لم يتحدث السفير الأميركي عن الذين سقطوا شهداء في مسيرة الحياة ولم يدين الاستخدام المفرط على مسيرة شبابية سلمية، لكنه قال مستفزاً كل ساحات التغيير والملايين من أبناء الوطن: (إن المسيرة الراجلة ليست سلمية ووصولها صنعاء بهدف الفوضى).
هكذا يفاجئ الشارع اليمني كله بحكم قاسٍ لا يليق بمكانة دولة عظمى تراهن على التغيير من أجل عالم أفضل وتقود تحولات كبرى نحو العولمة من خلال التأكيد على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحرية الرأي وحرية التظاهر التي مسها بشكل مباشر سعادة السفير الأميركي بما يعني أن ثمة قمعاً بأسلوب جديد يمارس في حق جماهير تحلم بالحرية وتنادي بالسلام وترفض الإرهاب والاستبداد، وهو أمر يعرفه جيداً سعادة السفير ولا يحتاج إلى كبير عناء لاكتشافه، فالمسيرة قطعت 250ك م راجلة ويعتدى عليها دونما سبب وقدمت طوال هذه الرحلة أنموذجاً رائعاً لمعنى المثابرة والإصرار من أجل السلام، ولم تقطع شجرة أو تخدش زجاجاً واحداً.. فأين ما أطلق عليه السفير بأنها لم تكن سلمية؟ وماذا تعني السلمية من وجهة نظره إن لم تكن تعبيراً منتظماً لإنسان يحتج على الفساد والطغيان؟.
الواقع أن التصريح قد استغلته قوى في النظام وتعاملت معه بطريقة تشجع على العنف كما نظر إليه البلاطجة بأنه مؤشر مهم للنيل من المسيرات وحق التظاهرات، وهنا نعتب على سعادة السفير الذي أخذ تصريحه ضد المسيرة الراجلة بأنه تدشين مرحلة جديدة للنظام في استخدام السلاح لمواجهة أصحاب الصدور العارية، بل إن جزءا من النظام اعتبره تشجيعاً له كي يتنصل من المبادرة تحت ذريعة أن المسيرات ليست سلمية بشهادة السفير الأميركي.
لقد تعاملت قوى النظام مع هذا التصريح بطريقة لا تخلو من ارتكاب حماقات في قادم الأيام، وهو ما تخشاه اليوم الملايين في ساحات التغيير وتدرك مدى خطورة هذا الرأي على واقع قابل للانفجار ويشجع أي تعامل سلبي مع المسيرات على ارتكاب أخطاء قد تعصف بأمن واستقرار اليمن، وهو ما يدعو سعادة السفير أن يوضح قصديته حتى لا يسيء فهمها من ينتهكون حقوق وحريات الإنسان يومياً، ولاشك أن دولة عظمى بحجم أميركا تتجلى فيها أروع قيم الديمقراطية لا يمكن أبداً أن يجيء منها من يهاجم طلاب حق وحرية ومكافحة إرهاب، ويمضون في احتجاجاتهم بصدور عارية، ولا يمكن الانحياز إلى الطغاة مهما كان الأمر سيما وأن المسيرة يتحدث عنها كل المراقبين الدوليين بإعجاب شديد، ويرونها صموداً نادراً في مواجهة الظلم، بل إن منهم من ذرف الدموع إشفاقاً على شباب أرهقهم عناء السفر من أجل الحب والسلام.
الأولى لسعادة السفير أن ينظر بعين الإجلال لهذه التجربة المتميزة وأن يتعاطف مع الحق،ويناصر الحريات وأن لا يقدم ذريعة لنظام القمع بأن يواصل القتل والتشريد والسجون.
وننوه هنا أننا كنا نريد من سعادة السفير أن يدين الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام وأن يدين الخطف وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، والمسيرة بالتأكيد لم تفعل ذلك بل النظام بآلات قمعه ارتكب المجازر كلها وهو من يمتلك السجون ويمارس العنف والارهاب.
لذلك كان تصريح سعادة السفير استفزازاً للملايين الذي خيب ظنهم في أميركا، البلد الذي يقول إنه يحمي الحريات ويناصر حقوق الإنسان، فهل كان تصريح سعادة السفير عن المسيرة الراجلة أنها لإثارة الفوضى؟، هل كان هذا التصريح يصب في مصلحة حقوق وحريات الإنسان؟؟نرجو من سعادته الإجابة حتى لا يفهم بلاطجة النظام أنه مباركة لهم في استعمال العنف والمزيد من إراقة الدم.