تعز.. جرح في حوض المدينة

2017-01-17 05:54:44 تقرير خاص/ وليد عبد الواسع

كانت الساعة تشير إلى العاشرة من مساء الأحد الموافق 15 يناير 2017م بتوقيت المدينة المحاصرة، حين اخترقت قذيفة هاوزر، أطلقتها مليشيا الحوثي، منزل المواطن محمد عمر النجار بحي حوض الإشراف، وأدت إلى مقتل امرأة وإصابة ثلاث أخريات، بينهن طفلة في الثانية من عمرها، بينما كن يجلسن في المنزل الذي أحدثت فيه أضرار كبيرة، قبل أن يندمل جرح عزاء الأسرة بوفاة ابنها الطبيب..
ويعيش سكان محافظة تعز-وسط اليمن- وضعًا إنسانيًا متدهورًا، نتيجة الحرب المستمرة فيها منذ نحو 19شهرًا. وتعد تعز إحدى أكبر المحافظات اليمنية كثافة سكانية، ما حوّل حياة الكثير من سكانها إلى جحيم ومعاناة بسبب المعارك.
أصيبت الطفلة "تالا عبد الجبار عبد العزيز حمود الشرعبي"- سنتان- وأمها "سونا محمد عمر النجار- 28 عام" و"ياسمين محمد عمر النجار- 30عام"، فيما ودعت ربة المنزل "لول عبد الرحيم حميد الشرجبي- 60عام" لتلقى بارئها..
كانت الأسرة مجتمعة في البيت يعيشون أوجاع عزاء ابنهم الدكتور/ فواد محمد النجار الذي توفاه الله في السعودية وهم جالسين حين هوت قذيفة مسعورة على منزل محمد النجار..
لم يكن الجرح قد اندمل لتهدي مليشيا الإجرام الأسرة جراح أخرى أشد وجعاً وإيلاماً..
قتل الطفولة
لم تكن الطفلة "تالا"، ابنة العامين تقود كتيبة أو سرية أطفال لمواجهة المليشيا في حوض الإشراف..
كانت تحضن وسادة وتحلم بوجه أبيها الغائب وهي تناجي الرب عودته ليحتضنها ويذهب بها إلى أقرب حديقة، حين اخترقت قذيفة مليشاوية منزل عمه وأثخنت الجرح..
والدها الذي ظل يكدح في بلاد الغربة من أجل أن تنمو طفلته في عزه بلا هوان كما هم كثيرون من أطفال اليمن.. شقى وتغرب في المملكة السعودية كي تنعم طفلته بحياة كريمة..
لم يكن والدها عبد الجبار، يحمل حتى مسدساً يواجه به مليشيا الإجرام الحوثية حتى توجه قذيفتها إلى مسكن عمه في حوض الإشراف وتصطاد عمته وتصيب زوجته وتالا طفلته البرئية..
سبق لـ"تالا" أيضاً أن هربت وأمها من حي وادي جديد، حيث كانت عائلة الشرعبي تسكن، على وقع اشتداد المعارك هناك، لكن مليشيا القبح ظلت تلاحق روحيهما..
جريمة وغصة
كان والد "تالا"، عبد الجبار عبد العزيز حمود الشرعبي.. الشاب الثلاثيني يبكي بحرقة بينما يتحدث للمحرر عبر شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك"..
وبصوته المبحوح لم يجد سوى كلمة " الحمد لله".. بدت الغصة تعلو صوته وارتعاشات يده على لوحة المفاتيح تتسيد اللحظة الموجعة..
" يا وليد كان الأهل مجتمعين في البيت لسه معزين في ابنهم الدكتور الذي توفاه الله هنا في السعودية وهم جالسين في البيت وإذا بالقذيفة تباغتهم وهم جالسين": قال عبد الجبار.. لتكون آخر كلماته:" حسبنا الله ونعم الوكيل الله المنتقم منهم".. ويكتفي.. 
على صفحته بالفيس بوك كتب عبد الجبار عبارته التي لخص فيها كامل وجعه:" هذي فلذة كبدي وقرت عيني من مدت إليها قذائف الغدر والكفر والإلحاد.. أدعو لها ربي بالشفاء"..
وفي منشور آخر كتب:" الحمد لله على ما أعطي وما أخذ وماصبرنا إلا بالله، سقطت قذيفة علي البيت الذي ساكن فيه أهلي وراحت ضحية عمتي أم زوجتي رحمها الله بواسع رحمته وأصيبت زوجتي وابنتي، الدعاء لهم بالشفاه"..
تحذيرات مخيفة
وتتزايد حدة التحذيرات من مجاعة حقيقية، قد تؤدي إلى كارثة إنسانية وشيكة في محافظة تعز، وقد يصل بها الحال إلى ما وصلت إليه محافظة الحديدة، كون المساعدات الإنسانية التي تصلها من المنظمات الدولية المانحة غير كافية ولا تفي بالغرض.
ائتلاف الإغاثة الإنسانية بمحافظة تعز وسط اليمن، رصد في تقريره السنوي عن الأوضاع الإنسانية في المحافظة للعام 2016، إجمالي الخسائر البشرية والمادية جراء الأحداث في المحافظة، والوضع الصحي والتعليمي القائم، والاحتياجات الإنسانية الإغاثية للمحافظة.
وأعلن ائتلاف الإغاثة في تقريره مقتل 1231، وجرح 7261 آخرين بينهم نساء وأطفال خلال العام الماضي 2016، بينها إصابات خطرة، جراء عمليات القنص والقصف العشوائي المكثف على الأحياء السكنية.
تضرر وتدمير
وقال الائتلاف أن 4104 منزلاً ومنشأة ومحلا تجاريا ومدارس ومساجد ومباني حكومية وخدمات عامة وطرق رئيسية وجسور تضررت بفعل الحرب في أكثر من 15 مديرية شهدت مواجهات مسلحة وقصفاً عنيفاً بمختلف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، والتي تمكن الائتلاف من تسجيلها، فيما توجد هناك عشرات المنازل والمنشئات لم يتمكن الائتلاف من تسجيلها بسبب استمرار الحرب.
ويؤكد ائتلاف الإغاثة الإنسانية في تقريره بأن خدمات المياه والكهرباء والنظافة لا تزال منقطعة عن المدينة، إلى جانب انعدام معظم الخدمات الصحية والأدوية خلال العام 2016.
تهجير قسري
مشيرا في تقريره إلى أن 177574 أسرة تعرضت للنزوح والتهجير القسري من منازلها وأحيائها وقراها في مناطق (الوازعية، حيفان، الصلو، صالة، التعزية، الدبح، حذران، غراب، الجحملية، المقاطرة، الربيعي)، فيما لازال هناك 317419 أسرة متضررة في مديريات المحافظة.
وتلجأ الأسر النازحة التي تعرضت للتهجير القسري من مناطق المواجهات بتعز إما إلى المدارس أو إلى أسر مضيفة داخل محافظة تعز ومحافظات أخرى.
والكثير من هؤلاء لم تسنح لهم الفرصة أخذ ما يلزم من أمتعتهم وممتلكاتهم الشخصية وأثاث منازلهم خوفاً من الموت الذي يلاحقهم، كما تعرضت منازل المئات منهم للتدمير الجزئي والكلي.
التنفيذ لا يساوي الاحتياج
ومؤخراً حذر ائتلاف الإغاثة الإنسانية من مجاعة حقيقية، قد تؤدي إلى كارثة إنسانية وشيكة في محافظة تعز.
وقد يصل بها الحال إلى ما وصلت إليه محافظة الحديدة، كون المساعدات الإنسانية التي تصلها من المنظمات الدولية المانحة غير كافية ولا تفي بالغرض.
مقارنة بعدد السكان المتضررين والضحايا، كما لم يتم الاستجابة لنداءاتها و مناشداتها إلا بالشيء البسيط، بعد أن كان الحصار المفروض على المدينة يقف عائقا أمام دخول تلك المساعدات.
كما يجدد التذكير بأن الوضع الإنساني يزداد سوءً من منطقة إلى أخرى، وارتفعت حدته في 15 من مديرياتها، والتي لازالت تشهد مواجهات مسلحة حتى اليوم.
ويعيش فيها آلاف المتضررين والنازحين والمنكوبين، مجددا مناشدته للمنظمات الإنسانية والجهات المختصة لدعم المحافظة وسرعة إيصال المساعدات اللازمة إليها.
لافتاً إلى أن الحكومة اليمنية كانت قد أعلنت تعز -الأكثر سكانا في اليمن- مدينة منكوبة جراء الحرب والحصار.
كما أعلنت منظمات دولية في تقاريرها الصادرة خلال العام الماضي أن تعز هي أكثر المحافظات تضررا في اليمن جراء الحرب من حيث أعداد القتلى والجرحى والنازحين.
شلل الحياة
ومنذ بداية الحرب الدائرة التي شهدتها اليمن عامة وتعز خاصة، حصل توقف للمرافق العامة عن تقديم الخدمات الأساسية (ماء - كهرباء - نظافة)، وكذلك المنشئات الخاصة، والأعمال الاقتصادية والتجارية عن العمل، مع انعدام المشتقات النفطية.
وتدمير الآلاف من المنازل والمؤسسات المختلفة، وجرح وقتل الآلاف من الأبرياء، وحصلت تدخلات إنسانية خلال العام 2016م من بعض المنظمات.
إلا أن تلك التدخلات الإغاثية الإنسانية لم تكن سوى سطحية ومتقطعة، غير ملبية لاحتياجات المحافظة، ولم تعالج المشكلات الحقيقية التي خلفتها الحرب، ومن ثم أقام الائتلاف عدة لقاءات وورش منذ بداية شهر أكتوبر2016 م.
حيث شكلت لجان تحضيرية باشتراك جميع الجهات، منها المكاتب الحكومية والتخصصين والخبراء، والأعضاء والشركاء العاملين في الميدان.
وكذلك تم الاطلاع على التوصيات والتقارير لعام 2016 م وتم الخروج بدراسة احتياجات المحافظة لعام 2017م.
ويشكو عدد كبير من سكان تعز، من عدم تسلمهم مساعدات غذائية، ويتهمون المنظمات والجمعيات المحلية بالفساد، لعدم وجود آثار للأرقام التي يتناولها الإعلام حول إغاثات تعز.
ويشكو سكان مناطق كثيرة بتعزعدم تسلمهم مساعدات غذائية منذ اندلاع الحرب في تعز سواء في ظل سيطرة الحوثيين عليها، أو بعد سيطرة الجيش الحكومي على تلك المناطق.
الأكثر احتياجاً
وتظل تعز من أكثر المدن احتياجًا بسبب الدمار الذي حل بها وانعدام الخدمات فيها، بما في ذلك الماء الصالح للشرب أو غير الصالح للشرب.
ويطالب ناشطون الجمعيات والمنظمات بسرعة ضخ المساعدات وتوفير الماء لسكان المدينة كونها منكوبة لا يمكن تجاهل معاناتها.
ويشير ناشطون على أن مناطق كثيرة بتعز لم تتسلم أي مساعدات منذ اندلاع الحرب، باستثناء المساعدات التي قدمت من منظمة الغذاء العالمي لمن يحملون بطاقات الضمان الاجتماعي.
موضحين أن المنظمات الدولية والجمعيات المحلية تتحدث عن حصص هائلة من المساعدات قُدمت للسكان، بينما في الواقع لم يوزع شيئًا لمعظم المناطق.
ويناشد الناشطون المنظمات الدولية ورجال الأعمال الداعمين لأعمال الإغاثة في تعز إلى مراقبة أموالهم وإغاثاتهم إلى أين تذهب.
فالأرقام والتصريحات تذكر عدد مساعدات تكفي تعز بأكملها، بينما في الواقع التوزيع يشهد اختلالات جسيمة.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد