الصناعة النفطية في اليمن والوطن العربي!

2015-01-04 09:40:25 الدكتور/ خالد عبدالله أحمد الثور*


 بما أن النفط بات من أهم العوامل المؤثرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، بالتالي، فإن إنتاجه وبيعه يعد عاملاً اخر، يمكن التحكم به للاستفادة منه كقوة سياسية خارقة، بالإضافة إلى هذا، فإن النفط اصبح مرتبطاً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بعوامل أخرى بعضها محلية وأخرى دولية!.

ومن خلال الدراسة والبحث نجد وبصورة عامة، أن العوامل المحلية متعددة ومتنوعة، وتختلف من دولة لأخرى، حيث كانت في بدايتها لغرض السيطرة الداخلية على الحكم، والتوسع قدر الاستطاعة، دون أدنى محاولة لإحداث نهضة صناعية في البلدان المنتجة، ويعزى السبب في ذلك، إلى حالة الانهيار، التي كانت ـ ولا تزال ـ تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية..!.

والمؤسف أن العائدات النفطية عمٌقت هوٌة الانقسام داخل المجتمعات العربية، لأنها في واقع الأمر ثروة شبة عائلية، ولم تُستخدم كثروة مجتمعية. والأمرٌ مِن ذلك، أن هذه الثروة ابرزت دوراً انقسامياً على صعيد الوعي القومي العربي والإسلامي، وقضية الوحدة العربية..!.

أما العوامل الدولية، فقد اتت نتيجة خطط مدروسة ومبرمجه لكيفية الاستفادة من النفط، كونها السبٌاقة في معرفة أهميته الصناعية وتطويره. حيث سعى الغرب إلى السيطرة على منطقة الشرق الأوسط لعدة أهداف أهمها:

 · الموقع المتميز لمنطقة الشرق الأوسط.

· الحصول على نفط رخيص.

·تخوف الغرب، في وقت مبكر، من نفاذ الإنتاج النفطي الغربي وتطور الدول العربية والإسلامية.

· اعتماد الصناعة الجديدة على النفط، ودوره في نمو وازدهار الاقتصاد الغربي بصفة خاصة، والعالمي بصفة عامة.

· المنافسة الدولية والصراع بين المؤسسات.

الجدير بالذكر أن الأعمال النفطية في الشرق الأوسط بدأت في مصر خلال عقد الستينيات من القرن التاسع عشر. تلاها العراق عام 1881م. وتوالت إعلانات اخرى في العالم العربي على النحو التالي:-

تونس                      عام 1894م.

إيران                      عام 1901م.

اليمن                      عام 1908م.

عمان                      عام 1920م.

البحرين                  عام 1928م.

المغرب                   عام 1929م.

سوريا                     عام 1930م.

قطر                        عام 1931م.

السعودية                        عام 1933م.

الكويت                    عام 1934م.

لبنان، الأردن                  عام 1938م.

الإمارات العربية المتحدة عام 1939م.

الجزائر                   عام 1952م.

ليبيا                              عام 1955م.

السودان                  عام 1959م.

وبهذا الاستعراض السريع نلاحظ أن معظم الأعمال النفطية في الشرق الأوسط بدأت خلال النصف الأول من القرن العشرين. إلا أن الحصول على أول عمل للتنقيب عن النفط تم في إيران عام 1901م، عندما تمكنت بريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى من تحقيق أول امتياز للنفط في برسيا، إيران، بواسطة المهندس البريطاني وليام دارسي (D'Arcy) الذي نجح في الحصول على اتفاقية امتياز لمدة ستين عاماً، تتضمن جميع اعمال البحث والتنقيب، وبيع منتجات ومشتقات النفط بأنواعه، في عموم الأراضي الواقعة تحت الحماية البريطانية، عدا الأقاليم الشمالية الخمسة الواقعة تحت السيطرة الروسية.

ويغطي الامتياز الذي حصل علية "دارسي" حوالي 50000 ميل مربع. وفي عام 1908م، تم اكتشاف اكبر حقل نفط في العالم في إيران، تم على إثره تأسيس شركة النفط الفارسية البريطانية التي اشرفت عليها بشكل غير مباشر الحكومة البريطانية، وقامت على الفور بإرسال قوة عسكرية من الهند "المحمية البريطانية آنذاك" لحماية اعمال الحفر من أي اطماع خارجية أو داخلية. مع ملاحظة، أن الأطماع البريطانية كانت كبيرة جداً، فبالرغم من توقيع الاتفاقية لمساحة 50000 ميل مربع، إلا أن اعمال الاستكشاف والتنقيب والحفر لم تتجاوز ميل مربع.

 ثم أتى الامتياز الثاني للتنقيب عن النفط بمنطقة الشرق الأوسط والأول في العالم العربي في العراق، خلال نفس الفترة التي كان البريطانيون مسيطرين على النفط الإيراني. حيث سعت بريطانيا هذه المرة لتلافي أي اخطاء حدثت في إيران بإحكام سيطرتها العسكرية. والمعروف أن الأعمال النفطية في العراق بدأت عام 1881م، عندما كانت تحت السيطرة العثمانية التي استمرت حتى عام 1925م. حيث سعى السلطان عبد الحميد الثاني إلى احتواء العراق وضمه ضمن سيطرته الخاصة بناءً على التقرير الذي كتبه السيد/ كولبنكيان (Gulbenkian) "الأمريكي الجنسية" في عام 1904، مؤكداً تواجد النفط بكميات كبيرة. وأُعطي الامتياز في بادئ الأمر لألمانيا للتنقيب إلا أنه لم يُكتب لها النجاح.

وعندما قامت الثورة في تركيا عام 1908م، اعلنت بريطانيا ضرورة اعادة صياغة المباحثات وتوقيع الاتفاقيات وتجديدها. وقد سعى "دارسي" بدعم من الحكومة البريطانية باحتواء الامتياز الألماني. حيث عمل على نقل وتمويل الامتياز الألماني، كما أن بريطانيا ساهمت في وضع الخطط للعمل مع البنك التركي الوطني لتسهيل الفوائد والعائدات الاقتصادية لبريطانيا من الإمبراطورية العثمانية. وقد حاولت تركيا بمساعدة المانيا إبعاد "دارسي" وشركة النفط الفارسية البريطانية من العراق. واستمرت المفاوضات لدمج المصالح الألمانية البريطانية الهولندية وتوزيع الحصص والفوائد. إلا أن الحرب العلمية الأولى أدت إلى افساد هذه المفاوضات مع الحكومة التركية، التي ادركت بأن الشركة النفطية التركية ليس لها معنى أو وجود، مالم تُحكِم تركيا السيطرة على جميع أماكن تموجد النفط في العراق.

كما اعتبرت بريطانيا أماكن تموجد النفط لا تقل أهمية، إن لم تكن متساوية مع القوة الاستراتيجية للجيش والسياسة البريطانية.. بالتالي، استطاعت بريطانيا تأمين موقع دائم بحكم مصر مباشرة، والسودان والخليج العربي، وعدن، وربطها جميعاً بالهند وبقية المحميات البريطانية في العالم. بينما وجه الفرنسيون اهتمامهم بالسيطرة على لبنان وسوريا. وتقاسمت كل من بريطانيا وروسيا إيران. ولحاجة المانيا للنفط سعت إلى تأمين موقعها بحصولها على امتياز بناء خط سكة حديد يربط أوروبا ببغداد، كما ذكرنا سابقاً. مع ملاحظة أن معظم الدول العربية كانت تحت السيطرة العثمانية في هذه الفترة "ستورك.

على سبيل المثال، تبلور في إيران في منتصف عقد الخمسينيات، وضع شعبي معاد لشركة النفط البريطانية العاملة في الأراضي الإيرانية، حيث قامت حكومة محمد مصدق بتأميم النفط الإيراني. ويعتبر مصدق أول زعيم في الخليج والمنطقة العربية يقف أمام الاحتكارات النفطية الغربية. وقد أدى ذلك إلى حدوث اضطرابات شديدة بين حكومة مصدق وبريطانيا، تحولت إلى صراع اقتصادي كبير، خاصة بعد ما تبين لمصدق عدم قدرته على بيع النفط الإيراني وتسويقه، لسيطرة الشركات النفطية الأمريكية على السوق العالمية. ولم تتردد بريطانيا في استخدام البوارج الحربية لتهديد إيران خوفاً من اتجاه مصدق إلى الاتحاد السوفيتي، أو انتشار عدوى التأميم لبقية الدول العربية المنهوبة!.

ورغم سقوط حكومة العمال في بريطانيا، واعقبتها حكومة المحافظين، إلا أن مصالح بريطانيا لم تتغير، لإدراكها قيمة النفط الفعلية. وكثفت الشركات النفطية البريطانية من إنتاجها في حقول العراق والكويت والسعودية. و استغلت أمريكا الموقف ظاهرياً، للمساعدة في حل الخلاف، بالاتفاق مع بريطانيا، انتهى بإسقاط حكومة مصدق، وإعادة الشاة إلى الحكم. ونجحت أمريكا بوضع اقدامها في إيران، من خلال دخول ست شركات أمريكية، وشركة بريطانية واخرى فرنسية. وتمكنت أمريكا من كسر الاحتكار البريطاني لإنتاج النفط في إيران. الجدير بالذكر، أن الحكومة الإيرانية لم تعلم بهذا الاتفاق، طوال العشرين عاما اللاحقة. وفعلا احتوى الغرب برامج تطوير الصناعة النفطية الإيرانية!.

وقد خلقت ثورة مصدق وقراره بتأميم النفط وعياً شعبياً وقومياً ضد المصالح النفطية الغربية بالمنطقة. وتميز العقد الخامس والسادس من القرن العشرين، بمظاهر الثورة القومية، والقضاء على الاستعمار. وانفجرت العديد من الثورات، التي قادها غاندي ونهرو في الهند، ومحمد علي جناح في باكستان، وعبد الناصر في مصر، وسوكارونو في اندونيسيا، ونكروما في غانا، وبن بيلا وبومدين في الجزائر"!.

 كما حاولت الدول العربية، وبعض الدول المنتجة الاخرى، الاستفادة من النفط كقوة سياسية عام 1960م. عندما قامت بإنشاء منظمة أوبك لتضم في عضويتها السعودية، الكويت، العراق وإيران، وكذلك فنزويلا. وتعتبر هذه الدول المؤسس الأول للمنظمة. ثم التحقت بالمنظمة الدول التالية: أبو ظبي عام 1967، الشارقة ودبي عام 1974م، الجزائر عام 1969م، نيجيريا عام 1967، الإكوادور والجابون عام 1973م. وكان الإنتاج العالمي للنفط الخام لدول أوبك عام 1960م يساوى 37.6%. والاحتياطي العالمي المعروف يساوي 67.8%. وفي عام 1973 زاد إنتاج دول أوبك إلى 48.7%، كما زاد الاحتياطي العالمي، بمعدل الربع، إلى 73.8%، نتيجة حرب رمضان- أكتوبر، بين العرب وإسرائيل!.

اعتبرت الشركات العالمية تشكيل منظمة أوبك محاولة لتعطيل سياستها، فوقفت بحزم امام هذه المنظمة، واظهرتها امام الرأي العالمي، خاصة الغربي، بإنهاء العدو القادم من الشعوب المتخلفة لمحاربة المدنية الغربية، وذلك العدو هو العرب. بالرغم أن أوبك ساعدت هذه الشركات لجني ارباح كبيرة بقرارها رفع الأسعار، كما تم في عام 1974م و 1978م!.

وتغيرت السياسة الدولية النفطية، واتخذت مسارات عديدة، وظهر جلياً دور هذه السلعة في رسم العلاقات الدولية بين الشعوب المنتجة والشعوب المستهلكة. واستخدم النفط، لدرجة تهديد الدول المستهلكة، بحرمان الدول المنتجة من خيراتها، عن طريق السيطرة بالقوة على منابع النفط، كما هو الحال في العالم العربي. ونتج عن ذلك تعديل السياسات الوطنية، لما فيه مصلحة الشركات النفطية العالمية، ونمت الخلافات العربية ـ العربية، واستخدم الغرب مسالة المشاكل الحدودية وغيرها للوصول لغاياته وتحقيق أطماعه!.

وفي عام 1979م، تضاعفت الأسعار بمعدل النصف، بسبب نشوب حرب الخليج بين العراق وإيران. وقد حاولت الدول المنتجة، الأعضاء في أوبك، السيطرة والتحكم في اسعار النفط، إلا أن الغرب استطاع احتواء تأثيراتها بشكل سريع ومنظم، كما تمكن من إيجاد شرخ في عمل المنظمة، وساهم في وجود منظمات وكيانات اخرى منافسة!.

 لذلك، ضاعفت الدول الصناعية الغربية قدرتها على التحكم بأزمة النفط، سواء من حيث زيادة قدرتها التخزينية أو زيادة اعتمادها على مصادر بديلة، أو تبنيها لسياسات منظمة فيما بينهما، لإحكام سيطرتها على أماكن تموجد النفط، والسوق النفطية العالمية، من خلال استحداث الشركات المتعددة الجنسية. وكذلك، فرض هيمنتها على النظام النقدي العالمي، وإحكام قبضتها على الودائع المالية العربية، وتحويلها إلى مجرد أرقام وهمية في قيود المصارف الغربية الكبرى، وتقليص قيمتها الفعلية، من خلال التلاعب بالبورصة الدولية "أسعار الدولار والذهب". الأمر الذي أدى إلى أن بعض الدول العربية النفطية انقلبت من دول دائنة إلى دول مدينة في السوق العالمية، لدرجة أن مديونية مجمل الدول العربية باتت تفوق بسته أو ثمانية اضعاف مجمل الدخل السنوي للدول العربية مجتمعة من النفط!.

ورغم قرارات التأميم اللاحقة في النصف الثاني من عقد السبعينيات، إلا أن الشركات العالمية الكبرى لا زالت تسيطر إن لم نقل تمتلك النفط، كونها هي من يقوم بعملية التسويق والتكرير والتوزيع، وحتى تحديد الإنتاج. وبسبب النفط تغيرت العلاقات القانونية الدولية، واخترق قانون البحار الدولي عدة مرات، وغيٌر في بعض الأوقات، كي يتكيف مع المصالح النفطية الغربية. كما أدى النفط إلى إحداث صراعات حدودية وثورات وانقلابات داخلية وخلق تحالفات جديدة. وبسببه انهارت تحالفات سابقة، ولا زال مسلسل النفط وتأثيراته المختلفة مستمر!.

 ونتيجة تزايد المصالح الأمريكية، احاطت أمريكا النفط العربي بسياج قوي من القوات المسلحة الأمريكية. فقد اعلن الرئيس الأمريكي روزفلت في فبراير 1943م، إن الدفاع عن المملكة العربية السعودية يعتبر مسألة حيوية للولايات المتحدة الأمريكية، حتى يكسب التموقع الأمريكي الشرعية، وتكررت هذه المواقف عده مرات، وخلال حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة، واخيراً مع انتفاضة ثورات الربيع العربي!.

وبمقارنة الواقع العربي مع الواقع الغربي نلاحظ بان الدول العربية كانت ولا زالت حبيسة الجهل والجمود والتخلف. فحتى الأن نجد الأمية متفشية، والاستهلاك أكثر رواجا من الإنتاج. إلى جانب أن الحكومات العربية لم تتمكن حتى الأن من وضع استراتيجية معينة للاستفادة من عائدات النفط. والسبب في ذلك، يرجع إلى اسلوب السياسة التي تتبعها الحكومات العربية!.

 فالخلافات والحروب والأطماع والعمالة للغرب، ومن ثم ضعف القيادات السياسية، ، والابتعاد عن تعاليم الإسلام الحقيقية، كلها عوامل أدت إلى ما يعانيه الإنسان العربي اليوم من أزمات ومشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، حتى على مستوى كل دولة على حِده. فخلال الأربعون عاما الماضية بالتحديد، شهدت المنطقة العربية الكثير من الانقلابات العسكرية، كما شهدت منطقة الشرق الأوسط اكثر من تسعة عشر حربا ضارية، ولا زالت المشاكل الحدودية بين دول المنطقة مشتعلة من يوم لأخر!. بالمقابل وبالنفط العربي، نلاحظ أن الغرب قد تمكن من تقسيم العالم العربي إلى دول وكيانات صغيرة وضعيفة يسهل السيطرة عليها، كما نجح في إثارة النعرات والنزاعات العرقية والقبلية والسلالية، والتباينات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية بين الحكومات العربية. أيضاً، نجد أن الغرب نجح في بناء هيكل الدولة، وطوٌر الصناعة، وعمل على تشجيع أبنائه للعلم والمعرفة، والبحث، كما عمل على توفير الضمان الاجتماعي والصحي والثقافي والعسكري، ووفر الأجور والمرتبات العادلة!.

من ناحية اخرى، نلاحظ أن الدول الصناعية ادركت في وقت مبكر أن النفط لا يعتبر مورداً يمكن تحديد المتاح منه من خلال قوى السوق فقط، بل اصبح سلعة سياسية. كما إن سعره لا يتجدد، ويعتمد على مجموعة لا تحصى من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. حيث كانت ولا تزال أسعار النفط، الوحيدة بين السلع العالمية، التي لم ترتفع خلال نصف قرن أو اكثر، بل على العكس، شهدت تناقص مستمر حتى نهاية عقد التسعينيات وهكذا، عمد الغرب على استخدام النفط للتأثير على السياسات القومية الداخلية!.

وقد أدى ارتفاع سعر النفط مؤخراً إلى رفع معدل التضخم عالميا، وتخفيض القيمة الشرائية للعملات، الأمر الذي شجع، إن لم نقل ألزم، الدول الصناعية للجلوس في مائدة واحدة للتفاوض، لمراجعة سياساتها النفطية، ووضع الترتيبات اللازمة للمشاركة في النفط، ووضع أهداف مستقبلية طويلة الأجل، واستمرار المشاورات الدورية فيما بينها، لدراسة كل العناصر الهامة والمترابطة، المتمثلة في السياسة النقدية والمالية الدولية، وسياسة الاقتصاد الكلي، والسياسة الخارجية. ومعرفة الإضافة والسحب من المخزون الاستراتيجي، والتخطيط السليم لمواجهة الحالات الطارئة العسكرية. بل تعدى ذلك إلى تطوير استخراج النفط الصخري والنفط الحيوي، والاعتماد على مصادر بديلة مثل الطاقة النووية، الطاقة الحرارية، الطاقة الهيدرومائية، طاقة الرياح والطاقة الشمسية!.

 مع ملاحظة أن الدول المنتجة ليس لديها أي نفوذ على المستهلكين. وذلك يعني عدم وجود مرونة في السوق العالمية، خاصة والعرض المتوقع يجاوز الطلب الفعلي بالأسعار. لذلك، نجد أن الدول والتحالفات السياسية الغربية قد سعت دوماً للاهتمام بما يسمى "الاحتياطي الاستراتيجي للنفط". وهذا يعني ضرورة وجود مخزون ضخم لأي دولة يهمها تحقيق سبق علمي في شتى المجالات، للمحافظة على كيانها، وتنمية وتوفير الوسائل الممكنة واللازمة لحماية مصالحها في الحالات الطارئة. وكلما زاد الاحتياطي الاستراتيجي للنفط زادت مجالات اختيار القرارات السياسية، وتأخير القرارات العسكرية، عند معالجة الأزمات. وقد أدى ذلك إلى الابتزاز النفطي، من قبل الدول المستهلكة للدول المنتجة، وليس أدل على ذلك، من التحرك السريع والمنظم للغرب، الذي حدث ونفذ في حرب أكتوبر 1973 وحرب الخليج الأولى والثانية والثالثة، والمصاحب لانتفاضات ثورات الربيع العربي!.

 كما كانت أمريكا السبٌاقة في مراجعة الجغرافيا السياسية للنفط، بالتعاون مع حليفها الدائم بريطانيا، منعاً لأي مزايدات بين أمريكا وحلفائها، وخشيتها من أن يؤدي أي انقطاع للإمدادات النفطية إلى أثار اقتصادية ضارة ومدمرة على المجتمع الغربي، فتتدنى مستوى الرفاهية التي حُظيت بها المجتمعات الغربية دون سواها. واعتبرت الوسيلة الوحيدة لمواجهة ذلك هي تجميع البيانات والمعلومات بسرعة، ووضع التدابير التي يجب على الحكومات اتخاذها لتقييد الطلبات للنفط، الأمر الذي أدى إلى ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات التي نعيشها اليوم!.

وكما جاء في تقرير الكونجرس الأمريكي"1991" اعتمدت السياسة الأمريكية على العوامل التالية:

· تقسيم المناطق الرئيسية في العالم، شملت عدة مناطق أو عدة مجموعات من الدول.

· وضع سياسات بديلة، لضمان الحصول على امدادات كافية من النفط وبأسعار مناسبة.

· مراجعة السياسات الخارجية والاقتصادية والدفاعية، بالإضافة إلى استعدادات الطوارئ فيما يتعلق بالطاقة.

· إرسال بعثات متخصصة لتقصي الحقائق في الشرق الأوسط، للاجتماع مع المسئولين والمواطنين المحلين، والدبلوماسيين الأمريكيين، ورجال الأعمال بالخارج.

· جمع المعلومات الخاصة، لعدد من العاملين في وكالة المخابرات المركزية، ووزارتي الطاقة والخارجية الأمريكية، وكذلك المعلومات من الأفراد والمواطنين الأمريكيين.

· تفعيل دور المجالس الاستشارية للحكومة الأمريكية، والاستعانة بأي معلومات وثيقة من الحلفاء.

 وقد نتج عن التحالف الأمريكي الأوروبي وضع واعتماد استراتيجية ملزمة للدول الصناعية شكلت البنود التالية:

· جعل دول منطقة الشرق الأوسط تعتقد أن للغرب قدرة على السيطرة لمواجهة أي تهديد خطير، من خلال إثارة مشاكل الحدود بين الدول المنتجة وجيرانها.

· الاعتماد على القوات الوطنية لتحقيق الاستقرار المحلي، لضمان الحصول على نفط رخيص، كما يحدث في دول الشرق الأوسط، خاصة الدول العربية.

· زيادة المساعدة العسكرية للحكومات الموالية للغرب، والاهتمام بالتدريب، والمناورات العسكرية، لتدعيم قدرتها على مواجهة أي اضطرابات داخلية في الدول المنتجة، كما يحدث في الخليج العربي.

· تخزين المعدات وقطع الغيار اللازمة للصناعة النفطية، لمواجهة أي ظروف طارئة في حالة تضرر أي منشأ نفطي، كما حدث في حرب الخليج الثانية والثالثة.

· تجهيز أماكن إيواء لقوات الانتشار بمنطقة الشرق الأوسط، كما هو الحال في السعودية وقطر.

· مواجهة النزاعات الإقليمية.

· الدعوة للسلام بالمفهوم الغربي.

· تنمية واستكشاف النفط خارج منطقة الشرق الأوسط، كما يتم حالياً في دول الاتحاد السوفيتي سابقا.

· وضع التنظيمات، واللوائح، والقواعد، والقرارات، والقوانين للنفط والغاز، والمعادن الطبيعية، لضمان سهولة الحصول عليها.

· تقديم المعونات المالية، وتفعيل التعاون الفني، من ارباح النفط.

· الحوار بين الشمال والجنوب، لمعالجة مشاكل الطاقة، كون ارتفاع اسعار النفط يؤثر على التنمية الاقتصادية في الدول الأقل تقدماً.

· منع تدفق الثروة من المستهلكين إلى المنتجين، كما يحدث مع الدول العربية.

· الاعتماد المتبادل للاقتصاد العالمي.

ومع ذلك لا يزال الغرب يبني مخزوناً من النفط، يوفر له وقاية من التغيرات، التي قد تؤدي إلى انقطاعات، ويحرص على أن يبعد أي قوى اخرى عن هذه المنطقة، لأنها تحوي هذا الكنز النفطي. وقد اصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أول منتج للنفط على المستوى العالمي كما أُعلِن في نوفمبر 2014م. والأخطر من ذلك، أن الغرب يمارس ضغوطاً عديدة، لضمان سيطرته على الشعوب العربية والإسلامية، من خلال وضع برامج دولية، وتحرير ما يطلق علية الاتفاقات الدولية، وسعيه لإخضاع كافة الدول، للالتزام بما جاء في هذه الاتفاقيات. بل تعدى الأمر، قيام الغرب بوضع شروط خاصة ملزمة للدول والحكومات العربية والإسلامية، بضرورة تعديل قوانينها وتشريعاتها، لقبول التعامل معها، مالم فسيتم محاربتها اقتصاديا وسياسيا، وفرض عقوبات عليها. مما أدى إلى خضوع الدول العربية والإسلامية للابتزاز. وبالتالي، لن يكون هناك استعمار فحسب، بل استعباد!.

من خلال استعراض مثل هذه الخطط والبرامج يتبين لنا بان الغرب قد تمكن من إحكام سيطرته على الحكومات العربية والإسلامية. وليس أدل على ذلك، من الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية البائسة التي يعيشها العالم العربي والإسلامي. وغني عن القول أن مصلحة الغرب تبدو واضحة في أذهانهم، وهي أن تبقى منطقة الشرق الأوسط في نطاق السيطرة الغربية، بينما المجتمعات العربية غارقة في محيط التخلف بمساعدة حكامها الذين يجهلون تماماً ما يجري!.

وبالرغم من معرفة العالم العربي والإسلامي باستغلال ثرواته، واستخدامه كشعوب مستهلكة، إلا انه حتى الأن غير قادر على العمل والإبداع، ولا يزال محطم الإرادة. لذا، لا بد من التنبيه بان على العالم العربي والإسلامي، خاصة المثقفين من أبنائه، رسالة بل أمانة على عواتقهم لإبراز ومناقشة كيفية الانطلاق بمجتمعاتنا، لمواجهة التحديات التي يعيشها الإنسان العربي، وكيفية الاستفادة من الثروات الطبيعية، وبالتالي، المساهمة في وضع إستراتيجية جديدة لإعادة بناء المجتمع العربي. والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة للعمل والإبداع والإنتاج. والمطالبة بتوفير ابسط الحقوق التي تتمتع بها المجتمعات الغربية. وتنبيه الغرب بان استمرار تدهور اوضاع المجتمعات العربية والإسلامية، سينعكس لا محالة على مجتمعاتهم، والواجب أن نعيش جميعا في سلام ووئام، كوننا نعيش في كوكب واحد!.

وانطلاقاً من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل واتفاق السلم والشراكة الوطنية، بغض النظر عن رائينا في مدخلات ومخرجات هاتين الوثيقتين الهامتين، لأنهما اصبحا واقعاً ينبغي التعامل معه، سنتحدث الأسبوع المقبل باستفاضة عن الصناعة النفطية والمعدنية في اليمن ومقارنتها بما يحدث في الوطن العربي والعالم!.

* خبير اقتصادي ونفطي- وما سبق من دراسة خص بها "أخبار اليوم" الاقتصادي.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد