عوامل وأسباب خارجية تغذي الفساد في اليمن

2014-12-28 13:44:16 الدكتور طه الفسيل*

الفساد في المحصلة النهائية نتيجة لاتفاق غير قانوني بين طرفين فاسد ومفسد وان هذا الاتفاق إما ان يكون طوعياً يتم برغبة تامة بين الفاسد والمفسد للحصول على حق أو (حقوق) ومصالح خاصة غير قانونية وقد يكون الاتفاق اتفاقاً غير طوعي (إجبارياً أو غصباً)، وذلك عندما يقوم الطرف الفاسد بابتزاز طرف آخر هو فرد من أفراد المجتمع أو جماعة من جماعاته المختلفة تحتاج إلى خدمة عامة.

والموضوعية تقتضي منا الإقرار بأن ظاهرة الفساد وانتشارها لا تعتبر مسؤولية الحكومة فقط وإنما هي مسؤولية جميع اطراف المجتمع اليمني، أفراداً وجماعات، قطاعاً خاصاً وجمعيات أهلية ومنظمات المجتمع المدني، إذ أن الأسباب والعوامل الكامنة وراء ظاهرة الفساد في المجتمع اليمني، تتعدد وتتداخل مع بعضها البعض، فهناك أسباب اقتصادية وسياسية، وأسباب اجتماعية وثقافية، وأسباب داخلية وأسباب خارجية، إلى جانب وجود عوامل وأسباب عامة عديدة لوجود الفساد في المجتمع اليمني، مثله مثل أي مجتمع.

ومن خلال البحث عن أسباب وعوامل الفساد في اليمن، نستطيع القول هناك أسباباً وعوامل ذات خصوصية نسبية باليمن، أبرزها أن المجتمع اليمني مازال مجتمعاً تقليدياً تسود فيه وتغلب عليه القيم التقليدية والروابط القوية المستندة إلى علاقات النسب والقرابة والعلاقات المناطقية.

كما أن المرحلة الانتقالية والتحولات العميقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها بلادنا خاصة بعد قيام الوحدة المباركة في 22مايو 1990، بلا شك أفرز ذلك زيادة فرص ممارسات الفساد واتساع وتنوع مظاهره، حتى غدت تزداد بصورة كبيرة في المراحل الانتقالية وفترات التحولات العميقة.

وقد ساعد على ذلك في اليمن حداثة البناء المؤسسي والإطار القانوني للدولة اليمنية الحديثة وعدم اكتماله، إذ أن هذا الوضع وفر بدون شك بيئة مناسبة للفاسدين والمفسدين مستغلين ضعف أجهزة الرقابة وضعف مستوى خبراتها من اجل تحقيق المصالح الذاتية والشخصية.

اضف إلى ذلك غلبة علاقات القربى والنسب، والمناطقية والعشائرية على القيم والواجبات والالتزامات الوطنية في تفشي ثقافة الفساد بين أفراد المجتمع اليمني، بحيث أصبحت ممارسات الفساد أمراً عادياً ومقبولاً ومتقبلاً من قبل المجتمع اليمني.

وعليه ونظراً لشمولية واتساع نطاق الفساد وقبول الناس له، أصبحت القوانين والأنظمة السارية عاجزة عن التصدي للفساد، وزاد من حدة ذلك قوة ترابط وتكاتف الفاسدين والمفسدين ودقة تنظيمهم واتساع نطاقهم لأن المصالح تجعلهم اكثر قوة وسطوة بصورة أو بأخرى، بينما تتسم علاقة الترابط والاتصال بين المصلحين بالوهن والضعف نتيجة تفرق هذه الجهود وتشتتها وعدم تنظيمها، وقلة عدد الكوادر الكفؤة والمؤهلة في كافة المجالات المختلفة مثل الهندسة والمحاسبة او ضعف وتدني مستواهم وكفاءتهم.

ومن أجل إزالة اللبس نقول إن القصد من تعريجنا على عدد الكوادر الكفؤة والمؤهلة، ليس القصد منه أن لا يوجد العدد الكافي منهم، بل العكس لدينا كماً هائلاً من المهندسين والمحاسبين خريجي الجامعات، لكن المؤهل منهم والكفء عدده قليل، ويترافق هذا مع انتشار مظاهر الجهل ونقص المعرفة بالحقوق والواجبات، وبطبيعة الاجراءات وخطوات الحصول على الخدمات العامة وتكلفتها خاصة في ظل قصور آليات الوصول إلى المعلومات أو غيابها.

كما أن عدم وجود إجراءات مكتوبة وقواعد عمل منشورة ومعلنة للجمهور في قطاعات الخدمات العامة يساعد بشكل كبير على فتح مجالات وفرص ممارسات الفساد، وضعف أو غياب دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة في الرقابة ومتابعة الأداء الحكـــومي، واذا وجدت فإنها قد تفتقد للموضــوعية أو الحيادية ويشــمل ذلك أجهزة ووسائل الإعلام المختلفة وبالذات الصحف الحزبية، وحداثة مفهوم الفساد وأبعاده العملية والعلمية المختــلفة في المجتــمع اليمني.

الأمر الذي أدى إلى غياب الرؤى الموضوعية والأسباب العلـــمية لتشخيص الفساد وتحديد مظــاهره واخــتلالاته المختلفة وبالتالي تحديد الآليــات والإجراءات المناسبة الكفيلة بمحاصرته ومحاربته، وجود عوامل وأسباب خارجية تساعد على نشر الفساد وتعميقه.

ويمكن إجمال الأسباب في وجود مصالح وعلاقات تجارية مع شركات ومنتجين من دول أخرى، حيث تسعى هذه الشركات إلى الحصول على امتيازات واحتكارات داخل الدولة، مستخدمة في ذلك وسائل الترغيب والترهيب مفسدة بذلك جزءاً لا يستهان به من موظفي الدولة.

وهنا يبرز في هذا المجال الدور الذي تؤديه والسلوكيات والممارسات التي تسلكها بعض الشركات الأجنبية الكبيرة ومتعددة الجنسيات، وكذلك بعض المنظمات والمؤسسات الدولية الحكومية منها وغير الحكومية، حيث تشكل هذه السلوكيات والممارسات صوراً للفساد الخارجي مثل اللجوء إلى الحكومات والمسؤولين من اجل فتح المجال لأنشطتها وأعمالها ومنتجاتها أو من اجل الحصول على عقود امتياز لاستغلال الموارد الطبيعية أو إقامة البنى التحتية.

وفي سبيل ذلك تستخدم أساليب الترغيب والترهيب من اجل تحقيق أهـــدافها والحصـــول عـلى الامتيـــازات التـي ترغب فيها وتكون هذه الشركات والمنظمات اكثر قوة في ضغطها وتأثيرها وسلوكها المفــسد على الدول التي تمر بمراحل انتقالية وفترات التحول مثلما هو الحال في بلادنا اليمن.

ومن الأمور الهامة التي يجب التنبه إليها، هو أنه لابد أن نعي قضية هامة وهي أن الفساد لا يوجد فقط في أجهزة ومؤسسات الدولة، وإنما هو موجود أيضاً في القطاع الخاص وفي منظمات المجتمع المدني بصورة أو بأخرى، فالفساد بصورة عامة لابد وان يكون له طرفان فاسد ومفسد.

* من دراسة للدكتور الفسيل- أستاذ الاقتصادي بجامعة صنعاء، "حول أسباب وعوامل الفساد في اليمن".

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد