أوضاع اقتصادية خانقة " البيضاء أنموذجاً "..

هل يفلح النظام في تحجيم مد الثورة المتصاعد وتمييع أهدافها الرئيسية ؟

2011-06-29 16:52:08 تقرير/عارف العمري


مع بدء الاحتجاجات السياسية على مشروع التعديلات الدستورية والتي دشنتها أحزاب اللقاء المشترك بمهرجانات الهبة الشعبية, وحتى اليوم يعيش اليمنيون على نيران هادئة أحرقت أعصابهم وهم يتابعون المستجدات عن طريق التلفاز تارة, وعن طريق الصحف اليومية والأسبوعية تارة أخرى, وعن طريق المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي تارة ثالثة , يحللون الأحداث ,يغوصون في تفاصيلها, وتتحول المقايل إلى أشبه ما تكون بالمنتديات السياسية التي تمتلئ بالمحللين الذين لا يمتلك أغلبهم حتى شهادة الثانوية العامة.

كان كل شيء على ما يرام حتى ما قبيل حادثة النهدين التي أودت بحياة العشرات وأصيب خلالها أركان النظام الحاكم, بدءاً من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس الشورى ورئيس البرلمان, إضافة إلى عدد آخر من الوزراء والنواب والعسكريين وبعدها بدأت الأزمة الاقتصادية تحكم قبضتها على الأسواق لتنذر بكارثة إنسانية أثارت قلق الداخل والخارج وألقت بظلالها على مجريات الحياة اليومية.

البعض يفسر الأزمة الاقتصادية بأنها أزمة مفتعلة من قبل من تبقى من نظام الحزب الحاكم, لتحويل مسار الثورة إلى أزمة, ومحاولة دفن مطالبها المتصاعدة يوماً بعد آخر وإشغال الناس بالبحث عن الديزل والبترول والغاز بدلاً من الاعتكاف في الساحات التي لم يؤثر في غليانها عامل الوقت , ولم تزدها الاعتداءات المتكررة من قبل ميليشيات صالح إلا قوة وثباتاً طيلة مائة وخمسين يومياً.

لقد حاول النظام أن يخوف الناس بالقتل وأن يرهبهم بالقنابل السامة المسيلة للدموع, وأن يذلهم بالقمع تارة وبالاختطاف تارة أخرى, وأن يستخدم وسائل قذرة في ذلك ويسخر كل إمكانيات الدولة في سبيل ذلك, وغامر في توزيع احتياطي البنك المركزي على الموالين والمناصرين له وصلت إلى 250 دولاراً لمن يحضر صلاة الجمعة في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء ولكن كل هذا لم يفلح في تحجيم مد الثورة المتزايد بشكل مضطرد بقدر ما كان باعثاً على التحدي والثبات.

وحين فشل الخيار العسكري وهزمت كتائبه في أكثر من محافظة وازداد الضغط الدولي المستنكر لعمليات الإبادة البشرية, ورفعت الملفات الجنائية ضد أركان صالح في أكثر من محكمة دولية بتهم جرائم حرب ضد الإنسانية, بدء النظام يفكر في معاقبة الشعب بطريقة هادئة بعيداً عن السباحة في انهار الدم التي أصبحت تحت أضواء الكاميرات ..كان قطع التيار الكهربائي واحتجاز قاطرات النفط ومصادرة الصحف هي الوسائل الجديدة التي استمرت مع استمرار الخيار العسكري في محافظة تعز, ومناطق أرحب والحيمة.

تعطيل الحياة:

تحولت الحياة في المدن إلى حياة راكدة أشبه بحياة البداوة في القرون القديمة, فالراكب يضل لفترة من الوقت في انتظار " باص " يقله إلى مكان عمله, بينما البعض اضطر إلى المشي على الأقدام لمسافات طويلة من اجل أن يلحق بدوام بعمله, ولجاءت بعض الأسر في المدن إلى شراء الحطب بدلاً من الغاز, واستبدلت مصابيح الكهرباء بالفوانيس والشمع, وفضلت الكثير من الأسر عدم شراء الكماليات, وتلاشت حياة المدنية وعادت إلى الواجهة عادة حمل السلاح, وأغلقت الكثير من المرافق الخدمية في وجوه المواطنين وكان اليمن لم تشهد يوماً من الأيام نوعاً من المدنية ولو في حدودها الدنيا.

معاناة الكهرباء:


محافظة البيضاء كغيرها من محافظات الجمهورية يطبق الظلام على كافة مديرياتها, وفي المدينة يعم الظلام الدامس الباعث على الخوف في مدينة البيضاء وعزة ومشعبه وغيرها من حارات المدينة القابعة وسط صمت الظلام, ومع زحف الليل بجحافله على مدينة غابت عنها أنوار الكهرباء يصبح الخوف المستشري في الشوارع هو سيد الموقف, بينما توزع المولدات الكهربائية دخانها المزكم للأنوف على المحلات التجارية التي اختط مع الروائح الكريهة الصادرة من مقالب القمامة لتشكل في مجملها لوحة مأساوية يقف أمامها شيخ طاعن في السن يحاول طمس بعض من معالمها فيكتفي برفع يديه نحو السماء متضرعاً بكلمات يملأها الحزن والكآبة " اللهم فرج عنا ما نحن فيه " .

تظل الكهرباء لأيام تصل إلى أسبوع مقطوعة بشكل كلي, وتنقطع معها خدمات وتتوقف مرافق صحية وخدمية, فمستشفى الثورة العام توقفت بعض مرافقه عن العمل , ومصلحة الأحوال المدنية يسودها الهدوء بعد أن كانت تمتلئ بمئات المواطنين الذين يتوافدون بشكل يومي إلى المصلحة لاستخراج بطائق شخصية, وبعض محلات الانترنت قاب قوسين أو ادني من الإفلاس بعد أن أغلقت بعضاً منها أبوابها أمام روادها, وكذلك الحال بالنسبة لمحلات الاتصالات, والمعاملات في المجمع الحكومي توقفت والحال لا يسر صديقاً ولا يطمئن حبيباً.

" محمد "- صاحب بقالة في منطقة عزة -يصف الوضع الاقتصادي بأنه وضع مأساوي وسيء للغاية وانه كان يشتري الكرتون الشمع بـ 5500 واليوم يبحث عنه بـ 11000 لكنه لم يجده.

وفي الوقت الذي يتكبد فيه الكثير من التجار خسائر فادحة, تتكبد الخزينة العامة للدولة في محافظة البيضاء خسائر يومية, فمواطير الكهرباء التي لا تزيد طاقتها الإنتاجية عن 5 ميغاوات ليست ملكاً للدولة, بل هي مواطير مستأجرة من النائب البرلماني بحزب المؤتمر الشعبي العام حسن عبده جيد وتدفع المحافظة مبلغ سبعة وعشرين مليون ريال شهرياً, وبحسب معلومات لم يتسن لنا التأكد من صحتها فان المحافظة لم تدفع إيجار مواطير الكهرباء لمدة شهرين.


محطات مغلقة:


توجد في مدينة البيضاء سبع محطات للبترول لكنها مغلقة حتى إشعار آخر, ينبئك عن ذلك البراميل المنصوبة أمام المحطات, وفور سماع الناس بخبر وصول قاطرة نفط هنا وهناك, يتسابق الناس للوقوف أمام تلك المحطات في طوابير طويلة تصل إلى كيلو متر أو يزيد, لينتظر سائقو السيارات ثلاثة أيام بلياليها أملاً في الحصول ولو على دبة واحدة من البترول أو الديزل, المهم أنهم لا يعودون بخفي حنين بعد قضاء اثنين وسبعين ساعة تحت أشعة الشمس الحارقة.

محطة " القيسي " الواقعة في منطقة عزة شمال مدينة البيضاء نموذج لباقي محطات المحافظة من حيث معاناة الناس في الانتظار, فضولي الصحفي دفعني لان أقوم بعملية مسح لأعداد السيارات الواقفة أمام المحطة, والتي امتدت من أمام مستشفى الزهراء وحتى مسافة قريبة من ملعب البيضاء الرياضي, فأحصيت ثلاثمائة وثمانية وعشرون سيارة, وهناك أمام محطة العبيدي والحرمين ومشعبه وغيرها من المحطات الأخرى أعداد تضاهي ذلك العدد.

السوق السوداء :
اختفاء المحروقات وانعدامها في ظل غياب التدخل الحكومي أو بالأصح في ظل الصمت والتواطؤ من قبل الأجهزة الأمنية التي أضاعت وقتها في التخبط لفض الاعتصامات الشبابية ونست مسؤوليتها في مكافحة التجارة المشبوهة, فتح الباب واسعاً أمام ظهور السوق السوداء التي لا تكتفي بالأرباح الخيالية بل تتعمد الغش من خلال خلط البترول أو الديزل بالماء والجاز.

أمام مطعم "السوادي" وعلى مسافة أمتار قليلة من إدارة أمن المحافظة حط تجار السوق السوداء رحالهم وأعلنوا عن بضاعتهم, ويأتي سائقو الشاحنات بكميات كبيرة من الديزل والبترول قيل انه يتم شراؤها لمعسكرات الحرس الجمهوري, وقيل من مالكي المحطات الذين يتعمدون إخفائه في كثير من الأوقات.

وعلى غرار البيت الشعري " إذا لم تكن إلا الأسنة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها " يلجأ الناس إلى شراء المواد النفطية من السوق السوداء بأسعار خيالية تصل إلى 12000 للدبة الديزل سعة 20 لتراً, ولكن سرعان ما يكتشف الكثير بأنه سرعان ما تتعطل سياراتهم نتيجة تقطع في دفع الديزل أو البترول , والسر يكمن في كميات الماء المضافة والتي تقف وراء ذلك, ويصبح السائق المسكين بين خسارتين خسارة الشراء بسعر مرتفع وخسارة الأضرار الناجمة عن الغش.

علي البيضاني قال إن سيارته توقفت بعد استخدامه لدبة بترول اشتراها من السوق السوداء ولم يكن يعلم أنها مغشوشة, وحال محمد هو حال غالبية مالكي السيارات الذين دفعتهم الحاجة إلى شراء البترول, فوقعوا في شرك باعة سيطر على قلوبهم حب الجشع ولذة الطمع المزيفة, ومات لديهم باعث الحياء.
 ويضيف محمد أن هؤلاء ليس لهم من الإسلام إلا الاسم, فالمسلم الحقيقي لا يغش أخيه ولا يخدعه ومن " غشنا ليس منا ".

صرخات علي لا تلقى آذاناً صاغية لا من قبل تجار الأزمات ولا من قبل السلطات المعنية, وهي أشبه ما تكون بصيحة في واد أو نفخة في رماد.. ويؤكد الكثير من الشباب بأنه مهما اشتدت الأزمة التي قالوا إنها مفتعلة من قبل أبناء صالح وأبناء أخيه فإنهم صامدون في مواجهة كل الاحتمالات حتى يتحقق هدفهم المنشود وأملهم المفقود في إقامة دولة مدنية أركانها العدل والمساواة على أساس الدستور والقانون.

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد