تتجه الأحداث في الجنوب لتشكل خارطة صراع لتكوينات ومكونات الماضي ولهدف اجترار الماضي وهو السيطرة على الجنوب وفرض شرعيته لتمثيل الجنوب في رسم خارطة اليمن الجديد بعد ثورة الشباب وسقوط الرئيس السابق صالح.. ترتفع أصوات حشود الحراك الجنوبي المنادية بأن البيض هو الرئيس الشرعي للجنوب والممثل لذلك..
والظاهر في تشكل وإشعال الاحتجاجات في الجنوب المطالبة باستعادة الدولة وتحرير الجنوب من الاستعمار الشمالي تارة واليمني تارة.. والكل يدعي أن تلك هي مطالب شعب الجنوب غير أن الواقع ووفقاً لمقتضيات ومعطيات الواقع تؤكد بأن الجنوب بات مسرحاً لصراع مراكز قوى ماضوية تعمل على بسط سيطرتها وإثبات شرعيتها لتمثيل الجنوب وذلك لاكتساب شرعية التمثيل نيابة عن الجنوب مع ما يعتبروه الشمال لتحديد معالم المستقبل..
وبالرغم من أن المتصارعين يرفعون يا فطات تدعو لاستعادة دولة الجنوب وإن بمسميات مختلفة ـ إلا أنها أي تلك المكونات ـ تدرك أن هذا المطلب لن يجد على أرض الواقع له مكان ـ وأن محورية المزايدة في رفع مثل هذا الشعار ينحصر في دائرة الصراع الدائر على تمثيل الجنوب في الحوار الوطني وفي تحديد شكل الدولة وطبيعة الشراكة التي ستتم بين الشمال والجنوب وفقاً لما هو معمول الآن برعاية المجتمع الدولي.
أقطاب الصراع التي تجتر نفسها من خارطة الصراع الماضوي هي نفسها اليوم، فالرئيس هادي الذي يتربع على كرسي السلطة في اليمن بات يشعر أنه المستهدف الأبرز جراء تصاعد أحداث الحراك الجنوبي المتشكل في تكوينات مختلفة أبرزها تيار الحراك التابع لعلي سالم البيض.. وكذلك تيارات أخرى تفرعت من تحت عباءة الحزب الاشتراكي مثل تيار العطاس وباعوم.
ويؤكد دبلوماسيون أجانب أن الأحداث الدائرة في الجنوب وإن كانت تحمل طبيعة مظالم تعرض لها الجنوبيون غير أن تأصيلها السياسي لا تخرج عن الساعي للسيطرة على الجنوب.. ويؤكد الدبلوماسيون بأن التوصيف الذي يمكن إسقاطه على الأحداث اليومية في المحافظات الجنوبية بأنه (صراع جنوبي جنوبي).
فالبيض يسعى إلى إسقاط شرعية الرئيس هادي في تمثيل الجنوب والتي على أساسها كان شريكاً في السلطة ومن خلالها أصبح اليوم رئيساً لليمن.. تيارات أخرى تسعى إلى فرض وجودها وانتزاع الاعتراف بها بالقوة.. وأخرى تعمل على تعطيل مسار الحياة السياسية.. الحزب الاشتراكي صاحب التاريخ الأكثر حضوراً يرقب من برج عالٍ لمسار ذلك الصراع في الجنوب.. في حين يخوضه ببسالة في ساحات الحوار في الشمال.. ويبدو أن سياسة الحزب هذه بدأت تمكنه من قطف ثمار تطالاً طويل لنشطاء الحراك الجنوبي.. بالشراكة مع الرئيس هادي..
ويعتقد المراقبون بأنه في حال تمكن الرئيس هادي والحزب الاشتراكي من بناء تحالف جسور لتمثيل الجنوب فإن نهاية المشهد لما يدور في المحافظات الجنوبية ستكون قريبة ويسدل الستار في فصله الأخير وبغض النظر عن الوجود القوي لقوى أخرى مثل الإصلاح وأحزاب أخرى إلا أنها بحاجة إلى خطوة جادة من الرئيس هادي والحزب الاشتراكي لرسم الملامح الطبيعية للأحداث في الجنوب والخروج برؤية موحدة تحقق مبدأ المواطنة المتساوية والشراكة الحقيقية في السلطة مع الشمال ما يحدث اليوم من استعراض لحشود كبيرة مختلفة لا يمكن أن تخرج عن كونها استعراض القوى المتصارعة في الجنوب لعضلات قواها ووسائل متبادلة فيما بينها..
أهمها تلك التي أرسلها البيض وحلفاؤه من خلف الستار في الجنوب للرئيس هادي من خلال تلك الحشود بأننا نحن من نمثل الجنوب وليس أنت.
حال علي سالم من خلال الصور المرفوعة له في ساعة العروض والتي ترفعها الحشود من أنصاره في الحراك والأعمال المسلحة التي تنفذها مجموعات تابعة له من تلك الأعمال تبعث برسالة تقول فيها بأن الشرعية في تمثيل الجنوب هي للرئيس الجنوبي علي سالم وأن علي سالم هو من يجب أن يتربع على كرسي رئاسة اليمن.. وليس الرئيس/عبد ربه منصور هادي.
رسالة اليوم هي موجهة للرئيس هادي بامتياز وليس لغيره ورسالة اليوم من الحراك الجنوبي هي موجهة لجميع القوى الجنوبية المتحالفة مع الرئيس هادي.
وهو وحده من يمتلك القدرة اليوم على المواجهة وبعيداً عن العنف ـ ولتكن المواجهة في دائرة أوراق السياسية..
إلى ذلك أكدت مصادر مقربة من اللجنة التحضيرية في مهرجان 27أبريل- الذي تحييه مكونات الحراك الجنوبي عصر اليوم السبت في ساحة العروض- أن تيار علي سالم البيض المدعوم من إيران يسعى لإفشال المهرجان بذريعة رفع صوره.
وكشفت المصادر لـ "أخبار اليوم" أن مجموعة من تيار حراك البيض في الحراك الجنوبي قدمت مساء أمس الجمعة إلى ساحة العروض وتساءلت عن الصور التي سيتم رفعها في إحياء الفعالية وتم المصادقة عليها من قبل اللجنة التحضيرية انه سيتم رفع صور شهداء الحراك إلا أن أنصار البيض طرحوا على اللجنة التحضيرية ضرورة رفع صور علي سالم البيض في المهرجان إلا أن اللجنة شددت على أنصار البيض بعدم رفع أي صور لأي من قيادات الحراك سواء القيادات في الخارج أو المتواجدة داخل البلاد, مؤكدة بأن هذه الفعالية مست الجنوب بشكل عام ولم تمس أشخاصاً بعينهم لذا من الأولى- بحسب اللجنة التحضيرية ـ أن ترفع صور الحراك الجنوبي الذين ضحوا في دمائهم الزكية من أجل تحرير واستقلال الجنوب وليس الزعامات التي ستتربع على قصور عاجية..
وفي ذات السياق أكدت مصادر في الحراك الجنوبي أنه في حالة أصر عناصر البيض على رفع صور في المهرجان فإن الفعالية ستوجد خلافات قد تساهم في توسع دائرة الخلاف في أوساط مكونات الحراك, خاصة وأن هناك شبه إجماع في أوساط مكونات الحراك الجنوبي بأن التيار الذي يقوده البيض يعمد دائماً على توسيع الهوة بين مكونات الحراك الجنوبي, مشيراً إلى أن ذلك يتضح من خلال مسألة العصيان المدني. وذكرت المصادر أن تيار البيض كان أول الرافضين لإحياء ذكرى27 أبريل يوم قرار اجتياح الجنوب ـ بحسب ما تعتبره مكونات الحراك ـ إلا أن إجماع بقية مكونات الحراك والتفاهم حول مؤسس نواة الحراك الجنوبي العميد/ناصر النوبة، أجبر تيار البيض على المشاركة في المهرجان.
إلى ذلك دعا العميد ناصر النوبة مؤسس نواة الحراك الجنوبي "جمعية المتقاعدين العسكريين", دعا إلى عدم رفع أي من صور قيادات الحراك الجنوبي سواء في الداخل أو الخارج, مشدداً على رفع صور شهداء الجنوب فقط.