تقرير دولي حديث يكشف عن تفاصيل انتهاكات مليشيا الحوثي خلال عامين من انقلابها على السلطة..

اليمن.. القتل المروع للمدنيين

2017-01-24 06:57:47 تقرير خاص

تيجة لسيطرة مليشيا الحوثي وحليفها علي عبد الله صالح على العاصمة صنعاء تشكّل واقع يمني جديد، يتسم بالقمع للحرّيات العامة، شهدت فيه الكثير من الانتهكات لحقوق الإنسان طالت العديد من الناشطين السياسيين ورجال الإعلام والصحافة والحقوقيين والتجمعات السلمية والتظاهرات المناوئة لها.
وأسفرت هجمات الانقلابيين الحوثيين وحليفتهم قوات الرئيس السابق صالح، على مختلف المدن والبلدات اليمنية منذ مطلع العام 2014 عن ارتكاب حالات قتل كثيرة في أوساط المدنيين خارج القانون، اعتقالات تعسفية، قتل وتعذيب في المعتقلات، تفجير المنشآت والبيوت، وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وممارسة العقاب الجماعي ضد السكان المدنيين وحصار المدن وحرمانها من الخدمات الأساسية العامة وأيضا قطع رواتب الموظفين و”السيطرة على مقدّرات البلاد المالية وتسخيرها لتمويل عملياتهم الحربية تحت مسمى (المجهود الحربي)، وفقا للاتهامات الحكومية لها.
ما سبق أورده تقرير حقوقي حديث أطلقته منظمة رادار لحقوق الإنسان بعنوان (اليمن.. القتل المروع للمدنيين)، يسلط الضوء على جرائم انتهاكات الحق في الحياة، وجرائم الحرب بحق المدنيين من مختلف أطراف الصراع المسلح في اليمن. ويأتي إطلاق التقرير- حصلت "أخبار اليوم" على نسخة منه- والذي دشنت به المنظمة ومقرها إسطنبول انطلاقتها في وقت يدخل الصراع في اليمن عامه الثالث، منذ انقلاب جماعة الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي صالح على السلطة الشرعية والقوى السياسية في 21 سبتمبر 2014، وسط غياب كامل لأي آليات حماية للمدنيين في مختلف مناطق البلاد، بينما يستمر تحالف الانقلاب بانتهاكات خطيرة لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. ويكشف التقرير الذي يمثل باكورة إصدارات المنظمة، عن ارتكاب تحالف الحوثيين وصالح الجزء الأكبر من جرائم قتل المدنيين، مع سرد بعض النماذج البارزة لحالات الانتهاكات التي ارتكبت خلال عامي 2015 و 2016 وما قبلها من قبل مختلف الأطراف، وذلك ضمن سلسلة تقارير دورية ستصدرها (رايتس رادار) تباعا حول حقوق الإنسان في اليمن.

انتهاكات الحق في الحياة
منذ سيطرة المسلحين الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 أيلول/سبتمبر 2014 شهدت الساحة اليمنية انتهاكات بصورة غير مسبوقة للحقوق الأساسية، وفي مقدمتها الحق في الحياة، حيث يحصد النزاع المسلح أرواح اليمنيين بشتى الوسائل وعلى يد مختلف الأطراف مع تفاوت كبير بين طرف وآخر. وبحسب التقرير، تفشّت إثر ذلك ظاهرة القتل العشوائي بصوة غير مسبوقة، واستخدم التوظيف السياسي أداة للإفراط في عمليات القتل من قبل الحوثيين في سياق قمع الخصوم السياسيين ومحاولة تجسيد الوضع الانقلابي في العاصمة صنعاء وفي بقية المحافظات التي سيطر عليها المسلحون الحوثيون بالتحالف مع قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، مع تغييب كامل لمنظومة العدالة في البلاد.
ويؤكد التقرير أن جرائم انتهاك الحق في الحياة ما زالت مستمرة ضد المدنيين بوتيرة عالية، وتأخذ أشكالا مختلفة، بدءا بقمع التظاهرات والتجمعات السلمية بالرصاص الحي، مروراً بممارسات القتل الجماعي والقصف العشوائي على التجمعات البشرية والأحياء السكنية وانتهاء بالإعدام بدم بارد والقتل عبر زراعة الألغام أو تحت التعذيب في المعتقلات، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن تزهق فيه أرواح مدنيين وتُنتهك حقوقهم وتصادَر حرياتهم وتُغتال فيه براءة الأطفال. وأشار التقرير إلى ارتكاب العديد من الأطراف الكثير من الانتهاكات، وفي مقدمتها مليشيا جماعة الحوثي وحليفتها القوات الموالية للرئيس السابق علي صالح.
وقال التقرير أن العديد من المدن اليمنية شهدت عمليات استهداف للمتظاهرين السلميين بالرصاص الحي من طرف قوات الحوثيين وصالح، كما قامت هذه القوات بعمليات قصف عشوائي طالت العديد من الأحياء السكنية وسقط جراءها الكثير من المدنيين، خاصة في محافظات عدن ولحج وتعز والبيضاء ومأرب، وتوجه لها المسؤولية عن الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين والتجمعات السكانية واغتيال الناشطين السياسيين والصحافيين والتصفيات الجسدية لقيادات في الأمن والجيش الموالية للرئيس هادي أو التي ترفض الاشتراك بالحرب في صفوف الحوثيين، ناهيك عن القتل بدم بارد، وتطورت هذه الممارسات لتأخذ طابعاً أكثر قسوة باتخاذ ناشطين سياسيين وصحافيين دروعاً بشرية في مواقع عسكرية وأهداف مؤكدة لغارات التحالف العربي، بقيادة السعودية، كما عمدت قوات الحوثيين وصالح إلى زرع عشرات الآلاف من الألغام المضادة للأفراد قبل انسحابها من المناطق التي كانت تسيطر عليها، وهو الأمر الذي لا يزال يستنزف أرواح المزيد من المدنيين في محافظات تعز ومأرب وعدن ولحج وحجة وغيرها.
وأصدر مركز أبعاد للدراسات بالتعاون مع مركز صنعاء الحقوقي تقريرا إحصائيا كشف فيه عن مقتل نحو 12850 مدنيا منذ سقوط الدولة بأيدي المسلحين الحوثيين وقوات علي صالح في 21 أيلول/سبتمبر 2014 وحتى شهر تشرين أول/ أكتوبر 2016 ، كما أصيب حوالي 34620 مدنيا في عملية اجتياح واقتحام المدن من قبل ميلشيات الحوثي وقوات صالح بينهم 2812 طفلا و 2269 امرأة في مختلف محافظات الجمهورية. وذكر التقرير أن قوات الانقلابيين الحوثي/ صالح تسببوا مباشرة في مقتل أكثر من 11500 بمعدل % 89 من القتلى المدنيين، بينهم 11244 مدنيا قتلوا على أيدي قوات الانقلابيين )الحوثي/صالح( في عمليات اجتياحها للمدن بينهم 914 طفلاً و 546 امرأة، فيما يقدر عدد القتلى جراء زراعتهم للألغام بأكثر من 256 مدنيا والتي أدت أيضا إلى إصابة أكثر من 335 غالبيتهم أصبحوا في عداد المعاقين، في خمس محافظات فقط هي لحج وعدن وأبين والضالع ومأرب وذلك خلال عام واحد بين تموز/يوليو 2015 وحزيران/ يونيو 2016، بينما هناك محافظات أخرى سقط فيها ضحايا مدنيين نتيجة انفجار الألغام ولم تضف لهذه الإحصائية، كمحافظة تعز والبيضاء وحجة وعمران لعدم توفر بيانانات دقيقة لذلك.
الفرق الميدانية التابعة لمنظمة رايتس رادار ذكرت أنها وثّقت عددا كبيرا من حالات الانتهاكات لحقوق الانسان خلال فترة الحرب في مختلف الجوانب في العديد من المحافظات والتي ارتكبت من قبل مختلف الأطراف وما الحالات المنشورة في هذا التقرير الا نماذج محدودة فقط وليس حصرا لكل حالات الانتهاكات التي ارتكبت في البلاد.

قتل المتظاهرين السلميين
شهدت العديد من المدن اليمنية احتجاجات واسعة مناهضة للحوثيين منذ كانون ثاني/يناير 2015، تطالب بخروجهم من المدن ومن مؤسسات الدولة، غير أنها، وفقاً للتقرير، قوبلت بقمع مفرط وممنهج، من قبل مسلحي جماعة الحوثي وصالح، مستخدمين الذخيرة الحية والقنابل المسيّلة للدموع، كما اختطفت متظاهرين وأساءت معاملتهم وعذّبتهم، ووصلت بعض حالات التعذيب للمختطفين حد الوفاة.
ففي مدينة تعز، شنت قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقاً)، الموالية للرئيس السابق علي صالح وأصبحت تحت قيادة الحوثيين، هجوما بالذخيرة الحية على محتجين سلميين، استمرت عمليات القمع للمتظاهرين عدة أيام متتالية، بدءاً من يوم 22 آذار/مارس 2015 ، ما أسفر عن قتل ما لا يقل عن ثمانية محتجين وإصابة ما لا يقل عن 30 آخرين، وأسعف ما يربو على 279 شخصاً من المتظاهرين جراء حالات الاختناق التي تعرضوا من الغاز المسيّل للدموع الذي استخدم لتفريقهم. واعتبرت منظمة العفو الدولية حينها بأن استهداف المتظاهرين السلميين على هذا النحو، يكشف ازدراء للحياة الإنسانية.
وفي مدينة إب، وسط اليمن(، قام مسلحوا جماعة الحوثي، بمشاركة عناصر يرتدون زي قوات الأمن الخاصة )الأمن المركزي سابقاً( الموالين لها، بالاعتداء على المتظاهرين السلميين بإطلاق الرصاص الحي ضدهم أكثر من مرة، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. على سبيل المثال قتل مسلحون حوثيون الشاب نصر الشجاع، 23 سنة، بتأريخ 20 شباط/فبراير 2015 ، عندما أطلقوا الرصاص الحي على احتجاج سلمي شهدته المدينة، وطبقاً لعائلته اخترقت الرصاصة كتفه الأيسر وأتلفت القلب ثم خرجت من كتفه الأيمن وتسببت في وفاته. وأصيب محتجان آخران بجروح بليغة ناجمة عن عيارات نارية في اليوم نفسه. وفي تأريخ 4 شباط/فبراير 2015 ، أدى قمع المتظاهرين إلى إصابة ثلاثة أشخاص، أحدهم كانت حالته خطرة. وفي تأريخ 16 شباط/ فبراير 2015 ، أطلقت مليشيات الحوثي الرصاص الحي على محتجين في مدينة إب، ما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل، وقد تحدثت مصادر صحافية أيضاً عن مقتل طفل وامرأة من المارة بالشارع برصاص الحوثيين أثناء قمع المتظاهرين.
وفي مدينة البيضاء، قتل المسلحون الحوثيون 3 متظاهرين وأصابوا 15 آخرين بتأريخ 12 آذار/مارس 2015 ، في هجوم بالرصاص الحي نفذه الحوثيون على محتجين خرجوا في مدينة البيضاء جنوب شرقي اليمن رفضا لما أسموه ب)الانقلاب الحوثي( على الدولة. واستمرت عمليات المسلحين الحوثيين في قمع أي تظاهرات أو تجمعات سلمية بعنف مفرط في المناطق التي سيطروا عليها بقوة السلاح، ولا زالت عمليات القمع تطال المتظاهرين ومنها القمع المستمر لمظاهرات أمهات المعتقلين الأسبوعية في العاصمة صنعاء.
وفي تأريخ 12 تشرين ثاني/نوفمبر 2016 ، قمعت مليشيا الحوثي وصالح المئات من العسكريين ومنتسبي الأمن، الذين تجمعوا في ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء التي تقع تحت سيطرتهم، لمطالبة سلطات الانقلابيين (الحوثيين/صالح) بصرف رواتبهم كاملة، بعدما قامت هذه السلطات بخصم نصف مرتباتهم لدعم وتمويل جبهاتهم القتالية. وقال مشاركون في تلك المظاهرة إن مليشيا الحوثي قمعت المظاهرة، وقامت بالإعتداء على المشاركين فيها بالهراوات وأعقاب البنادق واستخدمت الرصاص الحي، ما أدى إلى سقوط جرحى. وأكد مشاركون أن مليشيا الحوثي قامت بعملية خطف عدد من المحتجين ونقلهم إلى جهة غير معروفة. وفي نفس اليوم ولكن أمام القصر الجمهوري بصنعاء فرقت مليشيا الحوثي تجمعا لمنتسبي القضاء الذين كانوا يطالبون بالإفراج عن قاض خطفته المليشيا الحوثية في وقت سابق.
وكشف التقرير عن أن عمليات القمع التي مارستها ميليشيا الحوثي وصالح ضد المحتجين السلميين ساهمت في تأجيج عوامل العنف المسلح في البلاد، وأغلقت أمام اليمنيين أي فرصة لاستخدام أدوات للنضال السلمي في مواجهة العنف الحوثي المسلح، وبالذات مع سيطرة الحوثيين على أغلب مقومات الدولة العسكرية والمدنية.

الاغتيالات السياسية
في ظل هذه الظروف ازدهرت جرائم الاغتيالات السياسية في الفترة التي أعقبت انقلاب الحوثيين وحلفائهم على سلطة الرئيس هادي المعترف بها دوليا، طالت قيادات سياسية تنتمي لحزب التجمع اليمني للإصلاح، وأخرى طالت شخصيات محسوبة على التيار المعتدل في جماعة الحوثي. ورصد التقرير عدد من عمليات الاغتيال، ففي 21 كانون ثاني/يناير 2014 اغتال مسلحون مجهولون الأستاذ الجامعي أحمد شرف الدين، عبر إطلاق الرصاص الحي عليه وهو يستقل سيارته في الشارع العام عقب خروجه من منزله بصنعاء، وهو قيادي بارز في حزب الحق وممثل عن جماعة الحوثي في مؤتمر الحوار الوطني في اليمن.
وفي تأريخ 2 تشرين ثاني/نوفمبر 2014 اغتال مسلحان مجهولان الأمين العام المساعد لحزب اتحاد القوى الشعبية المقرب من الحوثيين محمد عبد الملك المتوكل بإطلاق الرصاص الحي عليه من قبل مسلحان كانا يستقلان دراجة نارية في العاصمة صنعاء، وسجّلت القضية ضد مجهول وطالب أفراد من عائلة المتوكل بعدم توظيف عملية اغتياله سياسياً. وقبل ذلك بعام اغتال مسلحان مجهولان بذات الطريقة عضو مجلس النواب الموالي للحوثيين عبدالكريم جدبان، في 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2013.
وفي 18 تشرين ثاني/نوفمبر 2014 ، اغتيل الأمين العام المساعد لحزب التجمع اليمني للإصلاح في محافظة تعز صادق منصور الحيدري، في انفجار عبوة ناسفة زرعت في سيارته، في منطقة المسبح بتعز. وفي تأريخ 30 آذار/مارس 2015 ، اغتال مسلحوا الحوثي القيادي في حزب الإصلاح بالحديدة جمال عياني، بعد انتهاء تظاهرة مناهضة لهم شهدتها المدينة، وقمعتها قوات الحوثي وصالح بالرصاص الحي.
وفي تأريخ 21 أيار/مايو 2015 ، اغتال مسلحون حوثيون الناشط في حزب الإصلاح عبده المدومي بصنعاء. ووفقا لشهود عيان أكدوا أن مسلحين حوثيين اغتالوا المدومي في حي السُّنينة بعد أن كان قد تلقى تهديدات مسبقة منهم. وفي تأريخ 23 نيسان/أبريل 2016 اغتال مسلحان، يعتقد انهما حوثيان كانا يستقلان دراجة نارية، رئيس مجلس شورى حزب التجمع اليمني للإصلاح في محافظة ذمار حسن اليعري، حيث أطلقا النار عليه أمام منزله أثناء عودته من صلاة الظهر، حيث فارق الحياة على الفور، وكان اليعري تعرض في وقت سابق للاختطاف من قبل مسلحين حوثيين في محافظة ذمار التي تقع تحت سيطرة الحوثيين. ولم تعلن أي جهة أمنية أو مسؤول في سلطة الأمر الواقع الانقلابية في صنعاء عن فتح تحقيق في جرائم الاغتيالات والقتل خارج نطاق القانون التي طالت المتظاهرين السلميين او المدنيين أو قيادات سياسية معارضة للحوثيين على أيدي المسلحين الحوثيين.
وقال التقرير أنه في ظل غياب شبه كامل لنظام العدالة في اليمن، وانعدام إجراء تحقيقات شفافة وعادلة، اطلق مسؤولون أمنيون موالون للحوثي وصالح اتهامات سياسية بشأن حوادث الاغتيالات والهجمات العشوائية التي شهدتها البلاد منذ أيلول/سبتمبر 2014، وتم استخدام تلك الاتهامات في سياق التوظيف السياسي لهذه العمليات بهدف التخلص من الخصوم السياسيين مع تمييع القضايا جنائيا.

انتهاكات في حق المدنيين
وثّق ناشطون ومنظمات حقوقية يمنية تفاصيل انتهاكات إنسانية مُروِّعة، ارتكبت خلال أحداث العنف المسلح التي شهدها اليمن منذ مطلع 2015، وتم توجيه أصابع الاتهام بارتكاب هذه الانتهاكات نحو أطراف عديدة، في مقدمتها قوات الانقلابيين الحوثيين والرئيس السابق علي صالح، خلال عملياتها العسكرية للسيطرة على المدن وقمع الأعمال المسلحة المناهضة لها، في ظل غياب تام لدور الجهات الحكومية وغير الحكومية المناط بها التحقيق في مثل هذه الوقائع.
ففي تأريخ 5 أيار/مايو 2015 ارتكبت قوات الحوثيين/صالح مجزرة انسانية مروعة ضد المدنيين الذين كانوا يحاولوا الفرار من ويلات الحرب في عدن، حيث أمطرت هذه القوات بقذائف صاروخية ومدفعية تجمعات لنازحين مدنيين عند رصيف ميناء التواهي في مدينة عدن، بينهم أطفال ونساء، كانوا يتأهبون للصعود إلى قوارب لتقلّهم بحراً إلى الضفّة الأخرى من اليابسة هرباً من جحيم الحرب والحصار في مدينة عدن. وكشفت العديد من المصادر الحقوقية عن صعوبات بالغة حالت دون توثيق تفاصيل هذه المجزرة والحصول على أرقام دقيقة حول الحصيلة النهائية لعدد ضحاياها، غير أنها تمكّنت من جمع وتوثيق شهادات مروعة لبعض الناجين من هذه الحادثة. وقالت منظمة العفو الدولية إنها جمعت أدلة تدين المسلحين الحوثيين بشن هجمات عشوائية بقذائف الهاون على مدنيين، كما استهدفوا مرارا عاملين طبيين ومرافق صحية في محافظة عدن.
وفي منطقة دار سعد بمحافظة عدن، جنوبي اليمن، أقدمت مليشيات الحوثي وصالح في تأريخ 20 تموز/يوليو 2015، على قصف سوق شعبية بقذائف صاروخية، ما أسفر عن مقتل 57 مدنيا، بينهم 12 طفلا و 6 نساء، وإصابة 215 آخرين بجروح، بينهم 25 طفلا و 15 امرأة، بحسب مدير عام الصحة في محافظة عدن، الخضر لصور.
وفي قضايا ذات صلة، كشفت منظمة العفو أيضا، عن سقوط عشرات القتلى في صنعاء جراء نيران المدافع المضادة لطائرات قوات التحالف العربي، أطلقها عناصر ميليشيا الحوثي المسلحة وانفجرت عقب سقوطها في المناطق الآهلة بالسكان متسببةً بمقتل بعض المدنيين وتشويه البعض الآخر منهم. ونسبت المنظمة الى أحد أطباء مستشفى الثورة بصنعاء قوله ان الغالبية الساحقة (حوالي % 90) من المرضى المصابين خلال فترة الحرب يتم إدخالهم المستشفى جراء إصابتهم بنيران المدافع المضادة للطائرات. وقالت المنظمة ان مندوبيها تحدثوا مع السكان وأفراد الطواقم الطبية العاملة في تسعةٍ من مستشفيات المدينة، أكدوا بدورهم أن المدافع المضادة للطائرات هي السبب الأول لوقوع خسائر في الأرواح داخل العاصمة صنعاء.
وإلى جانب الحصار الخانق الذي فرضته قوات الحوثيين وصالح على مدينة تعز، قامت هذه القوات بعمليات قصف عشوائية مميتة ضد السكان والأحياء السكنية في المدينة، ذهب ضحيتها آلاف المدنيين، حسب تقديرات المنظمات الحقوقية. وذكر ائتلاف الإغاثة الإنسانية، وهو إئتلاف منظمات غير حكومية في مدينة تعز، أن القصف العشوائي على الأحياء السكنية في محافظة تعز وفي القرى التابعة لها من قبل القوات الحوثية والموالية لصالح، تسببت في مقتل 1231 مدنيا بينهم نساء وأطفال خلال العام 2016.
وفي العام 2015 قال تقرير صادر عن المركز الإنساني للحقوق والتنمية بتعز، وهو منظمة حقوقية غير حكومية، ان قوات الحوثي وصالح، قتلت نحو 1535 مدنيا في مدينة تعز، خلال الفترة من 25 آذار/مارس إلى 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
وقال التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، وهو تحالف يضم 10 منظمات حقوقية يمنية غير حكومية، ان القصف العشوائي من قبل القوات الحوثية والموالية لصالح على المدنيين والأحياء والمناطق المأهولة بالسكان في العديد من المحافظات اليمنية تسبب في مقتل 10668 مدنيا، خلال عامي 2015 و 2016 ، تشمل مقتل 8202 مدنيا خلال 2015 ومقتل 2466 مدنيا خلال 2016 بينهم المئات من النساء والأطفال.
ومن بين أكثر المجازر دموية التي ارتكبتها قوات الحوثيين وصالح في مدينة تعز كانت خلال يومي الاربعاء والخميس 21 و 22 تشرين أول/اكتوبر 2015 ، عندما أطلقت أكثر من 10 صواريخ نوع كاتيوشا على شارع جمال وأسواق وأحياء مكتظة بالسكان، ما أسفر عنها مقتل أكثر من 15 مدنياً، بينهم 3 أطفال وجرح أكثر من 75 آخرين، بينهم 12 طفلاً، معظمهم إصاباته خطرة. ودانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في بيان لها، هذه المجزرة المروعة، وألقت بالمسؤولية في ارتكابها على المليشيا التابعة للحوثيين وقوات صالح، وعبرت عن قلقها البالغ إثر تدهور الوضع الإنساني في مدينة تعز، جراء نقاط التفتيش التي تقيمها المليشيا التابعة للحوثيين وصالح منذ نيسان/ابريل 2015.
وتشدد ميليشيا الحوثيين وقوات صالح القيود على حركة المدنيين من والى مدينة تعز والسيطرة على الطرق المؤدية اليها، وقيامها بقطع طرق الإمداد الرئيسية للمدينة من صنعاء وعدن وإب ولحج والحديدة.
وفي تأريخ 21 حزيران/يونيو 2016 ، أطلقت قوات الحوثيين وصالح قذائف صاروخية استهدفت تجمعا للمدنيين في حي وادي المدام في تعز، ما أسفر عن مقتل 4 مدنيين بينهم ثلاث نساء، وهم: فهد محمد قاسم الفقيه 45 سنة، منى محمد عثمان اليوسفي 44 سنة، إشراق محمد علي الشيباني 35 سنة، سمر محمد علي الشيباني 35 سنة، خولة الشيباني 13 سنة، كما أصيب ثلاثة آخرون.
وكانت قوات الحوثيين وصالح صعدت القصف العشوائي ضد الأحياء السكنية في مدينة تعز، منذ مطلع الشهر نفسه، رغم انعقاد مشاورات السلام في الكويت برعاية الأمم المتحدة. ودانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بأشد العبارات، سلسلة الهجمات الصاروخية وقذائف الهاون على العديد من المناطق السكنية والأسواق في مدينة تعز اليمنية والتي وقعت بين الثالث والثامن من حزيران/يونيو 2016 ، وأسفرت عن مقتل 18 مدنيا، من بينهم سبعة أطفال، وجرح 68 آخرين.
وقال التقرير أنه منذ بدء المواجهات العسكرية في مدينة تعز في نيسان/ إبريل 2015 لا يكاد يمر يوم دون أن يسقط فيه مدنيون في مدينة تعز جراء القصف العشوائي للأحياء السكنية بالقذائف المدفعية وعمليات القنص من قبل قوات الحوثيين وصالح.
المدنيون دروعاً بشرية
في سابقة خطيرة اختطفت مليشيا الانقلابيين الحوثيين ناشطين ومعارضين سياسيين، وقامت بنقلهم إلى مراكز اعتقال غير قانونية، محتَمَلة الاستهداف من قبل طائرات قوات التحالف، مثل معسكرات تابعة للجيش الموالي لها، حيث اتخذتهم دروعاً بشرية، تنفيذاً لتهديدات سابقة بذلك أفصح عنها سلفا مقربون من الحوثيين والرئيس السابق علي صالح، عقب إعلان حزب الإصلاح المناهض للحوثيين تأييده للعمليات العسكرية لقوات التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن.
ووثقت منظمة اردار لحقوق الإنسان حالات استخدم فيها الحوثيون المدنيين ردوعاً بشرية، ففي تأريخ 15 نيسان/أبريل 2015، اختطفت مليشيات الحوثي والقوات الموالية لصالح القيادي الإصلاحي بمحافظة إب أمين الرجوي بعد استدراجه الى مبنى إدارة الأمن في مدينة إب واقتادته إلى جهة مجهولة بتأريخ 3 نيسان/ابريل 2015، حيث أخفي قسرياً منذ تلك اللحظة، وإثر جهود مضنية بذلتها أسرته لمعرفة مكانه ومصيره، تمكنت بتأريخ 31 أيار/مايو 2015 من العثور على جثته مشوّهة وعليها آثار حروق وكسور بمستشفى ذمار العام، تعرفت عليه بواسطة أبنائه، الذين كشفوا عن احتمال تعرضه للتعذيب قبل اتخاذه مع مختطفين آخرين دروعاً بشرية في موقع جبل هرّان العسكري الذي استهدفته طائرات التحالف أكثر من مرة.
وكان آخر تلك الهجمات الهجوم الذي أودى بحياة عشرات المختطفين بتأريخ 21 أيار/مايو 2015، بينهم الناشط السياسي الرجوي واثنين صحافيين مختطفين، هما عبد الله قابيل مراسل التلفزيون اليمني المستقل (يمن شباب)، ويوسف العيزري مراسل تلفزيون سُهيل، الذين كانت مليشيا الحوثي اختطفتهما يوم الأربعاء 20 أيار/مايو أثناء عودتهما من تغطية مهرجان لرجال قبائل مناوئين للحوثيين في محافظة ذمار - 100 كيلو جنوب صنعاء- وقد طالب الاتحاد الدولي للصحافيين حينها الأمم المتحدة بالتحقيق في مقتلهما.
وقد وثّقت منظمة رايتس رادار مقتل 11 شخصاً على الأقل من ضحايا مجزرة الدروع البشرية في جبل هرّان، وذكر الأهالي وشهود عيان بأن الحوثيين وقوات صالح تمركزت على قمة جبل هران ونصبت على قمته مضادات الطيران واستخدمت مقر إدارة حديقة هرّان كمخزن للأسلحة وسجن غير قانوني لمعارضيها تحت إشراف أحد قيادات الحوثيين في ذمار يدعى أبو زيد عبد الغني الطاووس وهو ينتمي الى معقل جماعة الحوثي في محافظة صعدة.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد