أجسادهم الصغيرة في مرمى الموت ومدارسهم هدف للدمار

طلاب تعز.. تعليم تحت فوهات المدافع

2017-02-12 06:00:48 تقرير خاص/ وئام عبد الملك

تغادر الطالبة "أماني عبد الله"، منزلها متوجهة إلى المدرسة والخوف يسكنها، خشية أن تكون ضحية رصاصة طائشة، أو قذيفة، خاصة مع سماعها عن مقتل العشرات من أبناء المدينة بذلك الشكل.
تشاهدهم في الصباحات الباكرة كالحمائم، يتوجهون إلى المدارس، تعلو محياهم ابتسامة بريئة، لا تخلو من قلق غالبا، جراء الوضع الصعب الذي تعيشه تعز.
تروي أماني، وهي طالبة بمدرسة زيد الموشكي بتعز لـ"أخبار اليوم"، أنها تشعر وزميلاتها بخوف شديد حين تندلع معارك في أماكن قريبة من مدرستهن بحي الروضة، ويسمعن أصوات الانفجارات.. " نصرخ كلنا بالفصل": تضيف التلميذة البالغة 13 عاماً من عمرها.

الطالبة أريج عبد الواسع(13 عاما) في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، كانت ضحية شظايا قذيفة أطلقتها مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية، من أماكن تمركزها في تعز.
عايشت" أريج" مخاوف" أماني"، بعد أن صارت واقع وعاشته ذات يوم، وتلطخت ملابسها المدرسية بالدماء، وسط ذهول صديقاتها اللائي تزايدت مخاوفهن من تكرار ذلك المشهد ثانية أمامهن.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يسقط الطلاب فيها جرحى، فطوال فترة الحرب بتعز التي بدأت في أبريل/ نيسان 2015، وصفحات النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، تعج بصور التلاميذ الذين مزقت القذائف أجسادهم الصغيرة، وبعثرت كتبهم وأقلامهم، أو ترصدتهم رصاصة قناصة، يريد الموت لكل شيء حي في المحافظة المقاوِمة.
قلق وتحدي
يُعبر محمد ناجي عن قلقه على ابنتيه" داليا"، و"رنا"، وابنه" صفوان"، حين يذهبون إلى مدارسهم.
يقول محمد:" ترددت كثيرا في السماح لأبنائي بالذهاب للمدارس، خاصة أن بعض الطلاب سقطوا قتلى وجرحى، لكن لم أستطع أن أحرمهم من التعليم لعام جديد آخر، بعد أن انقطعوا عن الدراسة العام المنصرم".
" يجب أن يتعلم أبناؤنا، فتعز كانت منبرا للثقافة على مر عقود طويلة، كما أن التعليم هو السلاح الوحيد الذي يحتاجه اليمن مستقبلا": يردف" ناجي".
وبرغم الظروف الصعبة الاقتصادية في تعز، عمل" ناجي" على توفير مستلزمات أبنائه الضرورية، وإن كان على حساب قوتهم الضروري.
تضرر قطاع التعليم
كان التعليم في تعز، من أكثر القطاعات التي تضررت بسبب الحرب، وأثرت على شريحة عريضة في المحافظة.
إذ تحولت بعض المدارس إلى ثكنات عسكرية، وأماكن لجأ إليها النازحون، فضلا عن تضرر بعضها، أو تدميرها جراء القصف.
وهو ما أدى إلى توقف التعليم في المدينة لأشهر طويلة، فكانت المساجد وبعض البيوت وسيلة للتغلب على ذلك، في محاولة لتقليل الضرر.
وعادت الحياة في عديد من مدارس تعز، وتم استئناف دراسة النصف الثاني فيها مطلع الأسبوع الماضي، لكن ما تزال العملية التعليمية في بعض مناطق المواجهة متوقفة.
تذكر منظمة" رفع لتنمية حقوق الطفل"، أن 9500 طالبا، حُرموا من الدراسة في مديرية الصلو بتعز، جراء الحرب التي تشهدها المديرية منذ أغسطس/ أب 2016، وأدت إلى إغلاق المدارس، ونزوح الأهالي.
وحذرت المنظمة، في بيان صدر عنها في وقت سابق، من "حرمان عدد كبير من الطلاب من نيل حقهم في التعليم، الذي كفلته لهم كل الشرائع والقوانين والمواثيق الدولية والإنسانية".
وفي مارس/آذار 2016، كشف تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام التربوي، أن الحرب والصراع المسلح في محافظة تعز، تسببت بإغلاق 468 مدرسة، وحرمت أكثر من 250 ألف طالب وطالبة من التعليم خلال الفصل الأول من العام الدراسي 2015-2016.
فيما رصد مركز الإعلام التربوي للدراسات ضمن تقريره الصادر منتصف أغسطس/ آب 2016، ما يزيد عن مائتي ألف طالب وطالبة، توقفوا عن التعليم في تعز وحدها، بس الحرب.
وذكر المركز، أن هناك قرابة 90 معلما ومعلمة تم قتلهم، فيما أصيب العشرات بجروح متعددة، فضلا عن احتجاز مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية، لعشرات المعلمين والتربويين، وإخفائهم قسرا، إذ تم اختطاف البعض منهم أثناء تأديتهم لواجبهم التعليمي، وكذا نزوج المئات منهم إلى أماكن داخل وخارج اليمن.
بجانب ذلك فقد تعرضت 225 مدرسة، منها 18 مدرسة لتدمير كلي، و78 مدرسة لتدمير جزئي، وخصصت 79 مدرسة لإيواء النازحين من الأهالي، و50 مدرسة أصبحت ثكنات عسكرية ومواقع أعمال قتالية.
تأثير على نفسيات الطلاب
ويشكو الطلاب من فقدان القدرة على التركيز، وعدم قدرتهم على المذاكرة، بسبب الضغوط النفسية التي فرضتها الحرب.
تقول الأخصائية الاجتماعية/ رباب عبدالرب سفيان إن الحروب تعدُّ من الكوارث الخطيرة التي يحدثها البشر، وتلحق الكثير من الدمار في نفسيات الكثيرين، قبل ممتلكاتهم.
"هي من أشد الكوارث التي تبقى عالقة لسنوات طويلة في ذاكرة البشر وتحديدا الأطفال، خاصة إذا ما ارتبطت بمواقف رعب وهلع، تفقد الصغار القدرة على التوازن النفسي، والذي بدوره يعرقل أدائهم اليومي، ويعيق أي إنجاز قد يحققوه في حياتهم البسيطة": تضيف رباب لـ"أخبار اليوم".
وما يزيد الأمر سوءا في المجتمع اليمني بشكل خاص، هو افتقاره لثقافة الرعاية والصحة النفسية، خاصة للأطفال، على الرغم من أنهم الدعائم المهمة لبناء المجتمع المنتج ، وفقا لـ" سفيان".
وأكدت تعرض عديد من الأطفال والطلاب، لصدمات تركتها لهم ويلات الحرب، بعد تشردهم من منازلهم، وتركهم المدرسة، وفقدان بعض الأسر لمن يعولها، وكذا عدم وجود الأمن للوصول إلى المدرسة، وعدم توفر المناهج الدراسية.
"لقد جعلتهم يعانوا من الاكتئاب الشديد، وحالات الهستيريا الناتجة عن المواقف الدامية التي شاهدوها، فأثرت على حاضرهم ومستقبلهم، وأفقدتهم القدرة على التفكير والتركيز والفهم، ما أدى إلى تدني مستوى تحصيلهم العلمي": تقول "رباب".
وتتابع:" أصبح بعض الأطفال يفتقدون الشعور بالأمان والاطمئنان، وبتأنيب الضمير الناتج عن الإحساس العالي لدى الطفل، عند رؤيته لمشاهد القتل والدمار المرعبة، والتي يقف أمامها عاجز عن تقديم المساعدة لمن يحتاجها".
 وكل ذلك- بحسب الأخصائية الاجتماعية" رباب" يفقد الطفل القدرة على التكيف مع الواقع وتقبله، وبالتالي وقد يلجأ- وبحسب استعداده ومع الأخذ بالفروقات الفردية بين الأطفال-، بارتكاب أعمال العنف، ما ينعكس على صحة الجسد، وتنتشر أمراض سوء التغذية، وفقر الدم وغيرها من الأمراض التي تفقد الطلاب القدرة على التوازن النفسي، وتنتج جيل محطم غير قادر على البناء.
حراس مستقبل الطلاب
وبرغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المدرسين، إلا أن الكثير منهم توجهوا إلى المدارس، بعد أن فتحت البعض منها أبوابها.
تقول المدرسات اللائي استطلعت مراسلة" أخبار اليوم" آراءهن في مدرسة" خديجة" بتعز، إن بعضهن يمشين على الأقدام، نتيجة لعدم امتلاكهن المال، بعد أن تم قطع الرواتب عن موظفي الدولة لبضعة أشهر، بعد أن بدد الانقلابيون موارد الدولة.
فيما تمكنت بعض المدرسات، من اقتراض مبالغ صغيرة من أقاربهن، ليحصلن على أجرة الباص، ويحضرن إلى المدرسة، ويؤدين واجبهن.
وعن سبب حضورهن، وتحملهن كل تلك المعاناة، والخوف الشديد الذي ينتاب عديد من منهن أثناء القصف والمعارك، أكدن أن رؤيتهن للإصرار والرغبة في أعين الطلاب لمواصلة تعليمهم، هو أكبر دافع للأخذ بيدهم.."حتى لا يضيع مستقبلهم"، حد تعبيرهن.
وأشرن إلى تدهور الوضع التعليمي، وخاصة تدني مستوى طلاب المرحلة الابتدائية، بسبب وجود متطوعين قاموا بالتدريس، والعشرات منهم غير مؤهلين، لكن ذلك هو الحل الوحيد، للتغلب على توقف الدراسة بسبب الظروف الحرجة التي عاشتها وتعيشها المدينة، في نظر المدرسات.
ووصل عدد المتطوعين إلى 1200 متطوعا، وفق تقرير صدر العام الماضي، عن مركز الدراسات والإعلام التربوي.
جوانب قصور
وتعمل مختلف المدارس في تعز، في وضع استثنائي، وفي ظل غياب كثير من المدرسين نتيجة لنزوحهم، أو الخوف من مغادرة منازلهم.
وبحسب العديد من الإداريات العاملات في بعض المدارس وسط مدينة تعز، اللائي تحدثن لـ"أخبار اليوم"، فإن المدارس ما تزال تشكوا من النقص الحاد في الكتاب المدرسي، فضلا عن العشوائية في العمل الإداري غير المنظم، بسبب غياب الكادر التعليمي.
وكثيرا ما يتم إيقاف الدراسة لبضعة أيام، ما إن تشتد المعارك في الجبهات القريبة من بعض المدارس، كما يتسبب التعليم في ظل عدم وجود بيئة ملائمة لذلك، لغياب الطلاب من وقت لآخر، وعدم سماح بعض الأهالي لأبنائهم بمواصلة التعليم، لتدني ظروفهم المعيشية، أو لخوفهم عليهم.
وتتمنى" أماني" وآلاف الطلاب في تعز، أن يتمكنوا من القدرة على مواصلة تعليمهم دون انقطاع، وبجودة عالية كما كان الوضع في السابق، ودون خوف من رصاص قناصة، أو قذيفة.
تؤكد "أماني"، وبإصرار في ختام حديثها، أنها قادرة على المشي، للتعلم، حتى وإن جاعت في المدرسة نتيجة لعدم حصولها على" مصروف يومي".

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد