مع ضعف مخرجات مدارس التعليم العام وخصوصاً في مادة اللغة الإنجليزية, يتجه العديد من الطلبة إلى معاهد اللغات، ولا سيما اللغة الإنجليزية التي غدت الأولى بلا منازع بعد اللغة الأصلية في بلادنا.. حول دوافع الإقبال على معاهد اللغات من وجهة نظر القائمين عليها والمعنيين والطلبة كذلك والصعوبات التي تعترضهم.. كان هذا الاستطلاع الذي أعده الزميل سامي الأثوري، لنقف أمام مشكة مخرجات التعليم وما ينتظر أجيالنا القادمة.

البداية كانت مع عائدة طارق “طالبة في معهد لغات” إذ تقول معللة مجيئها للمعهد: أريد أن أحقق أحلامي وهي كيف استطيع أن أتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة. وتضيف: درست هذه المادة في المدرسة، فقط مجرد دروس أمتحن نهايتها لا أكثر وليس للتعلم الحقيقي والنطق السليم، ثم درست اللغة الفرنسية ولكن لم تتلق الاهتمام الكامل منا كطلاب نريد التعلم والنطق السليم. وتردف: معاهد اللغة هي الفرصة التي تتيح للطالب أن يتعرف على ثقافات جديدة تختلف عن ثقافتنا التي اعتدنا عليها.

الطالب/ محمد حسن العريقي يقول: حقيقة درسنا اللغة الإنجليزية في المدرسة إلا أن الفائدة كانت قليلة، فمزاحمة مواد أخرى للغة الإنجليزية أثر في مستوى التحصيل للغة الإنجليزية، بالإضافة إلى أن الكثير من المدرسين لهذه المادة ينقصهم الاستيعاب لها والخبرة الكافية، خاصة في الريف.

يشاركه الرأي زميله عمرو العديني، في أن المدرسين في الريف تنقصهم الخبرة كما أن الكثير منهم لا يريد تطوير نفسه حسب رأيه.. ويضيف في المعهد نحن نتفرع لمادة واحدة وبالتالي يكون استيعابنا أكثر على عكس المدرسة..

إلهام المنتصرـ طالبة أيضاً ـ تقول: في كثير من المدارس لا يوجد مدرسون أكفاء لهذه المادة خاصة في الريف، وأحياناً يصعد الطالب من الإعدادية إلى الثانوية وهو لا يفهم حتى الحروف وليس له من هذه المادة شيء وعندما يصل إلى الثانوية هنا يصطدم بالمنهج ويجد المدرسون صعوبة في توصل المادة. وتضيف: أنا صعدت من الإعدادية، وليس عندي معلومات كثيرة وبالتالي وجدت صعوبة في فهم منهج الثانوية إلا الشيء القليل، ولهذا أنا الآن أدرس لغة إنجليزية في أحد المناهج. وتوجه نصيحتها للجهات المعنية بإعادة النظر في تقديم هذه المادة وفي تأهيل المعلمين الأكفاء وتوفيرهم بالشكل الكافي. كما تقترح انتصار أن تُدرس هذه المادة منذ المرحلة الأساسية وليس من الإعدادية؛ لأن الطالب في هذه المرحلة يحفظ أكثر.

أحمد عبدالحميد القاضي ـ موجه لغة إنجليزية ومدرب ـ يقول: يلجأ معظم تلاميذ الثانوية وغيرهم إلى معاهد اللغات وذلك إما لإدراكهم بضعف مستوياتهم اللغوية أو من أجل تقوية مهاراتهم اللغوية التي تؤهلهم لمواكبة متطلبات الحياة الجامعية, مشيراً إلى أن تقييم مناهج اللغة الإنجليزية الموجودة الآن يحتاج إلى حديث طويل، ولكن باختصار المناهج الموجودة الآن قائمة على أحدث الطرق التربوية المعاصرة وهي امتداد لسلسلة المناهج الموجودة في الخليج العربي, هذا لا يعني أنها لا تحتاج إلى مزيد من التحديث مما يجعلها مناسبة للتلاميذ في اليمن. وفي هذا الخصوص يقوم المجلس البريطاني والوزارة هذه الأيام بإجراء استبانات شاملة من أجل إعادة تقييم المناهج الموجودة هذه الاستبانات تشمل موجهي ومدربي مادة اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى معلمي المادة والتلاميذ؛ ليس ذلك فقط، وإنما إشراك أولياء الأمور في ذلك. وفيما يخص معلمي مادة اللغة الإنجليزية قال: الكثير منهم يحتاج إلى تدريب وتبصير بالأساليب التدريسية الحديثة والابتعاد عن الأساليب التدريسية الكلاسيكية القديمة التي كانت تستخدم في خمسينيات القرن الماضي, لذلك المفترض إجراء دورات تدريبية تخصصية تهدف إلى الرفع من مستوى أداء معلمي اللغة الإنجليزية ومواكبتهم للأساليب الحديثة. وأضاف القاضي قائلاً: لا يمكن ـ بأي حال من الأحوال ـ تحميل التلاميذ أي خطأ أو سبب من أسباب الخلل الموجود؛ لأن الطالب اليمني يمكن أن يكون بنفس قدرات الأجنبي إذا ما توافرت لديه الأجواء المناسبة للدراسة طرق تدريس حديثة ـ وسائل تعليمية مناسبة..الخ.. والحل يكمن في إعادة تقييم شامل تقوم به الوزارة وخبراء التربية ليس فقط في مادة اللغة الإنجليزية وإنما في المنظومة التعليمية التعلمية برمتها. وأي تقييم لمعاهد اللغات الموجودة يحتاج إلى الإنصاف, فهناك معاهد تقوم على أسس تربوية مهنية تخدم البلد وهناك معاهد تحتاج إلى متابعة الجهات المختصة من أجل تقييم أدائها واتخاذ الإجراءات المناسبة في حقها. أما الجانب المادي, فهو جانب استثماري بحت إذا وافق شروط العمل فلا مانع منه ولكن المصيبة في تلك المعاهد التي لا توافق أدنى مطالب المهنية..ويستدرك القاضي: بمناسبة حديثي عن الجهود التي يبذلها المجلس البريطاني ووزارة التربية والتعليم في سياق تحديث مناهج اللغة الإنجليزية أود القول هنا: إن هذه الخطوة متقدمة، ولكنها تحتاج للجدية والاستمرار، خاصة وأن الدورات السابقة في هذا السياق قد آتت أكلها.

إيمان محمود علي ـ إحدى المدرسات في معاهد اللغة ـ تقول من جانبها: أولاً: الملتحقون بالمعاهد هم ليسوا من خريجي الثانوية فقط, الملتحقون بالمعاهد هم طلاب من جميع المستويات الدراسية، من الإعدادية والثانوية ومن خريجي المدارس والموظفين. وتضيف: التعليم في المدارس يعتمد كثيراً على الحفظ ويتم فيه التركيز على القواعد وكيفية استخدامها في حل أسئلة كتاب الواجب حيث يتم التغافل عن ممارسة اللغة والتكلم بها في القاعات الدراسية وهذا تماماً عكس ما يحصل في المعاهد ففيها يتم التركيز على الجانبين (تعليم القواعد وتطبيق اللغة والتكلم بها بشكل أكبر) وهذا ما يريده الطالب! ثانياً: ضعف مستوى المدرسين وخصوصاً في الأرياف (والتي يتم فيها تدريس المنهج من قبل أساتذة غير متخصصين كأستاذ الكيمياء مثلاً!! تخيل!) وهذا يفسر الإقبال الشديد على المعاهد من قبل طلاب وخريجي الأرياف. ثالثاً: في المعاهد يُحاط الطالب بمجموعة من الزملاء الذين يريدون تعلم اللغة الإنجليزية فشغلهم الشاغل هو استخدامها وتكلمها بشكل صحيح هنا يجد الطالب الفرصة للتكلم باللغة وبالتالي تعلمها بوقت أسرع وبشكل أسهل وكما نعلم أن في مجتمع مثل اليمن لا أحد يتكلم بالإنجليزية ولا حتى يجد الطالب أناساً أجانب ليتكلم معهم. رابعاً: تنوع الوسائل التعليمية في بعض المعاهد؛ إذ توجد الوسائل المرئية والمسموعة والتي من خلالها يحظى الطالب بفرص أكبر في الاختلاط بجو تعليمي يساعده في اكتساب وتعلم اللغة بشكل أفضل. (ودائماً تجد في ذهن الطالب والآباء اليمنيين هذه القاعدة: بعد الفصل الدراسي أو التخرج التحق بمعهد لكي تتكلم اللغة!!).

وحول رأيها في معلمي هذه المادة تقول إيمان محمود: تعليم اللغة الإنجليزية في مدارس الفتيات، هُنا نجده ممتازا وبأحسن حالاته فقط فيما يتعلق (بالقواعد!) أما ممارسة اللغة والتكلم بها فهذا ليس بالجيد تماماً وتعليم اللغة الإنجليزية في مدارس البنين، هنا تعليم القواعد وتطبيقها وممارستها سيئ في نظري؛ ما جعلني أقول ذلك هو المستوى المتدني لمستوى معظم الطلاب الذكور الملتحقين بالمعهد. وتعليم اللغة الإنجليزية في المدارس الثانوية في القرى وهنُا المصيبة لا تعليم القواعد بشكل سليم ولا تطبيق للغة بتاتاً (هم الضحية حقيقةً فإن لم يلتحقوا بالمعاهد بعد الثانوية فقدوا فرصة الالتحاق بالجامعة التي يريدونها بسبب صعوبة مادة اللغة الإنجليزية لديهم).

وعندما سألنا إيمان، هل المشكلة بالمنهج أو الأسرة أو الطالب؟ أجابت بالقول: إن الطالب ليس أبداً سبباً لأي مشكلة من مشاكل التعليم(في المدارس) فهو الضحية دائماً للأسلوب الممل في التعليم المقدم من قبل المدارس الحكومية فيمل الطالب الدراسة في المدارس ويمل المواد العربية فيها فما بالك باللغة الإنجليزية! لذلك هو يلجأ للمعاهد كوسيلة تعليمية تقدم اللغة بأسلوب ممتع ومختلف. هنا ممكن يكون الأستاذ سبباً في كره الطالب للمادة وذلك بسبب عدم تمكنه من توصيل المعلومة أو عدم كفاءته هذا يجعل الطالب يكره المادة أحياناً لأنه ببساطة لا يفهمها فيلجأ أثناء دراسته أو بعد التخرج للالتحاق بالمعاهد ليستوعب أكثر!. المشكلة الأساسية في نظري حقيقةً تتمحور في المنهج والتسهيلات المفترض تقديمها مع المنهج من وسائل مرئية ومسموعة وأيضاً كيفية تدريس المنهج بشكل أفضل وتفاعل من قبل المعلم. والمنهج لو وصفناه وبالمقارنة مع المناهج في المعاهد فهو ممل ويحتوي على صور قديمة وأسلوب طرح المواضيع فيه تقليدي وممل ليس هناك أشياء مرافقة له كسيدي أو شريط على الأقل لكي تتابع بها المناهج التقدم في التكنولوجيا الحاصلة في المجتمع..فطبيعي يشعر الطالب بالملل من هكذا مناهج ويرغب في الالتحاق بمعاهد تقدم الإنجليزية في قالب حديث يجذبه ويشعر معها بالمتعة.

وترى الأستاذة إيمان أن الحلول لمشاكل المدارس تكمن في تغيير المنهج وهذا هو الأساس وإضافة أشياء ممتعة للطالب كإرفاق سيدي ديفيدي أو على الأقل شريط مع الكتاب وكذا فتح موقع من قبل مؤسسي المنهج تتيح للطالب الدخول وتطبيق وحل التمارين بشكل مختلف وممتع (طريقة رائعة وما أسهلها! لكنّ هناك تكاسل كبيرا من قبل بعض مسئولي التعليم الذين يعيشون في العصر الحجري للأسف). وأيضاً يجب إخضاع المدرسين لدورات في طرق تدريس المنهج الجديد، أو حتى لو لم يتغير المنهج لابد أن يتم إعطاء المعلمين طرقاً ممتعة حديثة تفاعلية جاذبة للطلاب في كيفية استخدام وتطبيق اللغة الإنجليزية في القاعة الدرسية. (كل هذه الحلول طبعاً سوف تقلل الالتحاق بالمعاهد وليس إنهاء الالتحاق بالمعاهد.. لماذا؟! لأن في المعاهد فقط يكون التركيز من قبل الطالب المتخرج على مادة واحدة وشيء واحد فقط وهو تعلم اللغة والتكلم بها، وليس هناك أي مادة أخرى تشغله، وبذلك تتيح له المعاهد تعلمها بشكل أفضل وأسرع من المدارس. وزادت إيمان: هذه المشاكل هي المتواجدة في المدارس الحكومية وليست الخاصة فهي أشبه تقريباً بالمعاهد. كما أريد أن أقول بأن التحاق الطلاب للمعاهد ليس لدراسة اللغة الإنجليزية فقط..وإنما أيضاً لدراسة الرياضيات والكيمياء والفيزياء والأحياء.. وإن كان ذلك يدل على شيء فإنما يدل على خلل واضح وخطير في المنظومة التعليمية اليمنية للأسف! إعادة النظر في المناهج ـ ويبقى القول: على الجهات المعنية إعادة النظر في هذه المادة الدراسية منهجاً وإعداداً للمعلمين وأساليب تدريس، حتى لا يتخرج الطالب بعد سنوات من الدراسة لا يجيد أبسط مهارات اللغة الإنجليزية، في ظل سوق أصبحت اللغة الإنجليزية شرطاً أساسياً فيه، وأصبحت الشركات الكبيرة تستعين بخبرات عربية وأجنبية لقاء الآلاف من الدولارات!!