أين ذهب مليارا دولار موازنة مشروع طريق «عمران-عدن»؟

2014-01-16 16:18:55 هموم الناس/ عبدالحكيم هلال


وجاء رد وحدة المشروع في الوزارة بهذا الشأن كالتالي: "كما أشرنا سابقاً بأنه لم يتم إنشاء وحدة مالية لأعمال المشروع والتي أسندت إلى الوحدة المالية للمشاريع الممولة دولياً بالوزارة، وتم العمل بنفس النظام المحاسبي المعمول به لدى وحدة تنفيذ المشاريع الممولة دولياً بالإضافة إلى أن المشروع مدرج ضمن النظام المحاسبي العالمي الـLegumes، والذي يتبع وزارة المالية".

وهنا يؤكد تقرير الجهاز "ومن خلال رد الوحدة يلاحظ أن الوحدة حتى تاريخ المراجعة لم تقم بإنشاء وحدة مالية ولم تقم بالحصول على نظام محاسبي خاص بها, حيث يتم العمل بالنظام الخاص بوحدة المشاريع الممولة دولياً كما أن نظام الـLegumes هو نظام تراسل ومتابعة السحب من التمويل الخارجية وليس نظاماً محاسبياً يتم استخدامه للعمل في الوحدات الممولة دولياً".

تخبط

إلى جانب تلك المخالفات التي بدأت مع بداية الشروع في تنفيذ المشروع ومازالت قائمة حتى الآن، تطرق تقرير الجهاز المركزي إلى مخالفات فنية ومالية وتوقيع عقود مخالفة مع الشركة الفرنسية المشرفة..الخ، والتي سنتطرق إليها بالتفصيل لاحقاً في سياق هذا التقرير.

على أن التعقيدات التي يشوبها المشروع حتى الآن، تستدعي منا السير وفقا للترتيب الزمني والعملي للأحداث حتى نتمكن من تفكيكها وتقديم مادة سهلة وواضحة تتيح للقارئ فهم واستيعاب المشكلة.

 كان أبرز وأهم ما أكد عليه تقرير الجهاز، وكرره في أكثر من موضع، هو: "عدم البدء بتنفيذ مشروع الطريق الذي حددت مدة تنفيذه بثماني سنوات (2009-2016) رغم انقضاء ما نسبته (50%) من الفترة الإجمالية المحددة لإنجاز كامل الطريق". (كما نوهنا سابقاً، يحدد التقرير هذه الفترة حتى نهاية 2012، وليس عام 2013.

ورداً على ملاحظة الجهاز تلك، أشارت وحدة المشروع إلى أنه "تم البدء بتنفيذ خطوات المشروع وذلك باختيار الشركة الاستشارية والتي قامت بمراجعة المخططات للجزء الأول (صنعاء - بيت الكوماني)"، المقصود هنا هو المرحلة الأولى المعتمدة ضمن المخطط.. وأضاف رد الوحدة "وعلى ضوء ذلك تم إنزال إعلان طلب تأهيل شركات تنفيذية للمشروع تقدمت إليه 83 شركة لشراء وثيقة التأهيل وقدمت 45 شركة وثائق تأهيلها وتأهلت 14 شركة فنياً وتقدمت إليه 11 شركة لشراء وثائق المناقصة، ولم تتقدم للمناقصة إلا شركة واحدة بعطائها المالي (بدون ضمان) ولذا تم تأجيل النظر في المناقصة إلى جانب الظروف الأمنية التي مرت بها بلادنا خلال الفترة 2011 ، 2012، وبسبب أن المناقصة غير قانونية لعدم تقديم المقاول للضمان وكونه عطاء وحيد وغير مستوفي الضمان فقد تم تأجيل إقرار المناقصة".

 إذاً، عوضاً عن البدء في تنفيذ المرحلة الأولى والمحددة بالمخطط والدراسات الأولية بالمقطع الثاني: (صنعاء - ذمار- بيت الكوماني)، اجتمعت لجنة تسيير المشروع، التي يرأسها وزير الأشغال عمر الكرشمي، في 10/10/2012، لتلغي كافة الإجراءات السابقة، لتقرر الانتقال إلى تنفيذ المقطع الرابع (تعز - لحج – عدن).

متى حدث هذا الوعي بصعوبة تنفيذ المرحلة الأولى؟

 بعد مرور أربع سنوات على توقيع اتفاقية التمويل وبدء فترة سريان تنفيذ المشروع..!! وبعد أن صرفت في تلك الإجراءات (الملغية أخيرا) مبالغ للإعلانات ورواتب ومكافآت وبدل اجتماعات ومخصصات الشركة الاستشارية..الخ، واجمالاً: بعد مرور أربع سنوات تم خلالها صرف ما يربو عن مليونين ونصف المليون دولار..!!

وبعيدا عن ذلك كله، يؤكد تقرير الجهاز أن هذا القرار "سوف يستدعي بعض الوقت حتى يبدأ العمل فيه. حيث مطلوب دراسة مقدار التعويضات للمواطنين ومن ثم صرفها وتحديث الدراسات والتصاميم ومن ثم البدء بالتنفيذ"، منوهاً في نهاية هذه الفقرة بتأكيده: "وحتى تاريخ المراجعة لم يبدأ تنفيذ هذه الإجراءات".

كارثتان

الواقع أن هذا التخبط يكشف قصوراً كبيراً في الدراسات والتصاميم الأولية، رغم أن المسؤولين في الدولة زعموا في السابق، منذ 2006، أنها جاهزة كليا وأن الحكومة خسرت عليها ستة ملايين دولار.

ففي 8/6/2006، نشرت صحيفة 26 سبتمبر خبراً جاء فيه: "من المقرر أن تعلن الحكومة عن مناقصة المشروع الاستراتيجي لطريق (عمران – عدن) خلال الفترة القليلة القادمة كمناقصة دولية وذلك بعد أن استكملت كل الإجراءات والدراسات والتصاميم اللازمة للطريق الاستراتيجي والحيوي".

 وأوردت الصحيفة تصريحات لوكيل وزارة التخطيط لقطاع برمجة المشاريع عبد الله الشاطر، أكد فيها أن مشروع طريق (عمران - عدن) الذي "سيربط بين 11 محافظة ويستفيد منه كل سكان تلك المحافظات قد أنجزت كل التصاميم ودراسات الجدوى والتي كلفت حوالى 6 ملايين دولار، تم تمويلها من قبل الصندوق السعودي للتنمية كقرض والحكومة اليمنية"."

وكان مهندسون يمنيون شككوا في وقت مبكر بجدوى تلك الدراسات والتصاميم، من حيث الدقة في تفاصيلها وتكلفتها المالية. وانتقد بعضهم كفاءة وقدرات معدِي تلك الدراسات والتصاميم المفتقدة للمعرفة وواقع البلاد الجيوغرافي، ناهيك عن عدم وجود دراسات مسبقة للأثر البيئي والاقتصادي الذي سينجم عن المشروع سلباً وإيجاباً.

في 29/4/2009، كتب المهندس عبدالله الصايدي مقالاً في صحيفة "الوسط" اليمنية على خلفية إطلاعه على تقرير لجنتي الخدمات والتنمية والنفط بمجلس النواب اليمني حول مشروع الطريق المزدوج (عمران – عدن)، (ملاحظة: هذه اللجنة هي المسؤولة عن دراسة المشروع في المجلس قبل تقديمه إلى التصويت).

قدم المهندس في مقاله ملاحظات كثيرة جيدة وصادمة في الوقت ذاته بخصوص الدراسات الخاصة بالمشروع وجدواه وإمكانية تنفيذيه ومعيقاته. أهم ما لفت انتباهي هو حديثه عن التكلفة التقديرية للمشروع، الباهظة والمبالغ فيها كثيراً.

وفي هذا الخصوص، أشار إلى أنه، ومن خلال التقرير الخاص بلجنة النفط والتنمية بمجلس النواب، ومن خلال مناقشات أعضاء المجلس "اتضح أن التكلفة الوسطية لكل كيلومتر لطريق (عمران – عدن) قد تصل إلى خمسة ملايين دولار (أي مليار ريال يمني) وبعرض 37.7 متراً تقريباً". وبالتالي – يضيف "فإن متوسط التكلفة – في المناطق الجبلية - قد تصل إلى عشرة ملايين دولار لكل كيلومتر (أي 2 مليار ريال)".

اعتبر المهندس الصايدي أن هذا المبلغ "خرافي بكل المقاييس"، موضحاً أن "التكلفة الحالية لطريق بعرض 40 متراً مع الأكتاف تصل إلى 150 مليون ريال (يمني) لكل كيلومتر على أبعد تقدير للطرق الحضرية".

 الكثير من علامات الاستفهام؟!

ومع ذلك، فكاتب المقال لم يكتف بطرح المشكلة بدون تقديم المبررات التي أدت إلى رفع التكلفة إلى ذلك المبلغ الخرافي، بل قدم أربعة أسباب عميقة أدت إلى ذلك، لكنه أيضا قدم مجموعة مقترحات وحلول عملية - بحكم خبرته كمهندس – من شأنها أن تعمل على تخفيض التكلفة الإجمالية للمشروع من مليار و950 مليون دولار، إلى 600 – 800 مليون دولار فقط.

لست مهندساً مدنياً، وليست لي خبرة في هذا المجال، كما أني لا أعرف من هو هذا المهندس الذي كتب المقال، لكنِي من خلال إطلاعي على طرحه للأسباب ومقترحاته بالحلول المُمكنة وفق طريقة علمية تنم عن خبرة طويلة في هذا المجال، شعرت أن ثمة أموراً رهيبة مستترة من وراء هذا المشروع، هي بطبيعة الحال لا علاقة لها إطلاقاً بإتقان العمل شعوراً بالمسؤولية الوطنية، بقدر علاقتها برؤوس كبيرة جداً بالدولة من مسؤولين كبار ونافذين وسماسرة مقاولات واستشارات، يقفون وراء كل ذلك الفساد المعلن صراحة في وجوهنا جميعاً دون أن تهتز لهم شعرة أو يطرف لهم جفن.

ومع ذلك، استمرت حكومتنا في سيرها البطيء جداً. وبين الحين والآخر برزت محاولات مستميتة لمسؤولين تمتدح تلك الدراسات التي تكشف عن ضخامة المشروع وتروج وتسوق له بامتداح الإعدادات والتجهيزات المسبقة الكاملة من كافة النواحي دون أن تنسى التعريج دائما على "فخامة الرئيس" الذي يولي أهمية خاصة لهذا المشروع.

في النهاية، نجحت الحكومة في إقناع الصندوق السعودي للتنمية بتوقيع عقود التمويل (من منح وقرض)، كما تم الإشارة إليه سابقاً، ومن ثم الحصول على مصادقة مجلس النواب على القرض في 24/2/2009.

ومن المهم الإشارة إلى أن مصادقة مجلس النواب كانت مشروطة بالتزام الجانب الحكومي ممثلاً بوزير الأشغال العامة والطرق المهندس عمر الكرشمي بتوصيات المجلس، التي أكدت على ضرورة "إنزال المشروع في مناقصة دولية بعد التأهيل المالي والفني المسبق للشركات الراغبة في الدخول في المناقصة، وبعد استيفاء جميع الدراسات الفنية والجيولوجية والتنفيذية وفق أحدث المواصفات العالمية في مجال تنفيذ الطرق الدولية، وتحرِي الدقة في إرساء مناقصة هذا المشروع على شركة ذات سمعة ممتازة وكفاءة عالية ولها خبرة سابقة في تنفيذ مشاريع مماثلة لهذا المشروع، وسرعة تعويض أصحاب المزارع والمنشآت القائمة على مسار خط المشروع التعويض العادل، وفقاً لقانون الاستملاك للمنفعة العامة، وحسم ذلك قبل البدء في تنفيذ المشروع واتخاذ الإجراءات والحلول لكافة المشاكل التي تعترض سير العمل وبما يضمن عدم توقف تنفيذ المشروع".

 توحي تلك التوصيات البرلمانية بوجود مخاوف لدى أعضاء المجلس بأن الأمر سيتخلله "فساد كبير"، وأن ثمة احتمالية كبيرة لأن يتوقف المشروع، وهو شعور طبيعي قياساً بمعظم -إن لم يكن كل- مشاريع الطرقات التي تنفذها وزارة الأشغال.

بعدها مر – تقريباً - عامان إلا بضعة أشهر دون أن يعلن عن إحراز أي تقدم (عملي) في إطار المشروع. إذ وفي 24/12/2010، نشرت وكالة "سبأ" الحكومية الرسمية خبراً مفاده أن "وزارة الأشغال العامة والطرق أعلنت عن بدء الخطوات العملية لتنفيذ مشروع طريق (عمران- عدن) الاستراتيجي العام القادم بعد استكمال تأهيل المقاولين وإقرار وثائق المناقصة الخاصة بالمشروع".

وفي سياق الخبر، أكد وكيل الوزارة الدكتور عبد الملك الجولحي لـ"سبأ" أن المقطع الأول من المشروع (صنعاء - بيت الكوماني) البالغ طوله 97.2 كيلومتراً، سيبدأ تنفيذه خلال فترة ستة أشهر، منوها إلى أن وزارة الأشغال ستقوم باستقبال العطاءات المقدمة من المقاولين وتحليلها وبدء التنفيذ..بل وأكد حينها أن "اللجنة العليا للمناقصات وافقت على وثيقة المناقصة للمشروع والمقاولين الذين تم تأهيلهم من وزارة الأشغال والصندوق السعودي للتنمية باعتباره الممول للمشروع".

لكن فترة الستة أشهر، تمددت هي الأخرى إلى قرابة عامين آخرين دونما إحراز أي تقدم (عملي) يُذكر، باستثناء إنزال إعلانات رمزية في الصحافة الرسمية عن طلب موظفين للمشروع ومناقصات للشركات الراغبة في التنفيذ، حتى إنه لم يتم البدء نهائيا في البحث عن عملية "استملاك الأراضي"، وتعويض أصحابها بحسب توصيات مجلس النواب، وتنفيذاً لما ورد في الاتفاقية بأنه "سيتم تعويض المواطنين الذين يمر الطريق عبر أراضيهم"، إلا أن تقرير الجهاز أكد أنه "لم يتم البدء بذلك حتى نهاية العام 2012".

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد