دوامة الانهيار في اليمن

2017-01-22 05:46:38 ملف أعده/ قسم التحقيقات

أخيراً بدأت شريحة صغيرة من العالم تنتبه إلى ما يحدث في اليمن. ويرجع ذلك جزئياً إلى حملات الناشطين. لكن الحرب والكارثة الإنسانية مستمرتان. ولا تبعث محادثات السلام على أمل يُذكر. وتسير عملية السلام التي تدعمها الأمم المتحدة في طريق مسدود، حد توصيف مراقبين.
ويواجه اليمن خطر الانزلاق إلى المجاعة. فقبل الحرب، كانت البلاد تعتمد على الاستيراد لتوفير 90 بالمائة من احتياجاتها الغذائية، ولكن مع دخول الاقتصاد في حالة يرثى لها، يجد المستوردون صعوبة في جلب السلع التي تحتاج إليها البلاد، والأسر ببساطة لا تملك المال اللازم لشراء الطعام.

الفصل المظلم في تاريخ الموظف اليمني
ابتداءً من سبتمبر الماضي، دخل الموظفون في المؤسسات الحكومية، بما في ذلك المتقاعدين، فصلاً مظلماً، بعد أن عجزت المؤسسات المالية التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين وحلفاؤها، عن دفع رواتب الموظفين.
وأقرت الحكومة الشرعية نقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، ليجد الموظف حقوقه ضائعة بين سلطة الأمر الواقع في صنعاء ووعود الحكومة الشرعية التي تطلقها من عدن.
في صنعاء، وفي ظل القبضة الحديدية لسلطات الانقلابيين، كان أكاديميو جامعة صنعاء، الصوت الوحيد الذي استطاع أن يوصل صداه، ويبدأوا تحركات احتجاجية تطالب بالراتب. وبدأ منذ أيام أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، برفع الشارات الحمراء، ثم انتقلوا إلى الإضراب الجزئي، ويستعدون للإضراب الشامل مطلع الأسبوع المقبل.
ويؤكد موظفون في قطاعات حكومية مختلفة أن تأخر الرواتب، جعلهم يعيشون أوضاعاً مأساوية. غير أنه ظهر أن موظفي الجامعة هم الأكثر جرأة على رفع أصواتهم بوجه "الأزمة الشديدة التي يواجهوها". ومن المتوقع أن تتوسع الاحتجاجات إلى مختلف النقابات في المؤسسات الحكومية، والتي يواجه الموظفون فيها تهمة خطيرة، إذا ما حاولوا رفع أصواتهم، من قبل الحوثيين والموالين لهم في الوزارات، وأنهم يقفون مع "العدوان"، في محاولة لترهيبهم ومنعهم من الاحتجاج عبر فرض أحكام الحرب.
وكانت الأزمة الإنسانية بدأت أساساً مع تصاعد الحرب والحصار المفروض على البلاد، بدءاً باجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر 2015 وصولاً إلى التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية، في مارس/آذار2015، حيث أغلقت نسبة كبيرة من الشركات التجارية والمؤسسات الحكومية أبوابها وانهارت أخرى، كما أغلقت غالبية السفارات أبوابها.
وبذلك انضم آلاف مع عشرات آلاف الأشخاص، إلى قائمة البطالة. وكان البنك المركزي اليمني يدفع رواتب الموظفين الحكوميين، من مدنيين وعسكريين، في مختلف المحافظات، إلا أن الحكومة الشرعية اتهمت الانقلابيين بالاستفادة من أنشطته وإيصاله إلى الإفلاس، ومن ثم أقرت نقله إلى عدن، لتصبح البلاد بين مصرفين مركزيين، أحدهما في عدن والآخر احتفظ به الانقلابيون في صنعاء، إلا أنهما بديا عاجزين عن دفع الرواتب، في جميع أنحاء البلاد.
وبينما أنهت الحكومة الشرعية أخيراً عملية تسليم رواتب العسكريين والأمنيين في المحافظات المحررة، لا تزال الأزمة مستمرة في بعض القطاعات المدنية.
وعلى الرغم من تصريحات متفرقة صادرة عن رئيس الحكومة، أحمد عبيد بن دغر، ومثلها تصريحات من رئيس الحكومة التي ألفها الانقلابيون في صنعاء، عبد العزيز بن حبتور، عن أن أزمة الرواتب قد تجد طريقها إلى الحل، ابتداءً من يناير/كانون الثاني الحالي، إلا أن مجمل الوعود والتصريحات، باتت تُواجه من قبل معلقين، بـ"السخرية" والتشكيك، بعد أن ذهبت وعود سابقة، أدراج الرياح.
وفي المحصلة، يعيش قطاع كبير من المجتمع اليمني، أسوأ الأوضاع على الإطلاق، بعد انضمام أزمة "الراتب" إلى أزمات أخرى مستفحلة، ما جعل أكثر من 80 في المائة من سكان البلاد، بحاجة إلى نوع من المساعدات، فيما تزداد المخاوف من شبح المجاعة، وتدهور الأوضاع المعيشية والنفسية للناس، وبالذات لقطاع فاعل، على مستوى العاملين في أجهزة الدولة، الذين باتوا ناقمين على الوضع الذي تعيشه البلاد، ومن وجود حكومتين (شرعية في عدن وانقلابية في صنعاء)، ليس بوسعهما إنهاء المعاناة التي يعيشها الناس.
مساعدات ومخاوف دولية
بدت استجابة المنظّمات الإنسانيّة في اليمن ضعيفة خلال العام الماضي، وإن كانت أفضل بعض الشيء من العام الذي سبقه. واقع يشير إلى عدم إحراز تقدّم حقيقي في جهود المجتمع الدولي ومنظّماته، بهدف مساعدة المناطق الأكثر حاجة. وزادت الحرب، بالإضافة إلى الصراعات والفقر، من حجم الاحتياجات. ومن بين عدد سكان اليمن الذي يقدّر بنحو 27 مليون نسمة، يحتاج نحو 19 مليون شخص إلى إغاثة، في وقت لم تشمل الإغاثات سوى 5.3 ملايين شخص فقط.
ويعاني نحو 14 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي، وقد بات بعض هؤلاء على عتبة المجاعة، ولا يعرفون كيفية تأمين وجباتهم الغذائية. وزاد هذا الرقم بنسبة 33 في المائة خلال عامي الصراع. كذلك، يعاني 3.3 ملايين طفل تحت سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، بينهم 462 ألف طفل في مرحلة صعبة، أي بزيادة تقدّر بنسبة 63 في المائة عن بدء الصراع الأخير. ويواجه القطاع الطبي نقصاً في المؤن والمعدات الطبية والأدوية. وفي الوقت الحالي، تعمل 45 في المائة فقط من المرافق الطبيّة العامة، ما يعني أن 10 ملايين شخص في حاجة إلى خدمات طبية.
ويعدّ النازحون الأكثر تضرراً، وقد وصل عددهم إلى 2.3 مليون شخص، علماً أن نحو مليون شخص عادوا إلى مناطقهم يفتقدون إلى معظم الاحتياجات والخدمات الأساسية، التي تساعدهم على التكيف والعيش وتحفظ كرامتهم. ويشكو معظم هؤلاء من عدم حصولهم على أية مساعدات بسبب صعوبة الوصول إليهم، أو وجودهم في قرى نائية، أو سعي بعض الجماعات إلى الحصول على نسبة من هذه المساعدات.
ورغم تحسّن الوضع الأمني نسبيّاً في معظم المناطق بالمقارنة مع العام 2015، إلا أنّ الوضع المعيشي بات أكثر تدهوراً، ليواجه الناس صعوبات في التكيف، ما دفعهم للّجوء إلى وسائل ضارة على صحتهم. ويعود ذلك إلى انهيار القوة الشرائية للسكان، واستمرار ضعف وصولهم إلى الخدمات الأساسية العامة، وتوقف صرف رواتب الموظفين، وضعف المساعدات من قبل المنظمات، وغيرها.
خلال عام 2016، عملت في اليمن 114 منظمة إنسانية دولية ومحلية في خمس محافظات هي عدن والحديدة وإب وصعدة وصنعاء، وساهمت في إغاثة 5.3 ملايين شخص في 22 محافظة يمنية. وعملت المنظّمات على تنفيذ خطّة إستراتيجية للاستجابة المشتركة من خلال تقسيم الأدوار. يشار إلى أن عدد المنظمات التي عملت في عدن هو 49، و44 في تعز، و43 في حجة، و38 في صنعاء، و35 في الحديدة.
ولم تخطّط المنظّمات سوى لإغاثة 8 ملايين شخص. لكن في الواقع، استطاعت مساعدة 5.3 ملايين شخص فقط خلال عام 2016. وتعزو الأمم المتحدة أسباب ضعف الاستجابة الإنسانية إلى حصولها على 977 مليون دولار (أي 60 في المائة) فقط من إجمالي القيمة المطلوبة، والمقدرة بـ 1.6 مليار دولار خلال العام الماضي، بالإضافة إلى أمور أخرى.
ويتحدّث تقرير مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الانسانية (أوتشا) عن بعض التحديات التي واجهتها المنظّمات أثناء عملها، مشيراً إلى أن جميع الأطراف المتحاربة ساهمت في استمرار العوائق أمام وصول السلع والخدمات والفرق الإنسانية إلى المناطق المتضررة. ويوضح التقرير أنه "في الوقت الذي تطالب المنظمات الإنسانية بالاستجابة إلى الاحتياجات الناجمة عن انهيار الخدمات، فإنها تُواجه معوقات تمنعها من الوصول، عدا عن الإجراءات الإدارية والروتينية الأخرى، ما يؤدي إلى زيادة معاناة السكان".
ويظهر التقرير الأممي بعض تفاصيل عمل المنظمات. ويفيد بأنّ المنظّمات العاملة على توفير المواد الغذائية حصلت على تمويل بنحو 442 مليون دولار، في وقت حصلت المنظّمات الصحيّة على 106 ملايين دولار، وتلك المهتمّة بسوء التغذية على مبلغ 61 مليون دولار، وخدمات المياه والصرف الصحي على مبلغ 56 مليون دولار، والحماية على مبلغ 31 مليون دولار، وتلك المهتمة بتأمين وظائف على مبلغ 10 ملايين دولار، ليكون نصيب التعليم الأقل بمبلغ أقل من ستة ملايين دولار فقط.
على مستوى المموّلين، ذكر التقرير الأممي أن أكبر ممولي خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن كانت الحكومة الأميركية، التي قدمت 316 مليون دولار، ثم المملكة المتحدة (169 مليون دولار)، والسعودية (61 مليون دولار)، تليها ألمانيا (56 مليون دولار)، فالاتحاد الأوروبي (55 مليون دولار)، ثم اليابان (41 مليون دولار)، والكويت (41 مليون دولار).
وفي الثامن عشر من يناير الجاري أعلنت مجموعة البنك الدولي عن منحتين جديدتين لليمن بإجمالي 450 مليون دولار لتقديم دعم طارئ للفئات الأكثر ضعفا ومعاناة من السكان في جميع المحافظات.
وستمول المنحتان الجديدتان المقدمة من المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع مجموعة البنك الدولي لمساعدة البلدان الأشد فقرا في العالم، مشروعان يهدفان إلى تزويد النساء والأطفال الأكثر ضعفا بسبل الحصول على الخدمات الضرورية في مجالات الرعاية الصحية والتغذية، وبتوفير فرص الحصول على الدخل للأسر الأكثر فقراً، كما ستقوم بتقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية التي يعتمد عليها ملايين اليمنيين.
وقال نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حافظ غانم " من الضروري أن لا يحرم الأطفال من فرص الحصول على التطعيمات الأساسية والمهمة وكذلك التغذية المناسبة، ومن الواجب أن تتحصل المجتمعات المحلية في جميع أنحاء اليمن على الدعم المالي والخدمات اللازمة لتلبية احتياجاتها الأساسية ومن الضروري أيضا الحفاظ على المؤسسات التي تقدم هذه الخدمات الأساسية – حتى يكون اليمنيون مستعدين عندما يحل السلام على إعادة بناء حياتهم ووطنهم".
وستعمل المنحة المقدمة بمبلغ 250 مليون دولار على توسيع نطاق مشروع الاستجابة الطارئة للأزمات الجاري تنفيذه حاليا لتوفير فرص الحصول على دخل مالي لمليوني يمني من الفئات الأكثر فقراً، بما في ذلك النساء والشباب والنازحون.
كما ستعمل المنحة على تعزيز ومساندة كل من الصندوق الاجتماعي للتنمية ومشروع الأشغال العامة، وهما مؤسستان يمنيتان رئيسيتان تقدمان الخدمات على مستوى المجتمعات المحلية وتلعبان دوراً مهما في الفترة الراهنة من خلال بناء قدرة اليمنيين على مواجهة آثار الصراع.
وستمول منحة ثانية بمبلغ 200 مليون دولار المشروع الطارئ للرعاية الصحية والتغذية الذي يهدف إلى الحفاظ على قدرة النظم الصحية القائمة، مع توفير الخدمات الصحية والتغذية لحوالي 7 ملايين يمني.
إلى ذلك خصص الاتحاد الأوربي 12 مليون يورو لدعم جهود منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة من أجل معالجة مشكلة الجوع في اليمن وذلك في ظل معاناة 14 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي،
وذكرت المنظمة أن ذلك التمويل سيستخدم لتفادي تصاعد الأزمة، وتقديم الدعم الزراعي الفوري لأكثر من 150 ألف شخص لمساعدتهم على تحسين إنتاج الغذاء.
وتقوم الزراعة في اليمن بدور مهم للغاية في توفير الأمن الغذائي، وخاصة في المناطق الريفية التي يعيق انعدام الأمن وصول المساعدات الإنسانية إليها.
صلاح حاج حسن ممثل منظمة الفاو في اليمن قال إن البلاد تمر بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وأضاف أن المساعدة المقدمة من الاتحاد الأوروبي ستعزز قدرة المنظمة على جمع البيانات المهمة حول الأمن الغذائي لتتمكن من اتخاذ إجراءات سريعة لتفادي تدهور الوضع.
وذكر أن التمويل سيعزز الجهود الرامية إلى بناء صمود المزارعين ورعاة الماشية، وخاصة النساء، من خلال مساعدتهم على زيادة قيمة إنتاجهم الغذائي.
وأفاد بيان صحفي صادر عن منظمة الفاو أن المشروع المنفذ في هذا الإطار سيدعم الأنشطة المدرة للدخل مثل تربية الدواجن وإنتاج الألبان وعسل النحل.
وتحتاج منظمة الفاو إلى حوالي 48 مليون دولار خلال عام 2017، لتقوم بعدد من التدخلات الطارئة لدعم سبل كسب العيش الزراعية لمساعدة أكثر من 3 ملايين شخص ممن يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

أطفال يموتون جوعاً
قالت منظمة اليونيسيف في اليمن أن " حوالي 2.2 مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى العناية العاجلة.
ويموت في اليمن على الأقل طفل واحد كل عشر دقائق بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، مثل الإسهال وسوء التغذية والتهاب الجهاز التنفسي.
وجاء في تقرير للمنظمة أن 462 ألف طفل منهم يعاني من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهي زيادة كبيرة تصل إلى 200 بالمئة مقارنة بعام 2014 ، كما يعاني 1.7 مليون طفل يمني من سوء التغذية الحاد المتوسط.
وأشار التقرير إلى أن أعلى معدلات سوء التغذية الحاد تظهر بين أطفال محافظات الحديدة وصعدة وتعز وحجة ولحج، حيث تشكل هذه المحافظات الخمس أكبر عدد من حالات سوء التغذية الحاد الوخيم في اليمن، في حين تسجل محافظة صعدة أعلى معدلات التقزم بين الأطفال على مستوى العالم، إذ يعاني 8 من أصل كل 10 أطفال في المحافظة من سوء التغذية المزمن في نسبة لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبل.
وقالت القائمة بأعمال ممثل اليونيسف في اليمن الدكتورة ميريتشل ريلانو " إن معدلات سوء التغذية في اليمن هي الأعلى والأكثر تصاعداً من أي وقت مضى، وصحة أطفال البلد الأفقر في الشرق الأوسط لم تشهد مطلقاً مثل هذه الأرقام الكارثية التي نشهدها اليوم".
وتواجه اليمن صعوبات تمثلت في انتشار الفقر وانعدام الأمن الغذائي وندرة الخدمات الصحية حتى قبل تصاعد حدة النزاع في البلاد في مارس 2015، وأصبح نظام الصحة اليمني اليوم على وشك الانهيار ـ بحسب تقرير اليونيسيف.
وتقتصر الرعاية الطبية في اليمن على أقل من ثلث تعدادها السكاني، بينما أكثر من نصف المرافق الصحية فيها معطلة، ولم يتلقَ العاملون في مجال الصحة رواتبهم منذ شهور، كما تواجه وكالات الإغاثة صعوبة في إيصال الإمدادات المنقذة للحياة للناس بسبب الأزمة السياسية القائمة بين الأطراف المتنازعة.
وبحسب ريلانو " أفقدَنا العنف والنزاع مكاسب كبيرة تَمكن اليمن من تحقيقها خلال العقد الماضي في مجال صحة وتغذية أطفال ، فقد انتشرت الأوبئة مثل الكوليرا والحصبة، ونظراً لتوفر عدد قليل من المرافق الصحية العاملة زاد تفشي هذه الأمراض ليشكل عبئاً كبيراً على الأطفال".
وأشارت المنظمة إلى أنها دعمت خلال عام 2016 علاج 215 ألف طفل ممن يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم في اليمن، وقدمت الفيتامينات والمكملات التغذوية لأربعة ملايين طفل ممن هم دون الخامسة من العمر لتعزيز مناعتهم إلا أن هذا العمل المنقذ للحياة يظل مقيداً بسبب نقص التمويل وعدم القدرة على الوصول إلى المناطق التي يشتد فيها القتال.
وأضافت ريلانو " ندعو أطراف النزاع في اليمن إلى توفير سبل الوصول غير المشروط إلى الأطفال المحتاجين في مختلف أنحاء البلاد كي نتمكن من تزويدهم بالإمدادات الغذائية وعلاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية ودعم الخدمات الصحية اليمنية".
ولا يزال هناك نقص في التمويل، إذ تحتاج اليونيسف إلى 70 مليون دولار أمريكي في عام 2017 كي تتمكن من توفير خدمات الصحة والتغذية للأمهات والأطفال في مختلف أرجاء البلاد.
صعود مؤشر الجوع
يوما بعد آخر، تتسع رقعة الجوع في المدن والأرياف، فبعد أن كانت مدن مثل محافظة الحديدة هي الأكثر تضرراً، أصبحت جميع المدن اليمنية شمالاً وشرقاً وغرباً وجنوباً ووسط البلد يعاني السكان بمختلف مستوياتهم أزمة جوع خانقة . بعض اليمنيين يبيتون دون طعام، فيما يأكل آخرون من صناديق القمامة، ويتناول غيرهم أوراق الشجر.
ولا تقتصر المعاناة وأزمة الجوع الضاربة في البلاد على محافظات يمنية دون أخرى، فبحسب الأرقام الأممية، فأن جميع المحافظات سواء الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية أو تلك التي يسيطر عليها تحالف الحوثي وصالح ترزح تحت تهديد المجاعة الإنسانية.
ويصنف تقرير الجوع العالمي الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية ( IFPRI) لعام 2016، اليمن ضمن أفقر 10 دول من أصل 104 دولة في العالم.
وتشير وزارة التخطيط إلى أن من أبرز عوامل تفاقم انعدام الأمن الغذائي ارتفاع الأسعار المحلية للغذاء والوقود والمياه والدواء بالتزامن مع فقدان فرص العمل والدخل، والنزوح الداخلي لحوالي 2.18 مليون مواطن عن مناطقهم، إضافة إلى تأثيرات أزمة السيولة بصورة مباشرة على حوالي 1.25 مليون موظف حكومي وأسرهم الذين فقدوا ليس فقط القوة الشرائية للغذاء ولكن أيضاً للسلع والخدمات الأساسية الأخرى، فضلاً عن تدهور وغياب الخدمات الاجتماعية الأساسية بما فيها التعليم والصحة والمياه والتي تواجه شبح الانهيار في مناطق واسعة من البلاد والاحتياجات تتزايد يومياً، مما يزيد الضغوط على الوضع الإنساني في البلاد.
وزادت الحرب من أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل الذين لا يجدون مأوى سوى الشارع، وتشير البيانات إلى أن نسبة الفقر بلغت ما نسبته 80% من إجمالي عدد السكان، وفي ذات السياق كانت دراسة اقتصادية للباحث في قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط اليمنية -نبيل الطيري- قد حذرت من التطور المتواصل للحرب والصراع الذي سيؤدي إلى تفاقم حالة العجز عند الأسر التي لم تعد قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية من مأكل ومأوى وصحة وتعليم، وتشير الدراسة إلى أن انتشار الفقر المدقع يهدد الأمن الغذائي لقطاعات وشرائح واسعة من السكان، فضلاً عن زيادة أعداد الناس الذين يكابدون حاليا للبقاء على قيد الحياة أغلبهم استهلك المدخرات التي جمعها.
غير أن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي كشف بأن متوسط الارتفاع في أسعار السلع الأساسية (التضخم) بلغ ٢٢٪ خلال العام الماضي ٢٠١٦ مقارنة ب ٣٠٪ خلال العام ٢٠١٥م
وأكد المركز في تقرير المؤشرات الاقتصادية لليمن ٢٠١٦ الذي دشنه المركز في مؤتمر صحفي بالعاصمة المؤقتة عدن وجود تحسن نسبي في المؤشرات الاقتصادية في اليمن للعام الماضي ٢٠١٦ مقارنة بالعام السابق، وعزا ذلك إلي عودة الاستقرار إلى بعض المدن لاسيما المدن المحررة وتحسن في تقديم الخدمات والسلع و تراجع حدة الاختناقات في المشتقات النفطية، ومع ذلك فإن نسبة العجز في الناتج المحلي الإجمالي ظلت سالبة بنسبة تتراوح بين ١٠-١٥ ٪ وفقا لتقديرات المركز، اذ ما تزال كثير من القطاعات الاقتصادية في حالة شلل كلي وجزئي.
وأوضح المركز أن الحرب في اليمن خلفت انهيار اقتصادي يعاني منها معظم سكان اليمن في الريف والحضر وأبرز المؤشرات الملموسة عدم قدرة جماعة الحوثي علي دفع مرتبات موظفي الدولة مدنيين وعسكريين للربع الأخير العام ٢٠١٦م واستنزاف الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، وتصاعد أعداد المواطنين الذين هم بحاجة لمساعدات إنسانية الي ٨٢٪ من سكان اليمن.
ويقدم تقرير المؤشرات الاقتصادية لعام ٢٠١٦م الذي يصدره المركز للعام الثاني علي التوالي أبرز المؤشرات حول الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن، متضمنا لمحة سريعة حول الوضع السياسي والمفاوضات من اجل السلام التي شهدتها اليمن بين الحكومة الشرعية من جهة وجماعة الحوثي وصالح من جهة أخري، وخارطة النفوذ والسيطرة العسكرية بين الطرفين، كما يقدم رصد ميداني للأوضاع الاقتصادية وأسعار السلع الأساسية والخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصحة والتعليم.
ووصف التقرير عودة الحكومة الشرعية إلي عدن والمحافظات اليمنية المحررة بأنه نقطة تحول مهمة في أداء الحكومة الشرعية التي ظلت تعمل لأشهر عديدة من العاصمة السعودية الرياض، كما عززت عودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلي عدن من الشعور الايجابي لدى المجتمع اليمني بأن الأوضاع السياسية تتطور بشكل ملموس.
وشهدت محافظة الحديدة الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي وصالح أعلى نسبة ارتفاع في أسعار المواد الأساسية خلال العام 2016 مقارنة بالعام 2015 بمتوسط ارتفاع بلغ 35 %، تلتها محافظة الضالع بمتوسط ارتفاع بلغ 28 %، ثم محافظة ذمار بمتوسط ارتفاع 26 % مقارنة بالعام 2015، في حين سجلت محافظتي مأرب وحضرموت ارتفاع في أسعار المواد الأساسية خلال العام 2016 بمتوسط ارتفاع بلغ 21 %، تلتهما صنعاء وعدن بمتوسط ارتفاع بلغ 17 %، فيما سجلت محافظة تعز أقل نسبة ارتفاع بين المحافظات بمتوسط ارتفاع بلغ 12 % مقارنة بالعام الماضي 2015م.
وهذا يعود، بحسب تقرير الإعلام الاقتصادي إلي تحسن في نقل السلع عبر منفذ الضباب عقب كسر الحصار عن المدنية من الجهة الغربية، كما أن ذلك التراجع في أسعار السلع لا يعني أن مستوي الأسعار في تعز اقل من غيرها من المدن ولكن لان المدينة شهدت اعلي نسبة ارتفاع للأسعار في عام ٢٠١٥م مقارنة ببقية المحافظات نتيجة للحصار الذي تعرضت له من قبل مسلحي جماعة الحوثي فقد مثل الانخفاض عودة تدريجية للأسعار عند مستواها الطبيعي كسائر المحافظات.
وأوضح التقرير بأن سعر الدولار ارتفع خلال العام ٢٠١٦ بنسبة 28 % مقابل الريال اليمني. حيث بلغ أعلى سعر صرف للدولار خلال 2016م في السوق 320 ريال مقارنة بـ 250 ريال وهو أعلى سعر بلغه الدولار مقابل الريال اليمن في العام 2015م.
وأشار التقرير إلي أبرز الصعوبات التي واجهها الاقتصاد اليمني خلال العام المتمثلة في أزمة السيولة والعجز عن دفع المرتبات وتوقف التحويلات البنكية إلي الخارج وظهور مؤشرات المجاعة، كما تضمن معلومات حول الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين كالكهرباء والمياه والتعليم والصحة، بالإضافة إلي حركة الملاحة وحالة الوضع الإنساني في اليمن جراء الحرب.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد