في محاضرة بعنوان (الوحدة حلم .. وراهن التحديات) .. السعيدي يروي لدفعة 22 مايو كيف أراد العطاس القضاء على كل كائن حي في عدن إلى الأبد وكيف بدأ التخطيط لإقصاء الآخر من السلطة

2009-06-02 03:42:11

*" هذا الحديث ظل سرا لم يتجاوز شفتاي حتى اللحظة فقد كان من الممكن أن يشعل فتيل الانفجار بين شريكي الوحدة "

 

*" باجمال نصحني بقوله :إن وراء هذا المشروع إخطبوط دولي كبير ممكن يوديك في داهية .. وإذا كان الأخ حيدر العطاس رئيس الوزراء خائف على رقبته أنت مش خائف على رقبتك.؟"

 

*" عرض علينا ملف ما اسماه بطلب الترخيص لمصنع نفايات نووية مشعة بالمنطقة الحرة بعدن لم أكن أتوقع بحياتي أن أرى مثله "

 

تغطية/ فاروق مقبل

كان أ.د محمد احمد السعيدي يحكي لأبنائه وبناته خريجي الدفعة الثانية عشرة من جامعة العلوم التطبيقية والاجتماعية والتي أسماها بدفعة 22مايو حكاية الوحدة اليمنية الحلم وراهن التحديات وحين ذرفت عيناه الدموع وتقطع صوته كان الرجل يحكي حكايات لا تنسى أبدا عاشها الرجل منذ الأيام الأولى لتحقيق الوحدة اليمنية حكاية شرذمة فاسدة بدأت مخطط الانقلاب على الوحدة في عامها الأول ..  

دموع الأستاذ الدكتور وهو رئيس أمناء جامعة العلوم التطبيقية لم تكن من أجل مواقف عابرة لكنه تصور ماذا كان سيكون عليه أبناء مدينة عدن الوحدوية لو لم يقفوا لمنع مخطط العطاس الجهنمي وهو رئيس لأول حكومة انتقالية حيث أراد أن يقضي على كل كائن حي بعدن مقابل موقف رجالها ونسائها وشيوخها وشبابها الذين خرجوا جمعا واحدا في استقبال الرئيس علي عبدالله صالح رافضين مشروع الوحدة بطريقة التقسيط (على مراحل )ومطالبين بوحدة فورية.. لقد كان العطاس الذي يتباكى على (شعبه) يريد الترخيص الدائم لإقامة مصنع للنفايات النووية في عدن

يقول السعيدي لطلابه وقد نسوا حفل تخرجهم وصمتوا يستمعون :من سوء حظهم أنني كنت قد قرأت حول موضوعات كهذه حيث تقوم شركات دولية بالتخلص من النفايات النووية المشعة بدفنها في أعماق صحاري نائية وبعيدة عن السكان في بعض البلدان الفقيرة ,مقابل رشوات كبيرة تدفع لمتنفذين بتلك البلدان أما هذه الصورة التي تريدها بمنح ترخيص رسمي دائم لدفن مواد مشعة في وسط مدينة عدن ,أكبر مدينة مأهولة بالسكان فإنه عمل شيطاني لا يمكن تصوره..

وهنا تقطع صوته وأغرقت عيناه بالدموع . فماذا كان يريد العطاس أن يفعل بأبناء عدن ؟ نترككم مع محاضرة أ.د محمد احمد السعيدي.

سنتجاوز قضية التعريف والمقدمات وننتقل مباشرة إلى قضية هامة وهي التمييز بين إعادة توحيد حكومتي شعب مزقه الاستعمار وبين عمليات التجمعات الاقتصادية التي تدمج فيها قوميات مختلفة لأهداف اقتصادية و أمنية.

فاندماج دولتين و اتحادهما لا يربطهما إلا الجغرافيا والمصلحة ويختلفان قومياً ولغوياً و .......الخ، يحتاج إلى عمل جاد ومضن يجب أن يشارك فيه كل مواطن ، وأفضل طريقة عادة ما تتوج باستفتاء شعبي.

أما في حالة بلادنا فالأمر مختلف تماماً فنحن نتحدث عن شعب واحد مزقه الاستعمار والرجعية والتخلف ، وبالتالي فقد كانت وما زالت الوحدة مطلباً شعبياً وهدفاً سامياً سعى إلى تحقيقه كل مواطن ومواطنة وكل القوى النيرة بدون إستثناء.

المبدأ الأساسي أن أي حكومة عندما ترى مصلحة في اندماجها مع حكومة أخرى بأي مستوى يؤدي للمعنى فهي مطالبة بعمل استفتاء شعبي.

أما عندما تكون الوحدة بين شعب واحد مجزأ إلى شطرين وتكون الوحدة هي أمل ومطلب هذا الشعب الذي ينشده، وينشد الوحدة فإن على الحكومات تنفيذ رغبة الشعب ويكون الإجماع الوطني المعبر عنه شعبياً بديلاً شرعياً وقانونياً عن الاستفتاء.

ماذا يمكن قوله عن الوحدة اليمنية؟

الوحدة اليمنية قد كانت وما زالت مطلباً شعبيا بكل امتياز حيث حشدت لها كل المنظمات والأحزاب السياسية وكل الفعاليات كافة طاقاتها،فقد شكلت تاجاً يزين كل برامج و شعارات الأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية بكل أطيافها ونهجاً تفتخر به و تتنافس على ارتياده كل الأحزاب والمنظمات.

وللذين وعوا بعد تحقيق الوحدة لا أدري كيف أصف لكم شعوري عندما التقيت أول زميل "طالب من الجنوب" عندما ذهبت للدراسة بالخارج، وكيف كان شعوري عندما تم تشكيل سكرتارية المجلس اليمني الأعلى عام 1982م وتعييني بهذه اللجنة، وصرت على موعد قريب بأن تطأ قدماي أرض عدن، منارة الثورة والمعين الذي غذى ثورة 26 سبتمبر بأفضل الكفاءات وخيرة المناضلين وأنجح التجار، وكيف أيضاً كانت تجري المفاوضات بين وفدي الشطرين حيث لم نكن نشعر قط إلا بأننا نمثل اليمن وليس دولتين، وكيف كنا نحير العالم بمشاعرنا الوحدوية ومع قناعتنا بأن إعادة توحيد الوطن كان الهاجس والهدف السامي الذي كان يحكم تصرف كل مواطن على امتداد الأرض اليمنية، إلا أنه من الإنصاف الإشارة إلى أن عدن قد شكلت حصناً، وسداً منيعاً تصدى بكل جسارة للنزاع الأخير لنظام شطري يلفظ أنفاسه الأخيرة، أو أنها قد بددت غيوماً أوشكت على تعكير صفو خيوط فجر جديد.

فخروج نساء وأطفال عدن الأبية في مثل تلك التظاهرة الفريدة لا ستقبال زعيم اليمن وأمل وحدتها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح في مهمته التي أطلقها للنزول إلى عدن لإعادة تحقيق الوحدة، وما تلاها من تفاعلات وضغوط على إثر خطاب التدرجية بصور عدة ومن قبل كل الفعاليات بكل مستوياتها دونما استثناء، لا يخفى تأثيرها على الأحداث على كل ذي بصيرة، ورحم الله المناضل الفذ المرحوم عمر الجاوي فقد كان ومعه اتحاد الأدباء والكتاب على رأس المطالبين بالوحدة الفورية.

قد يقول قائل إذا كان هذا الواقع فلما فلماذا لم تتحقق الوحدة قبل عام 1990م؟

الحقيقة أن الكرسي هو العائق والسبب، ويأتي بعده الوضع الدولي الذي تميز حينها بالحرب الباردة بين كتلتين "الاشتراكية والرأسمالية".

القيادة والاستفادة من الفرصة:

هكذا الأحداث العظام لا تأتي بالصدفة ولا بالنيات الحسنة، عادة ما يقف ورائها رجال عظماء، فقد استطاع مهندس الوحدة اليمنية وقائد مسيرتها الأخ علي عبدالله صالح بتصرفاته ومثاليته أن يحوز على ثقة الجميع.

كيف؟

لقد لاحظ على سبيل المثال أن هناك جفوة كبيرة يعاني منها بعض المسئولين والقطاعات والقوى على مستوى الشطرين، ففي الشمال كان هناك العديد من رجال الأعمال الذين نزحوا من الجنوب هروباً من التأميم الذي طال ممتلكاتهم في الجنوب، وكانوا يتوجسون خيفة من النظام الاشتراكي الذي قد ينقل التأميم إلى الشمال.

كما أن بعض القوى السياسية التي كانت تسمع عن الأفكار والايدولوجيا الشيوعية والتي من ضمنها أن "الدين أفيون الشعوب"، وغيرها من الإشاعات عما كان يعانيه علماء الدين في الشطر الجنوبي من الوطن، وفي المقابل كان بعض الأخوة في القيادة بالشطر الجنوبي ينظرون إلى الحكومة بالشمال أنها محكومة بروابط لقوى رجعية ودينية متزمتة وتحتضن قوى معادية للاشتراكية والنظام الاشتراكي بالشطر الجنوبي.

وهنا ظهرت عبقرية الأخ علي عبدالله صالح، فقد كان كل مرة يزور فيها عدن كان عادة ما يصحب معه مجموعات من رجال الأعمال الذين تضرروا من جراء التأميم بالشطر الجنوبي والعديد من رجال السياسة والدين بكل أطيافه، ولقد كان لهذا العمل الذكي ِأبلغ الأثر لرأب الصدع وخلق نوع من التآلف بين فئات عدة من القيادات السياسية والفكرية والاقتصادية في الشطرين.

قضية أخرى كانت تشكل حاجزاً نفسياً قوياً بين مسئولي الشطرين كانت عادة ما تردد على اللسان وهي أن كل مسئول في أي من الشطرين يتوجس خيفة من شعور الشطر الثاني بشيء من التفوق يجعله يستقوي عليه ويحاول فرض الوحدة بالقوة كما حصل في عامي 1972 و1979م.

ولتبديد هذه المخاوف فقد كان نهج الأخ الرئيس علي عبدالله صالح نهجاً سليماً بشكل دائم، ولم يحاول استغلال القوة أو التلويح بها في أي وقت من الأوقات، رغم أن الشطر الجنوبي قد مر بظروف عصبية كانت لتغري أي قيادي باستغلالها، وهذا أمر هام وحيوي يفهمه ذو دراية بالأوضاع في تلك الحقيبة.

ولهذا فما إن انهارت الكتلة الاشتراكية، كان على القادة في الشطر الجنوبي الاختيار بين أن يدخلوا في أمان مع الأخ علي عبدالله صالح، ويدخلوا معه التاريخ من أوسع أبوابه، أو المجهول بكل مفاجآته و مخاطره إذ جاز لنا التعبير، فقد كانت الدول الشرقية تعيش ثورات شعبية أسطقت كل النظم التي كانت تنظوي تحت الكتلة الاشتراكية.

الكرسي أولاً واخيراً:

ماذا تغير بعد الوحدة؟

قامت الوحدة والديمقراطية معاً ومعهما عملية التقاسم وكان المأمول أنه مع ترسخ جذور الديمقراطية والوصول إلى انتخابات حرة لن يبقى مكان للتقاسم المصطنع، طبعاً هذا كان سيحدث لو بقت روح 30 نوفمبر و 22 مايو ولكن "تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن" فسرعان ما بدأت عملية القرصنة أو الشخصنة أو الكرسنة تفعل فعلها.

فبينما اندمجت كوادر حكومتي الشطرين وذابت فروع وفصائل الاشتراكي في المحافظات الشمالية وانطوت تحت القيادة الواحدة وتم إنشاء الأحزاب السياسية وفتح لها فروع في كافة أرجاء الوطن، لوحظ فيما بعد أن البعض أو القلة، بل وأثبتت الأحداث فيما بعد أنهم لم يتجاوز عددهم اليد، بدأ هؤلاء يؤرقهم كابوس الديمقراطية و إمكانات فقدان الكرسي.

فبينما المواطن اليمني على كل شبر من راض الوطن الغالية أخذ يتنفس الصعداء، ويتطلع لأول مرة إلى مستقبل زاهر يكفل له ولأحفاده الحياة الكريمة والسمو الذي يستحقه، بدا وكأن النار لا زالت تحت الرماد في رؤوس البعض ممن ظل يؤرقهم الكرسي الملعون.

ورغم أنني لم أكن أحبذ التطرق لأشخاص بعينهم إلا أن واقع الحال يفرض ذلك، فمن يحبس نفسه في برج زجاجي يلفه الظلام لا يرى إلا نفسه، والمثير بالأمر أنهم لم يتحفوا آذاننا في الفترة الأخيرة بصيحات نشاز تدعو إلى التشرذم و التقزم فحسب، بل صرنا نسمع مصطلحات لم يسمعها أحد من آبائنا ولا أجدادنا من قبل.

فمن سمع أو قرأ مقابلات مهندس الانفصال حيدر العطاس يجد أنها قد طفحت ببعض المصطلحات الغير مألوفة تنم عن نية مبيتة لطريق العدم.

وأسمعوه معي وهو يقول:

- "قضية شعبي غير محلولة"

- "حصل اختراقات لعناصر جنوبية"

- "خلق خلافات بين الجنوبيين"

- "الرئيس خطط لإقصاء هذه القيادة والهدف إقصاء الشعب"

- " في ظل هذه الأجواء كانت الوحدة حلم الناس لكن ما يفهموش"

- تشبيه الوحدة بما عمله برايمر الأمريكي باحتلال العراق.

وأكثر من ذلك حيث وصل به الأمر إلى حد الاستهتار والاستهانة بكرامة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها والتحرر من الاستعمار، وبكل معاني الاستهجان والهوان سمعناه يقول :"الشباب كان ذلك الوقت يقاوم كل المشاريع الاستعمارية بدون أن يبحث فيها"، وكأن الشعوب إذا ما بحثت ستفضل حياة العبودية لأجنبي!!

ومع ذلك فلو فرض أن احداً من الفضاء الخارجي قد استمع إلى مثل هذه المقابلات ربما قد تنطلي عيه باعتبار جهله لما هو منطقي على الأرض، ولكن كيف يمكن أن يهضم مقولته الأخيرة التي زين بها المقابلة حيث قال "أنا لم أكن في أي يوم اشتراكياً بل من القوميين العرب".

إذا لم ترتسم على وجوه الكائنات الفضائية علامات الاحتقار لشخص خدم الاشتراكية الأممية، وتربع على عرشها طوال عمره وهو لا يؤمن بها، بل يقف على النقيض منها، لا لشيء إلا لأنها وفرت له الكرسي، فسترسم بكل تأكيد علامات التعجب وعدم المصداقية والثقة بشخص يدعي القومية العربية!!

إذ كيف الوثوق بشخص أنه سيوحد أمة مكونة من اثنين وعشرين دولة عربية وهو من يعبث ويعمل على تمزيق احد أهم مكوناتها وهي اليمن.

ورغم أن استخدام السلاح لحل الخلافات بين الأخوة في ظل مجتمع واحد يعد عملا ممقوتاً، ويدل على قصر نظر من احد الأطراف، وضعف القابلية للحوار السلمي، إلا أن ما حصل في عام 1994م قد كان بعيداً كل البعد عما يحاول يروج له العطاس.

فالطريق والوقت القياسي التي حسمت بها دليلا كافياً أن الشعب بك لأطيافه وأحزابه بما فيها كوادر الحزب الاشتراكي قد هب للدفاع عن الوحدة، وأنه لولا تكاتف كل أبناء الشعب وفي مقدمتهم أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية لما طرد الانفصاليون بذلك الوقت القياسي.

المبررات ومن له السبق:

أحداث بمثل هذا المستوى عادة ما يكون من الصعب سبر أغوارها، والتوصل بشكل دقيق إلى الأسباب والمسببات إلا بعد وقت وجهد، وغالباً ما تكون من مهام المؤرخين، ومع ذلك اسمحوا لي أن أدلي بما اعرفه كشهادة من مواطن عايش جانباً من هذه الأحداث:

المقولة الأولى التي طرحها العطاس حيث قال "أن الأخ الرئيس قد خطط لإقصائه ومن معه من القيادة"، والمقولة الثانية "انه كان يلاقي صعوبات من أطراف الفساد!"

السؤال الأول هل هو من خطط لإقصاء الآخر؟؟؟

والسؤال الثاني: هل العطاس بعيد عن الفساد؟؟؟

في عام 1991م وهو العام الثاني للوحدة اليمنية استدعاني رئيس الوزراء حينها المهندس حيدر العطاس إلى مكتبة وفاجأني بالحديث التالي:

أخ محمد أنت تعلم أن الهيكل التنظيمي لوزارة النفط والمعادن المتفق عليه قبل الوحدة يقضي أنه كان الوزير من شطر فإن نائب الوزير ورئيس المؤسسة يكون من الشطر الثاني، والواقع الراهن أن المؤتمر الشعبي العام بدلاً من تعيين شخص واحد يتولى المنصبين "نائب الوزير و رئيس المؤسسة" بحسب تفسيرنا للاتفاقية بدلاً عن ذلك عين أحمد بركات نائباَ للوزير يقاسم الوزير الاختصاصات والأخ الوزير متضايق منه كثيراً، بينما العمل كله بالمؤسسة العامة للنفط والثروات المعدنية وأنت رئيسها.

وبصراحة احنا ما نقبل يستمر هذا الوضع، وعليه فواحد منكم يجب أن يرحل ونظراً لأنك إنسان كفء و.......الخ، فقد اخترناك أنت الذي سيبقى وسنضيف لك منصب نائب الوزير ، بحيث تكون أنت نائب وزير النفط والمعادن ورئيس المؤسسة العامة للنفظ والثروة المعدنية ، ولكن بشرط أنك تنفذ تعليماتنا.

فقلت له : عفواً الأخ رئيس الوزراء وهل عصيت لك أمر فأنت رئيس الوزراء ونحن بالوزارة ننفذ كافة التوجيهات الواردة منكم.

فقال: ما هذا قصدت فأنت تعرف أن الوزارة لنخا ، باعتبار أو الوزير منا أي من الحزب الإشتراكي ، وبالتالي المطلوب منك تنفيذ سياسة الحزب الاشتراكي فحسب ، ولولا ثقتنا بك وتقديرنا لكفاءتك ما تكلمت معك بهذه الصراحة.

شيء طبيعي أن يصيبني الذهول وأنا أسمع هذا الكلام، ومع ذلك فقد أعانني الله على تجميع أفكاري، وطبعاً ما كان ردي ليختلف عن رد أي مواطن غيور على وحدة وطنه، فقد قلت له عفواً أنا لا استطيع ، فالمؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني قد دخلا التاريخ بمساهمتهما في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، التي تشكل أكبر مكسب وطني في العصر الحديث ، ولا يعقل أن يشكل أي منهما تهديداً بأي شكل من الأشكال لهذا المكسب العظيم.

فطوال حياتي العملية لم أعمل قط لصالح حزب سياسي فالحزب بالبيت أما المؤسسة أو الوزارة فهي ملك الوطن.

وبالطبع تم ما أراد وصدر القرار الجمهوري وفقاً للرغبة الانفصالية، وبالمقابل ورغم أني كنت عضو في المؤتمر الشعبي العام إلا أنني لم أسمع من الأخ الرئيس علي عبدالله صالح ولا من أحد القيادات في المؤتمر الشعبي العام أي شيء أو أدنى تحريض من هذا القبيل كأن يطلبوا مني العمل لصالح المؤتمر.

طبعاً مثل الحدث وبذلك التاريخ، لو أني طرحته على أحد بالمؤتمر الشعبي العام كان من الممكن أن أبقى في منصبي.

فواقع الحال يقتضي أن يقف المؤتمر إلى جانبي ولكنه قد يشعل فتيل الانفجار بين شريكي الوحدة.

ولهذا فقد ظل هذا الحديث سراً لم يتجاوز شفتاي حتى اللحظة.

أما القضية الثانية "قضية الفساد"، فلم أعرف طوال خدمتي أكبر مما عايشته أو لمسته في ظل قيادة العطاس، فطوال عملي بمؤسسة النفط لم تكن لجنة التفاوض مع شركات النفط على سبيل المثال تقل عن أحدى عشر إلى سبعة عشر عضواً من كل التخصصات وفوجئنا بعد الوحدة أن اللجنة تقلصت إلى اثنين في مكتب الوزير بدلاً من اللجنة الموسعة التي كانت في المؤسسة والحليم تكفيه الإشارة.

وأثناء عملي في المنطقة الحرة كان الأخ عبدالقادر باجمال رئيس الهيئة وكنت أنا نائب رئيس مجلس الإدارة، وسأختار من القصص العجيبة لهذه الهيئة اثنين فقط.

في أحد الأيام واذكر كان يوم خميس دعانا الأخ عبدالقادر باجمال إلى اجتماع عاجل لمجلس الإدارة على وجه السرعة بنفس اليوم، وقد تم له ذلك لان أعضاء مجلس الإدارة كانوا متفرغين، وفي الاجتماع أكد لنا أن رئيس الوزراء حيدر العطا دعاه إلى منزله في الليلة الماضية، وأمره أن تقوم الهيئة بتوقيع عقد لإعطاء حقوق الامتياز لمجموعة دولية بالمنطقة الحرة بكاملها.

بالطبع رفضت هذا الأمر رفضاً قاطعاً للأسباب التالية:

1. أن هذا نوع من الاحتكار سيضيع المنطقة الحرة، لأن المستثمر لن يستجدي ترخيص من مستثمر آخر منافس له.

2. ليس من حقنا في الهيئة منح حقوق امتياز، فهذه الحقوق سيادية لا تتم إلا بقانون، بموافقة مجلس النواب وتصدر بقرار جمهوري كاتفاقيات النفط.

3. لم يتمالك نفسه حينها وأخذ يسدي إلي نصائح منها أنه قال: "إن وراء هذا المشروع إخطبوط دولي كبير، ممكن يوديك في داهية... إذا كان الأخ حيدر العطاس رئيس الوزراء خائف على رقبته.. أنت مش خايف على رقبتك..

فرديت عليه "ألا يستحق الوطن التضحية برقبة"

وطرحت له بديل أن نمنحهم ترخيص صناعي بجزء من المنطقة وفق شروط الهيئة ونظامها، وقد حذرني باجمال من غضب العطاس ولكن أمام دعم أعضاء مجلس الإدارة لوجهة نظري وأمام الإشكالية القانونية اضطر للتنازل.

والأدهى من ذلك أنه عرض علينا ملف لم أكن أتوقع بحياتي أرى مثله، إذ قدم لنا ملف ما اسماه بطلب الترخيص لمصنع النفايات النووية بالمنطقة الحرة بعدن.

ومن سوء حظهم أنني كنت قرأت حول موضوعات كهذه، والحقيقة فقد جن جنوني ، فقلت له نقرأ عن مشروعات كهذه حيث تقوم شركات دولية بالتخلص من النفايات النووية المشعة بدفنها في أعماق صحاري نائب نائية بعيدة عن السكان في بعض البلدان الفقيرة، مقابل رشوات كبيرة تدفع لمتنفذين بتلك البلدان، أما هذه الصورة التي تريدها بأن تقوم بمنح ترخيص رسمي دائم لدفن مواد مشعة في وسط مدينة عدن ، أكبر مدينة مأهولة بالسكان فإنه عمل شيطاني لا يمكن تصوره.

والآن ما رأيكم؟

أي فساد أبشع وأمر من هذا؟؟؟

كل هذه الذكريات وغيرها أخذت أستعيدها من ذاكرتي، وأنا اسمعه على التلفاز يشتكي أنه كان يواجه صعوبات من أطراف الفساد!!!

وكان يتغزل بما اسماه "شعبي" يقصد الشعب بالمحافظات الجنوبية ، ويتغنى بعدن التي منعته أنا وزملائي أعضاء مجلس الإدارة من تحويلها إلى جحيم لكل سكانها، ومدينة أشباح إلى الأبد.

فشتان بين ما كان يخطط له العطاس وأزلامه لتحويل عدن إلى جحيم ، وبين ما حققته الوحدة في عدن من منجزات عظيمة، يفخر بها كل يمني وحدوي يحب بلاده.

يبدو أن التاريخ في كثير من الأحيان يأبى إلا أن يصحح نفسه، فيدخل العظماء من أوسع أبوابه، ويلفظ أولئك الصغار الذين جعلتهم الصدفة على مقربة من الحدث، ورسمت بأيديهم دونما حول منهم ولا قوة خطوطاً مع الحدث، وتخيل الحضور أنهم يوقعون على الوثيقة، ولكنهم سرعان ما يفتضح أمرهم، فيقعوا في الدرك الأسفل- المكان الذي يليق بنفوسهم الضعيفة.

وها هم يتصرفون تصرف الضباع التي تخرج في الظلام فلا تقوى على الانقضاض على الفريسة، بل تسير على مقربة منها تتحين الفرص، فإن لم تضعف الفريسة، وتقع من ذاتها فان الضبع يعود إلى جحره يجر أذيال الخيبة،وهو يتلوى من شدة الجوع.

و"لا نامت أعين الجبناء".

أما شعبنا اليمني الأبي بكفاة قواه الحية، فهو يمر بمخاض عسير وتحديات كبيرة، مرحلة صعبة من مراحل نضاله الشاقة والمريرة نحو تحقيق أهداف عظيمة، خطها بدماء شهدائه، شهداء سبتمبر وأكتوبر، وكل أولئك الذين بذلوا دمائهم وعرقهم على مر التاريخ.

ونحن على ثقة أنه ولا زال في جعبته الكثير من المفاجآت، وأنه سيحث الخطى ويركب الصعاب لتحقيق المعجزات.

فقد كان وما زال محط إعجاب الأمم، حيث عادة ما جعل من المحن سلما للسمو والصعود إلى المعالي، فما عمل خفافيش الظلام على إقحامه في محنة إلا وخرج منها، باتفاقية تقرب يوم الوحدة والديمقراطية، وما أقحموه في مؤامرة إلا وداس عليها ورفعته درجات بقدرة الله ودعوة رسوله صلى الله عليه وسلم القائل "الإيمان يمان والحكمة يمانية"، وبعون من الواحد الأحد وبحكمته المشهود لها، وها هو اليوم وبكل قواه الخيرة يوشك أن يجعل من هذه التحديات مصعداً إلى مجتمع العدالة والديمقراطية والمساواة، التي بدونها لا تنجوا منه مهما بلغت من العتو والقوة.

والمثل يقول : "ضربة ما تقصم الظهر تقويه"

ما العمل ؟

إذا الشعب يوماً أراد الحياة

فلا بد أن يستجيب القدر

عندما تتعاظم التحديات يصبح التصدي لها فرض عين على كل مواطن.

وعليه فقد بات من أكبر الضروريات انخراط المجتمع بكل فئاته وقواه والتيارات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والأفراد وبكل ألوان الطيف الاجتماعي انخراطهم جميعاً بالعمل الايجابي الجاد والمثمر لخلق سياج حصين للوحدة الوطنية باتجاه السمو إلى مجتمع ديمقراطي حر... مجتمع الحرية والمساواة والعدالة لا يرضى بمجرد القضاء على الظلم والتعسف، بل يأبى استمرار الشعور به.

هذا المجتمع المثالي الذي نقصد الوصول إليه يتطلب مخاض عسير وتضحيات بالمصالح الشخصية وبطرق سلمية ونكران للذات من الجميع ، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، هذا أولاً.

وثانياً :على الحكومة الشروع وعلى وجه السرعة بوضع برنامج جاد وعملي للقضاء على الفساد بكافة أشكاله واستئصاله من جذوره وتعطيل أدواته وتجفيف منابعه، وتطهير كل أجهزة الدولة من الفاسدين والعابثين، وإعادة تأهيلهم، وسن التشريعات التي تضمن حماية حقوق الشعب من أطماعهم وأهوائهم المريضة، وتحقيق دولة المؤسسات الضمان الأكيد لترجمة هذه القوانين والنظم إلى واقع عملي معاش.

ولتكن البداية بإعادة ممتلكات الدولة المسلوبة، ما ظهر منها بتقارير اللجان السابقة وما لم يظهر بعد.

كما على أن الحكومة والحزب الحاكم العمل وبأسرع ما يمكن تنفيذ الإصلاحات السياسية والاجتماعية وبذلك كل تجهد وفق برامج مدروسة ورؤى ثاقبة لإعادة إصلاح منظومة القيم والمثل، بما يؤدي إلى نشر قيم البناء والرفعة والتعاون والتآلف، وتنمية القدرات الإبداعية والعلمية النقية، وقيم العمل والجد والشرف والنزاهة ، وتحصين المجتمع من كل ما شابه من قيم دخيلة عليه تشيع الكراهية والبغضاء والسلب والنهب والتخريب وتدمير الذات.

كما أن على الحكومة الشروع وفوراً بوضع أطر وأهداف طويلة المدى وخطط متوسطة تدعمها برامج قابلة للتنفيذ، لإحداث تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تكفل نقل المجتمع من حالة البؤس والتردي الذي يعيشه إلى مستوى يوفر له العيش مكرماً في أرضه مطمئناً على عرضه ومستقبله، على أن ترتكز هذه الخطط على أسس من العلم والمعرفة وفق برنامج يهدف إلى القضاء على الأمية، واحدث ثورة علمية حقيقية هادفة ترفع مستوى التعلم وتركز على التدريب المهني لخلق طبقة عاملة مؤهلة تجعل من الأجهزة والأدوات الإنتاجية الزراعية والصناعية بديلاً عن الكلاشنكوف وغيره من الأسلحة المدمرة، بالتزامن مع إعادة خلق ثقافة مشجعة لهذا التوجه البناء.

منظمات المجتمع المدني وكل الأحزاب السياسية والفعاليات وقيادات المجتمع والمواطنون جميعاً لعيهم الوقوف صفاً واحداً في دعم هذه التوجهات ، نحو التقدم والتطور وحماية الوحدة الوطنية وتعميقها وجعلها غرس يمتد جذوره بكل نفس زكية ، وتشجيع أساليب الحوار السلمي النباء.

ولتحقيق هذه الأهداف العظيمة.. على كل هذه القوى الفاعلة الانخراط في منتديات أو تجمعات أو اتحادات في محافظة، تعمل على دعم جهود الدولة بالتصدي للفساد بكل أشكاله ولكل الظواهر الضارة بالمجتمع والتي تؤدي إلى تهديد الوحدة الوطنية، والإسراع بتهيئة المناخ الملائم لإرساء دعائم دولة المؤسسات دولة النظام والقانون.

وأخيراً لن يكتمل هذا العمل الفكري ما لم نؤكد على حقيقة أكيدة وظاهرة وهي:

أن الوحدة اليمنية براء من كل ما يحدث، فلا تزر وازرة وزر أخرى وكل خلل يمكن إصلاحه فقط تحت سقف الوحدة.

فتحت ظلها فقط سنكون قادرين على تجاوز الصعاب وتخطي العقبات اوالمحن.

أما معلبات الانفصال والتشرذم المستوردة فلن تؤدي إلا إلى الشر والخذلان والتشرذم.

ونحن على ثقة بأن مجتمعنا محصن من كل هذه الأمراض.

وبالعدل والمساواة والمحبة سيرتفع البناء وستزداد اليمن شموخاً واباء.<



المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد