في الذكرى الثانية لمجزرة مصلى النساء بتعز..

شهيدات في محراب الثورة

2013-11-11 07:52:56 تقرير/ آفاق الحاج


11/11/2011م تاريخ سيظل عالقاً في ذاكرة اليمنيين والعالم أجمع, قبيل رفع شعائر خطبة جمعة "لا حصانة للقتلة" بدقائق معدودة أطلقت قذيفة الموت من قبل قوات النظام السابق وبقيادة المدعو/ عبدلله قيران, مدير أمن المحافظة آنذاك, على مصلى النساء بساحة الحرية بتعز, في جريمة مروعة ومخزية تعبر عن حقد دفين في صدور من كانوا وراءها, كما يقول الكثيرون ممن حضروا وشاهدوا تلك الواقعة.

ذلك الحقد جاء كرد فعل من قبل قوات صالح لما تسجله المرأة اليمنية من ملحمة بطولية وثورية تقوم بها في ساحة الحرية على وجه الخصوص وميادين التغيير في جميع محافظات الجمهورية على وجه عام.

تفاحة العنتري- ياسمين الأصبحي- زينب العديني, ضحايا ذلك الاستهداف اللاإنساني, صعدت أرواحهن الطاهرة إلى بارئها بعد مشوار طويل وشاق في مسيرة الثورة السلمية, هذه المسيرة لن تنتهي بالموت, بل ستظل دماؤهن تسطر أنصع معاني التضحية والفداء وستبقى أسماؤهن خالدة في صفحة بيضاء من صفحات ثورة الحادي عشر من فبراير.

تفاحة الثورة:
تفاحة الثورة هكذا أسموها الثوار والتي لطالما جالت وصالت وهتفت في المسيرات, لم تفتها مسيرة إلا وكانت في الصفوف الأولى دائماً وغايتها دوماً أن تلقى الشهادة, تلك الأم الفاضلة والمدرسة الناجحة والقيادية الثورية التي كانت تقطع المسافات إلى بيتها لتعد الأكل والكعك للثوار لليوم التالي, بالفعل كانت أماً للثوار, هي من كانت بين ألسنة اللهب المتصاعد في سماء المدينة في محرقة ساحة الحرية تنقذ من تستطيع إنقاذه من المصابين وتسعف الجرحى, في ذلك الوقت كانت تؤدي دور الطبيب والأم في آن واحد.

تقول إسراء الطيب, ابنة الشهيدة تفاحة: في كل لحظة ضعف ويأس واضطراب تتردد كلماتها في مسامعي, أمي أحيت الثورة في داخلي قبل أن يقام الربيع العربي, ذكرياتها لا تنتهي وقد لا أسميها ذكريات لأنه قد يقال أن الذكريات تنسى, لكني أسميها أحداثاً مازالت تعيش في داخلي ولن تنتهي.

وتضيف: ماذا أقول عن أمي وأختي وصديقتي ومعلمتي تلك التي أراها في كل الأحاسيس والمواقع, قد تكون رحلت لكنها خلدت بأفعالها وكلامها وطباعها, فالرائعون هم من يخلدون.

وتتابع: قد تخونني ذاكرتي عن التعبير عن والدتي ورسائلها التي يحملها كل ثائر في عقله, رسائل ثورة وحرية لبناء وطن بقيم الدولة المدنية الحديثة وعلى الجميع أن يعي أن ما قدمته الشهيدات في ذلك اليوم للعالم أجمع هو صورة عن بشاعة وإجرام وقهر هذا النظام, لقد أوصلن رسالة قد نكون نحن أوصلناها بعدة طرق لكن منظر استشهادهن أوصل رسالة أعمق وأقوى, فالمرأة اليمنية هي من صنعت الساحات, هي أم ذاك الشاب الذي دفعته كي يخرج وأم ذاك الشهيد وأخته الذي قدم روحه, هي من شاركت في الإعلام فكانت قيادية إعلامية وثورية, خرجت إلى الساحات في صورة لم يتصورها أحد, شاهدوا روعة المرأة بوجودها ووقوفها بجوار أخيها وابنها وزوجها جنباً إلى جنب, خوفهم من تلك المرأة جعلهم يستهدفونها.

وتستطرد الطيب بقولها: لا يظن أحد أن سكوت أسر الشهداء هو ضعف وعدم قدرة, إنما هو دليل على الصمود وأن وراءه عاصفة إذا خرجت ستمحي كل قاتل, ولكنهم ينتظرون إقامة الدولة الحقيقية التي لا تعطي حصانة لقاتل, تلك الحصانة التي تعطى ممن لا يملك لمن لا يستحق.

إسراء تتمنى في ختام حديثها بأن لا ينسى شباب الثورة أن هناك ثورة حقيقية في الساحات وأنه ينبغي استكمال ثورتهم في تطهير المؤسسات من الفاسدين.. صحيح أننا أسقطنا شخصاً, لكن ما يزال نظامه موجوداً حتى الآن-على حد قولها.

ارحل يا سفاح:
قبيل ساعات من إطلاق قذيفة الدبابة على المصلى استهدف هاني الشيباني في منزله بحي الكوثر بسلاح قناص في رأسه دون ذنب اقترفه في صورة تقشعر لها الأبدان, لتأتي أخته وفاء الشيباني لتسطر ملحمة بطولية للمرأة اليمنية في موقف مهيب ونادر حين تطلق زغرودة استشهاده وتجمع ما استطاعت جمعه من رأسه المتناثر ومن ثم تمزج يداها بدمه لتخط به على جدار الغرفة العبارة التي لطالما صدح بها الثوار في الساحات "ارحل يا سفاح".. وعلى إثر هذا الخبر الأليم بدأ الثوار والثائرات بالتوجه إلى ساحة الحرية بشجاعة وإقدام مقررين بأن لا يتركوا الساحة مهما كانت التضحيات وهم في ذلك الوقت لا يعرفون أنه بعد ساعات سيكون هناك خبر لا يقل ألماً عن خبر هاني, خبر استشهاد تفاحة وزينب وياسمين.

حافظة القرآن:
هي أيضاً زينب العديني الحافظة لكتاب الله بصوتها العذب الذي تشغف له القلوب وتلهف لسماعه الآذان, حين كانت تتدارس القرآن مع أخواتها الثائرات في الساحة, لكن هذا الصوت لم يعد يسمع اليوم وإنما ظل صداه يتردد في المكان..

وتلك الياسمين التي فاحت عبيراً عندما ارتقت بروحها ونالت الشهادة لتلحق بقافلة الشهداء.. تلك القافلة التي كانت من ضمنها الشهيدة عزيزة المهاجري التي اغتالتها رصاصة الغدر والخيانة لتقضي على أحلامها اليانعة وتطلعاتها الكبيرة في يمن ديمقراطي حر, لكنهم لم يعرفوا أن تلك الأحلام اليانعة ستنمو وستكبر في أذهان كل الثوار الذين ساروا على نفس الدرب.

مريم الكاتب:
مريم الكاتب أكبر جريحة في تعز, أصيبت في مجزرة المصلى بعدة إصابات بالغة عندما انهالت عليها شظايا الغدر والإجرام, فإحداهن سلبتها طحالها وأخرى أفقدتها جزءاً من رئتها وشظية أخذت عظمة من رجلها.. مع هذه الصورة المرسومة لا تتولد إلا معاناة تظل تعيشها وذكريات مؤلمة تحملها.. وتقاسمتها ألم تلك المعاناة زميلتها زينب المخلافي والتي أصيبت في ذات الحادثة بشظية في ساقها جعلتها تتدحرج أرضاً في مشهد تسمر الجميع عند مشاهدته وهي الآن تكمل خطواتها التي بدأتها ولو على قدم واحدة في السير نحو المستقبل الأفضل لليمن الذي خرجت من أجله والذي من أجله خرج وضحى الكثيرون من أبنائه.

لحظة مروعة:
اهتزت مشاعري من هول تلك اللحظة وما زلت أتجرع آلام تلك المجزرة حتى الآن.. تقول نورية أحمد علي, إحدى الثائرات وشاهدة عيان على تلك المجزرة, واعتبرت الاستهداف عملاً وحشياً بعيداً كل البعد عن الإنسانية, وسابقة خطيرة من نوعها بأن يوجه القتلة قذائفهم لضرب مصلى النساء واستهداف الثائرات مع سبق الإصرار, لا لشيء إلا لأن المرأة اليمنية كانت سباقة دائماً في الميدان الثوري وهي التي ضحت بنفسها ومالها ودفعت بزوجها وأبنائها للنزول إلى ميادين الحرية والكرامة لتسطر معاني الولاء والانتماء للوطن.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد