لم تكن الخطوة التي أقدم عليها محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي مستغربة تجاه المنطقة العسكرية الأولى، لأن تعيينه في هذا المنصب وانتماءه السياسي لفرع ابوظبي من المؤتمر الشعبي العام يمثلان خلفية محفزة لهذا النوع من المواقف دون الوطنية.
ودعونا أولاً نقف عند اسم الرجل "مبخوت" ففي اليمن يتكرر هذا الاسم بكثرة ويعتبر اسماً رائجاً في النطاق العشائري البدوي الذي ينتمي إليه المحافظ والممتد من المهرة حتى الجوف مما يشير تحديداً إلى الوحدة الاجتماعية المتشابهة في العادات والتقاليد واللهجة والانتماء التاريخي الأصيل.
وهذه الحقيقة تُسفه إلى حد كبير أطروحات المحافظ المناطقية المستحدثة والتي أُمليت عليه في أبو ظبي، ليبدو الموقف من المنطقة العسكرية الأولى محكوماً بهذه النظرة التي تصنف منتسبي هذه المنطقة على أنهم يمنيون دخلاء على واحة حضرموت الوارفة والزاخرة بالخيرات!، علاوة على أنها العقبة المتبقية أمام استكمال السيطرة على جنوب اليمن المرشح للانفصال بقوات جنوبية خالصة.
انه تصميما ماكرا من قبل دولتي التحالف المتشاكستين، وهو الذي تسبب في هذه الإشكالية المستحدثة ورشحها لأن تكون سبباً في معركة يغذيها المشروع الانفصالي الجنوبي.
وضمن مهمة استهداف قوات المنطقة العسكرية الأولى يتعمد هؤلاء تغذية خطاب الكراهية الذي ينتقص من قيمة القوات العسكرية في وادي حضرموت وعجزها عن خوض المعركة المستحقة مع الحوثيين في شمال اليمن، وتحميلها وزر التخادم مع الجماعة الانقلابية في صنعاء، ليبدو ذلك مبرراً لكل الإجراءات المتخذة ضدها.
وهنا أتساءل لماذا تصر أبو طبي والرياض على تكرار سيناريو شبوة المكشوف والمفضوح في حضرموت؟ أي أن المحافظ المعين من قبلهم هو من يتولى التغطية على معركة استهداف ما تبقى من أدوات الدولة اليمنية، وفي الآن نفسه يتم تجهيز الغطاء السياسي والإعلامي الذي تتحول بموجبه قوات بأجندة انفصالية شرعية وقانونية في مقابل القوات الحكومية التي تتحول بقدرة قادر الى قوات متمردة، وكل ذلك للأسف يتم تحت أنظار مجلس القيادة الرئاسي.
كل شيء يبدو جلياً، فالمخطط يستهدف خنق مأرب وإغلاق المنفذ الوحيد لإمداد القوات المدافعة عن أكبر كتلة سكانية في مناطق سيطرة الشرعية، ووضع المزيد من التحديات التي تعطل قدرة المدافعين عن مأرب وتقوي فرص أعدائهم، وهنا يبدو محافظ حضرموت سواء أدرك ذلك أم لم يدرك جزءًا من مخطط تضييق الخناق على مأرب والمدافعين عنها.
ان التحركات الطائشة والعدائية ضد قوات حكومية تخضع لأوامر وزارة الدفاع، خطيرة للغاية وتهدف إلى وضع الأفاعي السامة في الفناء الخلفي لمأرب، وإطلاق الكلاب المسعورة في الشريان الحيوي الموصل إلى جبهة مأرب، وهو دعم ضمني بل ومباشر لجماعة الحوثي التي تُتهم قوات المنطقة العسكرية الأولى بالتقاعس عن مقاتلتها.
وأخيراً ينبغي الإشارة إلى أن حضرموت تقع ضمن الاهتمام الجيوسياسي للرياض، وهذه الأخيرة تمتلك تأثيراً قوياً على نخب حضرموت المؤثرة، ولذلك لا تبدو تصريحات محافظ حضرموت منفلتة عن عقال الرياض.
مع العلم بان أبو ظبي هي الأخرى تتصرف ضمن حصة ليست هينة لها في هذه المحافظة الأكبر من حيث المساحة، متكئة على الأدوات العسكرية التي جلبتها من المثلث الجنوبي الغربي لليمن، وعلى التركة السياسية السائبة لجمهورية اليمن الديمقراطية، والتي تعاني من علاقة موتورة وعدائية حتى اليوم مع مجتمع حضرموت الأصيل والمحافظ.
ويجب أن نفهم بأن هناك بون شايع قد تشكل خلال العقود الماضية بين حضارم الشتات وبين من يتحكمون بالمحافظة من الداخل وهم محصلة تربية سياسية يسارية، مضاف إليهم الكادر الأمني الذي كان جزءًا من منظومة صالح السلطوية. وهذا قد يكون أرضية مناسبة لتنافس سعودي إماراتي على النفوذ في هذه المحافظة، يستمد انسجامه اليوم من استحقاق التصفية الممنهجة للدولة اليمنية الموحدة.