صحفي يمني يروي التفاصيل الكاملة لحكاية تصفية صحفيين في جبل هران..

حين تغدو الكلمة درع بشري

2017-02-16 06:17:43 تقرير خاص

قبل يومين من اعتقاله في نقطة أمنية تابعة لما يسمى بـ"الحرس الجمهوري" كان الصحفي عبد الله قابل يستعد للاحتفال بحصوله على شهادة البكالوريوس الثانية من كلية الإعلام بجامعة العلوم والتكنولوجيا.
وعلى الطرف الآخر كان زميله الصحفي يوسف العيزري- الذي اعتقل في ذات النقطة بمحافظة ذمار بينما كانا عائدان من مهرجان لقبيلة الحداء، نصرة للشرعية- يرتب لحفل زواجه بعد خطوبته بأسابيع.
لم يكن الصحفيان العيزري وقابل، وهما يخططان لمشاريعهم المصيرية، أن يوم العشرين من مايو 2015م هو آخر يوم في حياتهما، بينما يقلهم المسلحون نحو جبل هران لاحتجازهم هناك وسط مخازن أسلحة تابعة لجماعة الحوثي..
والأكثر قتامة أن المخطط من إيداعهم سجن هران هو جعلهم دروعاً بشرية، وهو ماتم بالفعل في حادثة إجرامية كررتها المليشيا مع أكثر من معتقل.. بحسب رواية صحفي لتفاصيل اعتقال الصحفيين العيزري وقابل وتصفيتهما بعد اتخاذهم دروعاً بشرية..

يروي الصحفي حسين الصوفي للمنظمة البلجيكية الدولية لحقوق الإنسان والتنمية حادثة قتل الصحفيين عبد الله قابل ويوسف العيزري كيف اتصل به الزميل عبد الله قابل ليلة الاثنين 18/5/2015، والذي كان يحتفل بإنجازين مهمين في حياته المهنية، الأول نشر مقابلة أجراها مع الشيخ سلطان العرادة- محافظ محافظة مأرب لصحيفة المدينة السعودية، والثاني قرب حصوله على شهادة البكالوريوس الثانية من كلية الإعلام بجامعة العلوم والتكنولوجيا قسم إذاعة وتلفزيون، بعد نيله بكالوريوس صحافة من ذات الجامعة.
يقول الصوفي:" ليلتها ضحكنا كثيرا، وأرسل لي رسائل صوتيه بالواتس، كان يضحك بانتعاش كعادته، ضحك بانشراح وكان يرميني بكلماته الدافئة، ثم يسكب سهام العتاب على شكل كلمات طفولية بريئة للغاية، لا زالت التسجيلات تذكرني به كلما أحن إليه، وكل أوقاتي حنين لهما".
قبلها بليلتين اتصل الصوفي بالزميل يوسف العيزري، تناقش معه حول طموحاته، وكان العيزري رئيسا لتحرير صحيفة المجتمع الصادرة عن إصلاح ذمار، كان يرتب لزواجه بعد خطوبته بأسابيع.
"ولم يكن يوسف يطيل الحديث، كان يختم اتصاله مع السلامة يا حسيني، كان خجولا وبريئا، وطموحاً وعملياً": يضيف حسين.
لحظات أخيرة
صباح الأربعاء خرج يوسف العيزري وعبد الله قابل، واتجهوا نحو مهرجان لقبيلة الحداء، نصرة للشرعية "حكومة الرئيس هادي المدعوم قوات التحالف العربي"، وحين عادوا تم اعتقالهم من قبل مسلحي الحوثي من نقطة أمنيه أمام جامعه ذمار وهذه النقطة تابعة لقوات ما يسمى بـ"الحرس الجمهوري" عند مدخل مدينة ذمار، ثم أودعوهم جبل هران وهذا الجبل فيه مخازن أسلحه للحوثيين، والقصد من حجزهم بهذا الجبل يكونون دروع بشريه حتى لايقوم التحالف بقصف هذه المخزن.
لكن قبل مغيب شمس الخميس الحادي والعشرين من مايو 2015 قامت طيران التحالف بقصف جبل هران والذي كان موجود فيه الصحفيين المحجوزين، ومعهم شخصيات سياسيه من الإصلاح بينهم السياسي/ أمين الرجوي- رئيس الدائرة السياسية لحزب الإصلاح بمحافظة آب، ونتيجة هذا القصف توفى كافة المحتجزين.
أدلة إدانة
يشير الشاهد في أقواله أن هناك أدلة تدين الحوثيين، فبعد ارتكاب الحادثة مباشرة نشر الحوثيين في مواقعهم الالكترونية ومن بينها وكالة سبأ المحتلة من قبلهم، أن من يصفونهم بالعدوان ارتكبوا مجزرة وقتلوا 23 شخصا.
لكن بعد أن تصاعدت القضية وأخذت تأخذ منحاها الحقيق، كان الحوثيون يسعون لإخفاء كل شيء عن الجريمة البشعة في تاريخ اليمن المذبوح، وحاصروا كل الراصدين والمتابعين والمحققين من الصحافيين والمعنيين بالتوثيق الحقوقي، عجزوا عن حصر عدد الضحايا حتى اللحظة.
يقول الصوفي:" ليس هذا الدليل الوحيد على تعمد الحوثيين ارتكاب هذه المجزرة البشعة، بل إن اختيارهم جبل هران، واستقدام الأستاذ أمين الرجوي من إب إليه دليل على نيتهم المبيتة، بوضع المختطفين أهدافا للقصف في مخازن الأسلحة".
ويضيف:" بل إن نوعية المختطفين تؤكد أن الحوثيين تعمدوا الزج بعشرات الأبرياء في هران من أجل تسويق الجريمة وتوظيفها لصالحهم واستغلال دماء الضحايا وأرواح الأبرياء في تنفيذ مشروعهم القذر بقتل مزيد من اليمنيين وتوسيع الحاضنة الشعبية لهم واستدرار تعاطف المجتمع معهم".
ويتابع:" وهذا ما كشفته الأرقام المرعبة للضحايا، والذين بلغو عددهم حسب الشهود نحو 73 مختطف كانوا في المباني الثلاثة في حديقة هران ساعة وقوع القصف عن الخامسة من عصر الخميس 21 مايو 2015م".
يصف الصحفي اليمني الحادثة بأنها ليست جريمة بل سلسلة جرائم. فقد وقعت الكارثة، عند الخامسة ونصف مساءاً، لكن الحوثيين لم يسمحوا سوى لسيارة إسعاف واحدة فقط وصلت إلى مكان الحادث وأسعفت جريحين، أحدهما الزميل حسين العيسي، وهو الآن مختطف لدى مسلحي الحوثي مجددا، كأنهم غاضبون عليه لماذا لم يمت، والثاني المعاق عبد الكريم الضبياني وكان في غيبوبة.
أما بقية الضحايا لم يعلم مصيرهم حتى اللحظة وكان عددهم 73. يقول الصوفي:" استطعنا أن نتعرف على مصير عشرة منهم فقط، ويبقى السؤال أين بقية المختطفين والذين يبلغ عددهم ثلاثة وستون شخصاً". مطالباً بوجوب فتح تحقيق دولي وعاجل في هذه المجزرة المروعة.
عناء البحث
بعد ارتكاب المذبحة، ذهبت الأمهات إلى الحديقة للبحث عن فلذات أكبادهن، لكن مسلحي الحوثي منعوهن بالقوة، وأطلقوا الرصاص في الهواء وعلى الأرض أيضا، وأرهبوا الأهالي..
بل قالت أم الشهيد الصحفي عبد الله قابل أن الحوثيين قالوا لها في اليوم الثاني أنهم سمعوا صوت ابنها يئن تحت الركام، وأنهم لن يستطيعوا إخراج جثمانه حتى تصل لجنة من صنعاء لاستخراج الآثار أولا.
لم تجد أم قابل ما تعبر به عن وجعها سوى عبارة ملخصة:"أثاركم أغلى من حياة ابني"، ليردوا عليها:" ومن ألف واحد مثله".
ذهبت أسرة الشهيد الصحفي يوسف العيزري لانتشال جثة ابنهم فمنعوهم وأطلقوا عليهم الرصاص، وطلبوا منهم عشرة ألف ريال أجرة الشيول، وقبل المغيب طردوهم ومنعوهم من الاستمرار في البحث عن ابنهم.
يتلاعبون بالجثث
يقول الصوفي، في روايته للمنظمة الدولية،: أجبر الحوثيون الأهالي على دفن أبنائهم في أكياس بلاستيكية كما تفعل مع لحم مفروم من إحدى مسالخ اللحوم. قالت لي إحدى الأسر أنهم أرغموهم على التوقيع على دفن ابنهم، وهم لا يدرون هل هو ابنهم أم لا.
يواصل حسين شهادته حول كيفية تلاعب الحوثيين بالجثث وإخفاء جرائمهم، ففي قرية هكر بمديرية عنس في محافظة ذمار، كانت إحدى الأسر تستقبل جثمان ابنها الذي دفنوه بعد إرغام الحوثيين لهم، وهم لا يعلمون من هو، فلا توجد أي ملامح توحي بشخصيته.
"دفنوه مكرهين وأقاموا مراسم العزاء، وبعد أربعة أيام يأتيهم خبر أن ابنهم مخفيا في سجن الأمن السياسي بذمار، أخرجوه ثم احتفلوا بعودته، وتحول المأتم إلى فرحة، لكن بقي السؤال: والقبر لمن يكون؟": يعلق الصوفي على الحادثة.
ويتساءل:" من هو المقبور في قرية هكر؟ ومن يكون الضحية ذاك؟ وأي اسرة تفتقد صاحب القبر هناك في أقصى عنس؟".
ويختتم شهادته: لقد ظلت جثث الشهداء تحت الأنقاض نحو سبعة أيام، وبعضهم نحو عشرة أيام، فيما مارسوا الإرهاب على الضحايا وأسرهم بشكل ممتد حتى اليوم لا يزال..

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد