الطريق إلى صنعاء من الشرق

2017-01-23 02:37:45 ملف خاص/ وليد عبد الواسع

تقترب القوات الحكومية اليمنية يوماً تلو الآخر من السيطرة على العاصمة صنعاء، وهي تخوض معاركها الأخيرة في مديرية نهم بالجبهة الشرقية لصنعاء، استعداداً لاقتحام مديرية أرحب. وكانت قوات الشرعية المسنودة من التحالف العربي، في العشرين من يناير الجاري بدأت بعملية عسكرية جديدة، وهي تقترب من أرحب وسط معارك متواصلة وعنيفة.
ويؤكد مراقبون أن معركة أرحب ستكون حاسمة في التقدم نحو العاصمة، نظرا لموقعها الإستراتيجي وولاء قبائلها للسلطة الشرعية. ويشدد قادة في القوات المسلحة اليمنية على الأهمية الإستراتيجية للمديرية، كون السيطرة عليها بشكل كامل يفتح الطريق لتقدم سريع نحو العاصمة. فيما يتوقع خبراء عسكريون حصول تغيير كبير في المشهد العام في صنعاء على خلفية السيطرة على أرحب.
وخلال الأيام الماضية تمكن الجيش الوطني من السيطرة على مناطق ذات أهمية إستراتيجية. وتشير مصادر عسكرية إلى أن ذلك يعني سقوط جبهة الميمنة بالكامل، وأن أهمية هذا التقدم تكمن في أنه يُمكّن قوات الجيش من تأمين جبهة القلب والميسرة.
واختارت قوات الشرعية الجبهة الشرقية للعاصمة لتخوض معركتها الكاسرة مع الانقلابيين، وهي المعركة التي أصبحت توصف بأنها "أم المعارك". ويعتبر محللون السيطرة الكاملة على هذه المنطقة بأنها تعني الكثير في معادلة السيطرة على الجغرافيا اليمنية.
خارطة السيطرة
قبل أيام كان الجيش الوطني والمقاومة الشعبية قد أنجزا تقدماً فارقاً في جبهة نهم، ففي16 يناير تمكنت وحدات الجيش من تحرير جبل حلبان والتقدم باتجاه منطقة دوه بمنطقة نهم شرق صنعاء وهي تخوض معارك مستمرة مع ميليشيات الحوثي والمخلوع الانقلابية، وسط تغطية من طيران التحالف العربي. كما حررت وحدات الجيش جبل النخش بالكامل في منطقة نهم شرق صنعاء، وتمكنت من السيطرة على جبل "رشح" وتبتي "التوجيه" و"الجروف" وعشر تباب أخريات، ومواقع أخرى، محرزة تقدماً ميدانيا باتجاه منطقة "الحول" و"قرية ضبوعة" في معارك عنيفة مع ميلشيات الحوثي وصالح في مديرية نهم.
في 17 يناير سيطرت القوات الحكومية والمقاومة، على جبل "دُوة" وتبة "العياني" في مديرية نهم شرق صنعاء، بعد معارك عنيفة ضد المسلحين الحوثيين وقوات صالح، تمكنت خلالها من دحر ميلشيا الحوثي وصالح من عدة مواقع وتحرير ما يقارب من 9 كيلو متر من الميليشيات في جبهة الميمنة بنهم شرق صنعاء.. وفي 18 يناير اتسعت رقعة المواجهات المسلحة التي تخوضها قوات الجيش الوطني ضد مليشيا الانقلاب شرق العاصمة صنعاء. وقوات الجيش الوطني تحرز تقدماً ميدانياً في المناطق الواقعة بين مديريتي أرحب ونهم محيط العاصمة صنعاء. وبعد يوم واحد من إعلان عمليتها العسكرية الجديدة تمكنت قوات الجيش الوطني في 21 يناير من تحرير منطقة الصافح الأبيض، الذي يمتد لأكثر من 4 كيلو مترات شمال قرية ضبوعة- في جبهة الميمنة بمديرية نهم. وواصل التقدم نحو قرية ضبوعة، في ظل معارك مستمرة وسط تقهقر الميليشيات الانقلابية وتكبدها خسائر كبيرة.
وتعد هذه المناطق ذات أهمية استراتيجية، إذ تشير مصادر عسكرية إلى أهمية سيطرة القوات الحكومية على جبل "دوه" وتبتي "القناصين" و"العياني" خاصة في ظل سقوط "ضبوعة"، موضحة أن ذلك يعني سقوط جبهة الميمنة بالكامل ما يمكن القوات- التي تتمركز في القلب- من اتجاه فرضة نهم التحرك صوب نقيل ابن غيلان.. ويعد "جبل دوه" آخر السلسلة الجبلية في جهة الميمنة من مديرية نهم، وبالسيطرة عليه تسيطر القوات الحكومية على منطقتي "الحول" و"ضبوعة" "وتباب العياني"، كما ستتمكن من الالتفاف على تبة "القناصين". وقال العميد الركن/ محمد غالب السوادي- قائد اللواء 310 مدرع أن أهمية هذا التقدم تكمن في أنه يُمكّن قوات الجيش من تأمين جبهة القلب والميسرة، كما أنه يقطع إمداد الميلشيا القادمة من منطقة الساقية بمحافظة الجوف، إضافة إلى كون المناطق المحررة، تطل على منطقة "ضبوعة" ومفرق "قطبين" وقرية "الحول".
وتعد جبال حلبان في ميمنة "فرضه نهم" وهي مفترق طرق الإمداد الواصلة من هران وكذلك من ضبوعة، كما تقدمت قوات الجيش في الميمنة بالتزامن مع تقدم الميسرة خلال الأيام الماضية، حيث وصلت القوات لأقرب نقطة لنقيل بن غيلان الإستراتيجية. ويفيد الخبير العسكري- اللواء/ محسن خصروف- في تصريح لـ"أخبار اليوم- أن القوات الحكومية نجحت في السيطرة على مجموعة من المرتفعات ذات الأهمية في جبهة نهم أهمها السيطرة على جبل حلبة، وتبتي رشح، وبابين، وتبة وجبل الحول. وعن الأهمية التي تمثلها هذه المرتفعات يوضح خصروف، أن هذه المواقع تمكٍّن من التقدم أكثر إلى الأمام وخاصة إذا ما نجحت القوات المسلحة من السيطرة على تبة القناصين.
وكان الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العميد الركن/ عبده مجلي، كشف عن الخطة العسكرية لتحرير العاصمة صنعاء من المليشيا الانقلابية. وقال العميد مجلي إن القوات في دخولها إلى مدينة صنعاء ستدخل من عدة محاور ومن عدة اتجاهات حسب الخطة المرسومة. وأفاد العميد مجلي بأن وحدات الجيش تمكنت من تحرير عدد من المواقع والجبال الإستراتيجية بمنطقة نهم شرق صنعاء، مشيراً إلى أن ذلك التقدم يحقق قطع طرق الإمداد عن الميليشيات ويحقق التقرب نحو مديرية أرحب شمال العاصمة صنعاء. وأضاف الناطق الرسمي للجيش إن هناك جبهات جديدة ستفتح في أماكن عديدة لم يتوقعها الانقلابيون، وسيندم تحالف الحوثي وصالح على أنهم تمردوا وانقلبوا على الشرعية والمرجعيات الأساسية المتمثلة في المبادرة الخليجية والقرار الدولي رقم 2216 ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
جبهة أم المعارك
اختارت قوات الشرعية منطقة نهم المترامية في أعالي جبال صنعاء لتخوض معركتها الكاسرة مع الانقلابيين، وهي المعركة التي أصبحت توصف بأنها "أم المعارك"، لأن السيطرة الكاملة على هذه المنطقة تعني الكثير في معادلة السيطرة على الجغرافيا اليمنية.
ودخلت المعركة الطويلة للسيطرة على بلدة نهم اليمنية ما يمكن أن يُطلق عليه "مرحلة الحسم"، وذلك بعد نحو تسعة أشهر من اختيار قوات الشرعية هذه البلدة المترامية في أعالي جبال صنعاء، لتكون معركتها الفاصلة في الحرب مع الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
وتعتبر نهم منطقة إستراتيجية بالنسبة للعاصمة صنعاء، فهي تحيط بها من الشمال والشرق، وتبلغ مساحتها 1841 كلم²، وتعد البوابة الشرقية الآمنة لها لوعورة تضاريسها الجبلية ومرتفعاتها الشاهقة. والسيطرة الكاملة عليها تعني بدء العد التنازلي لتحرير العاصمة بأقل كلفة.
وتشهد المنطقة منذ ديسمبر/كانون الأول من العام قبل الماضي، معارك عنيفة ارتفعت وتيرتها في الفترة الأخيرة مع بدء القوات الحكومية موجة جديدة من العمليات، تسعى من خلالها إلى استكمال السيطرة على هذه البلدة بهدف التقدم نحو تحرير العاصمة صنعاء، المعقل الرئيسي للانقلابيين.
وخلال هذه الفترة، تمكنت قوات الشرعية من السيطرة على العديد من المواقع والمرتفعات الجبلية المهمة من الناحية العسكرية. ولا يختلف اثنان من المحللين على أن خسارة معركة نهم تعني انهيار الخط الدفاعي الأول للانقلابيين، كما أن الفوز فيها بالنسبة لقوات الشرعية يعني سيطرة جزئية على العاصمة ومفتاح حل لتحريرها بأقل الخسائر.
ويرى رئيس مركز "أبعاد" للدراسات/ عبد السلام محمد، أن تأخر حسم معركة نهم مقارنة بمساحاتها الكبيرة التي هي أكبر من مساحة العاصمة صنعاء وعدن، يرجع إلى "توقف المعارك فيها مع بداية المشاورات التي استمرت أكثر من شهرين قبل عودة المواجهات بعد فشلها". ويعتبر السيطرة على نهم بأنها تعني السيطرة على بوابة صنعاء الشرقية والشمالية، وبالتالي السيطرة الجزئية على العاصمة، مشيرا إلى أنه إذا حُسمت معركة نهم ومحيط صنعاء فإن العاصمة ستُسترد بمعارك أقل كلفة.
الخبير اليمني في شؤون النزاعات المسلحة علي الذهب، يرى أن أهمية السيطرة على نهم تعني السيطرة على شبكة الطرق الرئيسة والفرعية الرابطة بين صنعاء والمحافظات الشرقية، ويضاف إلى تلك الأهمية أن المنطقة تقع ضمن خطوط التحصين الطبيعي للعاصمة وأكثرها تهديدا لها.
يقول الذهب، في حديث للجزيرة نت، إن السيطرة على نهم من قبل قوات الشرعية تعتبر "فاتحة لكسر بقية حلقات هذا الطوق، ومن الطبيعي أن تشكل أي خسارة لأي من طرفي الحرب مكسبا للطرف الآخر". ويضيف:"منطقة نهم تمثل امتدادا لمحافظة مأرب، جغرافيا وبشريا، ومع كون قيادة قوات الشرعية تتمركز في مأرب، فمن الطبيعي أن يكون هذا الامتداد -بما يملكه من خصائص- طريقا يقود إلى العاصمة صنعاء لاستردادها من قبضة الانقلابيين".
فرصة منفلتة لاستعادة الدولة
يرى المحلل السياسي وأستاذ علم الاجتماع السياسي- الدكتور/ عبد الباقي شمسان في العمليات العسكرية على تخوم صنعاء بأنها خيار عقلاني وحيد بناء على معرفته بمشروع سلوك وإستراتيجية الانقلابين، والتي يتوجب أن يرتفع وتيرتها مع عمليات تعز والحديدة وصعدة.
يقول شمسان:" لأن ذلك سوف يساعد على تماسك جبهة الشرعية ويصعد الاستعداد للاحتجاج من قبل الجماهير الرازحة تحت سلطة الانقلابين مما يساهم في إرباك الانقلابين. ومن المحتمل أن نشهد تطور دراماتيكي للأحداث لصالح السلطة الشرعية وخسائر متتابعة للانقلابيين في حال التقدم نحو تخوم صنعاء واستعادة بقية المحافظات الأخرى".
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع السياسي، في تصريح خاص لـ"أخبار اليوم"، أن تسارع العمليات العسكرية على تخوم صنعاء يتوجب أن تتزامن مع عمليات في تعز وصعدة، بحيث يتم استعادة أكبر مساحة جغرافية ومؤسسية خلال هذه الفترة، بحيث يصبح الانقلابين جماعة خارجة على الدستور والقوانين. وأنه على السلطة الشرعية بسط سيادة القانون على جغرافيتها المتبقية دون الحاجة للخضوع للابتزاز الدولي.
ويبني شمسان رؤيته هذه على اعتقاده بأن هذه المرحلة انتقالية، حيث الإدارة الأمريكية ما زالت تعيد ترتيب البيت وبحاجة لبعض الوقت لممارسة المهام. مشيراً إلى أن الضغوط كانت عالية على السلطة الشرعية ودول التحالف للذهاب نحو تسوية تستجيب للرؤية الغربية ومصالحها الاستراتيجية وليس المواثيق والمرجعيات الدولية وتطلعات الشعب اليمني.
ويقول:" حيث كان الترتيب أن يتم إعادة استدعاء الهويات الوطنية السابقة للهوية الوطنية الجامعة، على سبيل المثال ثنائيات السنة والشيعة وشمال وجنوب وهكذا". ويضيف:" وهذه المعالجة تقود إلى دورات عنف وطلب وطني للدول الأجنبية كوسيط وراعي وضامن للتسويات، حيث كل خرائط التسويات لا تشمل مسألة حقوق الإنسان وكذا العدالة الانتقالية باعتبارها شرط قبلي للسلام المستدام الذي يتأسس على المصالحة مع الذاكرة الوطنية".
ويستدل الدكتور/ عبد الباقي شمسان في بناءه هذا بسعى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة- الذي يتحرك من رؤية الدول الراعية وليس مرجعيات الأمم المتحدة- للعمل على الحفاظ على الحوثيين بصفة خاصة كطرف أصيل واستمرار منظومة المخلوع صالح ومشاركة السلطة الشرعية كأضعف طرف في المعادلة، بحيث تكون غير قادرة على صناعة القرار أو التأثير عليه، وفي المقابل يكون الانقلابين هم اللاعب الرئيس عمليا بعد منحهم شرعية الوجود دوليا.
ويختتم شمسان تصريحه لـ"أخبار اليوم" بالتأكيد على أن عامل الزمن في غاية الأهمية لاستعادة الدولة والجمهورية. ويقول:" إنها فرصة منفلتة، على السلطة ودول التحالف انتهازها لتحقيق الهدف المعلن وهو استعادة الدولة والشرعية على كامل الجغرافية اليمنية، لا مجال للانتظار ولا ضمانات لإدارة ترمب".
احتمال الحسم مرجح
يعتبر الكاتب والمحلل السياسي/ محمد الغابري اختيار نهم لتكون الطريق إلى العاصمة بأنه يشير إلى استراتيجية عسكرية طويلة النفس، وتبدو من الناحية الجغرافية أصلح بالنظر لموقعها ولكونها قلاع طبيعية من الجبال. وفي تساؤله عما إذا كان التقدم المستمر في نهم والاقتراب من مديريات أمانة لعاصمة يشير إلى قرار بالحسم العسكري للأزمة وإخفاق وفشل عملية التفاوض. يقول الغابري، في تصريحه لـ"أخبار اليوم"، أنه ربما يكون ذلك، وسيكون أكثر تأكيدا في حالة السيطرة على الساحل الغربي وإنهاء ماتبقى من جيوب في مأرب والجوف.
بحسب الغابري، فحالة نهم تحتمل الحسم وتحتمل التفاوض من مركز أقوى، على الرغم من وصول التفاوض إلى انسداد كلي. يقول:" التقدم المستمر في نهم، وإن كان بطيئا كما يبدو، إلا أنه يشير أيضا إلى احتمال السعي إلى إجبار تحالف "الحوثي- صالح" على التفاوض والتسليم بالمطالب المتصلة بإنهاء التمرد وما يتصل به". ويضيف:"أي السعي لتجنيب العاصمة الحرب وتكون وسيلة الحوثي صالح للحصول على مكاسب عبر التفاوض لكن أقل مما كانوا يهدفون إليه". 
وعن مدى استعداد الحكومة الشرعية وكذا قدراتها وإمكانياتها لخوض هذه المعركة يشير الغابري إلى أن العملية محصورة حقا بين الإرادة والقدرة، وإن توفرت الأولى، فهل القدرة متوفرة؟.. ويضيف:" قد تكون القدرة غير متوفرة حتى اللحظة وأنه يتم توفيرها". ويرى في ختام تصريحه أن العمليات في نهم لاتزال تكتيكية للاستفادة من عامل الوقت وإرباك تحالف الحوثي صالح واستنزاف إمكانياتهم مع الإعداد للقوة لتكون قادرة على تنفيذ قرار بالحسم.
اتساع دائرة المعركة
في نظر الخبير في شئون النزاعات المسلحة/ علي الذهب فإن معركة الجبهة الشرقية لصنعاء تأتي في إطار التضييق على الانقلاب وقواته، بالتزامن مع تحرك جبهات أخرى شمالا وغربا.
وهو ما يعني، بحسب تصريح الذهب لـ"أخبار اليوم"، أن المعركة اتسعت، وقد يفسح ذلك المجال لقيام جبهات أخرى في محيط العاصمة، وربما سيكون التحرك في جبهة صرواح بعد تعيين قائد جديد للمنطقة بعد نشاطها على إثر مقتل قائدها السابق، اللواء الشدادي.
وعن مدى قدرة طرفي الحرب: الحكومة الشرعية وتحالف الانقلاب على الصمود في هذه الحرب؟ وأيهما يملك القدرة على ذلك؟، يقول الخبير العسكري:" إن طرف الانقلاب، الآن، يقاتل بأعلى طاقة؛ فقد استنفد رجاله ومعداته أمام تحالف وقوات الشرعية اللذين يتمتعان بالقدرة على تعويض أي خسائر ومن أي نوع كان". ويضيف:" هذا فضلا عن فقدانه عنصر السيادة الجوية التي عادة ما يوفرها الطيران. وبالتالي فإن الحرب قد تأخذ وقتا، لكن الأرض تضيق تحت أقدام الانقلاب يوما إثر يوم، وهو ما يلحظ منذ عام".
ويشير الذهب إلى بعض النتائج العسكرية المترتبة عن ذلك، وكيفية انعكاسها على المكاسب السياسية. ويذكر أن أبرز نتيجة هي تشتيت قوة الانقلاب على قلتها، وبالتالي يتاح اقتحام العاصمة من أضعف نقطة أو نقاط فيها. لكنه يستبعد أن ذلك لن يتأتى إلا تدريجيا، عندما تؤازر جبهة جديدة الجبهات الموجودة الآن، في نهم وصرواح..
"نهم".. بوابة صنعاء الشرقية
في ديسمبر 2015م تمكن الجيش والمقاومة من اختراق أولى جدران الطوق الجبلي والحزام الأمني لصنعاء، لتكون بداية لانتقال المعركة من أدنى الصحراء إلى أعلى الجبل. استعادت المقاومة يومئذ سلسلة جبال صلب في الجزء الجنوبي الشرقي لنهم، المديرية، ووضعت أقدامها على أرض صنعاء.
مديرية نِهم إحدى مديريات محافظة صنعاء اليمنية وأكبرها جغرافيا. وتضم عزل: عيال صياد، عيال منصور، الحنشات، عيال غفير، مرهبة. وتقع مديرية نهم شمال شرق العاصمة صنعاء مباشرة، يحدها شمالا الجوف وحرف سفيان بمحافظة عمران، شرقا مأرب، جنوبا مديريتي بني حشيش وخولان صنعاء، ومن الغرب مديرية أرحـب. مساحتها الجغرافية (1.841 كم²) وسكانها (41.502 نسمة) وفقا لآخر إحصاء حكومي في 2004م. تشكل المديرية بجبالها المرتفعة وتضاريسها الوعرة نهاية القيعان وبداية الهضاب.
على قمة مرتفعة تقع "فرضة نهم" يمر من بين جبالها طريق إسفلتي يربط صنعاء، العاصمة والمحافظة، بمحافظتي مأرب والجوف ومحافظات الشرق، عند هذا الموقع الشهير تتقاطع المحافظات الثلاث، ومن هنا يكتسب الموقع أهميته الاستراتيجية والتاريخية.
في مراحل مختلفة من تاريخ اليمن القديم كانت "فرضة نهم" جدار الصد للتقدم نحو صنعاء، مع الاعتبار هنا بأن نقل المعركة من الصحراء صعودا إلى أعلى الجبل حيث يتمركز العدو مغامرة وانتحارا بمفاهيم العلوم العسكرية. حين يكون عدوك من فوقك يمكنه ضرب رأسك رميا بالحجارة والصخور المتدحرجة. ففي ستينات القرن الماضي فشلت القوات الملكية التابعة للإمام البدر في اجتياز نقيل الفرضة والتقدم نحو صنعاء أثناء المعارك العنيفة التي خاضتها مع قوات الجمهورية التي أطاحت بعقود من الحكم الإمامي.
في أعلى الفرضة يقع معسكر تابع لقوات الحرس الجمهوري سابقاً التابعة للمخلوع صالح، تتبع المعسكر نقطة عسكرية ومخزنا لتأمين السلاح وتحصينات مشرفة على الطريق وخنادق. في 2011 بدأ صالح تحريك قواته لضرب شباب الثورة السلمية التي اندلعت ضد نظامه في 11 فبراير، كانت قواته المتمركزة في نهم ومناطق الطوق على رأس خياراته، أدركت القبائل والجيش المناصر للثورة أهمية ذلك. في الـ27 من مايو 2011 سيطرت القبائل الثائرة على معسكر وموقع الفرضة ومعها نقيل بن غيلان لتخرج بوابة صنعاء الشرقية من سيطرة صالح، باتت قواته محاصرة غير قادرة على الحركة وسلاحها صار بيد الثوار.
في خطاباته قلما يفوت صالح تهديد معارضيه بالفرضة والنقيل، في منتصف 2014م كان صالح يستقبل مهنئيه بالنجاة من حادثة "النفق" الشهيرة، وبين ما قاله "هم لا يعرفون فرضة نهم ونقيل بن غيلان". فعل الأمر ذاته في أول خطاب له من الرياض بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في قلب قصره الرئاسي المحصن بالأسوار العالية وأنظمة الحماية المتطورة جنوب صنعاء تحدث صالح عن الفرضة والنقيل والصمع وبيت دهرة وخشم البكرة.
راوغ صالح في الاستسلام للثورة الضاغطة، لكنه كان يخسر قوته يوما بعد آخر، لاذ بمبادرة تسوية تولى صياغتها وتبنتها دول مجلس التعاون الخليجي، ماطل في التوقيع عليها كثيرا. حين كانت الفرضة ونقيل بن غيلان خارج سيطرته تقدم الثوار نحو العاصمة وسيطروا على معسكراته في بيت دهره وفي خشم البكرة ووصلوا إلى حدود الحتارش، كان ذلك التقدم إحدى أسباب رضوخ صالح ليغادر صنعاء ليلا إلى الرياض لتوقيع المبادرة (23 نوفمبر 2011).
في 2012 سلم الثوار المعسكرات والمواقع للحكومة التوافقية، وتم نقل كتائب من الجيش المناصر للثورة إلى معسكر الفرضة. لكن المعسكر والمواقع الأخرى عادت مجددا تحت سيطرة تحالف صالح وجماعة الحوثي بعد انقلابهم على الدولة في سبتمبر2014م.
"أرحب".. مفتاح صنعاء الاستراتيجي
تقع مديرية أرحب في محافظة صنعاء في أقصى شماليها الشـرقي، وإلى الشمال من مديرية بني الحارث التابعة لأمانة العاصمة على بعد 25كم من مدينة صنعاء، وترتفع مديرية أرحب عن سطح البحر نحو 2200م تقريباً، ما خلا الأودية كالخارد وشوابة وهران فدرجة ارتفاعها دون ذلك.
وتتصل حدودها الإدارية في الشمال والغرب مع الحدود الإدارية لمحافظة عمران، يحدها من الشمال محافظة عمران (مديرية حرف سفيان) ومحافظة الجوف (مديرية المطمة)، ومن الجنوب محافظة صنعاء (مديرية همدان)، وأمانة العاصمة (بعض قرى مديرية بني الحارث)، ومن الشرق مديرية نهم، ومن الغرب محافظة عمران (مديريات ريدة، خارف، ذيبين)، ومديرية همدان. وتبلغ مساحتها 1308كم2، ومركز المديرية (بيت مران)، وتضم هذه المديرية 240 قرية تشكل 15عزلة، هي: (بني سليمان، بني علي، بني مرة، بني حكم، بيت مران، الثلث، حبار، الخميس، الزبيرات، زندان، شاكر، شعب، عيال عبداللاه، المنصور، هزم).
ويؤكد مراقبون أن معركة أرحب (شمال شرقي صنعاء) ستكون حاسمة في التقدم نحو العاصمة اليمنية، نظرا لموقعها الإستراتيجي وولاء قبائلها للسلطة الشرعية. وبحسب مصادر في الجيش الوطني فإن أكثر من 90% من ولاء قبائل أرحب لقوات الشرعية والثورة، وهي قبائل متقاربة مع قبائل منطقة فرضة نهم في رفضها الانقلاب الذي قادته جماعة الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. ويشدد قادة في القوات المسلحة اليمنية على الأهمية الإستراتيجية لأرحب من حيث إنها منطقة متاخمة مباشرة لصنعاء، والسيطرة عليها بشكل كامل يفتح الطريق لتقدم سريع نحو العاصمة اليمنية. 
ويتوقع خبراء عسكريون حصول تغيير كبير في المشهد العام في صنعاء على خلفية السيطرة على أرحب، كون ذلك سيمهد لاستعادة الدولة الشرعيةَ وإلغاء مظاهر الانقلاب في اليمن والمليشيات التي أوصلت اليمن إلى ما هو عليه الآن. ويشير الخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية اليمني/ محمد جواس إلى أن أرحب ذات أهمية إستراتيجية كبيرة لما فيها من حاضنة اجتماعية توالي السلطة الشرعية، ولها تاريخ في مقارعة المخلوع. وفضلا عن موقع أرحب الإستراتيجي المطلّ على مطار صنعاء وقاعدة الديلمي، فإنها تربط بين ثلاث محافظات: صنعاء وعمران والجوف.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد