بدأ الحراك في المحافظات الجنوبية يتجه نحو منعطفات هامة من شأنها التأثير على تكويناته المتعددة، التي برزت خلال السنوات الماضية بأشكال وعناوين مختلفة، غير أنها حافظت على البقاء مصطفة خلف التمسك بشعار التصالح والتسامح لتتجاوز مخلفات الصراع في الماضي..
ويرى المتابعون لشؤون الحراك في المحافظات الجنوبية أنه قد مر بمراحل متعددة صاحبت مسيرته الناشئة ككيان عام يحوي تحت معطفه فصائل متنوعة للحراك، خاض خلالها صراعات مع خصومه كان يختار عناوينها ومعاركها.
ويبدو أن الحراك اليوم وهو في مواجهة مباشرة مع ما يعتبره الخصم الاستراتيجي، لم يستطع أن يعد له عدته بصورة متكاملة لخوض هذه المعركة التي بدت تدور رحاها في إطارها السلمي حينا وإطارها المسلح حينا آخر، حيث وجد نفسه حين دنت حتمية المواجهة لتحقيق أهداف هذا الكيان المشتتة بين تشعبات متناثرة.. في مأزق حقيقي، خاصة وأن صفوفه بدت اليوم مفككة غير متراصة، بالرغم من زخم وواقعية قضاياها الحقوقية والسياسية الخالية من الشطحات العدمية من خلال التمسك بمطلب فك الارتباط.
ويرى المتابعون أن الكيانات المتعددة في الحراك والتي بدا عليها خلال السنوات الماضية نوعاً من الاصطفاف في التنشئة اثناء خوضها لمعاركها البدائية التي ظنت انها تجاوزتها من خلال اعتقادها أنها اليوم تمسك بزمام اللعبة في الجنوب، في ساعة غفلة وغيبوبة ظنت أنها تجاوزت الحزب الاشتراكي من خلال اصطفاف وهمي كان للسلطة فيه باع مؤثر.
وإذا كان الحزب قد مثل لكيانه التاريخي النضالي المجسد لوحدة الجنوب جغرافياً واجتماعياً، فإنه كان يمثل بالنسبة للحراك وكياناته هدفاً لابد من تجاوزه.. ولذلك وجد الحزب نفسه أمام متغيرات في غاية الأهمية لها تأثيراتها على هوية الوطن السياسية والطبغرافية، وبات أمامه تحدٍ آخر كان الأكثر تأثيراً في عضد الحزب وهي تحديات الإقصاء التي يتعرض لها من قبل السلطة الحاكمة على وتيرة متتابعة منذ حرب صيف 94م.
غير أن السلطة لم تدرك بأنها حين كانت تدفع بالحزب ليكون لقمة مستساغة لمكونات الحراك من خلال الدفع بعملية الطمس للهوية التاريخية لوحدة الجنوب المتمثلة في الحزب الاشتراكي ـ إنما كانت توقد حطباً على جمر خفيف لا يمكن لها على مدى المستقبل القريب تحمل لسعات نيرانه، وهو ما بدأ اليوم واضحاً من خلال المشهد اليومي المتكرر للقتل بالهوية سواء باتجاه جنود الجيش والأمن أو عمليات القتل التي تمارس باتجاه أبناء المحافظات الشمالية، فغباء السلطة وعدم استشعارها للمسؤولية التاريخية وتحملها مسؤولية الحفاظ على أهم مكسب تحقق في الجنوب منذ جلاء المستعمر وهو هويته الوطنية الموحدة المتجاوزة لبؤر و نتوءات المناطقية وبجميع أشكالها، غير أنها وجدت في تلك المساحة الحساسة ساحة لتقليب الجمر الذي بدأ الوطن اليوم يدفع ثمنه من قتل يومي لمواطنيه وأبناء قواته ، غير أن الأحداث اليوم بتطوراتها الخطيرة يبدو أنها مازالت تبشرنا بأنها حبلى بأحداث أكثر كارثية على وحدة الوطن وهويته التي بدت اليوم تشهد مرحلة الكفر بها بواحاً وممارسة، باعتبار الهوية الوطنية هي الهدف الذي يجب على مكونات الحراك إسقاطه للوصول إلى تحقيق مكتسبات تعتبرها هامة، وبذلك تجد السلطة نفسها أمام تحدٍ هي عاجزة عن مواجهته حتى وإن امتلكت أضعافاً مضاعفة لحجم قواتها المسلحة والأمن المتواجدة في الجنوب، فالمعركة التي تدار اليوم في ساحات مربعات الحراك هي معركة انتماء وهوية تاريخية، لم تصنع بقوة البنادق والمدافع والطائرات وإنما بالإرث التاريخي للهوية الوطنية وهو مالا تمتلكه السلطة في مواجهتها للحراك وهو ما يضع أحداث اليوم أمام منعطفات أكثر خطورة، سيكون لها تأثيرا مباشرا يدفع نحو ذبح الهوية الوطنية التاريخية لليمن الواحد ، بمعنى أن الهوية الجنوبية التاريخية الوطنية ستتبعثر إلى كانتونات جهوية وسلطنات وإمارات متعددة وستساعد بذلك على تشظي الشمال الذي بات هو الآخر لا يقل مأساوية عن الجنوب.
وهنا ومن خلال القراءة الواقعية لمجريات الأحداث، نجد أن حتمية الصراع هي معارك تدور رحاها حول اجتثاث الهوية التاريخية الوطنية للجنوب التي جسدها الحزب الاشتراكي من خلال تحمله لإرث ثورة "14 أكتوبر و26 سبتمبر" طوال فترات حكمه استطاع باقتداراجتثاث بؤر السلطنات الجهوية والمناطقية وبعيداً عن ما ارتكب من أخطاء في تاريخ الحزب غير أن ثمن تلك الأخطاء والتي لا أبرئ الحزب منها ولكن نؤكد أن نتائجها كانت في محصلتها النهائية تلاشي منابع الجهوية المناطقية والسلطنية ومن ثم تكوين الجنوب بهويته التاريخية لواحدية الثورة اليمنية، والتي من رحم مبادئها ولد الحزب ولتجسيدها حكم الحزب جنوب الوطن، غير أننا اليوم وأمام هذه الأحداث والمتغيرات التي تجوب الوطن من أقصاه إلى أقصاه يجب أن نسأل أنفسنا بأي هوية تحكم اليمن اليوم، فيما يبرز اليوم على أرض الواقع وما يصدر من سياسات عدمية وسوء تقدير والتي تعتبر الأخطر على مستقبل الهوية الوطنية اليمنية بشقيها الجغرافي والطبغرافي وهي قرار الحزب الحاكم المضي نحو الانتخابات البرلمانية القادمة منفرداً.. وهو إن تم بلا محالة ستتحول الانتخابات ليس فقط في الجنوب وإنما في الشمال أيضاً، وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها التمرد الحوثي.. من عملية انتخابية إلى عملية استفتاء يؤصل لسيناريو التشظي في الجنوب ويؤسس للهوية المذهبية في الشمال وبها تكون الهوية الوطنية اليمنية قد ذبحت من الوريد إلى الوريد...
فهل يدرك الجميع إلى أين يمضون بالوطن في خطى غير مسؤولة وغير وطنية؟... وهل يدرك الجميع اليوم أن الهوية التي تحكم اليمن هي الفوضى ـ التشظي ـ اللا إنتماء؟.
المحرر السياسي
الهوية الوطنية للجنوب .. في مواجهة كانتونات الحراك العدمية .. والسلطة العابثة بموروث واحدية الثورة اليمنية 3736