الدولة المدنية.. هل تتشكل بعد إنهاء الانقلاب؟

2017-02-13 04:02:16 أخبار اليوم/ تقرير

منذ أمدٍ بعيد واليمنيون يحلمون بدولة مدنية تسودها العدالة والمساواة بعيداً عن الفوارق التي صنعتها مراكز النفوذ السياسية والعسكرية والدينية والقبلية خلال عقود مضت على اندلاع ثورتي 26 سبتمبر/ أيلول 1962، و14 أكتوبر/ تشرين الأول 1963، اللتين حررتا الشعب اليمني من كهنوت الإمامة الطائفية العرقية شمالاً، وظلام الاحتلال البريطاني جنوباً.
هبّت رياح الحرية مع عاصفة الربيع العربي، فكان اليمنيون على موعد مع استثمار لحظة فارقة بعد أن خرجوا في 11 فبراير/شباط 2011 من مختلف المكونات إلى ساحات التغيير في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات اليمنية، لم يجمعهم هدفٌ كهدف إرساء دولة مدنية حديثة.

أذهل اليمنيون العالم حينها، فشعب بحوزته أكثر من 60 مليون قطعة سلاح يخرج سلمياً، ويواجه القمع والرصاص بصدور عارية، في مشهد يجسد تطلع اليمنيين للمدنية والسلام.
تمسك بالأهداف
الثورة التي حلت ذكراها السادسة، هذا العام، نجحت في عزل صالح عن الحكم إلى حد كبير؛ من خلال مبادرة صاغتها دول الخليج العربية، وتسلّم بموجبها عبد ربه منصور هادي مقاليد الحكم، لكن الثورة ما زالت تعمل على طيّ كل صفحات نظام الرئيس المخلوع، الذي توارى، وإن لم يغب عن المشهد كلياً.
علي عبد الله صالح، الذي غادر قصر الرئاسة ولم يغادر اليمن، احتفظ بقوّته العسكرية، واستخدمها فيما بعد في إشعال حرب ضد النظام الجديد، معتمداً في ذلك على تحالفه مع مليشيا الحوثي المدعومة من إيران.
هذا التحالف بين صالح والحوثيين، أدخل البلاد في أتّون حرب لا يزال اليمنيون يكتوون بنارها؛ منذ سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء بقوة السلاح في سبتمبر/أيلول 2014.
وعلى عكس الأعوام السابقة، فإن اليمنيين يبدون (في الذكرى السادسة للثورة) متمسّكين بتحقيق ما ثاروا من أجله أكثر من أي وقت مضى، رغم تفاقم الأزمة الإنسانية، وتدهور الأوضاع على نحو غير مسبوق؛ بسبب الحرب التي أضرم الحوثيون شراراتها الأولى بانقلابهم على السلطة الشرعية.
انقلاب الحوثيين ونظام صالح جعل اليمنيين، الذين يعيش أكثر من 80% منهم ظروفاً طارئة، أكثر إصراراً على إنجاح الثورة التي طغت شعاراتها على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لافت هذا العام؛ حيث استخدم ناشطون صورهم بداخل أيقونات خاصة كتب عليها "فبراير 6"، مقرونة بوسم (هاشتاغ) "ثورة تتجدد".
ومع ذلك، فإن هناك من يحمّل الثورة مسؤولية إقحام الحوثيين في العمل السياسي بشكل مباشر؛ فالحوثيون كانوا بين الثائرين على نظام صالح، قبل أن يتحالفوا معه لوأد الثورة وابتلاع اليمن.
وإن كانت الثورة اليمنية قد فشلت في ترجمة أهدافها إلى واقع سياسي واقتصادي واجتماعي ملموس، إلا أن اليمنيين يشعرون بالامتنان لها؛ لكونها أزاحت نظاماً حكم اليمن 33 عاماً، وأفشلت مشروع توريث الحكم من صالح لنجله أحمد.
ويرى مراقبون أن إعلان الحكومة الشرعية، العام الماضي، يوم الـ 11 من فبراير/شباط عيداً وطنياً، بالإضافة إلى خطاب هادي، إنما يهدف إلى توحيد اليمنيين من جديد ضد صالح وحلفائه، كما كان الأمر في عام الثورة الأول.
مطلب رئيس
عضو اللجنة التنظيمية العليا لثورة الشباب، فخر العزب، أوضح لـ"الخليج أونلاين" أن "الدولة المدنية جاءت مطلباً رئيساً للثورة الشبابية الشعبية التي شارك فيها كل مكونات الشعب وفئاته السياسية والاجتماعية باعتبارها الحل الذي سيعيد الاعتبار للنظام الجمهوري، ويستعيد دولة المؤسسات ودولة الشعب المتحررة من حكم العسكر".
ثمن السلمية دفعه اليمنيون عبر أكثر من 2000 قتيل و22 ألف جريح، بحسب بيانات التقرير الوطني السادس عن حالة حقوق الإنسان في اليمن المقدم إلى الأمم المتحدة.
أمّا ثمن فبراير ودولته المدنية المنشودة، فيدفعه اليمنيون حتى الآن كفاتورة باهظة بفعل الانقلاب على الثورة والجمهورية الذي نفذته مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، بالتحالف مع علي عبد الله صالح، الذي خلعته ثورة فبراير، وحطمت مشروعه في توريث الحكم لنجله أحمد، بعدما كان يدير اليمن كشركة عائلية.
ولأن الثورة كانت في طريقها الصحيح، كما يوضح العزب، فقد تعرضت لمؤامرات داخلية وخارجية، ولثورة مضادة تم تتويجها بإعلان الانقلاب الذي اصطفت في مواجهته القوى الوطنية.
مع ذلك، يثق فخر العزب في تصريحاته لـ"الخليج أونلاين" بأن "حلم بناء الدولة المدنية سيتحقق بعد القضاء على أعدائها المتمثلين بالقوى الانقلابية التي تشعر أن المشروع المدني يهدد مشاريعها المذهبية والعائلية والمناطقية، لأن مشروعها في الحكم يقوم على قاعدة المركز المقدس الذي يجب أن يظل الحكم فيه للأبد، ولكن الشعب اليمني عرف في فبراير 2011 طريقه وحدد خياراته، وقدم في سبيلها أعظم التضحيات ولا يزال".
أبرز المعوقات
من جانبه، يرى عبد الكريم ثعيل، رئيس المجلس العام لمعتقلي الثورة الشبابية، في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أن الانقلاب ما هو إلا واحد من المعوقات التي زرعها أعداء الإنسانية والدولة المدنية في اليمن.
وأضاف: "المتأمل في معركتنا مع مليشيا وعصابات الكهنوت والاستبداد والعنصرية سيجدها كبيرة جداً ومتعددة الجبهات، فالمشروع الوطني بكل قواه ورجالاته، وفي مقدمهم شباب ثورة 11 فبراير، يواجهون إرهاباً وجهلاً ومناطقية وفساداً ومافيا عابرة للقارات، ومطامع صفوية ودولية، وكلها جبهات خطرة يتخطاها المشروع الوطني باقتدار وبتضحيات كبيرة".
وحيّا ثعيل معتقلي الثورة الذين ما زالوا خلف القضبان ظلماً، وهو "دليل آخر على عظمة شباب فبراير الذين يقدسون النظام والقانون والعدالة والقضاء، حيث يعكسون صمود ثورة فبراير وصلابتها وإنسانيتها ونبلها"، متعهداً بالعمل على تحريرهم وتكريمهم وملاحقة ومعاقبة من ظلمهم.
خطوات متسارعة
هذه التحديات لن تقف عثرة أمام اليمنيين لتحقيق الدولة المدنية، إذ يؤكد ثعيل أنه "رغم الانقلاب فإن بناء تلك الدولة المدنية يسير على قدم وساق، مع كل منطقة تتحرر يُبنى الجيش والأمن ومختلف مؤسسات الدولة الحقيقية، ومع كل قطرة دم يضحي بها أبطال اليمن ضد مليشيا الانقلاب الكهنوتية السلالية العائلية، تُبنى لبنة من لبنات الدولة التي قامت من أجلها ثورات سبتمبر وأكتوبر وفبراير".
ويتابع ثعيل متفائلاً: "بكل تأكيد ستتحقق أهداف ثورة فبراير، وعلى رأسها دولة المؤسسات والنظام والقانون والعدالة والمساواة، فالمشروع الوطني الذي جاءت به ثورة فبراير ويرفعه الآن الرئيس هادي أصبح أقوى من قبل ست سنوات وأكثر شعبية، بل صار وثيقة وطنية يجمع عليها اليمنيون ويباركها الإقليم والعالم في مشهد غير مسبوق".
وعي شعبي
المحلل السياسي اليمني عبد السلام محمد، اعتبر في تصريحات خاصة بـ"الخليج أونلاين"، أن "الدولة المدنية هي هدف الثوار، لن تتحقق إلا إذا استعادت الدولة أولاً مؤسساتها وصيغ نظام ديمقراطي لا مكان فيه للاستبداد والفساد".
وأكد عبد السلام أن الانقلاب "مخاض من مخاضات الوصول لدولة عادلة يحكمها القانون والدستور، وإسقاط الانقلاب يعني إسقاط مشاريع الفساد والاستبداد والمشاريع السلالية والعائلية والمناطقية والمذهبية والجهوية، ومن ثم يكون الحكم بعد ذلك للشعب، ما يعني أن نكون أقرب للدولة المدنية".
وأوضح أن "أعداء الدولة المدنية هم أصحاب المشاريع الصغيرة العصبوية السلالية والعائلية والمناطقية والمذهبية"، مشدداً على ضرورة أن تكون هناك مؤسسات دولة ترعى فكرة الدولة المدنية، وكذلك "وجود وعي شعبي ناضج وهذا يحتاج إلى وقت وتدرج في المراحل".
ورغم المكاسب التي حققتها الثورة الشبابية الشعبية السلمية، فإنها لا تزال أمام مهام جسيمة، كما وضحها بيان المنسقية العليا للثورة خلال الاحتفال بالذكرى السادسة، تمثلت في العبور بالوطن إلى بر الأمان، وتحقيق التنمية الشاملة في مختلف المجالات، والتوجيه الأمثل للقدرات البشرية في خدمة الوطن، ومحاربة كل مظاهر التخلف والأمية والاستبداد والفساد.
احتفاء الوجع
وكما هو الحال في الثورة اليمنية التي أطاحت بالحكم الإمامي (26 سبتمبر/أيلول 1962)، و(ثورة 14 أكتوبر/تشرين الأول ضد الاستعمار البريطاني في عدن 1963)، رفع مسئولو الدولة برقيات تهانٍ للرئيس هادي بمناسبة ثورة 11 فبراير/شباط، التي تردّد الأخير في أوّل أربعة أعوام في الاحتفاء بها أو إعلانها عيداً وطنياً.
ويعتقد مراقبون أن مناهضة مليشيا الحوثي- صالح، لشرعية الرئيس هادي، هو ما دعم صحّة موقف مؤيدي الثورة، وكشفت خطورة النظام الساقط.
وكانت ثورة فبراير/شباط قد بدأت السعي نحو إقامة دولة يمنية حديثة؛ بالإعلان عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي عقد خلال الفترة من مارس/آذار 2013، حتى يناير/كانون الثاني 2014، بمشاركة جميع الأحزاب والقوى السياسية اليمنية، ومن ضمنها الحوثيون؛ من أجل الخروج بمقرّرات لشكل الدولة اليمنية الجديدة.
وكان من بين أهداف الحوار الوطني البارزة أيضاً إعادة هيكلة الجيش اليمني؛ بعدما وضع صالح ذويه على رأس مؤسسات الجيش والأمن الرفيعة.
وعلى الرغم من تغيير الهياكل العامة وإزاحة أقارب صالح من مؤسسات الجيش، ومن ضمنهم نجله أحمد، الذي كان يقود وحدات الحرس الجمهوري، فإن صالح احتفظ بالأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية في مخازن سرّيّة ولم يسلّمها، ليستخدمها فيما بعد في حروبه ضد القوات الحكومية.
وعرقلة صالح لهيكلة الجيش كانت سبباً في عرقلة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، التي نصّت على عدم قيام أي من أقاربه بالترشح للانتخابات لمدة 10 سنوات منذ استقالتهم من السلك العسكري، ونصّت على شكل الدولة اليمنية الاتحادية القادمة من 6 أقاليم (4 في الشمال و2 في الجنوب)، قبل أن يسهم في إشعال حرب لم تفلح كل محاولات إيقافها.
وخلّفت الحرب أوضاعاً مأساوية؛ حيث تشير التقارير الأممية إلى أن نحو 21 مليون يمني (80% من السكان) بحاجة إلى مساعدات. كما أوقعت أكثر من 7 آلاف قتيل، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
وسعت الأمم المتحدة لوضع نهاية لهذه الحرب من خلال رعايتها لأكثر من جولة مشاورات بين الأطراف المتصارعة بغية التوصّل إلى حل سياسي، غير أنها فشلت في التوصل إلى اتفاق ينهي النزاع الذي يعصف بواحد من أفقر بلدان العالم.
ويعزو مراقبون هذا الفشل الأممي إلى تمسّك الانقلابيين بأن يكون لهم دور في القيادة المستقبلية للدولة، مع تهميش دور هادي من الآن، وهو ما يرفضه الأخير.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد