صناعة الموت.. حرب الانقلابيين القذرة في اليمن

2017-02-01 06:40:28 تقرير خاص/ وئام عبد الملك

ودعت الطفلة" نهلة سعيد"، حلمها بإكمال دراستها، بعد أن كانت على موعد مع لغم أرضي، غيّر واقعها في لحظات، وجعلها تفكر بالمستقبل بسوداوية.
غابت عن" نهلة" الكثير من تفاصيل تلك الواقعة، وكل ما تتذكره هو صوت انفجار باغتت به الأرض الطفلة ذات الثلاثة عشر ربيعا.
تقول والدتها"حمامة"، والدموع تنهمر من عينيها،:" طلبت من ابنتي أن تعيد الماشية "الأغنام"، قبل أن يتجهن صوب جبل" المنعم" المليء بالألغام، وقبل أن تصل انفجر لغم أرضي".
تتوقف برهة وتستطرد لـ"أخبار اليوم": " كنا نتوقع أن الحوثيين زرعوا الألغام في الجبل فقط، لم أكن أعلم أن كل الأرض باتت ملغمة".
الأم المفجوعة بابنتها، والتي خارت قواها حين رأت أشلاء قدم ابنتها، ما تزال تتذكر الخوف الذي بدا جليا في أعين أهالي قرية خور بالمدغر في مديرية الضباب غرب مدينة تعز، وسط اليمن، فغداً ربما يكونوا هم الضحية الجديدة.

بات المدنيون هدفا لمليشيا الحوثي وصالح الانقلابية، التي لم تتوانَ عن زراعة الألغام في مختلف الأماكن التي كانت أو ما زالت تحت سيطرتها.
فعملت على زراعتها بأشكال وأحجام متعددة، وبطريقة عشوائية، حصدت المئات من المدنيين في تعز، فضلا عن استهداف بعض أفراد الجيش الوطني في مختلف الجبهات.
يتفنن الحوثيون بصناعة تلك الألغام، فكانت على شكل صخور، وكتل إسمنتية، وجذوع أشجار، وفي الشوارع والمنازل، والجبال، والوديان، وفي جثث بعض الحيوانات النافقة، وكل مكان خضع لسيطرتهم ذات يوم، خصوصاً في محافظة تعز، وهو ما خلف مستقبل مفخخ ينتظر ملايين المدنيين، ويخشاه المواطن بعد الحرب.
وأشارت لجنة الإغاثة والمتابعة لضحايا الحرب، وهى لجنة حكومية يمنية، في تقرير سابق لها، أن تلك الألغام والذخائر تم زرعها في الطرق العامة وبعض الشوارع بداخل المدن.
ونتيجة لذلك كان تضرر المدنيين يفوق بشكل كبير تضرر أفراد الجيش وأفراد المقاومة الشعبية.
وذكرت اللجنة، أن بعض التقارير الميدانية، أشارت إلى أن الحوثيين قاموا بزرع الألغام في بعض المناطق السكنية والقرى الريفية على امتداد المحافظات الجنوبية الأربع - عدن وأبين والضالع ولحج.

تاريخ من المأساة
تصنف اليمن الآن كثاني دوله بانتشار زراعة الألغام، وهي موقعة على الاتفاقية الدولية لحظر استخدام الألغام التي تستهدف الأفراد، والتزمت على إثرها بالتخلص منها، ومنع والمتاجرة بها أو تخزينها وتصديرها، وأعلنت في 2012 أنها تخلصت من كافة الألغام لديها.
لكن الحرب في اليمن واستمرار تهريب الأسلحة للحوثيين، ونهب أسلحة الدولة، فتح الباب أمامهم للحصول على آلاف الألغام بعضها إيرانية الصنع.
وبدأت معاناة اليمن مع الألغام منذ عام 1962- 1967، التي شهدت اليمن فيها حروبا ضد الإمامة، مرورا بالسبعينات وما تلاها من صراع مع الجبهة الوطنية، وحتى حرب صيف 1994 بين شمال اليمن وجنوبها.
وخلفت تلك الحروب مئات الضحايا، وآلاف الألغام، التي لم تتمكن الدولة على الرغم من الجهود الحثيثة التي قامت بها، أن تتخلص منها، حصدت أكثر من ستة آلاف ضحية.
وتفاقم الأمر أكثر لكن في نطاق غير واسع كثيرا، منذ أن بدأت حرب 2004 وحتى 2010 بين الدولة وجماعة الحوثي.
وازداد صعوبة بعد سيطرة تنظيم القاعدة على أبين عقب أحداث ثورة فبراير/شباط2011، وما تلاها من اضطرابات وحروب في بعض المحافظات آنذاك.
وذكر مدير إدارة التخطيط في "المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام" محمد العمراني، أن إجمالي عدد ضحايا الألغام المسجلين في اليمن خلال الفترة من العام 2000 وحتى 2014، بلغ أكثر من 5500 ضحية، بالإضافة إلى سقوط 43 ضحية من العاملين في الفرق الهندسية لنزع الألغام توفي منهم نحو 13 شخصاً.
لكن المرحلة الأكثر خطورة في تاريخ اليمن مع الألغام، كانت بعد انقلاب سبتمبر/أيلول 2014، والتي اجتاح الحوثيون والقوات التابعة لنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، فيها المحافظات اليمنية، ودار صراع عنيف ما زال مستمر حتى اليوم، في عدة محافظات أبرزها تعز.

تجدد المعاناة
ونتيجة لاستمرار الحرب في اليمن، ومواصلة الحوثيين زراعة الموت، لا يوجد إحصائية دقيقة توثق عدد الألغام، أو الضحايا.
ويقول رئيس شعبة الهندسة العسكرية بمحور تعز(وسط) العميد المهندس طاهر حميد، لـ"أخبار اليوم" أن الانقلابيين ومنذ دخولهم المحافظة أواخر مارس/آذار 2015، زرعوا مائة ألف لغم، والعدد مشرح للزيادة، مع استمرار الحرب.
ووفقا لـ"حميد" الذي تحدث لـ"أخبار اليوم"، فقد تعرض 170 فردا لإصابات مختلفة بسبب الألغام في تعز، منها 37 حالة وفاة بينها امرأتين، و16 طفلا أغلبهم يقل سنهم عن 12.
لافتا إلى أن الإصابات تنوعت بين بتر أقدام، والإصابة بالعمى، منها حالتين بين النساء الكبيرات في السن.
وقال مدير دائرة الهندسة العسكرية بالجيش اليمني، العميد شيخ زيد ثابت في تصريحات أوردتها قناة " العربية الإخبارية"، أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن الفرق الهندسية في الجيش نزعت 36 ألف لغم في مناطق مختلفة كانت خاضعة لسيطرة الحوثيين بمأرب.
وأشار مدير دائرة الهندسة العسكرية إلى تدمير 6 آلاف و500 لغم، وأن هناك أكثر من 30 ألف لغم آخر سيتم إتلافهم.
وذكر أن آلاف الألغام التي وجدوها في مأرب تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى ألغام إيرانية وروسية وأخرى محلية الصنع، وتم تحويل الألغام الثقيلة المخصصة للدبابات والمدرعات، إلى ألغام تستهدف الأفراد.
وبحسب تقرير حكومي، فإن الألغام الأرضية التي زرعها الحوثيون في عدد من المحافظات الواقعة جنوبي البلاد، حصدت ما لا يقل عن 100 قتيل و225 جريحاً خلال شهر يوليو/‏ تموز 2015.
ووفقا لإحصائيات حديثة، تسببت الألغام الأرضية بمقتل 98 شخصاً وإصابة 332 آخرين، في عدن وأبين ولحج، منذ سيطرة الحكومة عليها في منتصف يوليو/تموز حتى 19 أغسطس/آب، حيث قدر عدد الألغام في المحافظات الثلاث بأكثر من 150 ألف لغم.
وقال "المركز التنفيذي للبرنامج الوطني للتعامل مع الألغام فرع عدن، إنه استطاع جمع نحو 1173 لغماً وقطعة ذخيرة غير متفجرة، بين 13 يوليو/تموز و 10 أغسطس/آب 2015".

مأساة وإمكانيات متواضعة
ولم تكن بعد اليمن قد خرجت من آثار الحروب التي شهدتها منذ ستينات القرن الماضي، حتى جاءت حرب 2014، وضاعفت من المشكلة، خاصة أن البلاد لا تملك الإمكانيات الكافية للتخلص من الألغام، على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها بمساندة التحالف العربي.
يذكر الناشط الحقوقي/ موسى النمراني، أن مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية تزرع الألغام في المناطق التي تنسحب منها بطريقة عشوائية، وبلا خرائط.
ويقول، لـ"أخبار اليوم"،: "وإن كان لديها خرائط فهي ترفض تسليمها لفرق نزع الألغام التي تعمل في بيئة خطرة، ويتعرض أفرادها للموت وبتر الأطراف بسبب نقص المعدات اللازمة للعمل، ويتضرر المدنيون".
ويتابع:" تسببت الألغام بتعز وعدن ومأرب وحجة، بوفاة العشرات، بعضهم عائلات بأكملها، خاصة أن الحوثيين زرعوا الألغام بمنازل النازحين، فانفجرت بمجرد عودتهم إلى منازلهم".
ويشارك إلى جوار الألغام، النظام الصحي المتخلف، ونقص إمكانيات المستشفيات، التي تتسبب أيضا في رفع كلفة الضحايا، وخسائر المجتمع، وفقا لـ"النمراني".
ويتفق معه الناشط الحقوقي/ محمد الأحمدي، الذي يؤكد لـ"أخبار اليوم" أن الحرب التي تسبب بها الانقلابيون، عملت على تدهور الوضع الصحي، خاصة في تعز التي تعاني من الحصار منذ أكثر من عام ونصف، والتي تعرضت لنهب مواد الإغاثة من قِبل الحوثيين، وهو ما جعل الإمكانيات شحيحة، وتسبب في عجز كبير لاستقبال ضحايا الألغام.

القانون.. الغائب دوما
اتهمت عديد من المنظمات جماعة الحوثي بزراعة الألغام، منها منظمة" هيومن رايتس ووتش"، وهي منظمة حقوقية دولية، التي قالت إن الألغام الأرضية التي زرعها الحوثيون قتلت 18 شخصا، وأصابت أكثر من 39 في محافظة تعز، في الفترة من مايو/أيار وحتى أبريل/نيسان 2016.
وتندرج العبوات الناسفة التي تُشغل من قبل الضحية، والتي تنفجر بسبب اقتراب شخص منها أو ملامستها ضمن تعريف الألغام المضادة للأفراد، المحظورة بموجب معاهدة حظر الألغام، والتي تستوجب المعاقبة في محكمة الجنايات الدولية.
وهناك عدد من الاتفاقات الدولية المرتبطة بالألغام، وقعت اليمن على كثير منها، أبرزها اتفاقية" أوتاوا" و"بروكسل"، اللتين يحثان المجتمع الدولي على حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد.
وبموجب تلك الاتفاقيات، عملت الحكومات السابقة على الالتزام بمواد تلك الاتفاقيات، لكن ومنذ أن بدأ الصراع في اليمن، لم يعد صوتها مسموعا، وصمت جماعة الحوثي أذانها عنها، وباتت الألغام وسيلتها الأبرز لإعاقة تقدم الجيش المسنود من التحالف العربي بقيادة السعودية. 
وهناك خمس معاهدات من معاهدات حقوق الإنسان الأساسية المرتبطة بالألغام، أحدثها اتفاقية حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتوفّر إطاراً قانونياً لتقديم المساعدة لهم.
دعوات لوقف صناعة الموت
طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الحقوقية الدولية، في تقرير صادر عنها، الحوثيين وحلفاءهم التوقف عن زراعة الألغام، التي تحصد أرواح المدنيين في اليمن، داعية إلى "الالتزام بمعاهدة حظر الألغام ورفض استخدامها".
وطالبت المنظمة جميع أطراف النزاع في اليمن (دون تسميتهم) بالالتزام بمعاهدة حظر الألغام لعام 1997، التي انضمت لها اليمن في 1998، والتي "تحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد تحت أي ظرف".
وأشارت هيومن رايتس ووتش إلى أن تلك الألغام أعاقت عودة كثير من الأسر النازحة إلى منازلها.
ونقل التقرير عن ستيف غوس- مدير قسم الأسلحة في "هيومن رايتس" قوله: "باستخدام الألغام الأرضية تُظهر قوات الحوثيين وحلفائهم قسوة بالغة تجاه المدنيين".
وتستمر الحرب في اليمن، وتبقى "نهلة سعيد" بملامحها الشاحبة جراء المرض والمعاناة التي تغذت على طفولتها وسترافقها مستقبلا، حزينة، رغم محاولتها صنع الابتسامة على وجهها.
وتختم والدتها حديثها والعبرة تكاد تخنقها، بالقول" ما ذنبنا، نحن رعاة بسطاء، تركنا منزلنا ونزحنا بعد أن اشتدت المعارك في محيطه، وظننت أننا سننجو، لكن لم ننجُ".
وتنتظر تلك الأسرة شفاء طفلتهم، من جراح ساقها المبتورة، وكسور الساق الأخرى، والحصول على قدم ساق صناعية قبل العودة إلى منطقة نزوحهم في إحدى قرى الضباب، فهم إن يحصلوا عليها الآن، لن يكونوا قادرين على توفيرها بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد