"زوجتي سهاد امرأة حامل في شهرها الأخير طلبت منها أختها الصغرى أن تشاركها فرحتها نظرا لأنها بمثابة أم لها ولا بديل للوصول إلى القرية إلا عبر سلسله جبلية وعره نظرا للحصار المفروض على قرى بلاد الوافي".
بهذه العبارة يلخص المصور الصحفي نائف الوافي الوضع في بلاد الوافي بجبل حبشي محافظة تعز، في ظل الحصار الجائر والتهجير القسري الذي تشهده المنطقة على يد مليشيا الحوثي وقوات المخلوع صالح.
يسرد الوافي المعاناة التي يعيشها السكان المدنيون هناك: "كنت هناك برفقة مصور قناة سكاي نيوز/ طه صالح والمصور الوهباني داوود، تفاجأت أثناء خروجي من مدينة تعز من أجل التغطية الصحفية لمعاناة أهالي قرى بلاد الوافي رغم أني ابن قرية قشيبة مسقط رأسي إحدى تلك القرى".
تهريب الحياة
وفي الوقت الذي يسلك السكان عبر طرق وجبال وعره ليتم جلب وتهريب المواد الغذائية إلى قرى بلاد الوافي جبل حبشي.
تشهد منطقة تبشعة عزلة بلاد الوافي مديرية جبل حبشي تهجير لأبناءها بعد تفجير مليشيا الحوثي صالح للعديد من منازل المواطنين في نفس المنطقة.
يصف المصور طه صالح الوضع هناك: عدنا من منطقة بالقرب من قرية تبيشعة التي عمل الحوثيين على تهجير أبنائها وتفجير منازل القرية. معاناة تفوق الوصف يتوجه الناس من قريتهم إلى المجهول لا يعرفون إلى أين وبعضهم فقدوا أبنائهم وذهب كل واحد في اتجاه. يخرج الناس من قريتهم يحملون رايات بيضاء لتجنب القناصة".
يضيف الوافي:" لم أتوقع هذه المأساة التي يعيشها أهالي القرى المحاصرة هناك. عشرات القرى ترزح تحت الحصار المفروض منذ شهرين وأكثر من قبل الحوثيين وقوات المخلوع صالح التي قطعت جميع الخطوط الفرعية التي تربط القرى بالخطوط الإسفلتية الرئيسية".
يتابع: تحدثت معنا النساء أن أهالي القرى يخرجون من بيوتهم قبل أذان الفجر ومنهم من يخرج قبل ذلك للوصول إلى مناطق بعيده لجلب المواد الغذائية والعودة بها قبل المغرب.
حصار وتجويع
أكثر من عشر قرى تعيش حصار خانق في بلاد الوافي جبل حبشي محافظة تعز. تبيشعة أولى المناطق التي فجرت فيها منازل المواطنين وتم تهجير مواطنيها. كذلك منطقة العنين نزح بعض سكانها وربما تلحق بقرية تبيشعة.
وبحسب المصور الوهباني داؤود هناك 13 قرية أو أكثر يتجرعون مُر الحصار الذي فرضته مليشيا الحوثي والمخلوع منذ أشهر على أبناء عزلة بلاد الوافي- جبل حبشي.
ويضيف:" وهاهي المليشيا اليوم تقوم بتهجير أبناء قرية تُبَيشِعَة إحدى قرى العزلة المحاصرة بعد تلغيم وتفجير 7 منازل فيها..".
أما عن النساء الحوامل والمرضى فلا يستطيعون إخراج الكثير منهم من القرى نظرا لوعورة الطريق وبعدها وأنهم يسلموا أمرهم للخالق.
وعن تفاصيل المواد الغذائية، يقول الوافي: لو أردت شراء كيس دقيق أن وجدت الفلوس فيعني أن إيجار نقل الدقيق عبر الجبال والأكتاف يصل إلى ثلث قيمة الدقيق وكذلك بقية المواد. فبعض القرى بعيدة مما يؤدي إلى زيادة إيجار نقل المواد على الأكتاف.
ونظرا لعدم التفات الجهات الرسمية إلى نجدة تلك المناطق سارع الأهالي إلى شق طرق لمرور الحمير ومرور البشر الذين ينقلون المواد الغذائية ويحاولون شق طريق لمرور السيارات لكن لن يكون ذلك إلا بوجود سلطه محلية وحكومة تقف بصفهم وتساعدهم.
ويشير إلى عشرات القرى المحاصرة، من ضمنها قرية قشيبة والشيخ سعيد والميهال ومولية والسفاء والقحفة والعنين وبني خيلة وإيناعة والحبيل والقبع وبيت الوافي وهر والبسقة والحجر والشجن.
بداية المأساة
تقع عزلة بلاد الوافي غرب مدينة تعز وتحاذي قراها الخط الرئيسي الواصل بين تعز الحديدة وبعض القرى تحاذي خط الضباب شرقا.
عشرات القرى تقبع تحت حصار خانق فرضته مليشيا الحوثي صالح منها قرية وهر وقرية تبيشعه وقرية بيت الوافي وقرية القبع وقرية الحبيل وقرية بني خيله وقرية العنين وقرية موليه والقحفة وقرية السفاء وقرية قشيبة.
يفيد المصور نائف الوافي أنه قبل ثلاثة أشهر من الآن أغلق الحوثيون الطرق الفرعية المؤدية إلى عشرات القرى في بلاد الوافي منها طريق الرمادة إغلاق نهائي وطريق الهيجة إغلاق شبه نهائي، مع العلم أن كل طريق فرعية لا تتصل بأي طريق أخرى طريق ذات نهاية.
طريق الرمادة المغلقة نهائيا تربط أكثر من عشر قرى بمدينة تعز ومدينة هجدة وبعد إغلاقها لا وجود لأي بديل إلا الجبال الوعرة التي لا تتناسب حتى مع المشي على الأقدام.
مع العلم أن عزلة بلاد الوافي تعد أكبر عزله في مديرية جبل حبشي التابعة لمدينة تعز من حيث الكثافة السكانية بحسب تعداد حكومي سابق ويرزح سكان هؤلاء العزلة بنسبة 80% تحت الحصار المفروض على قرى بلاد الوافي.
مراحل الحصار
منذ أربعة أشهر من الآن بدأ الحصار تدريجيا على القرى لكن منذ شهر ونصف أطبق الحصار عليها كليا. فقد تم استهداف سيارة المواطن عبده حسان عباس أحد أبناء قرية قشيبة أثناء محاولته الذهاب باتجاه منطقة الرمادة لجلب المواد الغذائية وأطلق الحوثيين النار عليه وعلى من في السيارة وأصيب سائق السيارة وامرأة اسمها سعود ونجا آخرون.
وفر السائق بجراحه تاركا السيارة في قرية العنين وما زالت إلى الآن وتم إسعاف الجرحى عبر الجبال وصولا إلى مدينة تعز.
كذلك تم استهداف مشيعين أحد الموتى أثناء محاولة دفن الميت في مقبرة قرية العنين وأطلق الحوثيون النار عليهم مما أدى إلى إصابة امرأة ورجل.
يقول الوافي أنه من بعد حادثة السيارة إضطر المواطنون للذهاب لجلب المواد الغذائية عبر الجبال الوعرة الخالية من السكان والتي تربط العزلة بعزل أخرى تعتبر الأقرب كعزلة بني عيسى في مديرية جبل حبشي.
فيما إضطر أبناء القرى المحاصرة بشكل نهائي كقرية قشيبة ومولية والشيخ سعيد والقحفة التوجه نحو الجبال لشق طريق لمرور البشر والحيوانات على الأقدام نظرا لوعورة الجبال ونظرا لسقوط العديد من الحيوانات التي تحمل المواد الغذاىية في تلك الجبال.
يتجه أهالي القرى صباحا قبل طلوع الفجر نحو الجبال للوصول إلى الأماكن التي يتوفر فيها المواد الغذائية ويعود البعض منهم وقت الظهيرة ومنهم يعود قبل دخول الليل.
البحث عن حياة
جميع القرى المحاصرة في بلاد الوافي لا يوجد فيها أي مرفق صحي حكومي أو خاص مما يزيد من معاناة المصابين والمرضى نظرا لسقوط قذائف مدفعية على تلك القرى وقرب أماكن المواجهات والمعارك المسلحة من القرى المحاصرة.
أما عن النساء الحوامل فلا يستطيع أهالي المناطق إسعاف الكثير منهن ويتم توليدهن بالطرق التقليدية. فيما الأطفال والنساء في تلك المناطق فقد حل الأطفال محل وسائل النقل لنقل المواد واحتياجات القرى أما عن الرجال فقد حل الرجال بديلا لآليات شق الطرق من أجل أن لا تسقط نسائهم وأطفالهم من تلك الجبال نظرا لصعوبة التحرك على الأقدام فيها.
أما عن أسعار النقل فهي تمثل تكلفه مضافة لتكاليف الشراء. أحد أبناء قرية وهر فارق الحياة بعد أن قطع سيرا على الأقدام سلسله جبلية في محاولة منه لإيصال الغذاء إلى أطفاله، إلا أن مليشيا الحوثي صالح أطلقت عليه النار باستمرار ونجا من الطلقات النارية إلا أنه فارق الحياة في نفس اليوم التي حصلت معه هذه الحادثة بعد وصوله إلى منزله.
يحدث ذلك في بلاد الوافي وسط غياب تام للمنظمات والجهات الرسمية ويواجه هؤلاء البشر قساوة الحصار لوحدهم.
