المرأة في ظل الحرب.. أوجاع لا تنتهي

2017-01-18 06:20:58 تقرير خاص/ وئام عبد الملك

ظلت المعاناة شديدة الوطأة على المرأة في تعز، التي تعيش في ظل الحرب منذ أبريل/نيسان 2015، وذلك عقب سيطرة الانقلابيين على المحافظة..
وفي غضون ثوان معدودة تغير واقع "منى" الشابة العشرينية وباتت طريحة الفراش بعد أن تعرضت لشظايا قذيفة أثناء مرورها في أحد الشوارع الفرعية، شمال المدينة المحاصرة..
لم تقتصر المعاناة، على صعوبة الحصول على الغذاء اللازم، أو النزوح، أو فقدان رب الأسرة، أو الإصابة، والقتل..
فـ"نعيم" المرأة الستينية، قد تبدلت ملامحها السعيدة إلى المريضة التعيسة، وتضاعف عمرها خلال أقل من عامين بشكل كبير، وصارت تبدو كامرأة تسعينية هدَّها المرض.
فرضت الحرب على النساء في اليمن واقعا مغايرا، جعلهن فريسة للوجع بمختلف أشكاله، والحزن، والمرض، والفجيعة.
ألم نفسي ومرض
" نعيم" هي واحدة من مئات النساء، اللائي واجهن الكثير من المشكلات الصحية والنفسية جراء الحرب، فعقب اندلاع المعارك في تعز، اضطر معظم أبناءها إلى النزوح، بعضهم إلى ريف المحافظة، وآخرون توجهوا نحو إب وصنعاء.
فتألمت كثيرا لفقدانها أبنائها، الذين لم يكن بمقدورهم زيارتها، وعاشت القلق والخوف على من تبقى منهم في تعز، فالمدينة تتعرض للقصف العشوائي بين الفينة والأخرى، ولا تفرق تلك القذائف الطائشة بين امرأة ورجل، طفل أو شاب.
كل ذلك كان سببا، في عدم قدرتها على التحمل، وأصيبت جراء الضغوط النفسية الشديدة، بمرضي الضغط والسكر، وأمراض كثيرة في الجهازي الهضمي، تتفاقم كلما ازداد وضعها النفسي سوءا، هذا ما تؤكده ابنتها" ابتسام" لـ"أخبار اليوم".
المعاناة بالأرقام
وقبل أيام وثق التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان "رصد"، أكثر من 17 ألف حالة انتهاك ارتكبها الانقلابيون، تنوعت ما ‏بين القتل والاصابات والاختطاف والاعتقال وتدمير ‏للممتلكات العامة والخاصة، إضافة إلى تسجيل 5092 عملية اختطاف طالت ‏المدنيين، بينهم 20 امرأة و118 طفلاً.
وفي إحصائية سابقة، رصد التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، مقتل 597 امرأة، وإصابة 3092 امرأة خلال الفترة يناير/كانون الثاني ٢٠١٥ وحتى نهاية سبتمبر/أيلول ٢٠١٦.
كما قال وكيل وزارة حقوق الإنسان اليمني ماجد فضائل، في تصريحات صحفية، إن 4200 انتهاك طالت النساء، منها 626 حالة قتل، ونحو 2400 إصابة وتشريد.
وذكر لصحيفة" الوطن" السعودية، أن الإحصائيات، أكدت أن الميليشيا الانقلابية، قامت بالعديد من الانتهاكات والتجاوزات بحق المرأة اليمنية على مختلف الأصعدة، وذلك بسبب غياب الرقابة الأمنية وانتشار فوضى السلاح.
وارتفعت نسبة الوفيات في صفوف الحوامل بشكل ملحوظ، جراء افتقار المحافظة وريفها للرعاية الصحية، فضلا عن ارتفاع نسبة الفقر، بينما تذكر منظمتا اليونسيف والصحة العالمية، أن أكثر من 65% من الحوامل لا يحصلن على الخدمات الخاصة بالرعاية الصحية.
وتحدث تقرير صادر عن شبكة الراصدين المحليين، أن نسبة الضحايا من النساء في تعز، هي الأعلى، وبلغت 30% من إجمالي الضحايا في مختلف محافظات الجمهورية.
وجع آخر
وفي غضون ثوان معدودة، تغير واقع" مُنى" الشابة العشرينية، وباتت طريحة الفراش، لا تقوى على الحركة بعد أن تعرضت لشظايا قذيفة أطلقتها جماعة الحوثي وصالح، أثناء مرورها في أحد الشوارع الفرعية المحاذية لشارع الستين شمال مدينة تعز.
تقول" مُنى" لـ"أخبار اليوم" وعينييها تغرورق بالدموع: كان أكثر ما يخيفني هو أن أفقد حياتي في الشارع خارج المنزل، ونتيجة لمخاوفي تلك، بقيت- عقب اندلاع الحرب- لأشهر طويلة حبيسة البيت، أسمع قصص القتلى ومعاناة الجيران.
تتوقف لبرهة، تكابد ألما، وتضيف:" في منتصف العام 2016، اتفقت مع صديقتي على الخروج إلى شارع التحرير، من أجل أن أساعدها على توفير لوازم عرسها، ولكن ما كنت أخاف منه، حدث لي".. وأجهشت بالبكاء.
وها هي اليوم" منى" لا تقوى على الحراك، عقب تضرر الحبل الشوكي، جراء تلك الإصابة، التي فقدت معها كل أحلامها، خاصة المرتبطة بإكمال تعليمها الجامعي.
واقع مأساوي
وتعيش المرأة في ظل الحرب واقعا مؤلما، ما زالت حتى اللحظة تتكبده، وفي هذا الإطار تؤكد رئيسة مؤسسة" نحن هنا" للإغاثة والتنمية، صباح الشرعبي، أن واقع المرأة في ظل الحرب الدائرة في اليمن، هو واقع مأساوي ومزرٍ، جراء تحمل المرأة تبعات هذه الحرب في مختلف الجوانب.
فمن الناحية الاقتصادية تبيّن لـ"أخبار اليوم" أن المرأة تأثرت بشكل مباشر انعكس على واقع المرأة، بعد أن صارت المعاناة كبيرة من أجل القدرة على توفير لقمة العيش.
أما اجتماعيا، فقد جعلت الحرب العديد من النساء تفقد العائل لها وأولادها، وأصبحت تقوم بواجب مضاعف لحماية أسرتها، فشكل ذلك ضغطا نفسيا كبيرا على المرأة، وفق" الشرعبي".
وتشير إلى أن الجوانب النفسية للمرأة، ظهرت جليا على العديد من الأسر، بعد أن ارتفعت نسبة الطلاق، وتردي الحالة النفسية للأطفال، وانعكاساتها على الحالة النفسية للمرأة.
وتستطرد" الواقع المعاش، جعل العديد من النساء تزج بأولادها إلى جبهات القتال بذريعة الحصول على المادة، من أجل سد احتياجات بقية الأفراد، وخاصة الأسر التي فقدت العائل، وهذه التصرفات كانت مرفوضة قولا وفعلا لدى هذه النساء".
الانتقال من مربع الضحية
ولا تفيق النساء في تعز من مصيبة، إلا وتتبعها أخرى، فإن لم تكن هي الضحية، كان والدها أو زوجها أو طفلها، أو أحد أٌقاربها.
لكن وبرغم ذلك، استطاعت بعض النساء تحدي الواقع، والقيام بدور فاعل في المجتمع، في هذا التوقيت الذي يحتاج فيه إلى محاولة تغييره ولو بشكل بسيط، للتخفيف من معاناة ضحايا الحرب.
وعلى هذا الصعيد تقول الناشطة صباح الشرعبي، والتي ساهمت في تقديم الخدمة المجتمعية في فترة الحرب تعيشها تعز ولما تزال، إن" هناك العديد من النساء اللواتي كان لهن دور بارز وملحوظ في الإسهام في تقديم الخدمات لأبناء المجتمع خلال فترة، في المجال الإغاثي أو التنموي".
وتابعت" وقد عملت المرأة في عمل المساحات الميدانية، وتحديد الاحتياجات، والسعي لتوفيرها، فضلا عن قيامها بتقديم الدعم للجبهات، وفي مجال الإسعافات والمجارحة، إضافة إلى العمل في مجال الرصد والتوثيق للجرائم التي طالت المدنيين".
ولم تتوانَ المرأة عن فعل كل ما تستطيع فعله من أجل أن تقدم خدمة للآخرين، وهذا أمر ليس بغريب على المرأة اليمنية، حد قولها.
ومع استمرار الحرب في اليمن، تنال المرأة حظا كبيرا من المعاناة فيها، ستستمر حتى يتم استعادة الدولة، ولن تمحى آثارها من ذاكرتها مستقبلا، خاصة إن كانت قد تركت أثرا ملموسا على جسدها، أو روحيا بفقدان أحد الأقارب.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد