استنفار مكافحة السلاح!!

2013-10-27 20:23:36 تقرير خاص/ وليد عبد الواسع


يترقب المتابعون والمهتمون مدى فاعلية الحملة الأمنية العسكرية المشتركة ضد العناصر المسلحة في جميع محافظات البلاد وذلك في وقت تشهد فيه اليمن حالة انفلات أمني غير مسبوق, لاسيما مع إخفاق حملات مماثلة على مدى العامين الماضيين الحد من انتشار السلاح في المدن بل تفاقم وتنامي انفلات الأمن وانتشار الجريمة، وكذلك تنامي نشاط الجماعات المسلحة والعمليات الإرهابية، وأعمال الاغتيالات لقيادات أمنية وعسكرية، ما ضاعف من محنة اليمنيين، ومستقبل الحوار السياسي الجاري. 

وكانت السلطات بدأت أمس السبت حملتها الأمنية- حملة أمنية عسكرية مشتركة وواسعة الانتشار- ضد العناصر المسلحة في جميع المحافظات التي أعلنت إطلاقها الخميس وقالت مصادر أمنية إن قيادة الوزارة أعطت توجيهات صارمة للقيادات الأمنية بالمحافظات لمنع المظاهر المسلحة في محفظاتها ومنع دخول أي قطعة سلاح إليها مع تنفيذ القوانين والقواعد المرورية على مختلف المركبات بما فيها الدراجات النارية وضبط أي مركبة تخل بالأمن أو تتجاوز القواعد والقوانين المرورية، بالإضافة إلى توسيع عمل مختلف الأجهزة الأمنية في ملاحقة وضبط المطلوبين أمنياً. وأن هذه التوجيهات جاءت وفقاً للخطة الأمنية المشتركة التي أقرتها اللجنة الأمنية العليا في اجتماعها الأسبوع. إذ تهدف الحملة إلى تعزيز الأمن والاستقرار والحفاظ على السكينة العامة والسلم الاجتماعي بمختلف محافظات الجمهورية اليمنية ومواجهة شتى الجرائم والقضايا المتعلقة بحمل وحيازة السلاح والقضاء على المظاهر المسلحة ومنع استغلال المركبات في تنفيذ الجرائم الإرهابية والتخريبية والحد من الحوادث المرورية وحوادث السلاح، بالإضافة إلى تفعيل عمليات وإجراءات ضبط المطلوبين أمنياً. ويكاد لا يمر أسبوع دون اغتيال يستهدف ضباطاً من الاستخبارات العسكرية والمدنية أو جنوداً ولاسيما في مدن الجنوب, وهي عمليات يكتنفها الغموض. في ظل حالة افلات أمني تشهده البلد يقول مراقبون أنه يتسبب في إرباك المشهد السياسي المضطرب وعرقلة العملية الانتقالية المحاطة بمخاطر كثيرة. ولعل أبرز حادثة أثارت المجتمع اليمني مؤخرا كانت واقعة إقدام مسلحين قبليين من محافظة مأرب على قتل الشقيق الأصغر للزعيم القبلي الشيخ حمود المخلافي وسط مدينة تعز قبيل حلول عيد الأضحى المبارك. وشهدت الأسابيع القليلة الماضية حوادث قتل وجرائم جنائية وإرهابية وعمليات اغتيالات بوتيرة عالية وكان آخرها اغتيال ضابط كبير في جهاز المخابرات أمام منزله بوسط العاصمة صنعاء. ومنذ مطلع العام الحالي 2013 أعلنت الأجهزة الأمنية عن ضبط سفينة إيرانية محملة بأنواع مختلفة من الأسلحة إضافة إلى أكثر من أربع شحنات لأسلحة قادمة من تركيا. وكان العام المنصرم 2012 قد شهد اغتيال 73 شخصية قيادية في الجيش والأمن, إضافة إلى 63 ضابط مخابرات.

ما تزال التشكيكات بنجاح السلطات في منع تجارة السلاح هي السائدة بالنسبة لبلد كاليمن الذي تشير احصاءات إلى وجود 60 مليون قطعة سلاح.. ويرى كثيرون أن منع حمل السلاح والاتجار به في اليمن طريقه لا يزال طويلا وشاقا بدليل الحملات السابقة التي نفذتها وزارة الداخلية -تطبيقا لقرار لمنع حمل السلاح في عواصم المحافظات الصادر في العام 2007 أسفرت عن ضبط بضعة آلاف من القطع مقارنة بخمسين مليون قطعة سلاح تتوفر في اليمن بحسب إحصائيات شبه رسمية.

تشكيكات
وتشكك أوساط سياسية وبرلمانية يمنية في نجاح الجهود التي تبذلها السلطات الرسمية لمنع الاتجار بالأسلحة في بلد تسود فيه ثقافة حمل السلاح كتقليد قبلي متوارث.. يوضح استاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء- د/ حمود العودي فكرة العلاقة الحميمة بين الإنسان اليمني والسلاح بقوله أن مفهوم السلاح كظاهرة اجتماعية في حياة المجتمعات البشرية بشكل عام هو ظاهرة تاريخية ممتدة بامتداد تاريخ الإنسان، فالإنسان استخدم السلاح منذ فجر التاريخ لسببين، سبب يتعلق بالدفاع عن النفس وتفادي الأخطار، وسبب يتعلق بتحصيل احتياجاته ومكاسبه من الصيد وغيره. وبالتالي فهو جزء من عملية التناقض والتباين بين الإنسان والبيئة من جهة أو الطبيعة، وبين الإنسان والإنسان بعد أن انتصر الإنسان على الطبيعة، أصبح هو يصارع نفسه، لم يعد يصارع البيئة كما كان في الماضي. ويقول مراقبون أن منع السلاح في اليمن ما زال مستحيلا.. ويستبعد المحلل السياسي عبد الناصر المودع نجاح مثل هذه الدعوات في ظل حالة الضعف التي تمر بها الدولة، وعدم وجود استراتيجية شاملة لدى الحكومة لرؤية اليمن بشكل مختلف. "إذا كانت الحكومة عاجزة عن حماية خطوط نقل الكهرباء وأنابيب النفط وهي من الخدمات الأساسية, فكيف ستمنع المسلحين من التجول في المدن أو إخراج المعسكرات وهي المتكدسة بالأسلحة والمتفجرات". قال المودع للجزيرة نت.. موضحاً أن نجاح أي تغيير يرتبط بطبيعة النظام السياسي وعلاقته بالقوى المتنفذة والقبلية بشكل عام, مشيرا إلى أنه عدا ذلك ستزداد المظاهر المسلحة ولن تفضي الخطط الأمنية إلا إلى مزيد من نقاط التفتيش دون أن تحقق نتائج إيجابية. وفي اليمن تقدر إحصائيات غير رسمية وجود ما لا يقل عن 60 مليون قطعة سلاح, وينظر أغلب المواطنين إلى حمل السلاح على أنه نوع من الرجولة وامتثال للعرف الاجتماعي السائد, ولهذا باءت محاولات تقنينه رسميا بالفشل، وتوقفت جهود المنظمات المعنية بمكافحة حيازته عند التوعية الإعلامية بنتائجه. وتشير بيانات وزارة الداخلية للعام الماضي إلى أن خارطة ضحايا العبث بالسلاح وسوء استخدامه امتدت إلى 16 محافظة من أصل 21 محافظة, ويتراوح متوسط الضحايا شهريا عشرة أشخاص بين قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال. وينتقد مراقبون بشدة خطأ الأسلوب في إجراءات وزارة الداخلية التي لا ترتقي وتطلعات كثيرين وكذا حجم المشكلة وكان من هذه الاجراءات القرار الأخير الذي اصدرته وزارة الداخلية واكتفى بوضع عدد من تجار السلاح في القائمة السوداء. كما ينتقدون معالجة الدولة لهذه المسألة مطالبين بضرورة محاكمة تجار السلاح محاكمة عادلة بدلا من إدخالهم في القائمة السوداء لأن تجارة من هذا النوع لا تهدد اليمن فحسب وإنما تهدد الدول المحيطة به. وكانت السلطات اليمنية نشرت مؤخرا قائمة سوداء بعدد من تجار الأسلحة والمستوردين لها، في مقدمتهم رئيس اللجنة الرئاسية لإحلال السلام بصعدة فارس مناع شقيق محافظ المحافظة. ويشير متابعون إلى وجود أسلحة يحرمها القانون تتداول بين القبائل اليمنية ومنها الرشاشات والمدفعية والقنابل والألغام ومضادات الطائرات وتستخدم في الحروب الدائرة بين تلك القبائل. ولأن القانون النافذ يجرم الاتجار بالأسلحة يقول ناشطون كان الأحرى بالوزارة أن تحاكم هؤلاء التجار بدلا من وضعهم في القائمة السوداء، خصوصاً أن من وردت أسماؤهم في القائمة يستوردون الأسلحة بأنواعها بتصريحات من جهات رسمية باعتبار أن تلك الأسلحة تجلب لصالح الدولة. ويشير متابعون إلى أن السلاح تجارة شبه رسمية يدخل فيها أشخاص نافذون ومنعها بشكل قاطع أمر صعب، موضحا أن هؤلاء يقومون بدور الوسيط بين البائع والمشتري. في الوقت الذي لا يوجد قانون في اليمن يجيز استيراد السلاح، مؤكدين أن الاستيراد يتم عبر نافذين وبموافقة الدولة.

أثارت عمليات تهريب الأسلحة إلى اليمن -التي تم إحباط عدد منها- تساؤلات عن الجهات التي تقف وراءها في الداخل والخارج، وأثرها على استقرار البلاد التي ما تزال تعيش وضعا هشا، لا تتردد جهات رسمية ومراقبون في اتهام إيران بالضلوع في تلك العمليات.

إيران المتهم الأول في عمليات إغراق اليمن بالأسلحة
تهريب مشبوهويخلق تهريب الأسلحة- وفق متابعين- نوعا من الإرباك والذعر في البلاد، فضلا عن نتائجه الكارثية في حال وصلت الشحنات إلى الجهات المستفيدة، مشيرا إلى مخاطر هذه العمليات على أمن عدن خاصة واليمن عامة. ويعتبر مسؤولون يمنيون أن الموقع الجغرافي لليمن جعله مستهدفا بتهريب الأسلحة، فضلا عن ظرف البلاد الصعب، مما يجعل بعض الدول تتنافس للسيطرة على اليمن بدلا من مساعدته. كما يباع في أسواق معروفة ومشهورة وبمدن رئيسية كالعاصمة صنعاء وصعدة وعمران. وإلى جانب أسواق السلاح في المدن الأخرى والتي تزيد عن عشرين سوقا, توجد معسكرات كثيرة يتجاوز عددها في صنعاء وحدها أكثر من عدد الحدائق والمنتزهات. وكانت الأجهزة الأمنية أعلنت قبل أشهر عن ضبط سفينة إيرانية تحمل صواريخ أرض جو ومتفجرات من نوع (سي 4) وقذائف ومعدات تستخدم في صناعة المتفجرات. لكن إيران نفت علاقتها بالسفينة، ووصفت تقارير أمنية بغير المسؤولة، في حين قال مصدر أمني إن السفينة كانت في طريقها إلى مرفأ المخا اليمني على البحر الأحمر، وإن الشحنة للمتمردين الحوثيين في صعدة. كما ضبطت الأجهزة الأمنية بميناء عدن شحنة سلاح في حاوية قادمة من تركيا تحتوي على 9900 مسدس و115 بندقية آلية، وذلك بعد حوالي شهرين من ضبط شحنة مشابهة قادمة من تركيا أيضا، واحتوت على آلاف المسدسات وقطع غيار أسلحة آلية. وأعلنت الخارجية التركية حينها أنها فتحت تحقيقا، مؤكدة أن تركيا لم تصرّح بإرسال الشحنة. ونفى السفير التركي بصنعاء علاقة بلاده بالشحنة الأخيرة أثناء زيارة لميناء عدن اطلع خلالها على الأسلحة المضبوطة. يعزو رئيس منظمة دار السلام لمكافحة العنف عبد الرحمن المروني سبب انتشار الأسلحة باليمن إلى عدم ثقة اليمنيين في قدرة السلطات القضائية والأمنية في حل النزاعات بين القبائل لافتا إلى وجود 13 سوقا لبيع السلاح تنتشر في أرجاء مختلفة من اليمن، وتضم مئات المحال التجارية، وأن العديد من هذه المحال توجد في منطقتي "جيهان"، على بعد ثلاثين كلم جنوب شرق صنعاء و"أرحب" على بعد أربعين كلم من العاصمة. ويرى رئيس المنتدى العربي للدراسات/ نبيل البكيري أن تهريب الأسلحة لليمن ظاهرة طبيعية في عهد النظام السابق الذي كان بعض رجالاته تجار سلاح دوليين. لكنه قال إن بقاء الظاهرة بعد الثورة لم يعد طبيعيا. وقال للجزيرة نت إن إيران أهم مصدر لمعظم شحنات الأسلحة المهربة لليمن، خاصة أن الإيرانيين بدأوا منذ مدة يكثفون نشاطهم الاستخباراتي في اليمن، بحسب تعبيره. واعتبر أن إيران تريد من ذلك زيادة الفوضى التي ترى أنها مناسبة جدا لتثبيت أقدامها في البلاد عبر دعم جماعات مسلحة كالحوثيين والحراك الجنوبي، خاصة فصيل علي سالم البيض. ويعتقد البكيري أن إحباط عمليات تهريب الأسلحة سيكون له أثر إيجابي على الاستقرار، محذرا في المقابل من أن أي تساهل ستكون له عواقب وخيمة على أمن اليمن وأمن المنطقة والعالم، حيث أن اليمن يطل على أهم ممرات النفط

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد