محنة المعاقين.. الوجه الآخر للحرب

2017-02-07 05:40:29 تقرير خاص

"وداد إبراهيم" إحدى المعاقات حركيا، تقطن مع أسرتها في حي شعبي بمحافظة الحديدة، ورغم أنها لم تلتحق بالمدرسة إلا في عامها الـ15 إلا أنها ثابرت وواصلت تعليمها وصولاً إلى المرحلة الإعدادية، لكن الحرب وضعت حداً لأحلامها.
"وجدت صعوبة كبيرة في الالتحاق بالتعليم منذ الطفولة، حيث حرمت من التعليم بسبب مفهوم خاطئ بأن المعاقين لا يفترض تعليمهم" قالتها بصوت متحسر.
وأضافت:"بعد بلوغي الخامسة عشر من عمري، وبعد جهود كبيره استطعت إقناع أسرتي على الالتحاق بالمدرسة القريبه من الحي الذي أقطنة".
"وداد" ثابرت وتقدمت في دراستها وصولا إلى المرحلة الإعدادية حينها اندلعت الحرب. 
وبنبره عديم الحيلة قالت:"منذ بداية الحرب توقفت المساعدة التي كنت أتلقيها من صندوق المعاقين، بالإضافة إلى عدم قدرة أسرتي على تحمل المصاريف التي احتاجها للذهاب إلى المدرسة والعودة بسبب إعاقتي، ولهذا لم أواصل تعليمي". 

خلال عامين من الحرب لا يوجد منتصر في اليمن، لكن أطراف الحرب اثبتوا قدرة فائقة على استهداف المدنيين الأبرياء وإلحاق الهزائم المتتالية بهم وإعاقة حياتهم ماديا ومعنويا. بالنسبة للمدنيين الذين تعرضت حياتهم للإعاقة المعنوية فهم الأوفر حظًاً، في حين تتكشف المأساة في الإعاقة المادية.
وبحسب تقرير أعدته سامية العنتري- مدير إدارة السكرتارية في الوحدة الطبية - كلية التجارة ـ جامعة الحديدة لمجموعة الضغط الشبابية الحديدة- وحصلت "أخبار اليوم" على نسخة منه- فقد تسببت الحرب في إصابة الآلاف من الأبرياء بإعاقات حركية وذهنية جراء وجودهم في منازلهم الآمنة ومقرات أعمالهم والطرقات والمدارس وهي أهداف غير عسكرية.
توسع المحنة
خلفت الحرب المندلعة في اليمن منذ مارس 2015 آلاف المعاقين، فمنهم من بترت أطرافهم وآخرين فقدوا قدرتهم على الحركة والبعض فقدوا حاسة السمع ومثلهم البصر أو كليهما.
لقد أظهر المتقاتلين حماساً عالياً في توسيع محنه المدنيين اليمنيين من خلال رفضهم وتمنعهم للوصول إلى تسوية سياسية لوقف الحرب.
ومع كل يوم جديد تستمر فيها المعارك يزداد عدد الضحايا الأبرياء منهم القتلى والجرحى فضلاً عن اتساع رقعة النزوح، لكن المأساة في ازدياد أعداد الملتحقين في صفوف المعاقين اليمنيين الذين كان عددهم كبيرا حتى قبل اندلاع الحرب. 
وفقا للإحصائيات الرسمية فإن عدد الذين أصيبوا بإعاقات مختلفة جراء الحرب الحالية يزيد عن 7000 شخص، بينهم نساء وأطفال، وهذا الرقم في تصاعد كلما استمر القتال.
سجل مثخن بالأرقام
قبل اندلاع الحرب كان سجل المعاقين مثخن بأرقامهم وكانت اليمن في أمس الحاجة لمعالجة هذه المأساة التي خلفتها الحروب السابقة، لا مضاعفة اعدد الضحايا، فالإحصائيات ذاتها تقول أن عدد المصابين بالإعاقات قبل اندلاع الحرب يزيد عن 2 مليون معاق وهو رقم يفصح عن حجم المأساة التي خلفتها الحروب. 
 وتلفت التقديرات الدولية إلى أن نسبة الإعاقة في بلادنا تتراوح من 13-10%، وتعد هذه من أعلى النسب في العالم، حيث تسببت الحروب التي شهدتها اليمن سابقا وحاليا إلى مايقرب من 3 مليون إعاقة.
 وتشير الإحصائيات الدولية إلى أن نسبة المعاقين في البلدان النامية تصل إلى 80% من إجمالي الإعاقات في العالم الذي بلغ عددها 500 مليون معاق في العالم، أغلبهم يعيش في مجتمعات ريفية.
وفي الوطن العربي يتجاوز عدد ذوي الاحتياجات الخاصة أو المعاقين، بحسب منظمة العمل العربية 20 مليون معاق، معظمهم بحاجة إلى التعليم والتدريب والتأهيل والرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية والمهنية لتمكينهم من المساهمة الفاعلة في تنمية المجتمع.
مشهد مأساوي
وعلى الرغم من أن اليمن إحدى الدول الموقعة على الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية الخاصة بشريحة ذوي الإعاقة.
إلا أن المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة، حسب المعنيين بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة، لم يحرك ساكنا إزاء ازدياد أعداد الضحايا الملتحقين بطابور الإعاقة بسبب الحرب.
كما أنه لم يتخذ أي موقف حاسم تجاه استهداف مقراتهم من قبل أطراف الصراع كما حصل مع مركز النور للمكفوفين في العاصمة صنعاء الذي استهدف في 5 يناير 2016.
قبل اندلاع الحرب كانت ترتكز مشكلة ذوي الاحتياجات الخاصة في إمكانية توفير الحد المتوسط من الخدمات الصحية والنفسية والتعليمية لهؤلاء المعاقين. أما الآن فقد تسببت الحرب في زيادة عددهم وحرمانهم جميعا من هذه الخدمات.
وفي ظل هذا المشهد المأساوي لهؤلاء اليمنيين لا أحد من أطراف الحرب أو اللاعبين السياسيين التفت إلى هذه الشريحة العاجزة عن الاستغناء عن دور رسمي لتبني احتياجاتهم وتخفيف معاناتهم. 
مؤسسات أعيقت كرعاياها
للحرب مفاعيلها غير العسكرية، فبسبب الحرب والحصار وتدهور الاقتصاد وشحة الموارد أجبرت 300 مؤسسة معنية بتقديم خدماتها لذوي الاحتياجات الخاصة على وقف نشاطها، مما تسبب في حرمان الآلاف من المعاقين من تلقي الخدمات التعليمية والتأهيلية والاجتماعية التي كانوا يتلقونها من هذه المؤسسات.
ونسب تقرير صحفي نشرته إحدى الصحف اليمنية تصريحات لـ"حسن إسماعيل"- رئيس المنتدى اليمني لذوي الإعاقة القول بأن هناك الآلاف من ذوي الاحتياجات الخاصة حرموا من الحصول على الخدمات الصحية والأدوية والسبب فيها يعود إلى ضعف موارد صندوق رعاية وتأهيل المعاقين.
وأصبحت حياة الكثيرين منهم معرضة للخطر بسبب انعدام العلاجات الضرورية، وضعف الخدمات التي من المفترض أن تقدمها المؤسسات الخاصة بهم، ما ألحق أضراراً كبيرة في حق مليوني شخص من ذوي الإعاقات المختلفة السمعية والبصرية والذهنية والحركية.
انعكاسات سلبية
في ذات التقرير أفاد "محمود الحسني"- رئيس اتحاد المعاقين بالحديدة، أن استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية في بلادنا، انعكس سلباً على حياة الأشخاص ذوي الإعاقة.
ولفت إلى أن استمرار الحرب والحصار على البلاد ألحق بالأشخاص ذوي الإعاقة ضرراً كبيراً يحتاج إلى سنوات لتجاوز آثار تلك الأضرار.
معربا بأن الجهود التي تقدم بهذا الصدد باتت مشلولة، وبأن الجهات المختصة أصبحت تقدم الحد الأدنى من الرعاية لذوي الإعاقة.
كما طالب "الحسني"، الجهات المختصة النظر إلى مشكلة المعاقين بعين الاعتبار وصرف مرتباتهم كونهم لا يجدون مصادر دخل أخرى.
ظروف استثنائية
في الظروف العادية (قبل الحرب) اكتفت الاستراتيجية الخاصة بالإعاقة للفترة من 2014 إلى 2018م، بالتشريعات الموجودة في اليمن التي ركنت على المساعدة الاجتماعية أو الخيرية لهذه الشريحة من اجل إدماجهم في المجتمع.
ولكن في الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، أصبح الوضع أكثر تعقيداً، مما يجعل ذلك النهج غير ممكن تحقيقه خصوصا في ظل انصرف جميع المعنيين عن ملف المعاقين، ما تسبب في حرمانهم من الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية أو غيرها من الخدمات التي لاتستقيم حياة هذه الشريحة إلا بتوفيرها.
يوسف الشراعي. مدرس الرياضيات والفيزياء للطلاب (الصم والبكم)، قال بأنه:" خلال العام الدراسي 2016م، تراجع أعداد الطلاب من شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة عن الالتحاق بالصفوف الدراسية بسبب ظروفهم الصحية. موضحا أنهم يعانون من صعوبة انتقالهم من منازلهم إلى المدرسة ثم العودة إلى منازلهم.
وأضاف:" في 2014 توقفت المخصصات المالية لدعم تعليم هذه الشريحة رغم يسره والتي كان يصرفها صندوق رعاية وتأهيل المعاقين بالحديدة، كل نصف عام دراسي، ومن حينها تفاقمت مشكلة مواصلة أفراد هذه الشريحة تعليمهم وجاءت الحرب للقضاء على أي أمل في استئنافهم لدراستهم. 
 إلى الدعم المالي أكد الأستاذ يوسف أن نقص الكوادر المؤهلة هي من أكبر العوائق التي تواجه، فضلا عن عدم وجود منهج موحد خاص بذوي الإعاقة مطبوع من قبل الوزارة، بما يتناسب مع وسائل التعليم الخاصة بكل فئة من فئات هذه الشريحة من المجتمع.
موضحاً أن عملية إعداد المناهج التي يتم تدريسها تمت بجهود ذاتية من قبل المدرسين والمدرسة.
التفتوا إلى ضحاياكم
لم يكن وضع شريحة المعاقين أفضل حالاً قبل اندلاع الحرب لكنه الآن أكثر مأساوية، وتعد هذه الشرائح الأكثر تضررا من جميع المتضررين من هذه الحرب وأكثر المحتاجين حاجةً للمساعدة وأكثر المعانيين عناء.
إنهم بحاجة إلى إسناد حقيقي من الجميع بعيدا عن حساسيات وحسابات أطراف الحرب ومناورات السياسيين. إنهم وحيدين وعاجزين عن البقاء والعيش دون مد يد العون لهم.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد