العنف يقوِّض بناء الدولة المدنية

2015-01-14 12:39:01 أخبار اليوم/تقرير

لم تعد اليوم طموحات شباب الثورة السلمية, كما هي بالنسبة لـ24 مليون مواطن يمني متمثلةً في بناء دولتهم المدنية التي لطالما حلموا بإقامتها وهم يصدحون بحناجرهم في ساحات وميادين الحرية والتغيير على امتداد خارطة الوطن اليمني, لم تعد ممكنة, في ظل الصراعات الدائرة والعنف المسيطر على الحياة اليومية, كزادٍ يومي صار المواطن يتجشَّمه, فيما السلطة عاجزة عن إيقاف نزيفه, أو الحدِّ منه.. هكذا يؤكِّد مراقبون للمشهد اليمني الذي تطغى عليه ألوان الدماء وروائح البارود على امتداد خارطة وطن أنهكته الصراعات ويمزِّقه العنف..


كان لسلسلة التفجيرات المفخَّخة المتسارعة في العاصمة اليمنية صنعاء والعديد من المدن اليمنية الكبيرة خلال الفترة الوجيزة الماضية، أن خلفت مخاوف كبيرة لدى الوسط السياسي اليمني، مع توسع نطاقها وتعدد احتمالات مرتكبيها.

مشهد قانٍ

وشهدت الساحة اليمنية نهاية العام الماضي وخلال الأسبوعين الأولين من العام الجديد العديد من الأحداث الدامية والعمليات الإرهابية أبرزها 4 عمليات مفخَّخة في كلٍ من مدينة إب وذمار والعاصمة صنعاء عمليتين، وذهب ضحية هذه العمليات نحو 80 قتيلاً وأكثر من 100 جريح، إصابات بعضهم خطيرة. كان من شأنها أن ولَّدت مخاوف لدى كثيرين من تشظِّي الحياة على وقع هكذا عمليات وبالتالي استحالة السير نحو بناء الدولة المدنية.

تقول التقارير إن هذه العمليات المفخخة وإن كانت بعضها تحمل بصمات القاعدة، إلا أن واحدة منها فقط وهي عملية التفجير لتجمُّع للحوثيين في مدينة ذمار الوحيدة التي تبناها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، عبر ذراعه الشعبي «أنصار الشريعة» بينما لم يتبنَّ العملية التي استهدفت تجمعاً كبيراً للمحتفلين بذكرى المولد النبوي الذي نظمه الحوثيون في مدينة إب وعملية أخرى استهدفت عسكريين جُدداً أمام كلية الشرطة بصنعاء، واللتين سقط جراءهما نحو 75 شخصاً، ليس منهم أي شخص من الحوثيين. عدم وجود ضحايا حوثيين في العمليتين الكبيرتين في مدينتي إب وصنعاء، وإعلان أحد قادة القاعدة (وهو صالح الذهب) براءة تنظيم القاعدة من العمليتين، فتحت الباب على مصراعيه أمام التكهنات المتوقعة والسيناريوهات المحتملة للوضع المقبل في اليمن.

مؤشر الصراع

وبحسب التقارير أعطت هذه العمليات العنيفة التي سبقتها العديد من العمليات المماثلة أو القريبة منها خلال الشهور الماضية، مؤشراً قوياً بأن الصراع لم يقتصر على المواجهات الدموية بين المسلحين الحوثيين ومقاتلي تنظيم القاعدة، وأنه فتح شهية أطراف أخرى للدخول في الحلبة.

وأظهرت المعطيات الواقعية أن هذه العمليات المتواصلة المقلقة للوضع اليمني لا تهدف إلى الانتقام فحسب بقدر ما تهدف إلى زعزعة الوضع السياسي وخلق حالة من الانهيار شبه الكامل للدولة وإدخال اليمن في دوَّامة من الصراع السياسي والطائفي والمناطقي غير المسبوق، بحيث لا يستطيع أي طرف التحكم في مساراته أو توجيه محدداته.

ونقلت " القدس العربي" عن مصدر قيادي عسكري قالت إنه فضَّل عدم الكشف عن هويته قوله : إن الوضع الأمني في اليمن خرج عن السيطرة من قِبل الأجهزة الحكومية نظراً لضعف الدولة في الفترة القصيرة الماضية إثر التدهور الأمني وبالذات عند سقوط مؤسسات الدولة في أيدي المسلحين الحوثيين في أيلول/سبتمبر الماضي.

خلط أوراق

وبحسب الصحيفة أوضح المسؤول أن «سلسلة التفجيرات الأخيرة التي وقعت في إب وذمار وصنعاء تعطي مؤشرات قوية أن تنظيم القاعدة لم يعد اللاعب الرئيسي في قضايا التفجيرات التي تضرب الأمن اليمني وأن أطرافاً أخرى ربما دخلت على الخط، مستخدمين غطاء القاعدة للقيام بعمليات مفخخة وتفجيرات تستهدف التجمُّعات البشرية المتنوعة الولاءات والمتعددة الاتجاهات».

وأشار إلى أن «هذا التنوُّع في الضربات والتفجيرات والأهداف وعدم تبني تنظيم القاعدة لعمليتي إب وصنعاء الأكثر دموية، خلطت الأوراق وأثبتت أن هناك عوامل وأهدافاً وأطرافاً جديدة تحاول تأجيج الصراع السياسي وربما الطائفي الذي بدأ يُطل برأسه على الوضع اليمني وربما يتيح المجال أمام عهد جديد من الانهيار الكلي سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وربما يكرر الحالة العراقية في اليمن بعد سقوط نظام صدام حسين».

في مهب الريح

سلطات الرئيس عبدربه منصور هادي أصبحت- وفق توصيف الصحيفة- في (مهب الريح) كما تُوصَف شعبياً، حيث لم يعد يمسك بزمام الأمور في ظل النفوذ الحوثي الكبير الذي تغلغل في كل مفاصل الدولة وفي مقدمتها المراكز السيادية للدولة، وبالذات بعد سقوط العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر الماضي.

سلطات شكلية

وأكدت العديد من المصادر الحكومية أن «وضع الدولة أصبح شكلياً، وأن القيادات العليا في الحكومة والمؤسسات السيادية أصبحت مجرد أدوات بيد حركة (جماعة الحوثيين) وأن القرار السياسي في كل هذه المؤسسات أصبح مرهوناً برضى الحوثيين وبإعطائهم الضوء الأخضر لتمريره» ــ وفقاً للقدس العربي.

ويرى سياسيون أن المستقبل اليمني لن يكون في مأمن وسيظل غامضاً لفترة قد تطول إذا تراجعت الدولة عن القيام بدورها السيادي وعدم تحمل مسؤوليتها في إدارة شؤون البلاد وبالذات إذا تعثَّر الرئيس هادي في استعادة سلطاته الرئاسية والدستورية وعجز عن إصدار الدستور الجديد والاستفتاء عليه وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفقاً للدستور الجديد وبعيداً عن الهيمنة الحوثية على الأرض.

وذكروا أن المخاوف السائدة في الوقت الراهن ليس فقط من المسلحين الحوثيين الذين سيطروا على جزء واسع من رقعة الأرض اليمنية، وأسقطوا نحو 10 محافظات شمالية وغربية في أيديهم، ولكن المخاوف قد تتصاعد من ظهور قوى جديدة مناوئة للحوثيين، قد تعبث بالوضع الأمني بمبرر مواجهة المسلحين الحوثيين، وربما تكون هذه القوى الجديدة بمثابة (لاعبين جُدد) يقلبون الطاولة على الجميع، سعياً لاستعادة سلطة الدولة ووضع حدٍ للواقع المر الذي يعيشه اليمن حالياً بين (الدولة واللا دولة) وفقاً للتوصيف السياسي السائد.

وأمام هكذا وضع بدا أن إقامة الدولة المدنية في البلد المتشظي شبه مستحيل إن لم يكن محالاً البتة, مادامت الحياة العامة مصبوغة باللون الأحمر, وكل يوم يُفيق اليمنيون على مشاهد الدماء وينامون على دوي الانفجارات وروائح البارود؛ فيما الساسة, كما هو موقف سلطة هادي هزيلٌ للغاية ومحكوم بمصالح ضيقة تسرق 24 مليون أحلامهم بإقامة

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد