الذكرى الثالثة لتهجير "سكان دماج".. المليشيات في مهمة تجريف الهوية الوطنية

2017-01-18 05:54:56 أخبار اليوم/ تقرير

الخامس عشر من يناير/ كانون الثاني 2014م هجّرت مليشيات الحوثي آلاف العائلات اليمنية من منازلها في بلدة دماج برضا السلطة الشرعية في أول تجريف واضح المعالم تعيشه اليمن في عصرها الحديث.
في سبتمبر/ تموز 2013 حاولت مليشيات الحوثي اقتحام "بلدة دماج"، شرقي صعدة، بالقوة ولبسوا ملابس عسكرية، واندلعت آخر الحروب مع "مركز دار الحديث السلفي"، التي بدأت في 2012م. أوفد الرئيس هادي العديد من لجان الوساطة من أجل التوصل إلى حل وأعلنت العديد من الاتفاقات حتى نهاية عام 2013م، ولكن أياً من تلك الاتفاقات لم تصمد، وخرقتها المليشيات مراراً.

 في ذات الوقت حاولت المليشيات التمدد ناحية عمران وتحديداً في 20 أغسطس/آب 2013 عندما قدم مجموعة من المتمردين إلى القرب من منزل الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر(شيخ حاشد) بذريعة "تحرير البلاد من المستعمرين" واندلعت اشتباكات عنيفة.
وفتحت مليشيات الحوثي ثلاث جبهات في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، في حجور محافظة حجة، وكتاف في صعدة ثم قبيلة حاشد، كبرى القبائل اليمنية، ولم تصمد القبائل كثيراً وتم تفجير دار الحديث في كتاف يوم 30 ديسمبر/ كانون الثاني 2013، وبعد تهجير السلفيين من كتاف تفرغت المليشيات لقبيلة حاشد في عمران التي تبعد عن العاصمة صنعاء 50 كم، وعلى وقع معارك طاحنة مع القبائل على حدود معقل الحوثيين في صعدة، وعلى وقع مئات القتلى من الحوثيين، سيطرت مليشيات الحوثي على مساحات شاسعة من المحافظة واقتربت من عاصمة المحافظة التي تحمل نفس الاسم.
وكان تاريخ 15 يناير/ كانون الثاني 2014م، هو الحدث الأكبر والأعظم الذي أُعلن من خلاله تجريف الهوية الوطنية الجامعة وإعلان صعدة مغلقة على الحوثيين- أو على الأقل هكذا أوصلت مليشيات الحوثي رسالتها- عندما أعلنت لجنة وساطة أنه جرى الاتفاق على ترحيل "سكان دماج" من ديارهم خارج "البلدة"، وبالفعل تم "تهجير" 15 ألف نسمة خلال مهلة أسبوع، وتاه المهجرون بين المحافظات، وفي اليوم التالي 16 يناير/كانون الثاني، كانت سياراتهم خارجة من منازلهم تاركين خلفهم تاريخهم وذكرياتهم مع وعود قطعوها بالعودة.
 مرحلة التيّه
ضاع المهجرون وعائلاتهم بين صنعاء والمحافظات المجاورة، من لم يجد ملجأً بين أقاربه افترش الأرض في ليالٍ شديدة البرودة كما هي عادة شهر (كانون)، أشار مسؤولون حكوميون وقتها أن الرئيس عبدربه منصور هادي اتفق مع السلفيين أن ينتقلوا إلى الحديدة، لكن ذلك لم يحدث، ظلت المأساة شهوراً وانشغل اليمنيون بأحداث اقتراب الحوثي من العاصمة، ضاع ملف تهجير سكان دماج في الأدراج وفقد الجميع طريق الوصول إلى المسؤولين الذين لم يختموا عام 2014م إلا بسيطرة كاملة للحوثيين على السلطة والثروة وأحكموا قبضتهم على الدولة والقرار السياسي فيها.
باجتياح المليشيات صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014م ترك المعارضون السياسيون والصحافيون منازلهم خشية الاعتقال في شكل آخر من أشكال التهجير القسري تفرقوا بين المحافظات وفي مدنها بعد أن عاشوا أياماً وأسابيع متخفين داخل صنعاء، حتى جاءت عمليات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في مارس/آذار 2015م، فكانت يد البطش الحوثية تضرب كل من يخالفها بالرأي أو تحاول التعبير عن آرائها.
دخل المتمردون الحوثيون مرحلة جديدة من تهجير اليمنيين وفرز هوياتهم، فطردوا المدنيين من منازلهم في مناطق القتال ليحولوها إلى تحصين ضد تقدم القوات الحكومية.. فعلى سبيل المثال لا الحصر قامت المليشيات خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني و ديسمبر/كانون الأول بتهجير أكثر من خمسين ألف نسمة من قرى تعز على النحو الآتي:
في 30 ديسمبر/ كانون الأول وصلت عشرات الأسر إلى منطقة "الحوطة" عاصمة محافظة لحج قادمة من "الشريجة" بعد أن هجرتها المليشيات، وأعطتهم مهلة 12 ساعة في اليوم السابق لحزم أمتعتهم الشخصية فقط.
في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني تعرّض أهالي قرى الأكبوش والكعاوش بعزلة الأحكوم في بلدة حيفان، بالإضافة إلى أهالي قرية الحود والعقيبة بمنطقة الشرف في بلدة الصلو، لتهجير قسري وتحويل منازلهم وقراهم إلى مخازن أسلحة وثكنات عسكرية.
السادس من نوفمبر/تشرين الثاني قالت شبكة "راصدين" إن جماعة الحوثي هجرت 3 آلاف أسرة من بلدة الوازعية و250 أسرة من منازلها في بلدة الصلو، و142 أسرة من حيفان، وأكثر من 175 أسرة من منطقة التعزية شرقي عاصمة المحافظة تعز.
في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني أجبرت المليشيات سكان 45 منزلاً على الإخلاء القسري من قرية الدبح التابعة لبلدة "التعزية" الواقعة قرب جبل حبشي، وذلك بتهمة دعم الأهالي للمقاومة والجيش الوطني.
يرث المجتمع اليمني تركة تهدد تقسيمه وفرزه أكثر، محولاً إياه إلى صراعات أثنية وطائفية، فما حدث بحق تجريف الهوية الوطنية بدءً من دماج وحتى اليوم أكثر بكثير من استيعاب المرحلة، بل هو تحشيد (ليس من أجل الطموح لكنه من أجل البقاء).
وهذا التجريف للهوية الوطنية هو أخطر ما يهدد مصير اليمن، عادة ما تستطيع البلاد تجاوزه في صراعاتها القبلية لعدة مؤثرات داخلية و"حكمة يمانية" خالصة، لكنها المرة الأولى التي يكون لذلك المؤثر الخارجي وجود والتي يغلب عليه التشيع القومي القادم من إيران، ولخططها مصالحها تسعى إلى فرز أكبر في صراعها من السعودية التي تمثل مركزاً للسلفية السنية في المنطقة.
ستنتهي الحرب في اليمن، فلا حرب تدوم أبداً، ومع كل "حرب أهلية" تنشأ تلك الهويات الفرعية، التي تُدين الهوية الوطنية الجامعة، وتحاول محوها لتطغى كتفككية مُحبطة لأجيال ما بعد الحرب، ولتظهر كلمة "المواطنة" كغرابية تثير الشجون، ومزاعم الخوف من مستقبل هويتهم الفرعية.
الهويات الفرعية التي تُنتج تتشكل ببطء كنجم "سوبر نوفا" حتى يحدث الانفجار الكبير، وبدون وعيّ مجتمعي وصلنا إلى مرحلة حرجة من تلك العصبويات المُقسمة التي جرفت الهوية الوطنية الجامعة، في مرحلة تأجيج قاسية لم يسبق لليمنيين أن وصلوا لها منذ عبدالله بن الحمزة (1200م-600هـ) عندما أباد أبناء الطائفة المطرفية في حراز، وهي النقطة الأكثر رعباً في تاريخ اليمن، حتى حضر المتمردون الحوثيون وهجروا يهود آل سالم في 2011م، وزاد الرعب في يناير/كانون الثاني 2014 بتهجير سكان بلدة دماج، وها نحن ذا في فرز مخيف ومستقبل غامض.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد