مكافحة الفقر لا محاربة الإرهاب

2013-11-09 12:56:26 تقرير خاص/ وليد عبد الواسع


تتعالى الانتقادات أوساط اليمنيين إزاء الغارات الجوية الأميركية التي تقوم بها طائرات بدون طيار وتقتل مواطنين مدنيين تحت مبرر الحرب على القاعدة.. ورغم ترحيب الرئيس هادي بالغارات إلا أن الكثير من اليمنيين يعتبرونها انتهاكاً للسيادة الوطنية وأن اليمن لا تتطلب محاربة القاعدة بقدر ما هي بحاجة لمكافحة الفقر.
 ويؤدي السخط الشعبي على الغارات الجوية الأمريكية إلى توليد العداء تجاه الولايات المتحدة وزعزعة الثقة الشعبية في الحكومة اليمنية.
 ويرى محللون أمنيون أن هذا يدعم صفوف القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى حد بعيد.

إذا كانت الولايات المتحدة تعتبر التأييد الشعبي اليمني مهماً في عملياتها ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية, فإن تقليل الخسائر المدنية ينبغي أن يكون على قمة أولوياتها، بغض النظر عما إذا كانت الوفيات المدنية تنتج عن مخالفة القانون الدولي من عدمها.

 وقد تعلمت الولايات المتحدة هذا الدرس بعد غارات الولايات المتحدة والناتو الجوية على قوات طالبان التي قتلت عشرات المدنيين في أفغانستان. وكما اعترف أرفع القادة العسكريين الأمريكيين في ذلك البلد في 2010 : "إذا قتلنا مدنيين أو دمرنا ممتلكاتهم في سياق عملياتنا فسوف نخلق أعداءً أكثر ممن تقضي عليهم عملياتنا".

وفي خطاب الرئيس أوباما في مايو/أيار 2013 حول سياسة مكافحة الإرهاب، قال أوباما إن المرحلة التالية من مواجهة التشدد العنيف "تشمل التعامل مع المظالم الكامنة تحت السطح والنزاعات التي تغذي التطرف".

 ويتفق معه العديد من المحللين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني اليمنيين والغربيين ممن تحدثوا مع (ھيومن رايتس ووتش), مؤكدين بأن أية استراتيجية لمكافحة الإرهاب في اليمن تتطلب أيضاً التزاماً مستديماً بمعالجة العوامل التي تجعل من البلد أرضاً خصبة للتشدد العنيف, وهذا يعني تشجيع الديمقراطية وتشجيع حكومة أكثر قابلية للمحاسبة، وزيادة معدلات الوصول إلى المتطلبات الأساسية مثل الماء والصحة والتعليم والوظائف.

قال نشوان العثماني، الصحفي والمحلل السياسي, "لا تحتاج الولايات المتحدة إلى طائرات بدون طيار لمحاربة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بل إلى الخبز والجبن فقط". غير أن القضايا الاجتماعية والاقتصادية ليست إلا جزءاً من المعادلة إذا تجاهلت المظالم السياسية والقمع الحكومي التي تغذي تأييد التطرف.

وتعد الحكومة الأمريكية أكبر مانح غربي لليمن، إذ تمنح البلاد ـ منذ 2007 ـ أكثر من مليار دولار أمريكي، معظمتا مخصص لبرامج مكافحة الإرهاب, ومنذ 2009 ، اضطلعت عمليات القتل المستهدف، وهي قيام إحدى الحكومات بقتل فرد معروف عمداً تحت غطاء قانوني ظاهري، اضطلعت بدور متزايد الأهمية في الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب في اليمن, كما يتلقى اليمن دعماً أمنياً وتنموياً من "أصدقاء اليمن"، وهي مجموعة من 39 بلداً ومنظمة دولية.

تم تخصيص أكثر من نصف المليار دولار المقدمة كمعونة أمريكية لتدريب وتجهيز وحدتين لمكافحة الإرهاب كان يرأسهما حتى 2013 أقارب الرئيس السابق صالح، وهذا بحسب تقرير للمكتب الأمريكي العام للمحاسبة, وجد التقرير أن "صانعي القرار يفتقرون إلى المعلومات اللازمة لإجراء تقييم واف" لنتائج هذه المعونة

ويقدر غريغوري جونسن ـ وهو دارس لليمن وخبير في شؤون القاعدة في شبه الجزيرة العربية ـ أن أعداد مقاتلي التنظيم ربما تكون قد تضاعفت 3 مرات منذ استئناف الولايات المتحدة لعمليات القتل المستهدف في 2009 ، من 300 إلى ما يفوق الألف.

ويقول المحللون المعنيون بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية إن هذا النمو قد ينبع من عدة عوامل، تشمل الفراغ الأمني في اليمن منذ انتفاضة 2011.. ويحاجج مسؤولون أمريكيون بأن الأعداد كان يمكن أن تكون أعلى إذا لم تكن الولايات المتحدة تقوم بهجمات نشطة.

 إلا أن ردود الأفعال الغاضبة من عمليات القتل الأمريكية، فيما وراء القاعدة في شبه الجزيرة العربية ودائرتها الداخلية، هي أكثر ما يتم الاستشهاد به كسبب لمعارضة الهجمات.

وقد أفادت "النيويورك تايمز" بأن الولايات المتحدة تركز على قتل أو أسر "نحو 24 " من قادة عمليات القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وليس على تمرد محلي كامل. وقال جونسن إن عدد الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة ربما يكون الآن قد انخفض إلى 10 أو 15 . في 5 أغسطس/آب 2013، نشرت السلطات اليمنية قائمة بـ"الإرهابيين المطلوبين" تحتوي على 25 اسماً.

قال مسؤول يمني إن ثلاثة من هؤلاء قد تم احتجازهم منذ ذلك الحين، كما تم قتل اثنين في غارات بطائرات دون طيار، مما خفض العدد إلى 20, وبحسب جونسن: يلقى الكثيرون حتفهم في تلك الغارات.

"ومع ذلك فما زال زعيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية حياً، وما زال قائده العسكري حياً، وما زال كبير صانعي قنابلها حياً, أما عواقب كل تلك الوفيات فيبدو أنها شيء لا تأخذه الولايات المتحدة في حسبانها". قال تقرير لهيومن رايتس ووتش

وقد يكون بعض الذين قتلتهم الولايات المتحدة من خارج دائرة أعضاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية، إن لم يكن الكثيرين منهم، مقاتلين في التمرد المحلي على الحكومة اليمنية. لكن عمليات القتل هذه، من حيث تعلقها بالسياسة، تخاطر بالتسبب للولايات المتحدة في ضرر أكبر من نفعها، من خلال تنفير قطاعات كبيرة من الشعب اليمني.

 ثم أن أي رد فعل غاضب في اليمن يتضاعف لأن الغارات، حتى حين تصيب مقاتلي القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذين يمكن استهدافهم على نحو مشروع في موقف نزاع مسلح، إلا أنها تقتل أفراداً في عائلات وقبائل متلاحمة، لا مجرد مقاتلين من خارج مجتمعاتهم. قال جونسن، "يمكن للولايات المتحدة أن تستهدف وتقتل شخصاً باعتباره إرهابياً، لتفاجأ باليمنيين يحملون السلاح دفاعاً عنه باعتباره ابن قبيلتهم.

وعلى الرغم من ترحيب الرئيس هادي بالغارات إلا أن الكثير من اليمنيين يعتبرونها انتهاكاً للسيادة الوطنية، ويلاحظون أن البرلمان اليمني لم يصرح قط بتدخل أمريكي مسلح في اليمن.

ھادي أشاد علناً بحملة الطائرات بدون طيار الأمريكية في اليمن، لكن حكومته التزمت صمتاً يكاد لا يقل عن الصمت الأمريكي فيما يخص التفاصيل.

في يوليو/تموز 2013 دعا مؤتمر الحوار الوطني، المكلف بصياغة خارطة الطريق السياسية والدستورية الجديدة للبلاد، إلى "تجريم" أية غارة بطائرة دون طيار تخالف القانون الدولي أثناء عمليات مكافحة الإرهاب، وهذا بموجب القانون الوطني.

لكن هذه الصياغة وفق هيومن رايتس تبعد عدة خطوات عن ترجمتها إلى أفعال، كما أنها على أي حال تستنسخ المعايير القانونية المعمول بها فعلياً على الصعيد الدولي. ومع ذلك فإن موافقة المؤتمر عليها، وهو يمثل مختلف أطياف المجتمع اليمني، توحي بمدى المعارضة المحلية لعمليات القتل المستهدف.

وقد سارعت القاعدة في شبه الجزيرة العربية بدورها لاستثمار هذا الغضب، ففي أحد أعداد مجلة "إنسباير" لعام 2013 ، كتبت الجماعة أن الهدف "الحقيقي" لطائرات الولايات المتحدة ليس الإرهاب وإنما الإسلام:

"إنها تحوم في اليمن فوق بيوت المسلمين، فتروع الأطفال والنساء والضعاف, بل إنها تقصف الأهداف "المشتبه بها" في القرى والبلدات والمدن... دون حاجة إلى تحديد الهوية الحقيقية للھدف، سواء كان من القاعدة أو لا..." و إن أوباما يعلن حرباً صليبية! وتلك الصواريخ بلا أعين، ومطلقوها أعمى منها, فهي تقتل من المدنيين أكثر من المجاهدين.

ومن العوامل الأخرى المساهمة في ردة الفعل الغاضبة أن كثيراً من اليمنيين يخافون على ما يبدو من الغارات الجوية الأمريكية، ومن قوات الجيش والشرطة اليمنية، أكثر مما يخافون القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد