زمن يأتي وآخر يرحل وبينهما وطن تتقاذفه الأمواج المتلاطمة وتصدُّه عن الفرح الرياح الهُوْج، تريده حطاماً أو بعض حُطامٍ، مليئاً بالعبث والفوضى ورغبات الساسة الذين باتوا يتسامرون على مخطط إضافي، كيف يهزمون وطناً، ويتفقون على خديعةٍ ويتدثرون بعدئذٍ بغطاء النوم كأن هؤلاء الساسة قد أدمنوا البقاء في الوجع واستلاب الجماهير حقها في الحياة ليغدو كل شيء أمامها قابلاً للانهيار أو متصدعاً خائر القوى بعد أن عاينت هذا السياسي المتلاحق بكثير من الأزمات ورأت فيه ما يكدر صفو العيش ويخلق لديها في كل يوم طلعت شمسه حالة إحباط حتى أنها توشك على إعلان الفجيعة دفعة واحدة، فيما الأوصياء على الوطن بامتياز يقررون إضافة مصفوفة أخرى مليئة بالتحدي وصناعة الأزمات وصناعة الضياع، ضياع الوقت الذي كان يمكن استثماره في البناء والتحول وإتقان نشيد الفرح والانتماء إلى المستقبل، وضياع الإنسان الذي يتلاشى في زحمة الادّعاء الوطني الذي يتقنه أرباب السياسة وقادة التحولات الوطنية من مشتركٍ وحزبٍ حاكمٍ وضياع فرص الاستثمار وإطلاق الطاقات والقدرات وإنجاز حقيقي يرفع الوطن فوق السفاسف والكثير من الغامض الذي لا يفقه المواطن كُنهه سوى أنه مضيعة للوقت ومزيد من الإرهاق الذي يجر إرهاقاً..
زمن يمضي وآخر قادم وبينهما وطن ومواطن يعيشان اليومي المفزع بما ينتج عنه من تداعيات على المواطن الغلبان على أمره وقد وصل إلى حافة اليأس من أن يخرج الوطن إلى مساحة الحرية والحلم الجميل، لذلك يبقى فاغراً فاه يتابع ما تجود به القنوات الإخبارية والصحافة المجنونة من مسيرات ومظاهرات وقتلى وعراك وعصي وهتافات وزنازين وقوى في الداخل وأخرى في الخارج وارتهانات وخيانات ومكايدات من قوى ذات حضور يمتد إلى أبعد من حدود الوطن، يرقُب كل ذلك ويدعو الله أن يمضي اليوم على خير وهو في توجسٍ وخوف وأزمة فقر ونكد سياسية، فلا هذا المواطن وقع على وطن ولا الوطن تخلَّص من روزنامة المفاوضات والوساطات وتأجيل البنود حتى الاتفاق بعدئذٍ.. إلى آخر ما لا يمكن تصديقه من عراك سياسي يخرج فيه كل طرف وكأنه قد أنجز شيئاً للوطن والمستقبل، ولم يفعل غير المجُهِد المضني، والانتظار القابل لأن يكون مفتوحاً بلا حدود.. ويندهش المرء وهو يراقب كل هذا الاحتراف السياسي لحوارات بلا سقف، حوارات أفقها مفتوح ولا نهائي في حين أن الوطن يفر من بين الأصابع قابلاً – من هذا اللانهائي – للاحتراق تماماً أو للرجوع إلى حيث البدايات التشطيرية وما بعد التشطيرية فيما الساسة يظنون أنهم وطنيون جداً وفاتحو عصور العظمة..
ودعونا نقول هنا: إن الظن في هذا المنحى تحديداً هو الإثم كله، فليت الساسة يفقهون ما يمارسونه وتداعياته، ليتهم أرهفوا السمع لراكبي الباصات، والمواطنين في أسواق القات والميادين الواسعة والمزدحمة والمقايل وهي تعيش جميعها حالة هلعٍ قابلة لأن تؤسس انطلاقةً جهنمية لا يعرفها الساسة أبداً، لأنهم لا يدركون ما يعانيه المواطن المغلوب على أمره من ذعر وجوع وقلة حِيلة ولأنهم أيضاً في جغرافيا الحوار الفانتازيا، الحوار بلا ذاكرة وطنية، حوار قابل للتأرجح والزيادة والنقصان وجس النبض واختبار الأعصاب، قد نسوا تماماً ما يجب عليهم عمله من أجل البقاء في ذات الانتصار للثورة والوحدة وذهبوا إلى التحدي وصياغة البيانات المليئة بكثير من التهديد والوعيد وأشياء أخرى لنِجدَ أننا أمام الفزع وجهاً لوجه والكلمات المملة التي هدّها كل هذا التحدي وإشعال فتيل الفتن فلا نرى غير أزمة تتلاشى وأخرى تبدأ وخطاب يهادن وآخر يُفجّر.. لعبة شد حبل لا طائل من ورائها ولا مكسب سوى أن القوى المعادية تقدر أن تُنجز ما كانت تراه عصياً ذات زمن، وفي ظل هذه العنتريات تغدو كل الاحتمالات مفتوحة، ويبقى في المحصلة أننا أمام وطن يتعثَّر في خطوه ويكاد أن يقع لأن ثمة سياسة تقدم الأزمات على شكل جُرع، فلا يكاد المواطن يمتص واحدةً منها حتى تلوح في الأفق الأخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية، وطن يصحو على المرارة والتعب حتى لكأن تحيتنا تبدأ يومها: صباح المرارات.. يا صباح التعب..!