في محاضرة للرفيق الراحل / عبدالعزيز الوالي باتحاد الأدباء والكتاب سنة 79م ..الوحدة اليمنية في وثائق الحزب الاشتراكي والسلطة

2009-05-25 03:44:17

عبد العزيز عبدالولي

يسعدني هذا المساء أن التقي بكم لأنقل إليكم تحيات الحزب الاشتراكي اليمني ولجنته المركزية ومكتبه السياسي وتقديره العالي لكل الأقلام الشريفة التي ناضلت منذ أن وعت نفسها ودورها ولا زالت في سبيل انتصار قضيتي الثورة والوحدة اليمنية وكان لها أكبر الأثر في تحريك الجماهير في اتجاه الحرية والتقديم وإشعال نيران حماسها على هذا الدرب منطلقين في ذلك من المقولة الخالدة والتي مفادها بأن الفكر إذا ما تغلغل في صفوف الجماهير فإنه يصبح قوة مادية لعبت وتلعب في تاريخ الثورات الإنسانية ومعارك الشرف والبطولة أعظم الأدوار.

إن الحزب الاشتراكي اليمني إذ يفهم على نحو عميق دور الفكر في تحريك وتحويل المجتمع تحويلاً ثورياً فإنه يولي الثقافة بمختلف جوانبها اهتماماً بالغاً بغية أن تؤدي الدور المناط بها في تحقيق أحلام وأهداف الشعب اليمني في التحرر والوحدة والتقدم ولا يألو جهداً في هذا المضمار موقناً تمام اليقين بأنه كان ولا زال وسيظل للمفكرين والأدباء اليمنيين الأحرار والمتقدمين ابلغ الأثر في تحسس نبضات شعبهم وتجاوبهم معها حيث تمثل ذلك في صراعهم المرير ضد كافة ألوان التخلف والاستبداد والهمجية والإنفصالية والمذهبية البغيضة وكافة رموز التخلف والظلم فكانوا بذلك ذوي دور حاسم شأنهم شأن حملة السلاح حيثما كانوا في كافة ربوع يمننا الحبيب.

إننا إذ نكرس هذا المساء الحديث عن أخطر قضية مصيرية من قضايا الشعب اليمني إلا وهي وحدته الحتمية فإننا لا يجوز أن هذا الاتحاد يمثل رمزاً شامخاً من رموز الوحدة إذ يمثل وجوده تجسيداً حياً ولو جزئياً للوحدة اليمنية ، حلم الشعب العظيم ومصدر قوته وقاعدة انتصاره التاريخي على كافة أعدائه.

إننا إذ نتحدث في هذا الموضوع الخطير استمد منكم شيئاً كثيراً مما يملك الأدباء والكتاب والفنانون التقدميون من تفاؤل وحماس وإصرار مردداً مع الشاعر الراحل العظيم:

"إن أجمل أيامنا هي التي لم تأت بعد .. وأعظم أمانينا وأروع أحلامنا هي التي لم تتحقق بعد وأحلى أغانينا هي التي لم نعنها بعد".

إن ازدهار اليمن وحيويته وقوته كان دائماً مرادفاً لوحدته. وتلك الحقيقة أساسة لابد من تصدير المحاضرة بها.

ولقد سعى حكام اليمن منذ القدم لبسط نفوذهم على كافة أجزائه المختلفة وإن كان ذلك لا يتم إلا في فترات تاريخية معينة حيث يعود التمزق القبلي والطائفي بل والإنفصالي يعيث فساداً في ربوع الأرض وضده يستمر الكفاح الوطني من أجل إعادة تجميع أوصال الوطن الممزق وتحقيق وحدة ترابه قرابينه آلاف الشهداء وغالي التضحيات حيث أنه من الطبيعي والبديهي أن كل من يتحلى بالحب والوفاء لوطنه اليمني ويحرص على مطامح شعبه المشروعة لا يمكن إلا أن يسعى إلى إنهاء حالة التجزئة والتمزق وتحقيق الوحدة اليمنية ديمقراطياً مهما كلفه ذلك من بذل متواصل للغالي من نفس ونفيس.

ولقد استوعب الثوريون اليمنيون هذه الحقيقة منذ أن بدأت بذور وعيهم في النمو ولكنهم ورغم قناعتهم الراسخة بأهمية الوحدة وعملهم الدؤوب لأجل تحقيقها كانوا يبتلعون حقيقة مرة مفادها أن الأوضاع المعقدة والمتمثلة في البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السائد كانت تقف بمثابة سد منيع يحول دون انتصار هذا الحلم التاريخي والهدف النبيل من أهداف النضال الشعبي منذ عهد بعيد.

إن العبارة التالية من برنامج الحزب الاشتراكي اليمني تصور أعمق تصوير ذلك الأمر:

"ينطلق الحزب الاشتراكي اليمني في تحديد مهماته المباشرة والمستقبلية من الإدراك العميق للوحدة الكفاحية بين ثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر ويرى في هاتين الثورتين أساس الخلاص للشعب اليمني وتحقيق أهدافه الوطنية، والاجتماعية.

"ويدرك الحزب إدراكاً عميقاً مسؤوليته أمام الجماهير الكادحة فيها يتعلق ببناء اليمن الديمقراطي الموحد وسوف يعمل بدأب على تحقيق كافة مهماته في هذا الصدد والتي ينص عليها برنامجه".

ومن هنا ندرك أن انتصار ثورة 26 سبتمبر كان في الأساس خطوة هامة وضرورية على طريق الوحدة الوطنية اليمنية باعتبار أنها وضعت في مزبلة التاريخ نظام الإمامة الرجعية الإقطاعي والطائفي وإقامة بدلاً عنه نظاماً جمهورياً وطنياً يجسد وحدة الجماهير الوطنية على طريق وحدة الأرض والشعب.

ثم اندلعت شرارات ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م وتم انتزاع الاستقلال السياسي في عام 1967م حيث شكلت الثورتان في الشمال والجنوب الأساس المتين لخلاص الشعب اليمني من نيران الاستبداد والاستعمار والتخلف والتمزق وأثبت مطوق التاريخ تلاحمهما الكفاحي على درب انتصار الأهداف الوطنية والاجتماعية لنضال الجماهير اليمنية منذ القدم.

ومن هنا كان تأكيد الحزب أيضاً على أن إستراتيجية الثورة اليمنية مرتبطة عضوياً دون انفصام بوحدة ثورتي سبتمبر وأكتوبر كوحدة تتوج وحدة الأرض والشعب اليمني وبالتالي وحدة مصالحه المشتركة على صعيد الإقليم كله لكي تتمكن من تحقيق الأهداف الإستراتيجية التاريخية لشعبنا اليمني.

وليس أدل على ذلك الترابط الجدلي بين الثورتين من أن ثورة 26 سبتمبر كانت تمهيد لقيام ثورة 14 أكتوبر وكلاهما كان نتيجة سريعة لتطور النضال الشعبي والحركة الوطنية ضد الاستغلال والاستبداد الرجعي والاستعماري.

إن هذا الترابط الوحدوي الجدلي هو مصدر القوة الحقيقية لحزبنا الاشتراكي اليمني ولكل القوى التقدمية الشريفة لشعبنا المؤمنة والمناضلة لتحقيق الوحدة اليمنية ووحدة أداة الثورة اليمنية، الطليعة القائدة لتحقيق كامل الأهداف الإستراتيجية لثورة شعبنا اليمني.

وهكذا فإن جماهير الشعب اليمني التي ناضلت في الشمال والجنوب من أجل حماية ثورتي سبتمبر وأكتوبر وهي التي تناضل الآن من أجل تلاحم الثورتين وانتصار وحدتهما التي هي أساس وحدة الأرض والشعب في آن واحد .. تلك الوحدة التي ستكون لها صفتا التقدمية والخلود حيث لن يحلق بعدها شبح الانفصال قط مهما بذل أعداء الشعب اليمني التاريخيون من جهود في سبيل ذلك.

لقد كان من الممكن بعد اندلاع ثورتي سبتمبر وأكتوبر والظفر بالاستقلال السير بقضية الوحدة اليمنية حتى النهاية لولا أن التطورات في الشمال سارت في طريق متعرج حيث تكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب وعملوا دوماً على الانحراف بها عن مسارها الحقيقي وإجهاضها ولولا أن اليمين الرجعي في الشطر الجنوبي أيضاً دأب على تعمم الانفصال باسم الوحدة وعمل على تكريس التجزئة منطلقاً في ذلك من تفكيره الانتهازي الضيق واعتقاده بإمكان تكوين كيان انفصالي قائم بذاته والضرب بالتالي بالوحدة باليمنية عرض الحائط واستخدامها كورقة رابحة في يده ليس إلا يستخدمها متى شاء وكيفما شاء في ساحة الألاعيب السياسية؟.

وعلى الرغم من تشبث اليمين الرجعي بالسلطة إلا أن الإرادة الثورية انتصرت وسطعت من ثم شمس الثاني والعشرين من مايو مضيئة ربوع اليمن ولكنها حاملة معها في أعماقها في الوقت ذاته جرثومة اليسار الانتهازي الذي صار بدوره يزايد على الوحدة اليمنية باسمها ويوجه لها طعنات مسمومة طويلة فترة تربعه على السلطة وإمساكه بدفتها مما يثبت أن الصراع الطبقي والسياسي عموماً الذي يدور حول قضية وحدة الوطن اليمني والقضايا الأخرى يرتبط ارتباطاً لا ينفصم بالصراع بين القوى الطبقية الثورية الحقيقية والقوى الرجعية للثورة مهما كانت براقعها لأن هناك ترابطاً وثيقاً بين وحدة القوى الرجعية والانتهازية في شطري اليمن والعكس صحيح بالنسبة لوحدة القوى الثورية اليمنية الحقيقية.

وانتهى اليسار الانتهازي بعد أن دارت عليه عجلة الزمان إلى غير رجعة وخطت قضية الوحدة اليمنية من ثم خطوات إلى الأمام. مما يدل على عمق الترابط الدياليكتيكي بين الأوضاع اليمنية عموماً رغم الحدود المصطنعة والنزعات الانفصالية ذلك أن الأوضاع السياسية والمستويات الاجتماعية مرتبطة جدلياً على امتداد الساحة اليمنية وتعكس بدورها طبيعة المصالح المتناقضة والمتضادة للقوى الطبقية والسياسية في الإقليم وهكذا فإن أعداء الشعب اليمني لا يمكن فصلهم في الشمال عن الجنوب ولا يمكن فصلهم في الجنوب عن الشمال وكذلك فإن القوى صاحبة المصلحة في التطور اليمني لا يمكن هي الأخرى فصلها في الجنوب عن الشمال والعكس. وإن أية ردة رجعية أو تحولات تقدمية في أي شطر من الإقليم لن تكون معطياتهم التاريخية سلباً أو إيجابياً على هذا الشطر أو ذاك وحسب وإنما يتعدى ذلك ليشمل الإقليم كله لأننا ندرك بأن أعداء ثورة 14 أكتوبر لن يقفوا لوحدهم بل سيقف معهم أعداء ثورة 26 سبتمبر في الشمال.

وعلى الرغم من كافة التعقيدات السياسية والعقبات المتنوعة إلا أن النضال الوحدوي استطاع أن يقطع أشواطاً لا يمكن إغفالها سواء على صعيد العمل الثوري أو البناء الفوقي أي السلطتين السياسية هنا وهناك وأصبحت اتفاقية بياني القارة -طرابلس- الكويت اعلاماً ومؤشرات هامة على دربها العظيم.

إن الوحدة اليمنية التي نصت عليها وثائق حزبنا والتي تتطلع إليها جماهير الشعب اليمني ليست هي تلك التي يفهمها الرجعيون والامبرياليون ومن لف لفهم أو يحلمون بها بما تعنيه من تراجعات عن التطورات والإجراءات الثورية والتقدمية بحيث لا يستفيد من ذلك سوى الإقطاع والكومبرادور والعملاء ومن دار في فلكهم.. بل إن الوحدة المنشودة هي تلك التي تتفق ومنطق التطور التاريخي وطموحات شعبنا وتجسد فعلياً كافة منجزات الثورة اليمنية في الشمال والجنوب كما تكون في الوقت ذاته عامل دفع بها إلى الأمام ووسيلة تعميق وتجذير لكل التغيرات التقدمية والثورية التي بذلك جماهير العمال العمال والفلاحين والمثقفين والبرجوازية الوطنية والصيادين وغيرهم من الفئات والقوى الاجتماعية الثورية الغالي والنفيس في سبيلها وما تزال.

إن هذا الفهم للوحدة اليمنية يتضح بجلاء في برنامج الحزب الذي يسير في سياسته الوطنية على هدى حقيقة أن وحدة الأرض والمصالح والإرادة ينبغي أن يكتسب أهمية بالغة للحركة الثورية للجماهير الشعبية من أجل تحررها الوطني والاجتماعي.ذلك أنه يعبر عن تطلعات هذه القوى المحركة لتاريخنا والتي ترى في الوحدة اليمنية لا قضية مصير وحلم وحلم تاريخي وعظيم متغلغل في أعماق اعماقها فحسب بل طريقاً ومضموناً لتعبئة كافة الموارد والطاقات المادية البشرية في سبيل التقدم وبناء المجتمع اليمني المنشود.

إن الحزب الاشتراكي اليمني لعلى ثقة تامة بأن حركة الجماهير الشعبية الغفيرة وجميع القوى الوطنية قادرة على تحقيق الوحدة الحقيقية للوطن اليمني وإقامة سلطة جماهير شعبنا عبر بناء الاقتصاد الوطني المستقبل والمتحرر من الارتباط بعجلة الرأسمالية العالمية والذي يخضع لنهج علمي مبرمج لنتمكن من تطوير الحياة العامة لجماهير شعبنا أكان ذلك على صعيد تحسين مستوى المعيشة أو السكن والصحة والمواصلات وإعطاء اهتمام كبير بتربية الأجيال اليمنية تربية صحيحة بما في ذلك توسيع نشر الثقافة اليمنية والعربية والانسانية التقدمية بين صفوف الشعب. وعلى ضوء ذلك فإن نجاحات ومنجزات اليمن الديمقراطية في مجال بناء الحياة الجديدة تشكل نموذجاً إيجابياً وعاملاً مساعداً على تحقيق هذه المهمات لما فيه خدمة المصالح المادية والروحية لأوسع جماهير الشعب اليمني سواء في شمال أو الجنوب

إن هذا الفهم الثوري التقدمي للوحدة هو نتاج حتمي لطبيعة الحزب الاشتراكي اليمني الذي يعتبر الفصيل الرئيسي في الحركة الوطنية اليمنية وطليعة الطبقة العاملة المتحالفة مع الفلاحين والمثقفين الثوريين والفئات الشعبية الكادحة الأخرى فيها.. والمعبر الحي عن وعي هذه الطبقة لمصالحها الحقيقية ولمستقبلها ودورها التاريخي .. وباعتبار أنه أي الحزب- يستلهم ويطور لا تراث شعبنا القديم وحسب بل ويكمل نضالاته على مختلف المستويات باعتباره التجسيد الحي لوحدة القوى الاجتماعية اليمنية الثورية والتمثيل المستمر الخلاق للتقاليد النضالية لشعبنا بطلائعه الثورية التقدمية الوحدوية.

ولقد امتد فهم حزبنا لقضية الوحدة بطبيعة الحال إلى شتى وثائق السلطة هنا. وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد ورد ذكر الوحدة اليمنية بالدستور في أكثر من موضع كضرورة حتمية تستلزم بالضرورة النضال لتحقيقها والتعامل على ضوئها لا باعتبارها مناورة سياسية أو وسيلة خداع وتضليل. <

 

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد