاب شغلته هموم اكبر من سنه، لكنها لم تكن أبداً اكبر من وطنيته وتطلعاته لمستقبل أفضل لبلده. انه الشهيد البطل علي عبدالمغني عقل ثورة الـ26 سبتمبر 1962م وقائدها، ومفجر شرارتها الأولى.
ورغم العقود التي مضت على قيام ثورة سبتمبر في اليمن إلا أن الشهيد عبدالمغني الذي استشهد بعد أسبوع واحد من الثورة حضر مخاضات ثورة شباب فبراير 2011م التي قامت لتعيد الاعتبار للثورة الأم بعد أن انحرف بها النظام بعيدا عن مسارها.
ولم ينحصر تواجد الشهيد علي عبدالمغني في الخيام التي نصبها الشباب باسمه في ساحات التغيير وميادين الحرية والكرامة، ولا في المنتديات التي تحكي تاريخه الحافل بالكفاح والتضحيات، ولكنه حضر أيضا بروحه الطاهرة التي تحلق في سماء ساحات الاعتصام يغمرها الفخر والاعتزاز بشباب اليمن الأبي الذين خرجوا بالملايين لرفض الظلم والطغيان والجبروت.
الشباب الذين رافقهم علي عبدالمغني منذ الأيام الأولى للمسيرات الاحتجاجية التي جابت العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات وهم يشكون له جور ما وصل إليه حال اليمن اليوم بعد 50 عاما على الثورة حين هتف الثوار:"يا علي عبدالمغني ... علي صالح جوعني" ويا علي عبدالمغني ... علي صالح جهلني" وغيرها من الهتافات التي أرادت أن توضح أن الأهداف التي قامت عليها ثورة سبتمبر والتي من أولوياتها القضاء على الفقر والجهل والمرض لم يعد لها وجود اليوم في قاموس الإصلاحات الحكومية
أما النظام الجمهوري الذي جعله ثوار سبتمبر على رأس أهدافهم فقد تلاشى شيئا فشيء في العهد الصالحي الذي استمر فيه بقاء صالح في الحكم أكثر من ضعف المدة التي قضاها الإمام في العرش، حتى صارت الجمهورية في سنوات عهده الأسود أشبه بمملكة محصورة عليه وأسرته من الدرجتين الأولى والثانية.
ولان الأمر كذلك فان الجيش الوطني القوي الذي سعى ثوار سبتمبر لإنشائه لم يعد كذلك، بعد أن حوله الحاكم إلى قوات عائلية لحمايته وحماية عرشه الذي كان يتهيأ لتوريثه نجله الأكبر من بعده دون أي اعتبار لتضحياتهم الجسيمة ودمائهم الزكية التي أريقت في طريق الثورة.
لكن الشباب اليمني لم يكن اقل عظمة من جيل الشهيد علي عبدالمغني ورفاقه فأبو إلا الانتصار لأنفسهم ووطنهم واستعادة ثورتهم المسروقة سائرين على خطى ثوار اليمن الأوائل وشهدائها الأبرار، مستلهمين خطاهم ورؤاهم.
الشهيد علي عبدالمغني الذي قاد ثورة سبتمبر في ريعان الشباب حيث كان يسير في العشرينات من عمره، خاطب شباب الثورة اليوم بلغة مفهومة لاعتبارات عدة بينها تقارب الأعمار واتفاق الأهداف والمبادئ.
*من مقال للزميل/عادل عبدالمغني نشرته الوحدوي نت

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد