تزايد للمصابين في ظل إهمال من قبل الدولة..

مرضى السرطان بالحديدة: أدوية باهظة الثمن.. وسرطان الثدي والفم على رأس الحالات

2014-02-08 11:45:24 تقرير/ فتحي الطعامي


تزايد مخيف ومقلق لأعداد المصابين بالسرطان في الحديدة, فالإحصائيات الصادرة عن مركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية, تؤكد أن ما يقارب من عشر حالات لمرضى السرطان تردد على المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بالحديدة خلال العام 2013م.. وبهذه الإحصائية الرقمية تصبح الحديدة في مقدمة المحافظات اليمنية الأعلى رقماً من حيث إعداد المصابين..

الأعداد المتزايدة في محافظة الحديدة للمصابين بالسرطان, يكشف أن المحافظة تسير نحو كارثة صحية إذا لم يتم تدارك الأمر والوقوف بجدية مع هذا التزايد وإخضاعه للبحث والدراسة عن الأسباب الرئيسية التي تقف وراء هذا التزايد في أعداد المصابين بهذا الداء.. وإيجاد حلول ناجعة للوقوف على الحالات المرضية لعلاجها وكذا القيام.

قصص وحكايات تحكي واقعاً مؤلماً لعشرات الحالات المرضية التي وجدناها تتلقى العلاج والجلسات الكيميائية في المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان.. فالبعض منهم يكابد المرض منذ أكثر من عقد ونيف من الزمن وآخرون يحكي أهلهم وذويهم عن معاناتهم الأسرية جراء إصابة أقربائهم بالمرض وعجزهم عن شراء الأدوية والمهدئات اللازمة لهم..

أعلنت المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بالحديدة, أن عدد المصابين بمرض السرطان بالحديدة وصل- حتى نهاية العام 2013م- إلى عشرة آلاف حالة, من بينها ثلاثة آلاف ومائتان وواحد وثمانون حالة من الرجال وخمسة آلاف ومائة وثلاثة من النساء وسبعمائة وأربعة وستون حالة مرضية مصابة بالسرطان من الأطفال وبحسب التصنيف لهذا المرض فإن أغلب المرضى المصابين بالسرطان في الحديدة تتوزع إصابتهم به في الحلق والفم والبلعوم والحلق.. هذه الإصابات في تلك الأماكن سببها- كما يقول المختصون- تناول بعض المواد (كالشمة والدخان وبعض المبيدات القرطاسية التي تنتشر لأسباب مختلفة, ناهيك عن الإفراط في استعمال بعض المواد الغذائية المعلبة التي تحتوي على مواد حافظة تكون متدنية الجودة).
تزايد يقابله عجز

هذا الرقم المخيف, الذي أعلنته المؤسسة على لسان مديرها الأستاذ/ ياسر نور, والذي أكد أن محافظة الحديدة تعتبر في مقدمة المحافظات التي تعاني من تزايد أعداد المصابين بهذا المرض المقلق.. ففي كل عام يضاف في الحديدة 500 حالة جديدة مصابة بالأورام السرطانية وهو ما يشكل عبأ كبيرا على المؤسسة والعاملين فيها من الكادر الطبي..

ناهيك من أن المؤسسة- والتي يتلقى فيها ما يقرب من 2000 حالة مرضية مصابة بالسرطان بشكل دائما – وهو العدد المقيد لديها - تفتقر لوجود أجهزة الكشف المبكر ومؤشرات الأورام كما أن الأدوية الموجودة في المؤسسة لا تغطي كافة الاحتياجات, خاصة وأن القيمة المالية لهذه الأدوية لا يستطيع المواطن العادي شراؤها..

يقول القائمون على المؤسسة إنهم يصرفون سنوياً ما يقرب من عشرة ملايين ريال وهي المبالغ التي يتم تحصلها من أهل الخير وتصرف في الاحتياجات العلاجية والطبية للمرضى..
حكايات مؤلمة

قمنا بالتجول في طواريد المؤسسة للوقوف على ما يعانيه مرضى السرطان وما تقدمه المؤسسة لكن ما رأيناه من معاناة لهؤلاء المرضى يفوق الوصف والكتابة ولا يمكن أن يضمّن في مقال أو تحقيق صحفي.. آهات المرضى وأناتهم تخترق القلب قبل المسامع.. وتشعرك بما يعانيه هؤلاء المرضى... يقول بعض هؤلاء المرضى بأنهم قدموا من مديريات بعيدة عن مدينة الحديدة أملاً منهم في الحصول على جلسات طبية تخفف عنهم آلامهم التي أرهقتهم وأرهقت ذويهم..

الحاج/ عبد القادر سلمان حسن- البالغ من العمر (50 عاماً)- حكى لنا بعضاً من معاناته مع مرض السرطان الذي أصيب به قبل 6 أعوام تقريب فيقول (تفاجأت قبل 6 أعوام بإصابتي بانتفاخ جلدي في الرقبة فقمت بعمل عملية جراحية لها إلا أن الأطباء وبعد إجراء العملية قاموا بإرسال عينة من الجزء المستخرج والمتقيح الى صنعاء للتأكد ليتم بعد ذلك التأكد أن ما أصابني هو مرض السرطان.. وفي ذلك الحين- وبعد إجراء بعض الفحوصات والكشافات في الحديدة قيل لي- إنه لا يوجد أي ورم آخر.. لكنه- وبسبب رداءة الأجهزة الموجودة في الحديدة- اكتشفت بعد أشهر أن الخلايا السرطانية قد انتشرت في الرقبة والبلعوم والترقوة وأنا- ومنذ ذلك الحين إلى الآن- أكابد الألم الذي تتسببه له هذه الأورام السرطانية..

وأضاف الحاج عبد القادر (للأسف يا إبني إن الدولة لا تقدم لنا أي شيء في الحديدة فما نتحصله نحن من علاجات أو جرعات طبية يتم إعطاؤنا إياه من المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان.. ونحن لا نستطيع شراء تلك الأدوية, نظراً لكلفتها واليوم أكد الأطباء لي أنه لا حل لي إلا بإجراء العملية الجراحية في خارج الوطن.. فالأطباء في صنعاء وهنا في الحديدة قالوا إنهم عاجزون عن إجراء العملية الجراحية لي لاستئصال الأورام السرطانية لما فيها من خطورة.. وأنا قد توقفت عن العمل نظراً لحالتي الصحية وما عدت أستطيع القيام بأي عمل أنفق به على نفسي وعلى أسرتي التي تدهور وضعها المالي بعد إصابتي بمرض السرطان..

مضيفا (سلمنا أوراقنا لمكتب الصحة, مرفقاً بالتقارير الطبية التي تؤكد عجز الأطباء في اليمن عن إجراء العملية الجراحية وضرورة أن يتم تسفيرنا إلى الخارج إلا أن مكتب الصحة- ومنذ ما يقارب من 8 أشهر- وأنا أتردد عليه أملاً في أن يتم الموافقة على تسفيري من قبلهم, لكن لا جديد الى اليوم وحالتي تزداد سوءاً.. والحمد الله أنا في البيت يقوم أبنائي على رعايتي والوقوف بجنبي والله لا يصيب مؤمناً بمكروه)..

أما المريض علي شوعي (60 عاماً) من أبناء منطقة عبس التابعة لمحافظة حجة والمرقد في الوحدة بسبب تدهور حالته الصحية نظرا لإصابته بالسرطاني في اللسان منذ عام فقال (لي سنة كاملة وأنا أتردد على المؤسسة للحصول على الأدوية التي ما أقدر شرائها.. والمؤسسة ما تقصر معي أو مع غير من المرضى الذين هنا في المؤسسة رقود أو اللي يأتوا ويأخذوا العلاجات والجرعات.. لكن فين الدولة مننا.. ليش الدولة ما تقوم ببناء مستشفيات لنا – نحن المصابون بالسرطان لا نقدر على شتراء العلاجات ووضعنا تدهور, تخيل النزول والسفر من عبس كل أسبوع والعلاجات المرافقة التي نقوم بشرائها – غير الموجودة في المؤسسة – والدولة حقنا ولا كأننا من المواطنين حقها (ذرفت عينه بالبكاء) صرفنا كل ما معنا.. تسلفنا وأدينا والله يختم لنا بالخير..

وعن تعامل المجتمع معه قال الحاج علي شوعي (الحمد الله, يا أبني الحملات التوعوية التي تقوم بها المؤسسة لنا ولأبنائي الذي يأتون معي عرفتنا أن مرض السرطان غير معد ونحن نقول للناس في القرية لما نرجع لهم إن مرض السرطان غير معد وهو ابتلاء من الله.. أسأل الله أن يشفينا وأن لا يبتلي به مؤمناً..

وعن ما يطالبون به الدولة, قال شوعي (مثلما قلت لك.. نشتي من الدولة تبني لنا مستشفى على حسابها وتوفر فيه الأطباء والأدوية والجرعات الكيميائية فيه.. وتدعم هؤلاء المرضى حتى ولو براتب شهري إعانة من الدولة لنا (نحن المصابون بالسرطان) حتى نتمكن من العيش ولا نعاني من المرض ومن الحاجة ومن الديون المتراكمة.. بالله عليك لو ما كانت المؤسسة هذه موجودة التي يدعمها التجار وأهل الخير فين نروح باتخلينا الدولة نموت!!

علي شوعي وعبد القادر سليمان هم نموذج لعشرات الحالات بل المئات من المرضى المصابين بالأورام السرطانية والذين يعانون آلام المرض وانعدام رعاية الدولة لهم والعوز والفقر والكلفة المالية الباهظة للعلاجات المرافقة ( غير ما تمنحه المؤسسة من العلاجات ) الأمر الذي يعكس معاناة حقيقية لهؤلاء المرضى الذين العديد منهم ممن تدهورت حالته وساءت ينتظر الموت بل ويتمناه على كل تلك الآلام...
إحصائيات مقلقة

وبحسب الإحصائيات التفصيلية الصادرة عن المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في الحديدة فإن سرطان الثدي والذي تصاب به النساء يعد من أكثر الأنواع انتشاراً في الحديدة, حيث بلغ العدد الإجمالي للعام 2013م 96 حالة مصابة بسرطان الثدي وتمثل نسبة 19% من إجمالي المرضى وتلاه سرطان الفم بعدد 73 حالة وبنسبة 15% ويشمل سرطان الفم سرطان ( اللسان واللثة والحنك..) ويقول المختصون في المؤسسة إن السبب في هذا يعود لتناول مادة الشمة وبعض المواد المعلبة... ويلي ذلك سرطان الدم بعدد 49 بنسبة 10% وسرطان الرقبة 35 بنسبة 7% وسرطان المثانة بعدد 26 أي بنسبة 5% وسرطان القولون 20 حالة بنسبة 4 % ثم سرطان ( الكبد والأمعاء والكلية والرحم والمريء الدماغ والمبيض والبلعوم والأنف والبرستات والرئة بنسب ما بين ( 2- 3 ) % ويلي ذلك سرطان ( الخصية والمستقيم وحمل عنقودي والبنكرياس والمعدة والفخذ والقدم والجلد والعظام والإبط والأذن والحوض والجهاز العصبي والصدر والعين وصفاقي بنسبة 1%

وعن توزيع المصابين بحسب مناطقهم احتلت مديرية باجل (المكتظة بالمصانع) في المرتبة الأولى بعدد 55 حالة, تليها مديرية الحوك بعدد 49 حالة ومديرية الحالي بعدد 44 حالة وجاءت مديريات (الخوخة وبرع حيس والحسينية والسخنة) وهي مديريات واسعة وبعيدة عن منغصات المدن وعن أدخنة المصانع..

وكشفت الإحصائية عن تزايد أعداد المصابين بالسرطان بما وصل إلى 497 حالة جديدة خلال العام 2013م وبلغ عدد التردد للمرضى على المؤسسة الوطنية خلال نفس العام الى 9148 مرة

هذه الأنواع والنسب لمرض السرطان في الحديدة يحتاج إلى بعض الدراسات العلمية والتي ينبغي أن تشترك فيها جهات متعدد للوقوف, على هذه الإحصائيات وبما يمكن من وضع إجراءات احترازية كوقاية للمجتمع..
تكاليف باهظة

يعاني معظم المرضى المصابين بالأورام السرطانية من التكاليف المالية الباهظة والكبيرة للعلاجات سواء لجرعات الطبية الكيميائية أو العلاجات المهدئة والمضادات الحيوية المرافقة للمريض للتخفيف عن المرضى من آلامهم.. وبالرغم من أن المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بالحديدة تقوم بتقديم الرعاية الصحية لهؤلاء المرضى بتكاليف مالية كبيرة إلا أن ذلك لا يعني أن المرضى وذويهم لا يتحملون جزءاً من شراء بعض الأدوية خاصة المهدئة..

يقول الأستاذ/ ياسر نور- مدير المؤسسة في الحديدة-: نقوم بتقديم الرعاية الصحية للمرضى سواء الذين يترددون بشكل دائم عندنا أو من يتم إعطاؤه جرعات طبية كيميائية.. وهذا الجانب يكلفنا بمبالغ مالية كبيرة.. فتخيل معي أن بعض المرضى يتم إعطاءهم علاج يومي (لكل شخص منهم) وبتكلفة مالية تقدر 6000 الف ريال.. ناهيك من أن أحد المرضى والذي جاء الينا قبل أيام يحتاج الى جلسات علاجية تكلف شهريا ما يصل الى 1500000 مليون وخمسمائة الف ريال وهذا المبلغ لا يستطيع المواطن العادي توفير ليتمكن من العلاج..

وأضاف" يضاف إلى هذا بعض الخدمات الطبية الأخرى التي نقدمها للمرضى من صرف علاجات وأدوية وتوعية وغيرها.. لقد صرفنا في العام المنصرم ما يقدر بعشرة ملايين ريال يمني (يضاف اليه بعض الأدوية الممنوحة لنا من الدولة أو التي تم التحصل عليها من قبل المؤسسة في صنعاء أو من قبل بعض رجال الخير.. والدولة لا توفر لنا سوى بعض الأدوية فقط".

وأكد أن مرض السرطان المتزايد في الحديدة يحتاج اليوم الى وقفة رسمية ومجتمعية جادة لدراسة ظاهرة تزايد السرطان في اليمن بشكل عام وفي الحديدة بشكل خاص والعمل على إيجاد مشافي ومراكز طبية متخصصة والعمل بشكل فوري بتوفر الاحتياجات الطبية والكادر المتخصصة خاصة وأننا في الحديدة لا يوجد عندنا استشاري متخصص في الأورام..
تقصير حكومي

وبالرغم من الجهود التي تبذلها المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان وهي جهود مشكورة إلا أن الوضع الحالي وتزايد أعداد المصابين بشكل مطرد يحتاج الى تحرك سريع من الجهات المسئولة في الدولة وفي الحديدة على وجه الخصوص.. إذ أن هذا التزايد في أعداد المصابين يحتاج الى توجه حكومي جاد لإنشاء مشافي متخصصة ومزودة بالكادر الطبي والمعدات.. فما تقدمه اليوم الجهات الحكومية المعنية لمرضى السرطان- في الجمهورية بشكل عام وفي الحديدة- لا يكاد يذكر بل يمكن أن نقول إنه منعدم في كثير من الأحيان..

وعن ما تقدمه الدولة للمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بالحديدة قال مدير مكتب الصحة بالحديدة الدكتور/ عبد الرحمن جار الله (صحيح أن المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بالحديدة مؤسسة أهلية تقوم على دعم أهل الخير إلا أن مكتب الصحة يعمل على التعاون مع المؤسسة ويقدم الدعم المتمثل في توفير العلاجات الطبية الخاصة بمرضى الأورام السرطانية)..

وأكد أن هناك توجها لبناء مركز صحي خاص بمرضى السرطان بالحديدة وأنه تم الاتفاق على أن يقوم مكتب الصحة بتوفير الأرض مقابل أن تقوم المؤسسة بالبناء والتجهيز.. وهو اتفاق تم بين السلطة المحلية في محافظة الحديدة والمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان ومكتب الصحة.. في وقت سابق إلا أن هذا الاتفاق- وبالرغم من مضي سنوات عليه- إلا أنه لم ينفذ...

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد